أسدل الستار، مساء أمس الجمعة، على دور المجموعات لمونديال قطر، الذي يقام للمرة الأولى في دولة عربية ومسلمة، وتستمر منافساته حتى 18 ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، دور أول حمل معه العديد من المفاجآت التي لم تكن تخطر ببال أي متابع لكرة القدم.
دور أول مجنون، ففيه سقط أباطرة كرة القدم بالضربة القاضية على يد منتخبات كانت إلى وقت قريب تصنف ضمن الخانة الثالثة والرابعة وفيها الخامسة أيضًا، ما جعل لمونديال قطر نكهة خاصة، فهو بامتياز نسخة المفاجآت.
مفاجآت كروية يمكن أن تكون شارة انطلاق تغييرات كبيرة في خريطة كرة القدم العالمية، خاصة مع تعمد العديد من المنتخبات استغلال الكرة للترويج لقضايا ومسائل لا علاقة لها بالرياضة، مستغلة زخمها الشعبي والمتابعة الجماهيرية الكبيرة لها.
حصيلة الدور الأول
تعرف متابعو كرة القدم على الفرق الـ16 التي صعدت للدور الثاني من المونديال، وتتصدر قارة أوروبا قائمة المنتخبات المتأهلة للدور ثمن النهائي، وذلك بصعود 8 منتخبات من القارة العجوز من أصل 16 وهي: إسبانيا وسويسرا وكرواتيا وبولندا والبرتغال وهولندا وإنجلترا وفرنسا.
أما قارة آسيا فيمثلها 3 منتخبات في هذا الدور وهي: اليابان وأستراليا بالإضافة إلى كوريا الجنوبية آخر المتأهلين أمس الجمعة، فيما تساوت إفريقيا وأمريكا الجنوبية في عدد المتأهلين، بعد صعود منتخبين من كل قارة، فتأهل المنتخبان المغربي والسنغالي من القارة السمراء، مقابل العملاقين البرازيل والأرجنتين من أمريكا الجنوبية، في المقابل، كانت أمريكا الشمالية الأقل حضورًا في دور الـ16، وذلك بتأهل المنتخب الأمريكي فقط.
كرة القدم تلعب خلال 90 دقيقة داخل الميدان، وما الأسماء والنجوم إلا حافزًا لتألق بعض الفرق وفي كثير من الأحيان أصبحت عبئًا عليها
قائمة أكثر المنتخبات تسجيلًا للأهداف تصدرها منتخب إنجلترا مناصفة مع إسبانيا برصيد 9 أهداف لكل منهما، فيما تساوت 6 منتخبات كأقوى خط دفاع باستقبالها لهدف واحد، وهي: البرازيل والمغرب وهولندا وأمريكا وتونس وكرواتيا.
من المنتظر أن ينطلق اليوم السبت دور الـ16 الذي أسفر عن مواجهات قوية، فتلتقي منتخبات هولندا مع أمريكا والأرجنتين مع أستراليا وإنجلترا مع السنغال وفرنسا مع بولندا والمغرب مع إسبانيا واليابان مع كرواتيا والبرازيل مع كوريا الجنوبية والبرتغال مع سويسرا.
سقوط الكبار
حملت النسخة الحاليّة من المونديال العديد من المفاجآت والنتائج التاريخية، وكانت البداية بتحقيق منتخب السعودية الفوز الأول لقارة آسيا على حساب المنتخب الأرجنتيني أحد المرشحين للتتويج باللقب (2-1)، في 90 دقيقة استثنائية بإستاد لوسيل.
هذا الانتصار فتح الطريق أمام مفاجآت أخرى، فقد حقق المنتخب الياباني الفوز الأول لآسيا على منتخب ألمانيا المتوج باللقب 4 مرات (2-1)، ما جعله يدخل في دوامة من الشك والهيستيريا، فقد دخل الألمان للمونديال مرشحين بقوة للظفر باللقب، كما فازت اليابان أيضًا على منتخب إسبانيا بطل العالم سنة 2010.
تواصلت المفاجآت بتحقيق المنتخب المغربي فوزًا مستحقًا على حساب نظيره البلجيكي المصنف الثالث عالميًا بهدفين دون رد، ورد أسود الأطلس بذلك اعتبارهم من الخسارة أمام بلجيكا تحديدًا، في مونديال الولايات المتحدة الأمريكية 1994.
مبروك لمنتخب #تونس ??الفوز التاريخي على منتخب فرنسا بالرغم من خروج الفريق من دور المجموعات.
ان اكبر مكاسب مونديال 2022 للدول الصاعده كرويا هو انكسار حاجز نفسي مهم امام اكبر نجوم اللعبه في العالم ومنتخباتها ، ولازال هناك بقيه???#تونس_فرنسا pic.twitter.com/HIDhFvJnLF
— #وليد_الفراج (@waleedalfarraj) November 30, 2022
ثالث المفاجآت كانت مع منتخب تونس، إذ حقق نسور قرطاج أول فوز عربي على حساب فرنسا، بطلة العالم في الجولة الأخيرة للمجموعة الرابعة من مونديال قطر بهدف نجم تونس وهبي الخزري في الدقيقة 58 من المباراة، لكن الرياح لم تسر بما يشتهيه أبناء المدرب جلال القادري بعد أن هزم الكنغر الأسترالي الدانمارك بهدف ماتيو ليكي، ورافقت أستراليا فرنسا للدور الثاني.
