دخلت الكهرباء إلى العاصمة السورية دمشق أواخر القرن 19 واستُخدمت غالبًا لإنارة المؤسسات الحكومية وتشغيل مضخات المياه، في تلك الفترة بدأت الحكومة بالتفكير في استخدام الكهرباء لتغذية مواصلات المدينة وأريافها بديلًا عن المقطورات المجرورة بالخيول، وبالفعل شاهد الدمشقيون حافلات الترامواي الكهربائي تسير في دمشق لأول مرة في أبريل/نيسان سنة 1907، ثم وُسعت خطوط المدينة سنة 1909 وذلك بالتزامن مع كهربة خطوط ترام برلين في ألمانيا.
كان يتم توليد الكهرباء من مياه نهر بردى في محطة توليد (معمل كهرباء) في دُمّر بريف دمشق، ونالت محطة التوليد توسعة كذلك سنة 1909، كما توسعت الشركة في عهد الفرنسيين ودخلها مساهمون فرنسيون، ثم انتقلت ملكيتها إلى الحكومة السورية في عهد التأميم وصار اسمها “مؤسسة كهرباء وترامواي دمشق”.
أما في حلب فقد انبثقت فكرة إنارة مدينة حلب بالكهرباء سنة 1911 إبان العهد العثماني، حين أعلنت وزارة الأشغال العامة في “الأستانة” طرح المشروع للمناقصة، وتم قبول عروض المهندس التركي عثمان وهبي بيك، لكن ظروف الحرب العالمية الأولى حالت دون تنفيذ المشروع، وفي عام 1923 أصدر حاكم دولة حلب، قرارًا بطرح المشروع للغاية نفسها، فمُنِح الامتياز لشركة الاستثمارات الكهربائية والصناعية الفرنسية والمصرف العقاري الجزائري-التونسي، حيث تخصصت الأولى بإدارة المشروع، والمصرف المذكور بالمعاملات المادية وطرح الأسهم.
هذه الحالة التاريخية للكهرباء في سوريا لا تشبه في شيء الحالة المعاشة اليوم في بلاد تغرق بالظلام الدامس، حيث باتت الكهرباء من رفاهيات الحياة وزيارتها تكون خاطفة لبيوت السوريين، فلا تماد تسأل أحدًا اليوم في مناطق سيطرة النظام عن وضع الكهرباء إلا ويقول على سبيل التهكم: “ما عم نشوفها”، وفي هذا الشهر بالذات، ديسمبر 2022، تمر سوريا بالعموم ومناطق سيطرة الأسد بالخصوص بأزمة تطال كل شيء وأولها قطاع الوقود والكهرباء.
نكثف في تقريرنا الكلام عن الكهرباء في سوريا قبل 2011 وبعدها وكيف زادت حرب بشار الأسد على السوريين من المحنة، ونبحث عن حلول؟

قبل 2011
لم تكن خدمة الكهرباء في سوريا قبل عام 2011 ذهبية، فساعات التقنين كانت تزعج الناس خاصة في ساعات الذروة شتاءً وصيفًا، لكن مع كل ذلك كانت سوريا تعد نفسها من الدول الأكفأ عربيًا بمعدل التغذية الكهربائية للقطاعات المختلفة وفقًا لتقارير وزارة الكهرباء، إضافة إلى أن الشبكة كانت في السنوات الأخيرة قبل الثورة تصل إلى ما يزيد على 99% من أراضي البلاد، ومع كل ذلك لم يجر أي تطور أحدث فارقًا في البنية التحتية لهذا النوع من الطاقة.
كان معدل الإنتاج السنوي من الكهرباء في سوريا قبل 2011 يقدر بحدود 9000 ميغاواط، إضافة إلى الاستهلاك المحلي كانت الحكومة السورية تُصدّر الكهرباء إلى لبنان والأردن، وكان إنتاج الكهرباء يتم بطرق متعددة إما بواسطة الغاز أو الفيول وإما بالاعتماد على الموارد المائية التي كانت تولد 8% من الإنتاج الكلي في عموم البلاد.
