ترجمة وتحرير: نون بوست
قبيلة هوساوي في السعودية
ينحدر سكان شبه الجزيرة العربية إلى حد كبير من القبائل البدوية التي تعيش في المنطقة منذ آلاف السنين، ولكن ما لا يعرفه الكثيرون أن المنطقة اجتذبت منذ فترة طويلة المهاجرين من جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما في ذلك المجتمعات المسلمة في أقصى الغرب مثل حوض النيجر.
سادا مالومفاشي هو ممثل ومخرج أفلام من مدينة كادونا شمال نيجيريا، كما أنه متخصص في ثقافة وتاريخ الهوسا، بما في ذلك الهوسا الموجودين في الشتات في العالم العربي، الذين هم محور فيلمه الوثائقي “هوساوي”، وهو ما يعني الهوسا باللغة العربية.
يبلغ عدد الهوسا أكثر من 50 مليون، وتنتشر هذه المجموعة العرقية المسلمة إلى حد كبير في غرب إفريقيا في عدد من البلدان، ولكن وجودها الرئيسي في نيجيريا والنيجر.
وفي حين أن عدد الهوسا في المملكة العربية السعودية الحديثة صغير نسبيا، فإن قصة أصلهم تقدم لمحة عن حلقة مهمة في تاريخ المجموعة، وهي ردود فعل مسلمي غرب إفريقيا على الاستعمار البريطاني.
في عمر التاسعة والعشرين؛ كوَّن مالومفاشي بالفعل قدراته الفكرية على أساس ثقافة الهوسا وتراثها، وهو مدير مهرجان الهوسا الدولي للكتاب والفنون، والذي تم افتتاحه العام الماضي حول موضوع “المساحات”؛ وهو كلمة تعني استكشاف “أصول الفضاءات الأدبية في الهوسا” و”مفاهيمها عن الجنس والهوية والثقافة والسياسة”.
سادا مالومفاشي (وسط) يلتقي أحفاد الهوسا الذين انتقلوا إلى المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر.
منذ ذلك الحين واصل مالومفاشي العمل على الحفاظ على التاريخ الواسع والغني للهوسا؛ حيث يقول في تصريحات لموقع “ميدل إيست آي”: “قرأت الأدب المكتوب في الهوسا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين؛ والتي كانت أول مجموعة من الروايات المنشورة في نيجيريا”؛ مضيفًا: “كان والدي أستاذا للتاريخ الأدبي في الهوسا، لذلك بطبيعة الحال كانت هذه هي القصص التي كنت محاطًا بها، وهي التي وجهتني للطريقة التي أفعل بها الأشياء الآن”.
الإمبراطورية البريطانية و”الهجرة”
في أيار/مايو 2022؛ كان مالومفاشي واحدًا من عشرات الفنانين العالميين الذين فازوا بمكان في برنامج إقامة البلد للفنون في المملكة العربية السعودية، والتي نظمتها وزارة الثقافة في البلاد.
ويقول مالومافشي: “كانت المرة الأولى التي أذهب فيها إلى المملكة العربية السعودية؛ حيث كان التصور الذي كونته عن البلاد من الحجاج الذين زاروا مكة المكرمة والمدينة المنورة بشكل رئيسي”.
وخلال هذه الزيارة التقى لأول مرة بمواطنين سعوديين ليسوا من أصل عربي؛ حيث يقول لـ”ميدل إيست آي”: “خلال إقامتي في المملكة العربية السعودية، كنت مهتمًا بفهم الهوسا في الشتات الذين كانوا هناك منذ قرون، وأردت أن أعرف أصل ذلك”، متابعًا: “لم أكن أعرف كيف سيتخذ هذا البحث شكله، لكنني اعتقدت أن الفيلم الوثائقي سيكون فكرة جيدة”.
