اقتصاد الطاقة.. فواتير باهظة على البيئة والإنسان
تسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا في تعطيل أسواق الطاقة العالمية، ونتج عن ذلك أكبر ارتفاع في أسعار النفط الخام منذ السبعينيات، ما أثقل كاهل الملايين من الأشخاص حول العالم بالفواتير الباهظة لأزمة اقتصادية دوافعها سياسية، وكما دفع الحكومات المنهكة من الأزمات المتلاحقة، والتي تنفق مبالغ طائلة لتهدئة اقتصاداتها، إلى إنفاق المليارات الإضافية لتخفيف أزمة الطاقة، حتى وصلت فواتير الطاقة مستويات غير مسبوقة.
في هذا التقرير من ملف “وقود الكوكب”، نلقي الضوء على حجم الإنفاق العالمي على مصادر الطاقة المختلفة، ونصيب الفرد من هذا الإنفاق، وتكاليف الطاقة على الصعيد الدولي في أعقاب جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية وحالة التخبُّط والتحرك العالمي المتسارع حول ملف الطاقة، وتوفيرها بشكلها الأساسي من النفط والغاز أو عبر خلق البدائل، وكيف يتغير مشهد الاستثمار في مجال الطاقة؟
فاتورة الطاقة
تشير نفقات الطاقة إلى إجمالي المبلغ الذي يُنفق على جميع الطاقة المستخدمة في القطاعات السكنية والتجارية والصناعية وقطاعات النقل مجتمعة، وقد ارتفعت فواتير الطاقة للأسر بسبب مخاوف إمدادات الغاز والنفط، وقرار العديد من الدول، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة، الحد بشكل كبير من اعتمادها على النفط والغاز الروسيَّين.
من المرجّح أن يتجاوز إجمالي فاتورة الطاقة التي يدفعها المستهلكون في العالم 10 تريليونات دولار لأول مرة في عام 2022، ما سيضرّ بأشد فئات المجتمع فقرًا.
وارتفعت تكاليف السلع والمنتجات والخدمات المرتبطة بالطاقة، مع ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بأكثر من 500% عن هذا الوقت من العام الماضي، وبالتالي تجاوز حجم الأموال التي استثمرتها دول الاتحاد الأوروبي لمساعدة المستهلكين والشركات على التعامل مع أزمة الطاقة وتخفيف عبء تكاليف المعيشة 300 مليار يورو، ووفقًا للبيانات التي جمعتها وكالة “رويترز” ومركز الأبحاث “Bruegel”، التزمت الحكومات بالفعل بـ 282 مليار يورو (2.3% من الناتج المحلي الإجمالي).
واستمر الإنفاق العام في قطاع الطاقة رغم تراكم الديون الجديدة لدول الاتحاد الأوروبي لإنقاذ اقتصاداتها خلال جائحة كورونا عام 2020، وتصدّرت ألمانيا قائمة الإنفاق بـ 100.2 مليار يورو، أو 2.8% من ناتجها المحلي الإجمالي، وأعلنت تأميم شركة النفط العملاقة المتعثرة “يونيبر”، تليها إيطاليا التي خصصت 59.2 مليار يورو منذ سبتمبر/ أيلول 2021 لحماية الأسر والشركات من ارتفاع أسعار الطاقة، وهو ما يمثل 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي، وتأتي فرنسا في المرتبة الثالثة حيث خصصت 53.6 مليار يورو حتى الآن، وهو ما يمثل 2.2% من إجمالي الناتج المحلي.
نتيجة لهذا الإنفاق الإضافي، توقعت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقرير لها، أن يتجاوز إجمالي فاتورة الطاقة التي يدفعها المستهلكون في العالم 10 تريليونات دولار لأول مرة في عام 2022، ما سيضرّ بأشد فئات المجتمع فقرًا، ويمارس الضغط على الحكومات لتخفيف العواقب المحتملة.
