قال المستشار الألماني أولاف شولتز إن بلاده يمكن أن تزيد عدد سكانها كثيرًا في الأعوام المقبلة، إذ تسعى الحكومة إلى تعزيز الهجرة للمساعدة في تجنب نقص العمالة وأزمة في نظام المعاشات التقاعدية، وقال شولتز، إن الحكومة تعمل على جذب العمالة الأجنبية “لمواصلة المسيرة” ، مما يجعل زيادة السكان بنسبة 7% ليصلوا إلى 90 مليون نسمة بحلول عام 2070 أمرا معقولًا.
وقال شولتز إن النمو السكاني الحالي الذي يرجع جزئيًا إلى زيادة الهجرة يعني أن من المحتمل ألا ترفع الحكومة مساهمات المعاشات التقاعدية قبل نهاية ولايتها في عام 2025، وكان مكتب الإحصاء الألماني قدّر أن عدد السكان في البلاد من المرجح أن يرتفع بمقدار مليون نسمة، ليبلغ 84 مليونًا هذا العام بسبب الهجرة من أوكرانيا، وأضاف أن التعداد قد يصل إلى 90 مليونًا في العقود المقبلة إذا كانت الهجرة كبيرة.
يشار إلى أن الحكومة الألمانية الاتحادية وافقت مؤخرًا على خطط لإصلاح قانون الهجرة، إذ تسعى برلين إلى فتح سوق العمل في أكبر اقتصاد في أوروبا أمام العمالة التي تشتد الحاجة إليها من خارج الاتحاد الأوروبي. وقالت الحكومة إنها تريد تعزيز الهجرة والتدريب لمعالجة نقص المهارات الذي يثقل كاهل الاقتصاد الألماني في فترة تشهد نموا ضعيفا، مع تزايد ضغط الشيخوخة السكانية على نظام المعاشات التقاعدية العام.
إصلاح قانون الهجرة
منذ أيام قال متحدث باسم الحكومة الألمانية إن حكومته وافقت على خطط لإصلاح قانون الهجرة، وتشمل الإصلاحات تعديلات على قانون القوى العاملة الماهرة المهاجرة، وقد طرحت هذه التعديلات للمرة الأولى في مارس\ آذار 2020، إضافة إلى ذلك ستُمنح القوى العاملة من غير الماهرين فرصة أيضًا للهجرة إلى ألمانيا إذا رأت وكالة “التوظيف الاتحادية” أن هناك حاجة إليهم في قطاعات معينة.
وقد وعد المستشار الألماني أولاف شولتز بوضع نظام نقاط للهجرة يتسم “بالشفافية وانعدام البيروقراطية”، وهو نظام يأمل الائتلاف أن يقترن بقواعد مخففة للحصول على الجنسية الألمانية.
وكانت رابطة غرف التجارة والصناعة الألمانية من أشد المرحبين بالقرارات الجديدة، حيث أشادت بخطط الحكومة الألمانية لتسهيل إجراءات الهجرة للعمال المهرة وقالت إنها “خطوة في الاتجاه الصحيح عندما يتعلق الأمر بمكافحة النقص الحالي في العمال”، لكنها أشارت إلى أن مشاريع القوانين الجديدة لا تزال بحاجة إلى بعض التحسينات. ودعا ممثل عن الرابطة إلى إجراء تعديلات في مجالات مثل عتبة الرواتب وتوظيف المتدربين من الخارج. ودعا هانز بيتر فولسيفر، رئيس جمعية صناعية سلطات الهجرة الألمانية إلى أن تصبح “مراكز ترحيب”.
كما دعا إلى أن تسرع السفارات الألمانية في الخارج عملية الحصول على التأشيرة، لتسهيل الهجرة للعمال المهرة، مشيرًا إلى أنه “بدون ذلك فإن الأشخاص لن يأتوا، خاصة وأن ألمانيا لا تتمتع بأفضل سمعة كدولة هجرة على أي حال”. وقال إنه من المهم أن تكون اللوائح الجديدة عملية وغير بيروقراطية. وأشار فولسيفر إن هناك حاليا وظائف شاغرة في قطاع الحرف الماهرة أكثر بكثير من الـ 153 ألفا المعلن عنها رسميا، حيث لم تعد العديد من الشركات تبلغ حتى عن وظائفها الشاغرة بعد الاستقالة.