واستمر مالومافشي قائلًا: “علمت أن [المملكة العربية السعودية] لا تقتصر على الأماكن المقدسة وأن هناك أشخاصا ملونين آخرين غير عرب، وهو ما جعلني أنفتح على العالم عمومًا”.
تحدث الهجرات من غرب أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى إلى منطقة الحجاز في شبه الجزيرة العربية منذ فجر الإسلام؛ حيث وصل الكثيرون كحجاج وقرروا البقاء، وآخرون – خاصة من الساحل السواحلي – جلبهم تجار العبيد، وسوف يندمج أحفاد هاتين المجموعتين في نهاية المطاف في السكان المحليين.
ومع ذلك فإن العلاقة القائمة الآن بين السعودية والمجتمعات المحلية من نيجيريا؛ يمكن أن تُفهم على خلفية الاستعمار البريطاني في غرب أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر؛ فقد تزامنت الدوريات البحرية البريطانية التي تمنع تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، والتي أصبحت غير قانونية في الإمبراطورية منذ عام 1807، مع رغبة بريطانيا المتزايدة في التجارة في زيت النخيل والقطن في غرب إفريقيا.
تظهر خريطة بريطانية تعود إلى عام 1736 المصالح الاستعمارية الأوروبية في غرب إفريقيا.
في البداية؛ اتخذ هذا شكل علاقات أقوى مع القوى المحلي؛ مثل دولة خلافة سوكوتو، ولكن سرعان ما أصبح الأمر يتعلق بلعبة القوة الإمبريالية، والتي تزامنت مع إزالة الحكام المحليين ودعم الحكام الصوريين المعينين من قبل بريطانيا.
كانت المقاومة المسلحة، مثل تلك التي قادها العالم المسلم عثمان دان فوديو التابع لعرقية الفولان، أحد ردات الفعل على ذلك، بينما كانت الهجرة التي تمت الموافقة عليها دينيا، والمعروفة باسم “الهجرة؛ ردا آخر.
ويشرح مالومفاشي ذلك قائلًا: “بعد أن جاء البريطانيون إلى شمال نيجيريا، ثم تقدموا لجزء من خلافة سوكوتو؛ قرر الكثير من علماء الدين محاكاة النبي محمد والقيام بالهجرة إلى مكان اعتقدوا أنه أقدس”، مضيفًا: “جاء البريطانيون بأدوات الاستعمار، مثل المبشرين المسيحيين. وكانت فكرة هؤلاء المهاجرين [المسلمين] هي السفر شرقا؛ أي إلى مكة والمدينة وجدة، فقد كان بإمكانهم بالفعل التحدث باللغة العربية، لذلك كان من السهل جدا على سكان تلك المناطق استيعابهم. ولكن بطريقة ما؛ كانت هجرة قسرية ومرغوبة في آن واحد”.
الهوساوي في السعودية هم من نسل الموجة الأولى من مهاجري الهوسا إلى منطقة الحجاز، فيما كانت هناك مجتمعات أخرى في غرب إفريقيا، مثل الفولاني والكانوري، والذين هاجروا أيضًا ويعرفون في السعودية بأسماء فلاتا وبرناوي على التوالي.
يقول مالومفاشي: “من بحثي؛ علمت أن هناك أشخاصًا من الهوسا يعرفون اللغة ولكنهم لا يستطيعون التحدث بها، لكن ما أدهشني هو أنني اعتقدت أنهم سيكونون مجموعة غريبة، أي أنهم مجتمع منفصل عن العرب، لكنهم اندمجوا وأصبحوا الآن عربا”.
تحتوي منطقة الحجاز على المدن الإسلامية المقدسة مكة المكرمة والمدينة المنورة
كان هناك أيضا مهاجرون من الهوسا لم يصلوا إلى الحجاز، فأولئك الذين لم يصلوا إلى مسقط رأس الإسلام استقروا على طول الطريق المؤدي إلى شبه الجزيرة العربية، ويمكن العثور عليهم بأعداد كبيرة في السودان، وفي جنوب غرب إريتريا، حيث يعرفون باسم توخارير.
