لقد وصفنا بداية محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك في عام 2011 من قبل الحكومة العسكرية المؤقتة التي كلفها بإدارة البلاد، وصفناها بالمهزلة.
فعندما أُدين حسني مبارك في يونيو 2012 بالفشل في منع قتل المتظاهرين، استشهدنا بأقوال محامين مصريين أكدوا على أن الحكم سيتم إلغاؤه في الاستئناف، وهذا تحديدا هو ما حدث يوم السبت الماضي في القاهرة، حينما تجاهل القاضي اتهام مبارك بالقتل، وقام بتبرئة الرئيس السابق من تهم غير ذات صلة تتعلق بالفساد.
هؤلاء الذين يرون تبرئة مبارك كخطوة نهائية في إلغاء ثورة 2011 في مصر محقون في رؤيتهم تلك، فالنيابة المصرية والقضاء يخضعان بشكل كامل لأهواء السلطة السياسية في البلاد.
فعندما كان الجيش يحاول تهدئة المظاهرات الحاشدة عام 2011 والتي تطالب بتحقيق العدالة لأولئك الذين قُتلوا خلال الثورة، اتهمت النيابة الرئيس المخلوع في قضايا رديئة. أدانته المحكمة حينها بينما كان الإخوان المسلمون يصعدون إلى السلطة.
أما الآن، فإن الجيش يعود إلى السيطرة، تم حظر الإخوان المسلمين، في حين أن قادة الجماعة، جنبا إلى جنب مع الناشطين العلمانيين من مؤيدي الديمقراطية الذين قادوا الثورة، تم اقتيادهم إلى السجن.
يعرف القضاء إذن ما ينبغي فعله في استئنافات قضايا مبارك.
لقد أعاد الرئيس العسكري عبدالفتاح السيسي خلق النظام الاستبدادي الذي كان مبارك يترأسه، ولكن على نحو أكثر قمعا وأشد وطأة على المعارضين.
فمنذ الانقلاب الذي قاده السيسي قبل نحو 17 شهرا، قتل النظام المصري أكثر من ألف شخص، بما في ذلك تنفيذ مذبحة ضد متظاهرين في أحد ميادين القاهرة (رابعة العدوية)، وهي تلك التي وصفتها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنها من أكبر عمليات قتل لمتظاهرين في يوم واحد خلال التاريخ الحديث.
فضلا عن ذلك كبَت النظام حرية الصحافة، التي تمتعت بوجود نسبي خلال عهد مبارك، كما قام بقمع العديد من المنظمات غير الحكومية التي تسامح مبارك مع نشاطها. كما قام النظام بإلقاء القبض على السياسيين السلميين المنتمين للإخوان، وهم من كانوا يحصلون على مقاعد في البرلمان خلال النظام السابق.
وبينما يبدو أن الرئيس المخلوع على وشك أن يُبرأ تماما، ومعه مسؤولي الشرطة الذين أمروا بإطلاق النار على المتظاهرين العُزل، يواجه المئات من هؤلاء الذين ناضلوا، على نحو سلمي، من أجل تحقيق الديمقراطية، أحكام سجن طويلة الأمد.
العديد من النشطاء الليبراليين، مثل أحمد ماهر وأحمد دومة، أدينوا بخرق قانون التظاهر الصارم الذي يحظر المظاهرات التي لا توافق عليها الحكومة. كما تم احتجاز آخرين، مثل محمد سلطان، المصري الحاصل على الجنسية الأمريكية، لأكثر من عام من دون محاكمة.
إن نظام السيسي كذلك يبدو أكثر عدائية تجاه الولايات المتحدة من نظام مبارك، وبالرغم من ذلك، قام الرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري بالإفصاح عن رغبتهما في إقامة شراكة مع السيسي على الرغم من سجل القائد العسكري الذي تجاهل مناشدات أمريكية متكررة بإطلاق سراح بعض السجناء لتبرير الاستعادة الكاملة للمساعدات التي تقدمها واشنطن للقاهرة.
السيسي من جانبه كان قد ألمح مؤخرا أن اثنين من صحفيي الجزيرة المعتقلين، ممن يحملون جوازات سفر أجنبية، قد يتم الإفراج عنهما، ومع ذلك، يبقي عليهما في السجن بينما يحتفل مبارك بالبراءة.
لقد تعاون العديد من الرؤساء الأمريكيين مع نظام مبارك، كما أغفلوا عدم اكتراثه بالديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي الوقت نفسه، فشلت مصر في تحقيق تنمية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وأصبحت مصدرا رئيسيا لأيديولوجية التطرف بالشرق الأوسط.
إن مصير محاولة السيسي إعادة استبداد القرن العشرين سينتهي إلى الفشل، وكذلك عودة إدارة أوباما إلى سياسات التهدئة والاسترضاء.
المصدر: افتتاحية واشنطن بوست