فرضت الفرقة الرابعة في قوات النظام السوري حصارًا شبه كامل على ميليشيا الوحدات الكردية، في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية والسكن الشبابي ضمن أحياء حلب المدينة، ومدينة تل رفعت والبلدات والقرى المحيطة بها شمال حلب، ضمن ما يعرَف بـ”مقاطعة الشهباء” الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
وخلال الشهرَين الماضيَين بدأت الفرقة الرابعة التابعة للنظام بتخفيض دخول المواد الأساسية، كالمواد الغذائية والمحروقات والأدوية، إلى حيَّي الأشرفية والشيخ مقصود، كما منعت دخول الكميات المخصصة إلى مقاطعة الشهباء في ريف حلب، في إطار مساعيها لممارسة الضغط على “قسد” شمال وشرق سوريا التي تشكّل الوحدات الكردية في “مناطق الشهباء” جزءًا منها.
النظام يطبق الحصار على الوحدات في حلب
صعّدت الفرقة الرابعة والأجهزة الأمنية التي تنشر الحواجز بين الأحياء في مدينة حلب، من حصارها المفروض على حيَّي الشيخ مقصود والأشرفية و”مقاطعة الشهباء”، وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري أضافت الحواجز مواد جديدة على قائمة الممنوعات، كالطحين والمواد الغذائية والأدوية، كما منعت تمرير البنزين والمازوت والغاز التي كان يتم دخولها بالتنسيق المتبادل بين الوحدات الكردية، في إطار تبادلهما السيطرة في المناطق المشتركة في الحسكة وحلب.
مصدر محلي من “مقاطعة الشهباء” في ريف حلب الشمالي، أكّد لـ”نون بوست” أن “الكميات الواردة من الطحين والمواد الغذائية، والمحروقات التي تدخل إلى “مقاطعة الشهباء” عبر مناطق النظام، انخفضت إلى 20% خلال الشهرَين الماضيَين، وانقطعت بالكامل نتيجة منع تمريرها من قبل حواجز الفرقة الرابعة والأمن العسكري التابع للنظام محيط مركز المدينة خلال أيام الأسبوع الماضي”.
وأضاف المصدر المقيم في بلدة تل قراح شمال حلب: “الكميات المتوفرة من الأدوية والمواد الغذائية والمحروقات في أسواق تل رفعت، وبلدات أحرض وتل قراح وفافين ودير جمال، والقرى المحيطة بها، شحيحة، ومن النادر توفُّرها، وفي حال توفّرت فإن أسعارها مرتفعة كون النظام يفرض ضرائب على الكميات الواردة، حيث لا يستطيع الأهالي شراءها بسبب سوء أحوالهم المعيشية”.
ويبلغ سعر اللتر الواحد من المازوت في “مقاطعة الشهباء” وحيَّي الشيخ مقصود والأشرفية قبيل تشديد حصار النظام 7500 ليرة سورية، بينما بلغ سعر اللتر من البنزين 9500 ليرة سورية، أما أسطوانة الغاز فوصل سعرها إلى 135 ألف ليرة سورية مع ندرة توفرها في الأسواق، تزامنًا مع أزمة المحروقات التي تشهدها مناطق سيطرة النظام.
تداعيات حصار النظام لمناطق الوحدات
من تداعيات الحصار المفروض على مناطق الشهباء وحيَّي الأشرفية والشيخ مقصود، انقطاع مختلف المواد الأساسية من المواد الغذائية والأدوية والكهرباء الحكومية والمحروقات، ما أدّى إلى توقف الورشات والمنشآت الصناعية ومؤسسات المياه والمراكز الطبية، وعلى رأسها المشفى الوحيد في مقاطعة الشهباء المهدد بالتوقف عن العمل نتيجة انقطاع الكهرباء وفقدان المحروقات، ما أدّى إلى شلل في الخدمات الطبية والإسعافية.
بدورها، علّقت هيئة التربية والتعليم لإقليم عفرين التابعة للإدارة الذاتية الدوام المدرسي لمدة أسبوع، نتيجة فقدان المحروقات، مع احتمالية تمديد تعليق الدوام في حال لم تستجِب قوات النظام لدعوات فكّ الحصار، الذي مضى على اشتداده نحو أسبوع.
وكانت تقدّم الإدارة الذاتية في مقاطعة الشهباء 220 لترًا من المازوت بشكل مجاني للسكان الأصليين والنازحين من منطقة عفرين، كما توفر مخصصات لكل أسرة 220 لتر مازوت أخرى بسعر 65 ألف ليرة سورية، ذلك وفق اتفاقها مع النظام في توريد الكميات الكافية إلى المنطقة.
لكن الحصار المفروض من قبل النظام، وتكثيف القصف التركي على المستودعات والمخازن التابعة للوحدات الكردية، التي من المفترض أنها تحوي كمّيات كافية من المحروقات، خلال نوفمبر/ تشرين الثاني، في إطار عملية “المخلب – السيف”، تسبّبا في حرمان السكان من الحصول على المحروقات المدعومة.