ويوضح مالومفاشي: “إذا ذهبت سيرًا على الأقدام، وكنت تسافر عبر السودان القديم وعبر النيل، والبحر الأحمر، ثم تصل إلى جدة، التي كانت الميناء الرئيسي. كان هناك بالفعل طريق يمكنهم اتباعه، مثل طريق التجارة عبر الصحراء، الذي يغطي شبه الجزيرة العربية وداخل إفريقيا”.
الحفاظ على خيوط هوية الهوسا
كان أحد أكثر اكتشافات مالومفاشي إثارة للاهتمام أثناء إنتاج فيلمه الوثائقي هو الحنين الجماعي الذي شعرت به الهوسا العربية تجاه وطنهم في غرب إفريقيا؛ حتى في الحالات التي تم فيها تعريبهم؛ حيث تنبع هذه المشاعر من رابطة طويلة الأمد تدعمها ثقافة شفهية.
ويعلق مالومفاشي على ذلك بقوله: “تأتي فكرة أحفاد الهوسا عن أصلهم من الحكايات الشفوية، وكثير منهم لم يذهبوا إلى نيجيريا. بالنسبة للبعض؛ هناك حنين إلى الماضي، وبالنسبة للآخرين؛ فإن إفريقيا هي مجرد مكان يأتي منه أجدادهم”.
ويبدو أن الأشخاص الأكبر سنًّا الذين تمت مقابلتهم، والذين كانت لديهم ذكريات جماعية أقوى عن هجرات الهوسا المبكرة، كانوا أكثر اهتمامًا بأصولهم، فقد التقى مالومفاشي بأنور يوسف آدم عمر الهوساوي، وهو طاهٍ يبلغ من العمر 50 عامًا، والذي تحدث بحرارة عن وطنه الأم الأفريقي، حيث يقول مالومفاشي نقلًا عن أنور: “إنه يريد زيارة إفريقيا، حيث جاء جده الأكبر، وعندما يأتي الحجاج من نيجيريا يتفاعل معهم، مما ساعده على تحسين الهوسا الخاصة به [مهاراته اللغوية]”، ويضيف: “يمكنك أن ترى أنه – على مر السنين – لم يتخل عن هذا الحنين الأفريقي، الذي يغذيه الناس الذين يأتون للحج، فأول شيء سألني هو ما إذا كان لدي ملابس تقليدية أو تذكارات. إنه اهتمام شخصي له في أنه يريد معرفة المزيد عن هويته”.
ولكن الأجيال الشابة لديها موقف أكثر تنوعًا فيما يتعلق بهويتهم، حيث لاحظ مالومفاشي “أنهم يرون أنفسهم عربًا وهذه هي الهوية التي اختاروها”، معلقًا بقوله: “لديهم وصول أكبر إلى التكنولوجيا، لذلك قد تفترض خلاف ذلك، لكنهم مهتمون بثقافة البوب وكرة القدم والسياسة المعاصرة، وليس الحنين إلى الماضي”.
رجل من الهوسا فولاني يعمل في مزرعة بالقرب من سوكوتو في نيجيريا، نيسان/أبريل 2019.
ويبين المخرج إنه إلى جانب عملية تعريب الهوسا، لم يتم نقل لغتهم الأم بسهولة إلى أطفالهم، قائلًا: “بالطبع هناك شيء ما سيجعلك تستسلم لكونك مختلفًا؛ مثل لون بشرتك، لكنك تحاول استخدام اللغة للتغلب على ذلك”.