لكن هذا الرقم يزيد بمقدار الثلث تقريبًا في تقديرات أخرى، فوفقًا لدراسة جديدة أجرتها شركة الاستشارات البحثية لتقنيات الطاقة “Thunder Said Energy”، من المرجّح أن يتضاعف إنفاق الطاقة الأولية على مستوى العالم كحصة من الإنتاج المحلي، وتفترض الدراسة أسعارًا تتراوح بين 250 إلى 300 دولار لكل طن فحم، و125 إلى 150 دولارًا للبرميل النفط، و40 إلى 45 دولارًا لكل ألف قدم مكعب من الغاز.
وتستعدّ تكاليف الطاقة لتصل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 13 تريليون دولار في عام 2022، وهو ما يمثل 13% من الناتج المحلي الإجمالي مع ارتفاع تكاليف السلع التي تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وتزيد من فواتير الأسر والصناعة على حد سواء، ويتطابق هذا المستوى مع المستويات التي شهدتها أزمة الطاقة بين عامَي 1979-1980.
رغم مستويات الإنفاق العالية، يتعيّن أن تصل فاتورة الطاقة في العالم إلى 50 تريليون دولار لتلبية احتياجات الطاقة في العالم بحلول عام 2035، بحسب ما ذكرت وكالة الطاقة الدولية عام 2014، وأوصت بزيادة الاستثمار العالمي السنوي في إمدادات الطاقة البالغ 1.6 تريليون دولار خلال العقود المقبلة نحو 2 تريليون دولار.
وتستحوذ الولايات المتحدة على النسبة الأكبر من الإنفاق كدولة منفردة، حيث بلغ إجمالي إنفاقها على الطاقة 1.01 تريليون دولار أمريكي في عام 2020، وهذا يمثل انخفاضًا بنحو 216 مليار دولار أمريكي مقارنة بالعام 2019، وهو أقل مبلغ منذ عام 2002، في حين بلغ الإنفاق ذروته عام 2014، عند ما يقرب من 1.4 تريليون دولار، وفقًا لشركة “Statista” المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين.
وبلغ نصيب الفرد من نفقات الطاقة في الولايات المتحدة 3039 دولارًا أمريكيًّا في عام 2020، بانخفاض 19% عن عام 2019، وكانت هذه التكلفة أقل نفقات الطاقة للفرد في الولايات المتحدة منذ عام 1999.
ووفقًا لتقرير المفوضية الأوروبية عن أسعار الطاقة وتكاليفها، بلغت فاتورة واردات الاتحاد الأوروبي من الطاقة 331 مليار يورو في عام 2018، بعد 3 سنوات من الزيادات المتتالية، ويحذّر التقرير من التكاليف التي يتحملها الاتحاد الأوروبي من اعتماده الكبير على واردات الوقود الأحفوري، فالنفط له التأثير الأكبر على فاتورة الطاقة للمستهلكين، بينما يحتل الغاز الطبيعي المرتبة الثانية.
ووفقًا لأبحاث بنك الاستثمار الأمريكي “Goldman Sachs”، قد تصل فواتير الطاقة لعائلة أوروبية إلى 500 يورو شهريًّا في أوائل العام المقبل دون فرض قيود على الأسعار، مقارنة بـ 160 يورو في عام 2021، أي بزيادة 200% عن العام السابق، حيث تفرض تداعيات الحرب الروسية والأزمة الاقتصادية نفسها بقوة.
الاستثمار في الطاقة
يجادل قادة العالم لسنوات بأن الضرورة الملحّة للتصدي لتغير المناخ والفرصة طويلة الأجل للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، ستؤدي في النهاية إلى الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، ومن خلال إضافة المخاوف الأمنية إلى المعادلة، أدّى الغزو الروسي لأوكرانيا في وقت مبكّر من هذا العام إلى تجديد الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.
في عام 2021، استثمرت الصين 266 مليار دولار في إجراءات تحول الطاقة، وهو ما يمثل أكثر من ثلث الإجمالي العالمي 755 مليار دولار.