في العقد الأول من هذه الألفية، سجل قطاع الكهرباء السوري خسائر كبيرة في الإنتاج والنقل جراء الانقطاع المتكرر بسبب الأحمال الزائدة على شبكة الكهرباء، لا سيما خلال الصيف، وبحسب دراسة أعدها الباحثان السوريان كرم شعار وسنان حتاحت لبرنامج مساراتا الشرق الأوسط، فإن المؤشرات الهيكلية إلى جانب مؤشرات الأداء في سوريا كانت ضعيفة، حيث بلغت نسبة الطاقة المفقودة نحو 26%، في حين وصل انقطاع التيار الكهربائي إلى 43 يومًا في السنة، علمًا بأن التعرفات كانت منخفضةً بسبب الدعم الحكومي الكبير.
كان عدد محطات توليد الكهرباء في سوريا قبل الثورة 14 محطة، 11 منها تعمل بالوقود الأحفوري، والمحطات الأخرى تعمل بالطاقة المائية. يُذكَر أن أقدم محطة قيد التشغيل هي سد الطبقة الذي لا يزال يعمل منذ عام 1973، في حين أن المحطة الأحدث هي محطة جندر الموسعة التي استُكمِلَت عام 2011.

ما جعل قطاع الكهرباء ضعيفًا هو وضع النظام السوري يده عليه وإحكام السيطرة عليه عبر وزارة الكهرباء التي كانت المساهم الرئيسي، وفي عام 2010 حاول النظام تطوير الأمر عبر إصدار مرسوم رئاسي يتيح للقطاع الخاص المشاركة في قطاع الكهرباء ضمن حملة اتباع نظام “الليبرالية الاقتصادية” كما أوردت دراسة برنامج مسارات الشرق الأوسط، وذكرت الدراسة أنه “لم يكن ممكنًا قط حدوث طفرة في الاستثمار الخاص والدولي بسبب العوائق التشغيلية وغياب المنافسة الحقيقية”.
إضافة إلى أحادية السيطرة على القطاع الكهربائي، ذكرت الدراسة أن عددًا من التحديات ساهم في ضعف هذا القطاع، حيث “كانت الخسائر مرتفعةً في الإنتاج والنقل جراء الانقطاع المتكرر بسبب الأحمال الزائدة على الشبكة، خصوصًا خلال الصيف”، وقارنت الدراسة سوريا بدول ذات مستويات مماثلة من التنمية، ووجدت أن سوريا تخلفت عن الركب على صعيد المؤشرات الهيكلية ومؤشرات الأداء.
قبل الثورة ازداد اعتماد سوريا على الغاز لتوليد الكهرباء إلى حد كبير، ومرد ذلك بحسب الدراسة إلى أربعة أسباب هي:
1- انخفاض إنتاج النفط المحلي الذي شهدته سنوات التسعينيات من القرن الماضي.
2- زيادة استخدام المحطات ذات الدورة المركبة لتوليد الطاقة الكهربائية نظرًا إلى كفاءتها المُعزَزة.
3- تحسن الوصول إلى الغاز الطبيعي محليًا ودوليًا.
4- أسباب لوجستية متعلقة بنقل المنتجات، حيث صدرت سوريا النفط إلى الخارج واعتمدت على الغاز في توليد الكهرباء.
وتنفي الدراسة فرضية أن يكون النظام اعتمد على الغاز لاعتبارات بيئية، فالغاز تأثيره السلبي على البيئة قليل بالمقارنة بحرق النفط وانبعاثاته.
رغم ما سبق، فإن وصول الطاقة الكهربائية كان مرضيًا وذلك نتيجة للمستويات العالية المحققة من التغذية الكهربائية، إضافة إلى أن دورة الفوترة الشهرية كانت تشكل جزءًا بسيطًا من متوسط الإنفاق الأسري الشهري، كما أن المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية كانت تمنح المشتركين إعانات سنوية بقيمة 320 دولارًا أمريكيًا، وبلغ عدد المشتركين في 2010 ما يزيد على 5.4 مليون مشترك.
ارتفع الطلب على الكهرباء في العقد السابق للثورة بمعدل 7.5% في السنة، ويرجع ذلك إلى النمو الكبير في قطاعَي الصناعة والخدمات، والتغيير في سلوك الاستهلاك المنزلي مع تغلغل الأجهزة المنزلية المُستهلِكة جدًا للطاقة، وغياب السياسات الفعالة للحفاظ على الطاقة.
