ترجمة وتحرير: نون بوست
كان التحذير الذي تلقته إحدى أغنى مناطق جوهانسبرغ محددًا بقدر ما كان مقلقًا. ففي عطلة نهاية الأسبوع، كان الإرهابيون يخططون لشن هجوم على التجمعات الكبيرة حسب تحذير صادر عن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وغيرها. صدم هذا التحذير غير المتوقع الناس في جنوب إفريقيا وكان متبوعًا بتحذيرات من حكومة جنوب إفريقيا ونشر العديد من عناصر الشرطة في الشوارع.
كان هذا الهجوم الإرهابي مقررا يوم 29 تشرين الأول/ أكتوبر. ولكن مع تزايد التوترات لم يحدث أي هجوم وتفاصيل طبيعة التهديد تكاد تكون معدومة ولم تقدم السلطات الأمريكية والجنوب إفريقية سوى القليل من المعلومات بشأنه. لكن حسب الخبراء تشير المعلومات الواردة في التحذير إلى أمر خطير وكل أصابع الاتهام موجهة إلى تنظيم الدولة.
قال مارتن إيوي، المحلل الرئيسي في معهد الدراسات الأمنية، إنه لابد أن يكون لدى الولايات المتحدة “دليل قوي” على وقوع هجوم. ومع أن التحذير غامض إلا أنه تضمن تفاصيل مثيرة للقلق. وأضاف إيوي أن “هذا كان أحد أكثر التحذيرات دقةً بتحديد مكان الهجوم وتوقيته. وقلة من التحذيرات تحتوي على هذا النوع من التفاصيل”.
في تحوّل دراماتيكي للأحداث، قلّلت سلطات جنوب إفريقيا أولاً من أهمية التهديد ثم اتهمت الولايات المتحدة باحتكار المعلومات الاستخباراتية والتسرع أكثر من اللازم، قبل أن تتراجع عن ذلك لتقول إن الولايات المتحدة أجهضت أسابيع من العمل السري على الرغم من أن هذا الأمر غير مؤكد. ولكن حتى بدخول البلاد في حالة من الذعر، قال محللون إنها مخترقة بالفعل وأنها في الواقع تمثل جزءا من شبكة تنظيم الدولة الآخذة في التوسع بسرعة، لتصبح إفريقيا موطنًا ثانيًا لهذه الجماعة الإرهابية.
يتجلى وجود تنظيم الدولة جنوب إفريقيا بشكل أكثر وضوحًا في موزمبيق حيث أدت الحملات الوحشية التي شنها فرع “أهل السنة والجماعة” إلى مقتل أكثر من 3000 شخص وتشريد حوالي مليون آخرين وتهديد استثمارات الغاز بقيمة مليارات الدولارات. ولكن شبكة ناشئة من أنصار تنظيم الدولة في جنوب إفريقيا المجاورة، حيث يمثل المسلمون حوالي إثنين بالمئة من السكان، مرت دون أن يلاحظها أحد إلى حد كبير.
جادلت خبيرة مكافحة الإرهاب ياسمين أوبرمان بأن “تهديد تنظيم الدولة يتزايد هنا، لكن الجنوب أفريقيين ساذجون ويحبون الاعتقاد بأنهم في مأمن”، مشيرة إلى أن السلطات عالجت المشكلة بكل حذر. في عصر الخلافة في سوريا والعراق منذ سنوات، انضم حوالي 60 إلى 100 جنوب أفريقي إلى تنظيم الدولة عاد معظمهم إلى موطنهم. وأوضحت أوبرمان قائلة “نحن بحاجة إلى الانتباه وملاحظة الخطر هنا”.
منذ هزيمته الإقليمية الساحقة في سنة 2019، أعاد تنظيم الدولة تجميع صفوفه في إفريقيا – منجذبين إلى ثروات القارة من المعادن والحدود التي يسهل اختراقها والحوكمة الضعيفة. وحسب إيوي فإن شبكة تنظيم الدولة تغطي ما لا يقل عن 20 دولة أفريقية، مما يجعل إفريقيا ثاني أكثر مراكز التنظيم نشاطًا بعد الشرق الأوسط.
بعد أن سعى التنظيم في السابق إلى إقامة دولة خلافة يمكن أن يحكمها بشكل مباشر، غير ما تبقى من تنظيم الدولة تكتيكه. وبدلاً من ذلك، بدأ في التعاون مع الجماعات المسلحة الراسخة للمطالبة بالأراضي مما يعزز صفوفه بالمقاتلين الأفارقة الذين انضموا إلى “دولة الخلافة” لكنهم انسحبوا بعد سقوطها. وقد شهدت تلك المكاسب، حتى مع عدوها اللدود تنظيم القاعدة، قيام الجماعة ببناء شبكة واسعة من الإرهاب تمتد عبر القارة الأفريقية.
نظرا لما اكتسبه تنظيم الدولة من سيولة جديدة، أصبح تحالف الدول مصممًا على إيقافه، فقد ابتهجت الأجهزة الأمنية ذات مرة بالقتال الداخلي الذي اندلع بين التنظيم والجماعات المعارضة مثل القاعدة لتحقيق مكاسب. وقد تكون تلك الأيام قد ولت.
وأضاف إيوي أنه “من السهل قتال مجموعة محدودة، لأنه عندما كان المسلحون متمركزين في العراق وسوريا، كان من الأسهل طردهم. ولكن الآن بعد أن انتشروا عبر البلدان، كيف يمكنك التخلص منهم؟”
تعود هجمات تنظيم الدولة في القارة إلى حوالي سنة 2014. ولكن تركيزه على جنوب إفريقيا يتزامن مع الوقت الذي تعرضت فيه معاقله في الشرق الأوسط للقصف. وفي الوقت الراهن، يمكن أن تكون فروعه في أفريقيا أقوى من مركز تنظيم الدولة الرئيسي.