وبحسب وكالة الطاقة الدولية، من المقرر أن يرتفع الاستثمار العالمي في الطاقة بنسبة 8% في عام 2022، ليصل إجمالي الاستثمار إلى 2.4 تريليون دولار، وهذا أعلى بكثير من مستويات ما قبل انتشار جائحة كورونا، ومع ذلك فإن ما يقرب من نصف الزيادة في الإنفاق مرتبط بارتفاع التكاليف والأسعار المرتفعة والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة وتقلبات المناخ، وجميعها عوامل تؤثر على الاستثمار العالمي في الطاقة.
وتواجه الحكومات والشركات والمستثمرون موقفًا معقدًا عندما يقررون مشاريع الطاقة التي يجب دعمها، ومع ذلك يتزايد الاستثمار في جميع أجزاء قطاع الطاقة، لكن الدفعة الرئيسية في السنوات الأخيرة جاءت من مصادر الطاقة المتجددة، وتمثل الآن أكثر من 80% من إجمالي استثمارات قطاع الطاقة، وتشكّل الطاقة الشمسية ما يقرب من نصف هذه الاستثمارات.
ووجد تقرير لوكالة الطاقة الدولية صدر العام الماضي، أن الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة يمكن أن يصل إلى 4 تريليونات دولار سنويًّا بحلول عام 2030 إذا سعت الدول إلى إزالة الغازات الدفيئة بسرعة، وقدّرت الوكالة في أوائل عام 2022 أن الحكومات في جميع أنحاء العالم خصّصت 710 مليار دولار للطاقة النظيفة طويلة الأجل وتدابير التعافي المستدام.
وسط الجهود المبذولة للتركيز على الطاقة النظيفة، برزت الصين كأكبر مستثمر منفرد في العالم في تحول الطاقة النظيفة. في عام 2021، استثمرت الصين 266 مليار دولار في إجراءات تحول الطاقة، وهو ما يمثل أكثر من ثلث الإجمالي العالمي (755 مليار دولار)، واستثمرت الولايات المتحدة ثاني أكبر مبلغ بقيمة 114 مليار دولار، تليها ألمانيا (47 مليار دولار)، والمملكة المتحدة (31 مليار دولار)، وفرنسا (27 مليار دولار).
وبسبب الاستثمارات واسعة النطاق في مشاريع البنية التحتية الضخمة، أصبحت الطاقة الكهرومائية المصدر الرئيسي لإنتاج الطاقة المتجددة في الصين، ويعدّ سد الممرات الثلاثة المثير للجدل، والذي تمّ الانتهاء منه في عام 2012 بتكلفة تزيد عن 37 مليار دولار، أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في العالم، وتبلغ طاقته الإنتاجية 22 ألفًا و500 ميغاواط.
وأصبح الاستثمار العالمي في الطاقة النظيفة الآن أعلى بكثير ممّا كان عليه وقت توقيع اتفاقية باريس، ومع ذلك يبدو أن هناك تباينًا كبيرًا في نمو الاستثمار العالمي في الطاقة المتجددة، ففي حين تمضي الصين والاقتصادات المتقدمة قدمًا، فإنها تترك الاقتصادات الناشئة والنامية (باستثناء الصين) وراءها، ولا يزال الإنفاق على الطاقة النظيفة فيها عالقًا عند مستويات عام 2015.
ولا يخلو الأمر من إمكانية حدوث انقسامات جديدة مع تقدُّم البلدان بسرعات مختلفة من خلال تحولات الطاقة، على سبيل المثال بحلول عام 2030، يُتوقع أن يسير إنتاج الفولاذ “الأخضر” في الاقتصادات التي تعهّدت بالوصول إلى صافي صفر انبعاثات، جنبًا إلى جنب مع استمرار استخدام الأساليب التقليدية كثيفة الانبعاثات في أماكن أخرى، ما يعمق التوترات حول التجارة في السلع كثيفة الاستهلاك للطاقة.
ويمثّل الاستثمار في تحسين الكفاءة مجال نمو رئيسي آخر، مدفوعًا بارتفاع أسعار الوقود والحوافز الحكومية، وتقودُ زيادةُ الاستثمار في كفاءة المباني الطريقَ بنسبة 16% في عام 2021، وهي أكبر زيادة سنوية منذ بدء تتبُّع تدفقات الاستثمار، وتركز العديد من البلدان، لا سيما اليابان والصين وبعض الدول في أوروبا، بشكل متزايد على معايير أداء الطاقة العالية للبناء الجديد.