التصدير قبل وبعد 2011
كانت الحكومة السورية في 2010 تتوقع استثمار 11 مليار دولار لتوسيع شبكات النقل والتوزيع الكهربائي بحلول 2020، ووقعت سوريا مع الأردن ومصر وتركيا والعراق اتفاقية لبناء شبكة كهربائية إقليمية من أجل تحديث نظام الكهرباء في هذه الدول، لكن هذه الاتفاقية تعثرت بفعل حرب الخليج الأولى حينما غزا صدام حسين الكويت، وقبل الثورة أيضًا اُطلِق مشروع خط الغاز العربي من مصر إلى تركيا مرورًا بالأردن وسوريا بوصفه مشروعًا دوليًا للبنية التحتية للغاز.
وفقًا للدراسة، فقد “جرى ربط شبكة النقل السورية بشبكات الكهرباء العراقية والأردنية واللبنانية والتركية عبر تسع وصلات بينية، بيد أن التبادلات الثنائية بين سوريا والبلدان المجاورة اقتصرت في الممارسة على الحالات الطارئة، ناهيك بأن النقص المنهجي في الكهرباء في أنحاء المنطقة كافة، ما عدا تركيا، أضعف استخدام قدرات الربط البيني”.
تشير البيانات الرسمية إلى أن سوريا صدرت 902 جيغاواط إلى لبنان والأردن بشكل رئيسي، واستوردت ما يزيد قليلًا على 1192 جيغاواط من تركيا ومصر بشكل رئيسي في العام 2011.
خلال العام 2015، استمرت حكومة النظام بتصدير الكهرباء إلى دول الجوار رغم الحاجة الماسة لها في الداخل، فتم تصدير 272 ألف كيلوواط ساعي إلى لبنان والأردن، فيما بلغت كمية الاستهلاك المحلي على الخطوط المختلفة في سوريا، 191 ألف كيلوواط، وبلغ استهلاك مؤسسة توزيع الكهرباء وحدها 16093 كيلوواط ساعي سنويًا.
وأعلنت المؤسسة استكمال التبادل الكهربائي مع دول الربط على التوتر، وفي عام 2015 قالت وزارة الكهرباء السورية: “يتم عمل المنظومات الكهربائية في سوريا والأردن ومصر وليبيا على التوازي كمنظومة واحدة من حيث إبرام عقود تبادل الطاقة مع هذه الدول”.
بداية 2022، حضر وزيرا الطاقة الأردني صالح الخرابشة والسوري غسان الزامل، إلى بيروت، ووقعا، مع نظيرهما اللبناني وليد فياض، اتفاقيتين: الأولى لتزويد لبنان بالطاقة الكهربائية من الأردن، والاتفاقية الثانية لتأمين عبور الطاقة عبر سوريا إلى لبنان.
وُقعت الاتفاقيتين بعد أشهر من العمل على مسارين: حصول لبنان على الكهرباء الأردنية، والثاني يرتبط باستجرار الغاز المصري، بهدف رفع ساعات التغذية لشبكة كهرباء لبنان التي تفرض تقنينًا قاسيًا بلغ نحو 22 ساعة يوميًا، وبحسب الاتفاق الذي لم يبدأ بعد لأسباب تقنية، سيتم توريد لبنان من فائض الكهرباء الأردنية، على أن يدفع لبنان الكلفة مباشرة للأردن، وستحصل سوريا على كمية من الكهرباء كبدل للنقل.
كهرباء ما بعد الثورة
عدا عن استخدامها لاستجواب الموقوفين في المعتقلات، استخدم نظام الأسد الكهرباء كسلاح ضد المدن المنتفضة ضده، فكان يقطع عنها الكهرباء لأيام، عدا عن التلاعب بالتيار من أجل ضرب الأجهزة الكهربائية لأهل تلك المناطق، ومع خروج بعض المدن عن سيطرة النظام بشكل نهائي وسيطرة قوات المعارضة عليها، انقطعت الكهرباء كليًا عن هذه المناطق لسنوات.
حصلت العديد من المعارك الكبيرة بين نظام الأسد وقوات المعارضة في المحطات الكهربائية أو على أطرافها بهدف السيطرة عليها، ما أدى إلى خروج أهم محطات التوليد في سوريا عن الخدمة، فضلًا عن خروج أهم آبار وحقول النفط والغاز عن سيطرة النظام السوري ووقوعها بيد تنظيم “داعش”، وبدأت تنقطع الكهرباء بمعدل 15 ساعة يوميًا كمعدل وسطي في المدن الرئيسية، واشتركت في المعاناة المدن الثائرة وتلك الموالية، إذ لا يوجد فيول، وأبرز محطات التوليد أصبحت خارج العمل.