ويعيش في مدينة تل رفعت و40 بلدة وقرية تسيطر عليها الوحدات الكردية، ضمن “مقاطعة الشهباء”، نحو 200 ألف نسمة من السكان الأصليين والنازحين من منطقة عفرين، بينهم الآلاف الذين يعيشون ضمن تجمع مخيمات الشهباء، ويعانون من ظروف سيّئة جرّاء حصار النظام وسياسة الوحدات القمعية في المنطقة ما يمنعهم من العودة إلى منازلهم، بينما يقيم نحو 100 ألف مدني في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية والسكن الشبابي من الغالبية الكردية.
النظام يضغط.. ما أهدافه؟
يحاول النظام من سياسة الحصار المفروضة على مواقع سيطرة الوحدات الكردية في محافظة حلب، الضغط على “قسد”، لتقديم المزيد من التنازلات في إطار المساعي الروسية التي تهدف للوصول إلى صيغة تفاهم ترضي جميع الأطراف، وعلى رأسها تركيا، التي تواصل تهديداتها بشنّ عملية عسكرية على مناطق سيطرة “قسد”.
ويرى الصحفي سامر الأحمد أن ما يقوم به النظام ومن خلفه روسيا، يصبّ ضمن الضغط السياسي من مختلف الأطراف، لا سيما النظام وروسيا، على “قسد”، بهدف دفعها إلى القبول بالعرض الروسي المتعلق بالانسحاب من الحدود السورية-التركية مسافة 20 كيلومترًا، وتسليم إدارة المنطقة مدنيًّا وعسكريًّا لمؤسسات النظام المدنية والعسكرية.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إن رفض “قسد” للعرض الروسي، ومعارضة الأخيرة للعملية التركية، دفعا النظام وروسيا إلى ممارسة الضغط السياسي من خلال حصار الأحياء و”مقاطعة الشهباء” في حلب، كونه لا يمكنها الحصول على إمداد إلا عن طريق النظام وروسيا”.
وأضاف: “إن رغبة روسيا هي انسحاب “قسد” إلى الجنوب، وتسليمها حقل رميلان في الحسكة، الذي ينتج نحو 40% من النفط ويعدّ المورد العسكري الرئيسي لـ”قسد”، وتحويله للنظام الذي يعاني من أزمة طاقة، ما أدّى إلى شلل في مختلف القطاعات لديه”.
واتفق النظام و”قسد”، في أبريل/ نيسان الماضي، على تخفيف الحصار المتبادل على مناطق في حلب والحسكة، بموجب اتفاق رعته روسيا آنذاك، ومع عودة المباحثات الأخيرة المتعلقة بالعملية العسكرية التركية، ورفض “قسد” المقترحات الروسية بالانسحاب من منبج وتل رفعت وعين العرب، وتسليم آبار النفط للنظام مقابل إلغاء العملية العسكرية التركية، عاودَ النظام حصار الأحياء في حلب لممارسة مزيد من الضغط على “قسد”.
هل يمتدّ الصراع إلى الحسكة؟
توعّدت ميليشيا قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرق سوريا بالردّ على حصار النظام للأحياء السكنية في حلب، و”مقاطعة الشهباء”، عبر فرضها الحصار على المربعات الأمنية في الحسكة، حيث تتواجد فيها أجزاء من الأحياء السكنية إلى جانب مؤسسات أمنية وخدمية تابعة للنظام.
ونقلت صحيفة “العربي الجديد“، عن مصدر مقرّب من الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا في 6 ديسمبر/ كانون الأول قوله: “إن قوى الأمن الداخلي (الأسايش)، ستبدأ خلال فترة قريبة بحصار المربع الأمني في مدينة القامشلي بالحسكة، لإجبار النظام السوري على فكّ الحصار عن الحيَّين في حلب”.
ومن جهته رجّح الصحفي من محافظة الحسكة، سامر الأحمد، أن يكون التصعيد شكليًّا ليس جادًّا، كون عدد السكان المقيمين ضمن الأحياء المحيطة في المربعات الأمنية في الحسكة قليلًا مقارنةً مع أعداد السكان في الأحياء السكنية و”مقاطعة الشهباء” في حلب وريفها، لذلك لن يحقق التصعيد في الحسكة أية نتائج ملموسة.
وأوضح أن “قسد” قادرة على محاصرة المربعات الأمنية التابعة للنظام ضمن مناطق سيطرتها، لكن الوقت غير مناسب في ظلّ ما تعيشه من ضغوط تركية وأمريكية وروسية، لذلك ستلجأ إلى البحث عن المفاوضات، مستخدمةً علاقات حزب العمال الكردستاني مع إيران والنظام في دمشق.
تبدو الخيارات المتاحة أمام قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على مناطق غربي الفرات، محدودة في ظل الضغوط الدولية التي تمارَس ضدها، سواء من روسيا التي تسعى إلى تسليم مناطق سيطرتها للنظام، وتركيا التي تهدد بعملية عسكرية، وأمريكا التي فشلت في فكّ ارتباطها بحزب العمال الكردستاني، ما يفشل مشروعها الانفصالي الذي تسعى إلى إقامته في الشمال السوري.