ومن المتوقع الحفاظ على الاتجاه التصاعدي في الإنفاق على تحسين كفاءة الطاقة في عام 2022، ومع ذلك فإن الاستثمار في هذا الاتجاه يواجه رياحًا معاكسة، مع ارتفاع تكاليف الاقتراض، وثبات دخل الأسرة، وانخفاض ثقة المستهلك، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية يجب زيادة الإنفاق العالمي على كفاءة الطاقة إلى 550 مليار دولار سنويًّا.
اقتصاد طاقة جديدة
كما هو الحال دائمًا، يتوقف الكثير على استمرار الدعم الحكومي لتعزيز مصادر الطاقة منخفضة الكربون على حساب الوقود الأحفوري، حيث تمثل الشركات المملوكة للدولة حوالي نصف استثمارات الطاقة، لكن الأموال العامة عادة ما تكون محدودة، والعديد من المرافق المملوكة للدولة مثقلة بالديون، كما أن الآفاق الاقتصادية العالمية المتدهورة تقلل من قدرة الحكومات على تمويل مشاريع الطاقة.
ويبدو أن اقتصاد الطاقة الجديد بدأ في الظهور بالفعل، ففي عام 2020، حتى مع غرق الاقتصادات تحت وطأة عمليات الإغلاق لانتشار جائحة كورونا، زادت حصة مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية بأسرع معدل لها منذ عقدَين، وحققت مبيعات السيارات الكهربائية أرقامًا قياسية جديدة.
كان الاستثمار في الوقود الأحفوري المجال الوحيد الذي يظل، بشكل إجمالي، أقل من المستويات التي شوهدت قبل الجائحة في عام 2019.
وفي مقابلة مع مجلة “تايم”، في 13 سبتمبر/ أيلول الماضي، قال المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، إن الدليل على التحول المتسارع إلى اقتصاد الطاقة الجديد موجود في جميع أنحاء العالم، حيث يستجيب صانعو السياسات للضغوط على جبهات متعددة، مضيفًا: “بالنظر إلى جميع الأرقام يومًا بعد يوم في جميع أنحاء العالم، أرى اقتصادًا عالميًّا جديدًا للطاقة آخذًا في الظهور”.
واستشهد بيرول بقانون خفض التضخم الأمريكي بقيمة 369 مليار دولار في برامج أمن الطاقة وتغير المناخ على مدى السنوات العشر المقبلة، وبرنامج “RePowerEU” بقيمة 210 مليار دولار في الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على روسيا، وبرنامج التحول الأخضر بقيمة 146 مليار دولار في اليابان.
مثل هذه البرامج زادت من سقف التوقعات، حيث يُتوقع أن تصل قيمة الاستثمار في الطاقة النظيفة إلى 1.4 تريليون دولار في عام 2022، ويمثل هذا ما يقرب من ثلاثة أرباع النمو في إجمالي الاستثمار في الطاقة.
وكان متوسط معدل النمو السنوي للاستثمار في الطاقة النظيفة في السنوات الخمس التالية لتوقيع اتفاقية باريس في عام 2015 يزيد قليلاً عن 2%، ومنذ عام 2020 ينمو بمعدل سنوي متوسط يبلغ 12%، أقل بكثير ممّا هو مطلوب لتحقيق الأهداف المناخية الدولية، ولكنه مع ذلك خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
بلغ الاستثمار في منتجات تخزين الطاقة الكهروكيميائية والمعروفة أيضًا باسم “نظام تخزين طاقة البطارية” مستويات عالية، ومن المتوقع أن يتضاعف ليصل إلى ما يقرب من 20 مليار دولار أمريكي في عام 2022.