بفعل المعارك انخفضت واردات الغاز والفيول إلى محطات التوليد الكهربائي، ما انعكس بشكل مباشر على كفاءة محطات التوليد، كلها، وما زاد الأمور تعقيدًا غياب الكوادر وصعوبة تأمين قطع الغيار بسبب العقوبات على النظام السوري، حتى بلغت قيمة الأضرار المباشرة وغير المباشرة خلال السنوات الخمسة الماضية، 8 مليارات دولار، وخرجت أكثر من 60% من محطات التوليد عن الخدمة بشكل كامل، فانخفضت الكميات المنتجة من الكهرباء إلى 1800 ميغاواط في حين أن الطلب يبلغ 6 آلاف ميغاواط، وفقًا لوزارة الكهرباء.
أضرار المحطات
دمرت قوات النظام السوري في الأساس بعض المحطات الحرارية عن طريق القصف الجوي أو المدفعي، كما تضررت بعض المحطات بفعل المعارك بين المعارضة والنظام وحصل تخريب لمحطة من طرف قوات المعارضة.
خرجت محطة حلب الحرارية عن الخدمة عام 2015، وخرجت محطة زيزون في إدلب عام 2016، بالإضافة إلى خروج محطة التيم في دير الزور عام 2017، يذكر أن هذه المحطات الرئيسية الثلاثة كانت توفر ما نسبته 18.2% من إجمالي الإنتاج الكهربائي المحلي في البلاد.
في حين ظلت 8 محطات في الخدمة بشكل كامل أو جزئي، تعرضت محطتا محردة والزارة في ريف حماة للأضرار نتيجة للمعارك القائمة قربها، وكذلك حصل لمحطة تشرين في دمشق، فيما بقيت السدود الثلاث على نهر الفرات تعمل بشكل جزئي وضعيف.
أعلنت المؤسسة السورية العامة لتوليد الكهرباء عام 2019 أن 165 برجًا من أبراجها التي يبلغ عددها 345 تعرض للتدمير أو الضرر وهو ما أسفر عن:
١- تضرر النقل الكهربائي.
٢- نشوء داراتٍ معزولة.
٣- فصل محطات الكهرباء الأكبر حجمًا عن باقي الشبكة.
٤- فصل المناطق الحضَرية عن المولدات في المناطق الريفية التي غالبًا ما كانت تحت سيطرة قوات المعارضة.
ومما أثر على تضرر القطاع الكهربائي بشكل مباشر هو استهداف خطوط أنابيب الغاز، وقد شهد عام 2014 أقوى الهجمات من قوات المعارضة على خطوط أنابيب الغاز، ومن أبرز الهجمات التي استهدفت البنية التحتية للغاز الذي يعتمد عليه القطاع الكهربائي:
١- في 2014 تعرض خط أنابيب الغاز العربي، الذي ينقل الغاز من مصر، للاستهداف، ما تسبب بانقطاع التيار الكهربائي في محافظة دمشق.
٢- تضرر خطوط الأنابيب في الصحراء السورية غرب تدمر، والخط الذي يربط حقل الشاعر بمعمل إيبلا لمعالجة الغاز، الأمر الذي أسفر عن انقطاع التيار الكهربائي في كل من حمص ودير الزور.
٣- استهداف معمل غاز الجبيسة، ما أدى إلى توقف الخدمة عن محطتي الزارة والتيم لتوليد الكهرباء.
تسببت هذه الأضرار بانخفاض القدرة الإنتاجية للكهرباء، إضافة إلى خسائر كبيرة طالت قطاعات النقل والتوزيع، الأمر الذي يحتاج إلى سنوات لإصلاحه فضلًا عن ارتفاع التكاليف التعميرية لهذه البنية وهو ما لا يتوافر بحكم الأزمات المتوالية والعقوبات المفروضة على النظام رغم توقف المعارك وانحسار المعارضة إلى بقعة جغرافية صغيرة بالمقارنة بما كانت عليه منذ سنوات.
هذا وقد أعلن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري، محمد سامر الخليل، نهاية العام الفائت، أن خسائر قطاعي النفط والكهرباء بلغت 195 مليار دولار منذ عام 2011، وقال الخليل: “لا يوجد رقم نهائي لخسائر الاقتصاد السوري جراء الحرب التي شهدتها سوريا”، مضيفًا أن الخسائر متراكمة ومسجلة، لكن لا يمكن الحديث عن أرقام نهائية إلا بعد استعادة كل الأراضي السورية.
