تستقبل العاصمة السعودية اليوم على مدى 3 أيام، الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يزور المملكة لأول مرة منذ عام 2016، ومن المقرر أن يشارك خلالها في 3 قمم: سعودية-صينية، خليجية-صينية، وعربية-صينية، يحضرهما قادة دول المنطقة.
قمم عربية وخليجية صينية، ترعاها السعودية، في وقت تشهد فيه العلاقات الأمريكية السعودية، بعض التوتر وعدم الاستقرار، ما يشير إلى وجود رغبة لدى الرياض في تنويع الشركاء والخروج من الوصاية الغربية.
يُفهم أيضًا من هذه القمم، سعي بيكين لشراكة إستراتيجية مع الدول العربية لبناء عالم متعدد الأقطاب في مواجهة الهيمنة الأمريكية، مستغلة حاجة العرب إلى حليف قوي يُعتمد عليه ويخدم مصالحها، في ظل تراجع النفوذ الغربي عالميًا.
3 قمم متزامنة
لن تقتصر زيارة الرئيس الصيني إلى العاصمة السعودية الرياض على المشاركة في القمة السعودية الصينية، بل ستكون هناك قمتان أخريان، واحدة مع الدول العربية وأخرى مع دول الخليج، وفق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. ولم يعلن بعد بصفة رسمية موعد عقد هذه القمم الثلاثة، لكن تأكد عقد “قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية”، في 9 ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، وفق الدعوات التي وجهتها السعودية لعدد من الزعماء العرب لحضور هذه القمة المرتقبة.
من المتوقع أن يحضر ما لا يقل عن 14 رئيس دولة عربية القمة الصينية العربية، وفق ما ورد في تقرير سابق لـ”سي إن إن“، بحسب مصدر دبلوماسي عربي وصف الزيارة بأنها “علامة فارقة” للعلاقات العربية الصينية.
تأمل الصين من خلال هذه القمة، في مزيد من “التغلغل” في العالم العربي وبسط نفوذها هناك عبر البوابة الاقتصادية
جاء قرار عقد القمة بناءً على مخرجات الدورة التاسعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي – الصيني، الذي عقد في يوليو/تموز 2020، وكان من أهم مخرجاته قرار عقد القمة العربية الصينية الأولى في الرياض. في المقابل لم يعلن بعد موعد القمة الصينية السعودية، “قمة الرياض الخليجية الصينية للتعاون والتنمية”، إلا أنه من المرجح أن تلتئم القمة الصينية السعودية في أولى أيام زيارة الرئيس الصيني للرياض، أما القمة الثانية فمن المرتقب أن تنعقد بالتزامن مع القمة الخليجية.
أعلن مجلس التعاون لدول الخليج العربية والكويت، عقد القمة الخليجية الثالثة والأربعين على مستوى القادة في الرياض الجمعة 9 ديسمبر/كانون الأول الحاليّ، ويضم المجلس الذي تأسس في 25 مايو/أيار 1981 ومقره العاصمة السعودية الرياض، ست دول هي السعودية والكويت وقطر والإمارات وسلطنة عمان والبحرين.
وأوضح بيان للمجلس أن قادة المجلس وممثليهم سيشاركون في قمة صينية خليجية تستضيفها الرياض، الجمعة، وهي الأولى من نوعها، فيما أفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية بأن ولي عهد البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تسلم دعوة من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للمشاركة في القمة الخليجية، الجمعة، في الرياض.
العلاقات الصينية العربية
يؤكد انعقاد القمة العربية الصينية، تطور العلاقات بين الطرفين، إذ ترتبط الصين بعلاقات قوية مع أغلب الدول العربية، ووقعت معظم الدول العربية منفردة على اتفاقيات تعاون إستراتيجي ثنائية، كما وقعت كل الدول العربية بحلول عام 2005 اتفاقيات تعاون ثقافي وتربوي، فيما وقعت الجامعة العربية اتفاقيات تعاون وحوار إستراتيجي في عدة مجالات.
ظهر هذا التطور جليًا في تنامي التبادلات التجارية بين الصين والعرب، فقد قفز الميزان التجاري بين الجانبين من 36.7 مليار دولار أمريكي في نهاية سنة 2004 إلى 330 مليار دولار أمريكي بنهاية سنة 2021 أي بزيادة قدرها 37%.
بحضور فخامة الرئيس الصيني نؤكد مجدداً للعالم على قوة العلاقة التي تجمعنا بصديقنا المملكة العربية السعودية، قمم ستكون برئاسة قادة الصين والمملكة والدول الخليجية والعربية وحتماً ستنتج عنها مصالح للبشرية.. فكنا وسنظل مثال للسلام واحترام خصوصيات الآخرين.. وأهلًا وسهلًا بالضيوف الكرام https://t.co/NHsafXoM0c pic.twitter.com/t56p710zeW
— Chen Weiqing (@AmbChenWeiqing) December 7, 2022
يعتبر العرب شريكًا مهمًا للصين في مجال الطاقة، إذ تستورد الصين أكثر من 50% من حاجتها من النفط والغاز من الدول العربية، رغم الضغوطات الغربية الممارسة على الدول العربية في هذا الشأن، التي تظهر من وقت لآخر، وتحولت قطر إلى أحد أكبر موردي الغاز المسال إلى الصين بفضل عقود طويلة الأجل تم توقيعها مؤخرًا، بعد أول شحنة في 2009، فيما تنافس السعودية روسيا على صدارة مصدري النفط إلى الصين.