كذلك عزز الغزو الروسي لأوكرانيا الزخم وراء انبعاثات الهيدروجين المنخفضة، خاصة في أوروبا، وتعمل الشركات التي تركز على الهيدروجين النظيف على جمع أموال أكثر من أي وقت مضى، وقد تضاعفت قيمة مجموعة من الشركات الرائدة في هذا المجال 4 مرات منذ نهاية عام 2019.
ويبلغ الاستثمار السنوي في الهيدروجين منخفض الكربون حوالي نصف مليار دولار، لتزويد 15 مليون طن إضافي من الهيدروجين المستهدف في خطة الاتحاد الأوروبي “REPowerEU”، وتشير التقديرات إلى أن الاستثمار التراكمي الذي يبلغ إجماليه حوالي 600 مليار دولار أمريكي سيكون مطلوبًا حتى عام 2030، مع 60% منه للبنية التحتية خارج الاتحاد الأوروبي.
وارتفع الاستثمار أيضًا في المشاريع التجارية لالتقاط وتخزين ثنائي أكسيد الكربون إلى حوالي 1.8 مليار دولار في عام 2021، وبدأت كميات كبيرة من رأس المال الخاص في التدفق على الشركات الناشئة بتقنيات مكلفة لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء وتخزينه أو استخدامه، بما في ذلك إنتاج الهيدروجين والوقود الحيوي، والتي تمثل مجتمعة ما يقرب من نصف المشاريع المعلن عنها حديثًا.
كذلك ارتفعت حصة الكهرباء من الاستهلاك النهائي للطاقة في العالم بشكل مطّرد خلال العقود الأخيرة، ويتطلب صعودها زيادة موازية في حصتها من الاستثمار المتعلق بالطاقة، فمنذ عام 2016، كان الاستثمار العالمي في قطاع الطاقة النظيفة أعلى باستمرار ممّا كان عليه في إمدادات النفط والغاز، ونتيجة لذلك أصبحت الكهرباء الساحة المركزية للمعاملات المالية المتعلقة بالطاقة.
المركبات الكهربائية تعدّ هي الأخرى عاملًا رئيسيًّا في زيادة الإنفاق على الاستخدام النهائي النظيف من قبل المستهلكين، وزادت مبيعاتها بأكثر من الضعف في عام 2021 مقارنة بالعام السابق، وتستمر في الارتفاع بقوة في عام 2022، وبالعودة إلى عام 2012 بيع 120 ألف مركبة فقط في جميع أنحاء العالم، وفي عام 2021 بيع أكثر من هذا الرقم كل أسبوع.
لا تتعلق الكهربة (التزود بالكهرباء) بالسيارات فقط، فقد كانت مبيعات المركبات الكهربائية ذات العجلتَين والثلاث عجلات كبيرة، كما أن الاستثمار في الحافلات والمركبات التجارية الكهربائية قوي أيضًا، وينتشر معظمها في الصين.
وبحسب التقديرات، أكثر من 80% من مبيعات السيارات الكهربائية تتركز في الصين وأوروبا، وأكثر من 90% من الإنفاق العالمي على البنية التحتية العامة لإعادة شحن المركبات الكهربائية موجود في الصين وأوروبا والولايات المتحدة.
وينمو الاستثمار في أماكن أخرى، ففي أوائل عام 2022 طلبت الهند أكثر من 5 آلاف حافلة كهربائية لـ 5 مدن رئيسية، مُنحت بنصف السعر الذي تمَّ التوصُّل إليه في المناقصات السابقة.
مع وجود أكثر من 3 مليارات سيارة كهربائية على الطريق في عام 2050، تلعب البطاريات دورًا رئيسيًّا في اقتصاد الطاقة الجديد، كما أنها أصبحت أكبر مصدر منفرد للطلب على العديد من المعادن الهامة مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت.
ويمثل الحجم الإجمالي لسوق توربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم والمحللات الكهربائية وخلايا الوقود فرصة سوقية حتى عام 2050 بقيمة 27 تريليون دولار، وتمثل البطاريات نصيب الأسد من السوق المقدرة لمعدّات تكنولوجيا الطاقة النظيفة في عام 2050.
