حرب الـ 120 دقيقة… أسود الأطلس على أسوار غرناطة

227803

حرّك الانتصار التاريخي الذي حقّقه المنتخب المغربي أمام نظيره الإسباني في مسابقة كأس العالم الذاكرة المنسية للعرب والمسلمين، فسقطت الهزائم من قواميس التاريخ وطفا النصر الغائب عن الواقع ليُطبّب جروح الانكسار المنتثر من المغرب إلى المشرق.

المرابطون الجدد

بدا إصرار أسود الأطلس على إعلاء راية العرب، بعد خروج قطر والسعودية وتونس من المسابقات، شبيهًا بخروج المرابطين من المغرب لصدّ عدوان القشتاليين على حواضر ومدن الأندلس، ودفاعًا عن أسوارها قبل الانهيار الأخير.

لبّى الأسود النداءات العربية كما استجاب جدّهم يوسف ابن تاشفين الذي أذلّ ملك قشتالة، ألفونسو السادس، في معركة الزلاقة، بعد أن خُيّل إليه أن النصر على جيش المعتمد بن عباد يسير، فغرّته أمانيه كما خُدع أحفاده على المستطيل الأخضر.

تدافع الجمعان في مباراة حاسمة اُستبقت بجرعات تحشيد إعلامي كبير من الإسبان، كأنّها تحرّض على القتال قبل النزول إلى ساحات الوغى، فذكّت تدويناتهم وتعليقاتهم رُوحَ الحَمِيَّة والحماسة واستثارت الهمم والعزائم.

لم ينفع تذكير الإسبان للاعبيهم بالأمجاد وجولات ملوكهم السابقة، إذ كشف أسود الأطلس زيف دعايتهم وبيّنوا أنّ خصمهم جيش من ورق، فعادت أوروبا في ظلامها ‏الحالك، بينما أضاءت المصابيح على العرب والمسلمين كأن غرناطة لم تسقط أبدًا.

عاش العرب الحلم ونشوة الانتصار بمختلف معانيه، فالعبرة من هذا الإنجاز الرياضي بطعم التاريخ والواقع المعيش الذي لا يرتقي إلى تطلعات الشعوب، أنّ أرضًا أُعيدت ولو لثانية كما قال الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في قصيدته الشهيرة “ستون عامًا”.

في 120 دقيقة، أُسقطت معاهدة فاس التي احتلّ بموجبها الإسبان المغرب بعد صفقة مع المستعمر الفرنسي، وردّ الاعتبار لآلاف المغاربة الذين قضوا بعد أن زجّ بهم ديكتاتور فرانسيسكو فرانكو في حروبه مع الجمهورية الإسبانية.

في 120 دقيقة، أُعيدت المدينتان الساحليتان المحتلتان، سبتة ومليلة، إلى حضن المملكة، وهُدمت جدران الفصل العنصرية وأنبتت في ترابها أسماء من قضوا في الهجرة غير النظامية، وفي الساعتَين ذاتهما مشت الجالية المغربية في شوارع إسبانيا (نحو 800 ألف) بفخر واعتزاز.

وفي الساعتَين أيضًا، عاد قطار المغربي العربي الرابط بين تونس والجزائر والمغرب، وفُتحت حدود الجارتَين والتئم شمل عائلات مغربية وجزائرية تجمع بينها علاقات مصاهرة وصلات رحم.

نصر لكل العرب

أعاد الفوز المغربي على إسبانيا مذاق النصر، خاصة بعد خروج المنتخبات العربية من المسابقة العالمية رغم أدائها المشرّف، إذ يرى ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي أنّ الفوز يُعدّ إنجازًا له أبعاده التاريخية والسياسية لا يُمكن تجاوزها.

فالترابط المكاني (الجغرافيا) بين البلدَين جعل من المواجهة تتجاوز الحماسة والرهان الرياضي، لتستدعي أحداثًا تاريخية تثير الوجدان وتحيي بعضًا من الملفات القديمة.

مع إعلان الحكم الأرجنتيني فيرناندو راباليني صافرة نهاية الملحمة بعد هدف أشرف حكيمي ضمن سلسلة الضربات الترجيحية، وتأهُّل المنتخب المغربي كأول بلد عربي يحقّق هذا الإنجاز الكبير أمام منتخب كان مرشحًا بقوّة لبلوغ أدوار متقدمة ولمَ لا النهائي، خرجت سيول الجماهير العربية في أكثر من بلد تعبيرًا عن فرحتها بهذا النصر.

خرج آلاف المغاربة إلى الشوارع للاحتفال ببلوغ أسود الأطلس إلى الدور ربع النهائي للمرة الأولى في تاريخ المملكة والدول العربية، ووثّق فيديو نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة مرور ملك المغرب بسيارته وهو يحتفل مع أعداد كبيرة من الجماهير.

وخرجت مسيرات حاشدة في قطاع غزة والضفة وفي شمال سوريا وبعض المدن الخليجية والمغاربية، احتفاءً بالإنجاز الكروي الكبير، فيما أُضيئت أبراج لوسيل باللون الأحمر تحيةً لأسود الأطلس بعد التأهُّل غير المسبوق.