إلى جانب ذلك تطور الحضور الصيني في العالم العربي عبر مشاريع البنية التحتية العديدة التي تشرف عليها، من بينها مشروع ميناء الوسط بالجزائر ومشروع السكك الحديدية بمدينة العاشر من رمضان في مصر، بجانب خطوط شبكات الكهرباء الوطنية وخطوط إنتاج الألياف الزجاجية، ومشروع مركز تجميع وتكامل واختبار الأقمار الصناعية، والعاصمة الإدارية الجديدة.
فضلًا عن السكك الحديدية والطرقات والموانئ والمنشآت الرياضية والصحية التي أنجزتها بيكين في عدد من الدول على غرار تونس والسودان والمغرب والإمارات وموريتانيا والأردن وعمان، وهي مشاريع ذات نفع كبير للشعوب العربية.
نتيجة ذلك، تحولت الصين إلى أكبر شريك تجاري للدول العربية مجتمعة، والمستثمر الأول فيها، ووفق المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو”، فإن الاستثمارات الصينية بالدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021، وهي بذلك أكبر مستثمر أجنبي في العالم العربي.
تتصدر السعودية قائمة الدول التي تستثمر فيها الصين، إذ تستحوذ على 21% من الاستثمارات الصينية في الوطن العربي، وفق اتحاد المصارف العربية، تليها الإمارات بنحو 17%، ثم العراق بما يقارب 14%، وجاءت مصر والجزائر في المرتبة الرابعة بـ12 % لكل منهما، أو ما يعادل نحو 26 مليار دولار في الفترة بين 2005 و2021.
يسعى المارد الصيني لتعزيز تحالفاته وتعاونه مع الدول العربية، لضمان اصطفافها معه في أي صراع مستقبلي مع الدول الغربية
تأمل الصين من خلال هذه القمة، في مزيد من “التغلغل” في العالم العربي وبسط نفوذها هناك عبر البوابة الاقتصادية، إذ من المرتقب أن تدعو إلى ضرورة تنفيذ المشروعات المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، وزيادة التعاون في مجالات ومشروعات البنية التحتية، وزيادة التعاون في مجال التكنولوجيا.
وتطمح الصين في تجاوز الولايات المتحدة والتربع على عرش أكبر اقتصاد عالمي في سنة 2030، لذلك هي في حاجة إلى شراكة إستراتيجية مع الوطن العربي المتحكم في طرق التجارة العالمية، والغني بموارد الطاقة التي لا غنى لبيكين عنها لتحريك عجلة اقتصادها الضخم.
أما القادة العرب، فيأملون في الحصول على دعم صيني ومشاريع تنموية واقتصادية جديدة، في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها أغلب الدول تأثرًا بالحرب الروسية ضد أوكرانيا ووباء كورونا الذي أثقل كاهل معظم الدول العربية.
ومن المرتقب أن يقدم الرئيس الصيني شي جين بينغ العديد من المشاريع الجديدة خاصة في مجال الطاقة والطاقات المتجددة، وربما يقدّم مساعدات اقتصادية لبعض الدول التي تعاني أزمات عدة مست كل القطاعات دون استثناء.
تهديد للنفوذ الغربي؟
إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية، ينتظر أن تحقق هذه القمم الثلاثة تقاربًا صينيًا عربيًا، في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها الغربيون لمزيد من محاصرة الصين وتقليم أظافر بيكين التي امتدت للعديد من الدول في العالم.
ويسعى المارد الصيني لتعزيز تحالفاته وتعاونه مع الدول العربية، لضمان اصطفافها معه في أي صراع مستقبلي مع الدول الغربية خاصة الولايات المتحدة بشأن قضايا عديدة على رأسها ملف تايوان ومسلمي الإيغور في شينغيانغ.
زيارة الرئيس الصيني #جين_بينغ ل #الرياض غدا ومشاركته في ثلاث قمم #سعودية و #خليجية و #عربية ومايعد له من استقبال كبير في مقابل الاستقبال الفاتر ل #بايدن في يوليو الماضي سيمثل رسالة قوية تعكس تراجع الحضور التقليدي الامريكي التقليدي
فأمريكا خذلت الشعوب كما الانظمة
وسياساتها أنانية pic.twitter.com/a1mCk13gzg
— أسامة رشدي (@OsamaRushdi) December 6, 2022
في المقابل، ترى الدول العربية ضرورة البحث عن حلفاء جدد بعيدًا عن حلفائهم التقليديين الذين أثبتوا عدم اهتمامهم بالمصالح العربية وتركيزهم على مصالحهم فقط، وقد يجدون في الصين التي تمتلك حق الفيتو في مجلس الأمن هذا الحليف.
هذا التقارب الصيني العربي من شأنه أن يهدد النفوذ الغربي في المنطقة، ولئن أكد جون كيربي، منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تطلب من الدول الأخرى الاختيار بينها وبين الصين، وذلك تعليقًا على زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى المملكة العربية السعودية، إلا أن المخاوف جدية.
يخشى الغرب من خسارة نفوذه في المنطقة العربية لصالح الصين ودول أخرى على غرار روسيا وتركيا، وزادت مخاوفه بعد المواقف العربية، خاصة السعودية، من كيفية معالجة أزمة النفط التي تسببت فيها الحرب الروسية ضد أوكرانيا.