ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت روسيا تتوقع تحقيق النصر منذ وقت طويل حسب خطتها الأولية التي تنص على شن هجمات بريّة داخل أوكرانيا خلال الأيام العشرة الأولى من الحرب ثم دفعها إلى الاستسلام سريعًا بعد ذلك. لكن كييف لم ترضخ ورفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مغادرة العاصمة مؤكدا “أنا بحاجة إلى الذخيرة، وليس وسيلة هرب”، بينما كان يحشد الأوكرانيين للمقاومة. وبحلول نيسان/ أبريل، كانت القوات الروسية قد انسحبت من شمال أوكرانيا.
اتبعت موسكو عملية محدودةً أكثر في المرحلة الثانية من الحرب خلال الربيع وأوائل الصيف، حيث وسعت احتلالها لجزء من جنوب أوكرانيا واستولت على كامل منطقة لوغانسك وأجزاء من منطقة دونيتسك المجاورة في الشرق. في المقابل، شهدت المرحلة الثالثة التي تواصلت من آب/أغسطس إلى غاية تشرين الثاني/نوفمبر هجمات مضادة من الجانب الأوكراني في الشمال الشرقي والجنوب إلى جانب استعادة معظم الأراضي التي سيطر عليها الجيش الروسي في الأشهر القليلة الأولى.
والآن، أصبحت فكرة فوز بوتين بالحرب صعبة التحقق إذ أن عمليّة “ضمه” لأربع مناطق أوكرانية في حالة يرثى لها. والسؤال الأهم الآن هو إلى أي مدى وبأي سرعة يمكن أن تستعيد أوكرانيا الأراضي المحتلة في سنة 2022، وتضغط على المناطق التي يسيطر عليها الوكلاء الروس منذ 2014؟ وما الذي سيحدث خلال المرحلة الرابعة من الحرب التي ستبدأ في الشتاء؟
ساحة المعركة
مع تحرير مدينة خيرسون، سيطرت القوات الأوكرانية على جميع المناطق الواقعة غرب نهر دنيبرو، وتمركزت القوات الروسية المنسحبة على الضفة الشرقية بعد أن نسفت جميع الجسور الرئيسية لوقف أي مطاردة أوكرانية. في المقابل، هناك مؤشرات تدلّ على وجود مقاومة أوكرانية أخرى، فقد عبرت القوات الأولى نهر دنيبرو وأقامت موطئ قدم لها في إحدى القرى الأسبوع الماضي. لذلك، يقوم الروس بنقل المدنيين من بعض المستوطنات على الضفة الشرقية، كما أفيد أيضًا بأنهم سحبوا بعض القوات.
بينما لا يزال موقع خط دفاعهم الجديد مجهولا، كان نسق التحرّك الأوكراني خلال الخريف يتمحور حول إضعاف القدرات الروسية من خلال شنّ الهجمات على شبه جزيرة القرم المحتلة وكذلك شرق خيرسون، قبل التقدم برًا. ألحقت الهجمات أضرارا ودمارا بالقواعد والطائرات الحربية ومستودعات الذخيرة والجسور ومواقع الإمداد والتموين. ومن المحتمل أن يتم اعتماد النسق ذاته خلال الشتاء أيضًا.
كان التقدم السريع لأوكرانيا في أيلول/ سبتمبر متبوعًا بمرحلة تعزيز حاولت روسيا تعطيلها من خلال القصف المستمر، كما سعى الروس على امتداد أسابيع لإعلان نصر رمزي نوعا ما من خلال غزو باخموت في منطقة دونيتسك الشرقية.
كان هذا القتال من أكثر المعارك دموية في الحرب، لكن النصر الروسي لن يكون له قيمة استراتيجية تذكر لأن النتيجة المرجوة من غزو باخموت باعتباره الطرف الجنوبي الذي سيوقف الخط الدفاعي لأوكرانيا، قد تلاشت بعد الهجوم المضاد الذي تم شنّه في الخريف. ويبقى السؤال الأهم هو ما إذا كان بإمكان أوكرانيا اختراق الخطوط الروسية في منطقة لوغانسك ما من شأنه أن يساهم في صدّ تقدم روسيا الصيفي وإضعاف ضمها للمناطق الأربع بالوكالة.