وأظهرت مقاطع فيديو تداولَها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، احتفال مشجّعين عرب قدموا إلى قطر لحضور مباريات المونديال، بفوز المنتخب المغربي، إذ رفرفت أعلام تونس والجزائر والسعودية وقطر إلى جانب الرايات المغربية، معلنة عن سقوط الانقسامات العربية في سوق واقف ولو للحظة.

يأتي الفوز المغربي الأخير على حساب الماتادور الإسباني، ليعزّز الإنجازات العربية التي تحقّقت في مونديال القطري، فإضافة إلى نجاح الدوحة في تنظيم كأس عالم خيالية غير مسبوقة بشهادة المنظمات والدول، وفرضها قوانينها وهويتها الإسلامية، فازت السعودية على الأرجنتين في مباراة دخلت التاريخ من أبوابه الواسعة.

من جانبها، خرجت تونس من المسابقة مرفوعة الرأس بعد فوزها التاريخي على فرنسا، وكان إنجازها مدفوعًا بجمهورها الذي خطف الأضواء بحضورها الرائع في الملاعب، وهو فوز يرى فيه البعض ثأرًا من التاريخ أي الاستعمار والحاضر، بعد اتهام باريس بالتدخل في شؤون البلاد.

إنجاز تاريخي

حقّق أسود الأطلس إنجازًا تاريخيًّا غير مسبوق بعد التأهُّل إلى الدور ربع النهائي لأول مرة في التاريخ العربي، على حساب منتخب إسبانيا، في مباراة مثيرة وحماسية امتدّت حتى الثواني الأخيرة من الوقتَين الإضافيَّين.

وساهم حارس مرمى إشبيلية، ياسين بونو، في فوز منتخب بلاده بعد تألُّقه في ركلات الترجيح وتصدّيه لاثنتَين حسمتا القمة مع الجارة إسبانيا في صالحه 3-0، بعد انتهاء الوقتَين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي أمس الثلاثاء على ملعب المدينة التعليمية في مونديال قطر.

وبهذا الانتصار، بات المغرب أوّل منتخب عربي يحقّق هذا الإنجاز ورابع منتخب أفريقي بعد الكاميرون (1990) والسنغال (2002) وغانا (2010)، كما يُعدّ هذا أفضل نتيجة لمنتخب عربي في تاريخ المونديال، بعد بلوغ المغرب (1986) والسعودية (1994) والجزائر (2014) ثمن النهائي سابقًا.

وتأهّلَ المغرب للمرّة الثانية إلى الدور ثمن النهائي، بعدما حقّق الإنجاز ذاته عام 1986 بالمكسيك، عندما تصدّر مجموعته قبل أن يخرج على يد ألمانيا بهدف نظيف في الأمتار الأخيرة من اللقاء.

وتأهّل أسود الأطلس إلى ثمن نهائي كأس العالم 2022 بعدما تصدّر المجموعة السادسة برصيد 7 نقاط، من الفوز على بلجيكا وكندا، والتعادل أمام كرواتيا.

صورة

أما منتخب إسبانيا، فقد تأهّل إلى دور الـ 16 من كأس العالم 2022 باحتلال وصافة المجموعة الخامسة، برصيد 4 نقاط بالفوز على كوستاريكا والتعادل مع ألمانيا، قبل أن يخسر أمام منتخب اليابان الذي خطف صدارة المجموعة.

وتاريخيًّا، سبق أن تواجه المنتخب المغربي أمام إسبانيا في 3 مباريات، جميعها مباريات رسمية، وبدأت المواجهات بين البلدَين عام 1961، لحساب التصفيات المؤهّلة إلى بطولة كأس العالم 1962، حيث تواجه المنتخبان في مباراتَي ذهاب وإياب لتحديد المتأهّل إلى مونديال تشيلي.

وأُقيمت المباراة الأولى في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 1961، وفيها حقّق منتخب إسبانيا الفوز على منتخب المغرب بهدف دون ردّ، فيما دارت الثانية (إياب) في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1961، وتمكّن فيها منتخب إسبانيا من تكرار فوزه على المغرب، لكن بنتيجة 3-2، ليضمن “لا روخا” المشاركة في كأس العالم 1962.

أمّا المباراة الثالثة بين المغرب وإسبانيا جاءت لحساب دور المجموعات في بطولة كأس العالم 2018، وانتهت بالتعادل بهدفَين؛ وفي المجمل، سجّل المنتخب الإسباني في شباك نظيره المغربي 6 أهداف، فيما سجّل هجوم أسود الأطلس 4 أهداف.

بعيدًا عن الإنجاز المغربي في بلوغ دور الثمانية في تصفيات المونديال والإبداع العربي في تنظيم مسابقة عالمية، فإنّ المونديال القطري نجح في إعادة تشكيل صورة رائعة عن المواطن العربي المهموم بقضاياه والمُدافع عن حقوقه بعيدًا عن أسلاك الحدود الشائكة، ففي قطر سقط التطبيع بشهادة الاحتلال نفسه.