وزيرة الداخلية الاتحادية نانسي فيسر قالت إنها ” مع الحق في الحصول على الإقامة في البلاد فإننا نخلق تغييرًا في المنظور، نريد للأشخاص المندمجين جيدًا أن يحصلوا أيضًا على فرص جيدة في بلدنا. نحن نضمن ذلك مع حق الحصول على فرصة الإقامة” وأضافت: “نريد الممارسة السابقة للتسامح المتسلسل نحن أيضًا ننهي البيروقراطية وانعدام الأمن للأشخاص الذين أصبحوا بالفعل جزءًا من مجتمعنا” مشيرة إلى “أولئك الذين يرتكبون جرائم جنائية أو يرفضون بعناد تقديم معلومات حول هويتهم مستبعدون من الحق في البقاء”.
وأضافت الوزيرة الألمانية: “نحن بحاجة إلى جذب العمال المهرة بشكل أسرع ، وهو ما نحتاجه بشكل عاجل في العديد من القطاعات، لهذا السبب نسهل على المهنيين إحضار عائلاتهم إلى ألمانيا”. أما عن موضوع إتقان اللغة الألمانية نوهت الوزيرة إلى أن المتقدمين إلى الهجرة في ألمانيا لن يضطروا بعد الآن إلى إثبات معرفة باللغة الألمانية قائلة: “نريد أن يأتي العمال المهرة إلى ألمانيا بسرعة كبيرة وأن يكونوا قادرين على الحصول على موطئ قدم معنا”، لكنها “أكدت على أنهم يعززون الاندماج منذ البداية – لجميع طالبي اللجوء . لكن في المستقبل ، لن يعتمد الوصول إلى دورات الاندماج على احتمالية البقاء. لأن توصيل قيمنا ولغتنا أمر مهم دائمًا ، حتى لو كان الناس في ألمانيا بشكل مؤقت فقط”.
بررت الوزيرة موقف الحكومة ذلك من تشهيل إجراءات الهجرة إلى أنها تريد الحد من الهجرة غير النظامية وتمكين الهجرة النظامية قبل كل شيء، وأكدت أنه “يجب أن نطرد المجرمين وأولئك المعرضين للخطر بشكل أسرع وأكثر اتساقًا وسيكون من الأسهل على المجرمين سحب حقهم في الإقامة في المستقبل.
الهجرة والتجنيس
أما عن التطورات التي طالت قانون الهجرة، تتضمن مشروع قانون لإدخال حق الإقامة، حيث سيتم منح الذين تم “التسامح معهم لسنوات عديدة الفرصة للوفاء بالمتطلبات اللازمة لحق الإقامة مع تصريح إقامة لمدة عام واحد” وفقًا لما وضحته الحكومة الألمانية. وذكرت أن هذه الفرصة ستشمل تأمين المعيشة، وبحسب القانون فإنه سيستفيد من ذلك الأشخاص الذين كانوا في ألمانيا لمدة خمس سنوات ولم يرتكبوا جريمة جنائية. يشار إلى أن الذين تم التسامح معهم هم الأشخاص الذين رفضت طلبات إقامتهم لكن الدولة لم تعمل على ترحيلهم.
إضافة لما سبق، سيتم تعديل لوائح حقوق الإقامة الحالية بحيث يتمكن المزيد من الناس من الاستفادة منها، وبحسب الحكومة الألمانية فإنه “يجب أن يكون للشباب المندمجين جيدًا الحق في البقاء بعد ثلاث سنوات في ألمانيا وحتى سن 27 عامًا”. كما سيتم “الاعتراف بإنجازات الاندماج الخاصة للأشخاص الذين يتم التسامح معهم من خلال منحهم الحق في البقاء بعد ست سنوات أو بعد أربع سنوات إذا كانوا يعيشون مع أطفال دون السن القانونية”.