جبهة الطاقة
كان أمل بوتين الأخير في استعادة سيطرته على المبادرة هو تدمير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا، حيث أمر بتصعيد الضربات منذ 10 تشرين الأول/ أكتوبر مما أدى إلى تدمير ما يقارب نصف شبكة الكهرباء في أوكرانيا، لكن الإرادة الأوكرانية لم تنكسر رغم الإصلاحات المتواصلة على مدار الساعة وحالات الطوارئ وموجات التعتيم المتناوبة.
هناك حاليا مؤشرات تدل على تقلص قدرة روسيا على مواصلة هذا الوابل من الهجمات. فعلى سبيل المثال، خلال هجمات 5 كانون الأول/ ديسمبر، تم إطلاق ما يزيد عن 70 صاروخًا تم إسقاط أكثر من 60 منها بواسطة الدفاعات الجوية الأوكرانية. ويقول مسؤولون غربيون إنه تم استنفاد مخزون الطائرات الإيرانية المسيّرة الموجودة، وأن طهران لم توافق على تسليم روسيا أي كميات أخرى. ووفقا للمستشار الرئاسي الأوكراني ميخايلو بودولاك، لدى روسيا الآن مخزون لا يكفي سوى لشن هجومين أو ثلاثة هجمات جماعية أخرى.
في غضون ذلك، تحاول روسيا كسر الدعم الأوروبي لكييف من خلال التهديد بخفض إمدادات الطاقة أو حتى وقفها تماما. لقد أغلقت روسيا خط أنابيب نورد ستريم 1 ويشتبه في كونها مسؤولة عن الانفجارات التي دمرت كلا من نورد ستريم 1 و2 في بحر البلطيق. مع ذلك، فشل هجوم الطاقة هذا وكذلك “حرب الحبوب” في إضعاف العزم الغربي على الوقوف إلى جانب أوكرانيا. حتى أن الدول الأوروبية – بشكل فردي ومن خلال الاتحاد الأوروبي – قد كثفت في الواقع من مساعداتها المالية والعسكرية.
الجبهة القانونية والدبلوماسية
على الصعيد الدبلوماسي، ليس هناك أي إمكانية للمفاوضات والشرط المسبق لأوكرانيا هو الانسحاب الروسي من الأراضي المحتلة هذا العام. لا يُظهر بوتين أي علامة على التخلي عن طموحه في إسقاط حكومة زيلينسكي في النهاية والحفاظ على “عمليات الضم”، لكن أصبح هناك تركيز الآن على العدالة والمساءلة عن جرائم الحرب.
تجري الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية بالفعل تحقيقات في المناطق المحررة، والأهم من ذلك أن هناك الآن جهدا مستمرا لجعل القادة الروس وكذلك القوات الفردية يواجهون الملاحقة القضائية، كما تدعم الآن كل من فرنسا وهولندا ودول البلطيق دعوة زيلينسكي لتشكيل محكمة دولية.
قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر إن الاتحاد الأوروبي، بدعم من الأمم المتحدة، سيدعم المحكمة الخاصة، كما الآن إعداد مشروع قرار للأمم المتحدة لكي تنظر فيه الجمعية العامة.
الجبهة الروسية
يواجه بوتين ضغوطا على جبهات محلية متعددة. من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الروسي الذي يواجه الآن نتائج الحرب بنسبة 8 بالمئة خلال الفترة الممتدة من 2022 إلى 2023، كما تعطّل أيضا جزء كبير من قطاع التصنيع مثل صناعة السيارات. بالإضافة إلى ذلك، تشهد عائدات النفط الروسية تراجعًا حتى قبل أن يفرض الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع وأستراليا هذا الأسبوع حدًا أقصى للأسعار.
قام الكرملين بقمع المعارضين من خلال الاعتقالات والتهديد بأحكام طويلة بالسجن، لكن المظاهرات الجماهيرية ضد بوتين والتقدم الأوكراني يثيران الاستياء داخل صفوفه وكذلك داخل الجمهور الروسي.
وقد كشف استطلاع للرأي أجراه مركز ليفادا المستقل في تشرين الثاني/ نوفمبر أن 53 بالمئة من المشاركين يؤيدون المفاوضات بينما يؤيّد 41 بالمئة مواصلة الحرب. وكان الاستطلاع الداخلي الذي أجراه الكرملين أكثر وضوحًا بالنسبة لبوتين: فقد أيد 55 بالمئة محادثات السلام و25 بالمئة فقط دعموا استمرار الحرب. بحلول الشتاء والطقس البارد في جميع أنحاء أوكرانيا، يبدو أن رياح الهزيمة الباردة تعصف في الميدان الأحمر في موسكو.
المصدر: ذا كونفرسيشن