وهناك مفارقة في فكرة أن مهاجري الهوسا فروا من وطنهم للحفاظ على ثقافتهم، فقط للتخلي عن جوانب مهمة منها في شبه الجزيرة العربية، لكن مالومفاشي يقول إن الدين يساعد في تفسير سبب عدم نظر الهوسا إلى العملية بشكل سلبي؛ موضحًأ: “حتى أثناء النشأة في شمال نيجيريا؛ فإنه لشرف لشخص ما أن يتحدث العربية لأنها لغة القرآن. فنحن لا نرى ذلك على أنه استعمار، على الرغم من أنه يمكن تفسيره بهذه الطريقة”، متابعًا: “يمكنني أن أفترض أنه كان من المهم لهؤلاء الناس تعليم اللغة العربية لأطفالهم لأن الهروب من الاستعمار البريطاني كان [أيضا] يتعلق بالتحرر بالمعنى الروحي”.
الهوساوي اليوم
الهوساوي جزء من مجتمع عربي أسود أكبر بكثير يضم مواطنين من أصل أفريقي، بما في ذلك اللاجئين والمهاجرين من جنوب الصحراء الأفريقية الذين وصلوا مؤخرا، وكما هو الحال في أي مكان آخر؛ يشير السواد في العالم العربي إلى تقاطع هويات مختلفة.
ففي حين أن الهوساوي قد لا يعتبر من الناحية الفنية من السكان الأصليين في المملكة العربية السعودية؛ فإن فكرة العروبة متأصلة في كيفية رؤيتهم لأنفسهم، ويمكن أن يُعزى جزء من ذلك إلى دورهم في تشكيل الدولة السعودية الحديثة.
يقول مالومفاشي: “كنت أتحدث إلى أحد شيوخ مجتمع الهوسا؛ الذي ذكر أن جده كان قائدًا للهوساوييين والذي كان من أوائل من تعهدوا بالولاء للملك عبد العزيز، وهذا هو السبب في أنه يشعر بالسعودية، لأن أسلافه كانوا من بين أولئك الذين شكلوا أول حكومة في المملكة العربية السعودية”.
وفي عالم ما بعد جورج فلويد؛ تزايد الحديث القوي حول التضامن العالمي مع اللون الأسود؛ وفي هذا السياق؛ لم يعد الشرق الأوسط على هامش هذا الخطاب، فقد أصبحت أخبار مثل تقرير سي إن إن عن مزادات العبيد في ليبيا في عام 2017؛ والاتجار بالبشر المنتمين لشرق إفريقيا في الكويت وعُمان، وأيضًا ثورة 2019 في السودان؛ بارزة خارج المنطقة.
لكن بالنسبة لجماعات مثل الهوساوي؛ فإن التضامن العنصري ليس أمرًا مهمًّا يشغلهم، وهو ما أثر على مالومفاشي شخصيا؛ حيث يقول: “لم أستطع التعمق في مفهوم السواد (عند الهوساويين)، ولكن بشكل عام تم تجنبه”، مضيفًأ: “تجد أيضًا حالات يرى فيها السعوديون السود أنفسهم مختلفين عن الأفارقة السود [الآخرين]. لا أعرف من أين يأتي ذلك؛ لكنهم يشعرون أنهم عرب أولًا ثم سود، وهذا هو العكس بالنسبة لي، وهذا فرق جذري لأنه في أي مكان أذهب إليه، أنا أسود أولًا”.
كانت فكرة أن مجموعتين من الأشخاص كانوا من نفس الأصل من غرب إفريقيا قبل عدة مئات من السنين يرون أنفسهم بطرق مختلفة بشكل صارخ؛ فكرة صعبة بالنسبة للمخرج لتعتاد عليها؛ حيث يقول مالومفاشي: “كان من الصعب التوفيق عقليا بين أن لدينا نفس لون البشرة ولكن لدينا وجهات نظر مختلفة تماما للعالم؛ ربما بدأنا مع نفس الأسلاف، لكن القليل من الانحراف عن الهجرة يمكن أن يؤثر على خطوط مختلفة من نفس العائلة”.
المصدر: ميدل إيست آي