إلى جانب تنظيم الدولة، تنشط العديد من الجماعات الإرهابية في أفريقيا وتحتشد مثل النمل على السكر. لقد ارتفعت الهجمات بنسبة تزيد عن 300 بالمئة في العقد الماضي وحده، وذلك وفقًا لمركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية الممول من البنتاغون. وقد قُتل أكثر من 14 ألف شخص السنة الماضية.
تعتبر منطقة الساحل – الأراضي القاحلة الشاسعة التي تفصل الصحراء إلى الشمال عن مناطق السافانا الجنوبية – والصومال من البؤر الساخنة. ففي منطقة الحدود الثلاثية حيث تلتقي مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يتصيّد المتشددون القرويين ويستغلونهم للحصول على فدية وحواجز الحماية. وهم مسؤولون عن حوالي 1200 قتيل مدني في منطقة الساحل في سنة 2022.
تسيطر ولاية غرب أفريقيا لتنظيم الدولة على منطقة بحيرة تشاد. وفي حزيران/ يونيو، ساعد هذا الفصيل تنظيم الدولة في شن هجمات في نيجيريا أكثر من العراق. وهناك أيضا شبكات نشطة في الصومال وليبيا ومصر وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وقال إيوي إن الخلايا في تنزانيا والنيجر وكينيا بحاجة إلى المراقبة عن كثب. واختتم حديثه قائلاً “كل بلد واقع في مأزق”.
كان الهجوم الذي وقع في نهاية الأسبوع الأخير من شهر تشرين الأول/ أكتوبر في ساندتون كارثيًا. فقد خرج الآلاف ذلك اليوم في مسيرة في موكب الفخر السنوي (لمجتمع الميم) بالمدينة. وعلى بعد 30 دقيقة، كانت مباراة القمة على وشك الانطلاق.
قالت كاي علي، مؤسسة “جوهانسبرغ برايد”: “إنه أمر مخيف لأنك مسؤول عن حدث يؤثر على حياة الإنسان. لكننا قررنا الخروج من أجل المسيرة”. عادت المسيرة السنوية إلى الإنترنت بعد انقطاع دام سنتين بسبب كوفيد، وأوضحت كاي علي إن “الإلغاء كان من شأنه أن يمثّل استسلاما للإرهابيين. لذلك راهنت على قوات بلدها. وقام ضباط مسلحون بتطويق المنطقة ونشروا كلابهم الهجومية. لقد تم نشر عشرة أضعاف قوات الأمن. لهذا لم يشعر الناس بأنهم في خطر”.
يعتقد المحللون أن مسيرة الفخر قد تكون هدفًا للمهاجمين المحتملين – حيث يشارك فيها عادة حوالي 150 ألف شخص. وقد تواصلت سلطات الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا مع كاي علي لإبلاغها بالتهديد بعد انتشار التحذير الأمني. لكن كاي علي ادعت أن الحدث لم يكن مهددًا بشكل مباشر. وقالت إن السفارة الأمريكية على اتصال لأن موظفيها كانوا يعتزمون التواجد في الحدث. لكنهم لم يحضروا. وكان هناك فقط 35 ألف متظاهر تحدوا حالة التأهب.
بعد تحديد تواجدها في مدينتين على الأقل – ديربان وكيب تاون – يبدو أن شبكات تنظيم الدولة في جنوب إفريقيا تجمع الأموال لتمويل فروع في موزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وذلك وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية.
وفقا لإيوي فإن أعضاء تنظيم الدولة يديرون في الغالب أعمالا مشروعة، مما يجعل من الصعب على السلطات اتخاذ إجراءات صارمة بشأنهم. وأضاف أن جنوب إفريقيا ما زالت بطيئة في ضبط وسجن المشتبه بهم أو الرد على التحذيرات بشأن الهجمات المرتقبة.
رغم غضب الرئيس سيريل رامافوزا من أن الولايات المتحدة لم تكشف عن المعلومات قبل إرسال التحذير في 29 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن المحلل قال إن بعض المراسلات كانت محتملة، حتى قبل وقت قصير من بدء التحذير.
من جهتها، لم ترد الحكومة الأمريكية مباشرة على طلب التعليق من موقع “فايس نيوز”. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، نيد برايس، للصحفيين بعد الحادث إن حكومته “على اتصال” بسلطات جنوب أفريقيا وأنه “عندما تكون لدينا معلومات تتعلق بتهديد محتمل، فإننا نقدمها لموظفين الأمريكيين”.
ألقت دولة جنوب إفريقيا القبض على بعض المشتبه بهم من تنظيم الدولة – ويخضع ثلاثة منهم للمحاكمة بتهمة القتل الوحشي لعالمي نبات بريطانيين في كوازولو ناتال ألقوا بجثتيهما في مياه مليئة بالتماسيح. وسُجن شقيقان – التوأم ثولسي – بتهمة التخطيط لهجمات بالقنابل والانضمام إلى تنظيم الدولة.
قالت أوبرمان إنه على الرغم من مأساة تشرين الأول/ أكتوبر، لا تزال جنوب إفريقيا آمنة نسبيًا من تهديد تنظيم الدولة في الوقت الحالي. ولكنها تخشى هجومًا آخر قد لا تكتشفه السلطات – حتى يتم إطلاق إنذار.
المصدر: فايس