قدر وزير النظام الخسائر المباشرة وغير المباشرة في قطاع الكهرباء بـ100 مليار دولار، بينما كانت في القطاع النفطي في سوريا حتى عام 2020 قرابة 95 مليار دولار، لكن الخبراء “لا يتفقون على مقياس واحد للخسائر غير المباشرة، الأمر الذي يجعل هكذا تقديرات صعبة للغاية”.
في أبريل/نيسان 2021، أعلن وزير الكهرباء غسان الزامل عن توحيد برنامج التقنين في مختلف المحافظات، لتوفير ساعة من الكهرباء مقابل 4 ساعات ونصف من التقنين، وشهدت هذه السياسة على أرض الواقع تفاوتًا كبيرًا بين المحافظات، حتى إن التفاوت كان ضمن أحياء المدينة الواحدة.
وأدى عجز حكومة النظام إلى التوجه نحو استخدام الطاقة المتجددة، ففي عام 2016 أصدر بشار الأسد قانون “الشراكة بين القطاعين العام والخاص”، الذي تم بموجبه الموافقة على 73 مشروعًا من مشاريع الطاقة المتجددة منذ يناير/كانون الثاني 2019.
كان من ضمن هذه المشاريع محطات كهروضوئية في محافظات ريف دمشق وحمص وحماة وطرطوس والسويداء، واثنان فقط من المشاريع هي لتوربينات الرياح في محافظة حماة، وكانت قيمة الأصول المعلنة لهذه المشاريع كلها تبلغ ما يزيد قليلًا على 170 مليون دولار، إلا أن الباحثين في هذه الدراسة يتوقعون قيمة فعلية أعلى من ذلك بكثير.
وفي تصريحات أخرى، قال الزامل إن واقع الكهرباء “سيشهد تحسنًا خلال الفترة القادمة، لكن مع إعادة تأهيل وتجهيز المحطات التي تحتاج إلى فترة زمنية طويلة”، زاعمًا أن وزارته “تسعى لأن تكون هناك 12 ساعة تغذية من أصل 24 ساعة للوصول على الأقل خلال العام القادم لقيم توليدية جيدة”، مضيفًا “في حال انتهاء سيطرة قسد على شرق الفرات ستتحسن الكهرباء تلقائيًا دون الحاجة لأي وقت”، وخلال السنوات الماضية أعلنت حكومة النظام إجراء تعتيم عام في أكثر من مرة، وفي التعتيم يتم قطع الشبكة الكهربائية نهائيًا لأيام.
تقنين
بما أن النظام السوري كان عاجزًا عن تلبية مناطق سيطرته بإمدادت الكهرباء، فقد ابتكر السوريون خلال السنوات العشرة السابقة عدة حلول وبدائل لتوفير بعض الطاقة التي تعينهم في حياتهم، فباتت المولدات الكهربائية المنزلية أبرز الحلول، كما بات الاعتماد على البطاريات كمصدر أساسي للكهرباء في سبيل الإضاءة، بالإضافة إلى تحويل الأجهزة الكهربائية الصغيرة للعمل بنظام 12 فولتًا عوضًا عن نظام 24 فولتًا بما يتوافق مع طاقة البطاريات الموجودة.
في تقرير سابق لـ”نون بوست” نقلنا معاناة الناس مع الكهرباء في سوريا، وكيف أنهم انتقلوا لتوليد الكهرباء عبر ألواح الطاقة الشمسية التي باتت تعد عصبًا رئيسيًا هناك، وقد أشار الشاب أسامة دراج (43 عامًا) في مداخلة بالتقرير إلى أن الكهرباء في بلدته الكسوة في ريف دمشق الغربي لا تأتي إلا ساعة في الصباح ومثلها ليلًا، لذلك يعتمد على ألواح الطاقة الشمسية التي تغذي بيته بالإنارة، ويعتمد بها على شحن بعض الأجهزة الإلكترونية.
وغير أسامة مهنته من العمل كمعلم كهرباء إلى العمل في مجال الطاقة الشمسية، وذلك منذ 6 سنوات، وفي حديثه لـ”نون بوست” قال إن ألواح الطاقة باتت السبيل الرئيسي للخروج من أزمة الكهرباء في البلاد، “لكن أسعار هذه الألواح مرتفعة، ومن أجل مد بيت كامل بالكهرباء يحتاج المرء إلى مبالغ باهظة”.