الناحية الأبرز في التعديلات الجديدة هي تسهيل هجرة العمال المهرة، وكما تكلمنا فإن ألمانيا بحاجة إلى هجرة من العمال لكي تسد النقص الذي يشكل خطرًا داهمًا على بد الماكينات. وبحسب القاتون فقد أصبح لم شمل الأسرة للعمال المهرة من بلد ثالث أسهل من خلال إلغاء الحاجة إلى شهادة لغة لأفراد الأسرة الذين يهاجرون ما يعني أنه لم يعد يجب أن يتخلى شخص عن جنسيته في بلد آخر من أجل الحصول على الجنسية الألمانية.
إضافة إلى الإصلاحات التي طالت قانون الهجرة، تسعى الحكومة الألمانية إلى إحداث تغييرات واضحة في قانون التجنيس الألماني، وتتلخص هذه التغييرات في ثلاث نقاط أساسية وهي بأنه سيُسمح للمهاجرين الذين يعيشون في ألمانيا بشكل قانوني بالتقدم بطلب للحصول على الجنسية بعد خمس سنوات فقط بدلاً من ثمانية كما هو معمول به حالياً، إضافة إلى حصول الأطفال الذي يولدون في ألمانيا على الجنسية الألمانية تلقائياً، شرط أن يكون أحد الوالدين، على الأقل، عاش بشكل قانوني في البلد لمدة خمس سنوات أو أكثر، وثالثا: سيتم السماح بتعدد الجنسيات لدى المهاجرين.
جدل
لكن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط المعارض، الذي عرقل باستمرار أي إصلاحات من هذا القبيل في الماضي، عارض خطط شولتس بوضوح. وقال فريدريش ميرتس زعيم الحزب “إن الجنسية الألمانية شيء ثمين للغاية، ويجب على المرء أن يتعامل مع هذا الموضوع بحذر شديد”. أما الحزب الليبرالي الحر، أصغر شركاء الائتلاف الألماني الحاكم، فقد قال أمينه العام بيجان دجير سراي إن “الوقت الآن غير مناسب لتبسيط قواعد المواطنة، علماً أنه لم يتحقق أي تقدم على الإطلاق في إعادة وافدين لا يستحقون اللجوء، ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وبالتالي لا يجب أن تتخذ خطوات جديدة قبل تحديد ما آلت إليه الأمور بالنسبة إلى النقاط الأولى. وبالنسبة إلى الليبرالي الحر لن يكون هناك أي تخفيض لشروط الجنسية الألمانية”.
وقد خلقت مسودة تعديل قانون الجنسية تباينًا في المواقف، وفي حين لاقى بعض المعارضة إلى أن الكثير يرون به فرصة من أجل سد نقص العمالة في البلاد، وبهذا تقول رئيسة مجلس الخبراء لتقييم التنمية الاقتصادية الشاملة مونيكا شنيتزر إن “التجنيس يعزز اندماج الأجانب الذين يعيشون ويعملون في ألمانيا. وفي ضوء التغيير الديمغرافي والنقص المتزايد في عدد العمال والموظفين الماهرين، فالتجنيس موضع ترحيب بالتأكيد، وقد يساهم في تحفيز قدوم الكفاءات إلى البلاد”.
تجدر الإشارة إلى أن 10.7 ملايين شخص يحملون جنسية أجنبية يعيشون في ألمانيا، بينهم 5.7 ملايين يعيشون في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات على الأقل. وكانت نسبة التجنيس منخفضة لفترات طويلة ولم تتجاوز 2.45 في المائة لأولئك الذين يعيشون في البلاد منذ أكثر من عشر سنوات في عام 2021. ومقارنة بدول أوروبية أخرى تأتي ألمانيا في المرتبة الثالثة. ووفقًا “معهد بحوث السوق والتوظيف” الألماني، تحتاج ألمانيا إلى جذب ما لا يقل عن 400 ألف عامل ماهر سنوياً.
بحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني فقد بلغ عدد الألمان المنحدرين من أصول أجنبية العام الماضي 22.3 مليون نسمة، ما يعادل 27.2% من إجمالي السكان، وهي أعلى قيمة يتم تسجيلها منذ بدء الإحصاء في عام 2005، ويمثل الأتراك النسبة الأكبر حيث يمثلون 12% يليهم البولنديون ومن ثم الروس والأوكران.