آخر مفاجآت الدور الأول، كانت فوز المنتخب الكاميروني التاريخي على البرازيل، وأهدت بذلك الأسود غير المروضة الفوز الأول للأفارقة على منتخب السيليساو، وجاء الانتصار بضربة رأسية رائعة من فينسنت أبو بكر في الدقيقة 93 من زمن المباراة.
• منتخب السعودية ?? فاز على المصنف الثالث عالميا.
• منتخب المغرب ?? فاز على المصنف الثاني عالميا. pic.twitter.com/hBVLGlpeCC
— Screen Mix (@ScreenMix) November 27, 2022
المفاجآت لم تكن على صعيد النتائج فقط، إنما أيضًا فيما يتعلق بالمنتخبات الكبرى التي ودعت المونديال مبكرًا رغم قدومها إلى قطر للمنافسة على اللقب، على غرار ألمانيا وبلجيكا، كما انسحبت بعض المنتخبات التي كان يمكنها أن تلعب دورًا في تحديد الفرق المتأهلة إلى الأدوار النهائية مثل: الدنمارك والمكسيك وأوروغواي.
المونديال لم يعد يعترف بالأسماء والنجوم
تؤكد النتائج المسجلة في الدور الأول للمونديال أن “كرة قدم المنتخبات لم تعد تعترف بالأسماء والنجوم والهيبة والتاريخ”، وفق الإعلامي التونسي المختص في الشأن الرياضي زياد عطية، الذي أكد أن “كرة قدم المنتخبات هي ما يقدم على أرض الملعب”.
يضيف عطية في حديثه لنون بوست “منتخب اليابان كتب واحدةً من أغرب قصص كأس العالم، فهزم إسبانيا وخطف الصدارة من الأخيرة، وبعث منتخب الألوان من الشباك الضيق وقال لهم: شكرا لكم على بضاعة اللاعبين، وبالإمكان قضاء إجازة سعيدة”.
على الفيفا أن تعيد النظر في عدد الدول المشاركة في مسابقات كأس العالم بالنسبة لكل القارات
يؤكد هذا الأمر وفق محدثنا أن كرة القدم تلعب خلال 90 دقيقة داخل الميدان، وما الأسماء والنجوم إلا حافزًا لتألق بعض الفرق وفي كثير من الأحيان أصبحت عبئًا عليها وسببًا لخسارتها بسبب فرضها توجهاتها على المدربين.
لم تشفع مشاركة ميسي لمنتخب الأرجنتين ولم تشفع مشاركة كريستيانو رونالدو للبرتغال، فكلاهما خسر أمام منتخبات ضعيفة إلى حد ما مقارنة بالمنتخبين الأرجنتيني والبرتغالي، حتى إن البعض شكك في مردود النجوم في المنتخبات مقارنة بفرقهم.
تغييرات قادمة في خريطة الكرة
يؤكد عطية في حديثه لنون بوست أن “سقوط أباطرة كرة القدم في قطر أمام منتخبات الصف الثالث والرابع مؤشر أولي على أن خريطة كرة قدم المنتخبات قابلة للتغيير مستقبلًا مع مشاريع وتجارب آسيا الصاعدة التي تضع نفسها رائدة مع حلول 2050”.
وأشار محدثنا إلى أن منتخب اليابان لديه مشروع رياضي هدفه التتويج بكأس العالم بحلول عام 2050، وهو مشروع طموح ولليابانيين الحق في ذلك، خاصة أنهم بدأوا العمل على تحقيق ذلك، رغم أنهم لم يهتموا في الماضي بكرة القدم.
في نفس السياق، أصرّ زياد عطية على أن “منتخب أمريكا قادر على إحداث المفاجأة في مونديال قطر وأن يكون الحصان الأسود للنسخة الحاليّة لكأس العالم، فهو منتخب قوي وبدأ في إعداد مشروع مونديال 2026، ويمتلك لاعبين بجودة عالية، ولديه “مايسترو” اسمه بوليسيتش، القلب النابض لمنتخب أمريكا”.
الاحتفالات الكورية بالتأهل ????#كأس_العالم_FIFA pic.twitter.com/F3r2V3r3OT
— كأس العالم FIFA ? (@fifaworldcup_ar) December 3, 2022
نفس الشيء بالنسبة إلى منتخب المغرب “الذي يجب عليه أن يستثمر في الإلهام الكروي الجاري في كأس العالم لتحقيق إنجاز عربي غير مسبوق، وأن يكون عند اللحظة بأسلحة الجودة والهدوء والعقلانية والحذر المتقن، فهو يمتلك الأدوات اللازمة لإسقاط إمبراطورية إسبانيا الكروية”.
يؤكد مونديال قطر أن على الفيفا إعادة النظر في عدد الدول المشاركة في مسابقات كأس العالم بالنسبة لكل القارات، فلا يُعقل أن يسند العدد الأكبر للأوروبيين والحال أن الكرة الإفريقية والآسيوية حققت تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة.
على الفيفا أن تفكر جديًا في هذه المسألة، لتطوير الكرة العالمية ومنح الفرصة لمنتخبات أثبتت قوتها وجدارتها للمشاركة في كأس العالم، حتى لا تبقى المسابقة الكروية الكبرى حكرًا على منتخبات بعينها ويتم حرمان أخرى.