يوضح أسامة أن “العوائل ميسورة الحال تضع منظومة طاقة كاملة تكون قدرتها التشغيلية عالية، إذ إنها تشغل الأجهزة الكهربائية في المنزل، وتصل تكلفتها إلى 13 مليون ليرة سورية، أي ما يقارب 3 آلاف دولار”، لافتًا إلى أن “بعض العوائل تضع دارة صغيرة مع لوح طاقة شمسية واحد أو لوحين بقيمة 300 دولار تقريبًا للإنارة وبعض الاستخدامات الخفيفة، أما من لا يستطيع تركيب ألواح الطاقة الشمسية فإنه يعتمد على البطاريات التي يشحنها في الوقت الذي تأتي فيه الكهرباء، وهذا الأمر معاناة بحد ذاته لأن البطاريات الموجودة في الأسواق رديئة وتحتاج تبديلًا كل عدة أشهر، وهو مصروف إضافي يثقل كاهل العوائل”.
إلى ذلك اعتمدت وزارة الكهرباء سياسة “التقنين”، ففي أبريل/نيسان 2021، أعلن وزير الكهرباء توحيد برنامج تقنين الكهرباء في مختلف المحافظات، بغية توفير الكهرباء ساعة واحدة لكل 4 ساعات ونصف الساعة من التقنين، ولا يوجد جدول واضح يبين أوقات القطع ومدته في كل منطقة، لكن تقديريًا تعاني المحافظات السورية من انقطاع التيار الكهربائي لأكثر من 22 ساعة في اليوم، بمعدل 11 ساعة قطع مقابل ساعة وصل واحدة، وفي بعض المناطق تكون 8 ساعات قطع ونصف ساعة وصل، وفي معظم الأحيان قد لا تتجاوز ساعات الوصل على مدار كامل اليوم الساعة الواحدة مقسمة على نصفَي ساعة.
استجداء
في شهر ماير/أيار أقامت حكومة النظام السوري، المؤتمر الأول لـ”الاستثمار في قطاع الكهرباء والطاقات المتجددة”، بهدف تشجيع الاستثمار في سوريا، لتحسين القطاع الكهربائي، الأمر الذي عجزت الحكومة عن تحقيقه خلال السنوات الماضية، لكن هذا المؤتمر لم يتوصل إلى نتيجة يمكن أن تدفع بعجلة الكهرباء إلى التحسن.
وخلال السنوات الماضية حاول النظام السوري إقرار بعض القوانين التي تخص قطاع الكهرباء، لكن كل ذلك لم ينه الأزمة ولا يبدو أنه سينهيها في الأفق وأبرز هذه القوانين والقرارات:
– في عام 2016، أصدر بشار الأسد قانون الشراكة بين القطاعَين العام والخاص، وأرسى القواعد والأنظمة اللازمة للاستثمار في قطاع الكهرباء.
– أصدر رئيس الوزراء أمرًا بتحديد أسعار شراء الكهرباء من المولدات الخاصة.
– في عام 2019، نشرت وزارة الكهرباء إستراتيجية مدتها عشر سنوات من أجل زيادة إنتاج الطاقة المتجددة إلى 5% من إجمالي إنتاج الكهرباء.
– في أكتوبر/تشرين الأول أصدر رئيس النظام السوري مرسومًا ينص على أنه يمكن لوزارة الكهرباء الترخيص للمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع التوليد التقليدية المستقلة، دون الالتزام بشراء الكهرباء.
ترى دراسة مركز الشرق الأوسط للدراسات “أن إعادة تأهيل قطاع الكهرباء في سوريا تتطلب انخراطًا أجنبيًا، وهو ما ينطبق على شراء التوربينات لزيادة القدرة الإنتاجية، وقطع الغيار الضرورية لاستبدال المحولات المتضررة، وإصلاح المحطات المعطلة. بيد أن العقوبات الدولية تُبطِئ هذه العملية. وإن كانت حكومة دمشق تتمتع بالخبرة لإصلاح شبكة النقل المتداعية ونصف المدمرة، تعوزها الأموال اللازمة لذلك. أَضِف إلى ذلك أنها تفتقر إلى الأموال والخبرة لإصلاح القدرة الإنتاجية أو بناء قدرة جديدة، لذا طلبت من حلفائها الخارجيين تنفيذ هذه المشاريع وتمويلها”.