بالمقارنة، كان الاستثمار في الوقود الأحفوري المجال الوحيد الذي يظل، بشكل إجمالي، أقل من المستويات التي شوهدت قبل الجائحة في عام 2019، هذا رغم ارتفاع أسعاره التي تولّد مكاسب غير مسبوقة للمورّدين، إذ من المقرر أن يتضاعف صافي الدخل لمنتجي النفط والغاز في العالم نهاية هذا العام ليصل إلى 4 تريليونات دولار في عام 2022، أي أكثر من ضعف متوسطه لـ 5 سنوات، حيث يذهب الجزء الأكبر منه إلى الدول الرئيسية المصدّرة للنفط والغاز.
ورغم أن زعماء العالم تعهّدوا بتزويد البشرية بالطاقة النظيفة بأسعار معقولة، ما زال الاستثمار في الوقود الأحفوري أكبر من الاستثمار في الطاقة المتجددة، ففي عامي 2019 و2020، تلقت مشاريع الوقود الأحفوري تمويلًا أكبر من التمويل الموجَّه نحو مبادرات تحسين جودة الهواء بنحو 21%، وفقًا لتقرير صندوق “Clean Air” عن حالة التمويل المخصصة لجودة الهواء العالمي.
ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تنفق الحكومات في جميع أنحاء العالم أكثر من 420 مليار دولار كل عام لدعم الطاقة غير المتجددة، وتتصدر إيران قائمة دعم الاستهلاك لعام 2020، وتتلقى دعمًا حكوميًّا يقارب 30 مليار دولار في شكل دعم حكومي للغاز والكهرباء والنفط، تليها الصين (أكثر من 25 مليار دولار)، والهند (أكثر من 20 مليار دولار)، والسعودية (أكثر من 16 مليار دولار)، وروسيا (حوالي 15 مليار دولار).
في عام 2021، تمَّ استثمار حوالي 105 مليارات دولار في سلسلة إمداد الفحم، بزيادة قدرها 10% على أساس سنوي، ومن المتوقع زيادة 10% أخرى هذا العام مع استمرار نقص العرض في جذب مشاريع جديدة، وهذا بعيد جدًّا عن حالة السوق التي تنطوي عليها الأهداف المناخية الدولية والتزام “جلاسكو” بالتخلص التدريجي من الفحم.
هذه الزيادة تقودها الصين والهند، اللاعبان المهيمنان في أسواق الفحم العالمية، ورغم التعهُّد بالتوقف عن بناء محطات تعمل بالفحم، لا تزال هناك قدرة جديدة كبيرة تدخل السوق المحلية، حيث تمّت الموافقة على تطوير أكثر من 20 غيغاواط في عامَي 2020 و2021، وأكثر من 15 غيغاواط تمّت الموافقة عليها حتى النصف الأول عام 2022.
أظهرت دراسة حديثة أُجريت في جامعة أكسفورد البريطانية أن التحول نحو الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم يُمكن أن يوفر أكثر من 12 تريليون دولار بحلول العام 2050.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أنه إذا كان العالم يسير على المسار الصحيح لانبعاثات صفرية صافية بحلول عام 2050، فإن فرصة السوق السنوية لمصنّعي توربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم والمحللات الكهربائية وخلايا وقود الهيدروجين ستزيد بمقدار 10 أضعاف لتصل إلى 1.2 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2050 تقريبًا، هذه العناصر الخمسة وحدها ستكون أكبر من صناعة النفط اليوم والعائدات المرتبطة بها.
في المجمل، تكمن الحلول الدائمة لأزمة اليوم في تسريع تحولات الطاقة النظيفة من خلال زيادة الاستثمار في الكفاءة والكهرباء النظيفة ومجموعة من مصادر الوقود النظيف، فقد أظهرت دراسة حديثة أُجريت في جامعة أكسفورد البريطانية أن التحول نحو الطاقة النظيفة في مختلف أنحاء العالم يُمكن أن يوفر أكثر من 12 تريليون دولار بحلول العام 2050، أي 55% من خدمات الطاقة على مستوى العالم، وذلك بفضل التطور السريع في تقنيات إنتاج الطاقة البديلة التي يشهدها العالم.