القطاع الكهربائي بأيد روسية وإيرانية
في ظل التنافس بين روسيا وإيران في سوريا، يبدو أن قطاع الكهرباء أحد ساحات هذا التنافس لتحصيل أكبر المكاسب لكسب السيطرة الكبرى، في عام 2017 أيضًا، وقعت إيران مذكرة إنشاء 5 مجموعات غازية في مدينة بانياس الساحلية باستطاعة 125 ميغاواط، وتضمنت المذكرة إعادة تأهيل المجموعة الأولى والخامسة بالمحطة الحرارية في حلب، وتأهيل وتفعيل مركز التحكم الرئيسي للمنظومة الكهربائية السورية، ومركز التنظيم الرئيسي بنظام “إسكادا” بدمشق، فضلًا عن إعادة تأهيل محطة توليد التيم في دير الزور باستطاعة 90 ميغاواط، وإعادة تأهيل وتحسين أداء محطة توليد جندر في حمص.
وفي عام 2018، حصلت شركة مبنا الإيرانية على عقد لبناء محطة توليد كهرباء بقدرة 540 ميغاواط مع خط أنابيب لنقل الغاز، وبقيمة 411 مليون يورو في مدينة اللاذقية على الساحل السوري.
وفقًا لـ”تليفزيون سوريا” فإن صادرات محطات الطاقة الكهربائية الإيرانية إلى سوريا اتخذت مسارًا تصاعديًا خلال السنوات الخمسة الماضية، لتصل في المجموع إلى نحو 64.5 مليون دولار، لكن أكثر من نصف هذه الصادرات يعود للأشهر السبع الماضية من العام الحاليّ الذي تضاعفت فيه قيمة هذه الصادرات أكثر من ثلاثة أضعاف مقارنة بأكبر قيمة لصادرات الأعوام الماضية، وهو ما يفسر إتمام إيران التقريبي لمحطة اللاذقية وحلب، وتوقيعها عقد محطة محردة الجديد.
أما بالنسبة لروسيا، فقد وقعت حكومة النظام مع روسيا في 2018 اتفاق “خريطة طريق” لبناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء وإصلاح بعض التوربينات في محطة حلب الحرارية، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، مُنِحَت شركة “ستروي إكسبرت الشرق الأوسط” ترخيصًا لبناء محطتَين لتوليد الكهرباء بالطاقة الشمسية، واحدة في حمص بقدرة 1 ميغاواط، وأخرى في ضواحي دمشق بقدرة 2 ميغاواط.
مما سبق تخلص دراسة مركز الشرق “إلى أن افتقار النظام إلى التمويل الكافي قد أبعد حتى حلفاءه الرئيسيين روسيا وإيران، عن الاستثمار والمساهمة بشكل حقيقي في إعادة فعالية إنتاج ونقل الكهرباء في البلاد، أما الحلفاء الآخرون كالصين والهند فقد اقتصرت أدوارهم على تصدير محدود للمعدات وقطع الغيار”، وترجح الدراسة أن الطاقة الإنتاجية للكهرباء في مناطق سيطرة النظام حاليًّا، رغم الدمار، كافية تمامًا لتلبية حاجات السكان بسبب انخفاض عددهم من نحو 21.3 مليون قبل الثورة السورية إلى 12 مليون حاليًّا.
حاليًّا.. تشهد مناطق سيطرة النظام السوري اليوم أزمة وقود حادة تعد الأقسى من نوعها وهو ما أثر على الكهرباء، حيث ازداد الوضع سوءًا، وانخفض وصول الكهرباء إلى مستويات قياسية في عموم البلاد، حيث لم تصل الكهرباء منذ 24 ساعة إلى بعض الأماكن، وفي مدن وبلدات لم تأت الكهرباء منذ يومين أو ثلاثة، فيما ارتفعت ساعات التقنين في مراكز المدن لتصل في بعض أحياء دمشق إلى 10 ساعات و15 ساعة في أحياء المحافظات الأخرى.
طهران رفعت كميات النفط الخام المورد إلى النظام السوري وفق آلية “الخط الائتماني الإيراني”، من مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل شهريًا، بهدف التخفيف من أزمة المحروقات التي يعاني منها النظام، لكن هذا الدعم لا يمكن أن يكون حلًا دائمًا طالما أن الدول الحليفة للنظام لا تجري استثمارات واضحة أو جادة في قطاع الكهرباء.