قوات الدفاع الشعبي في السودان نموذج سوداني واضح للحرس الثوري الإيراني، لكن مع الفارق في الإمكانيات المتاحة، وكما تساءلنا سابقًا عن دورها الغامض في النظام السوداني الحالي، علينا أن نحاول الإجابة قدر الاستطاعة على هذا التساؤل بجانب تساؤلات عدة أخرى تحوم حول هذا الموضوع الشائك الذي يعد صندوقًا أسودًا بالفعل .
فهذه القوات أصبحت أداة استقواء ودعم لنظام المؤتمر الوطني الحاكم، فالمتطوعون بالقوات يؤدون بعية لرئيس الجمهورية الذي تتبع له قيادة هذه القوات مباشرة دون وسيط، يأتي ذلك في إطار طقس ديني معروف لدى الجماعات الإسلامية الجهادية خارج عن قسم القوات المسلحة المعتاد؛ لهذا سميت بالبيعة تبعًا للنسق الجهادي التي تتخذه قوات الدفاع الشعبي.
ظهر واضحًا احتياج النظام السوداني لهذه القوات داخليًا فيما نشرته وكالة (سونا) للأنباء – وكالة الأنباء الرسمية السودانية – عام 2012 متحدثة عن بيعة 2300 عنصرًا مقاتلاً في صفوف الدفاع الشعبي للرئيس السوداني “عمر البشير” في جنوب كردفان، أضافت الوكالة أن المقاتلين بايعوا البشير على الدفاع عن أراضي الوطن ومكتسبات الأمة، وقد كان الرئيس السوداني قبلها قد أعلن عن فتح معسكرات تدريب الدفاع الشعبي في كافة ولايات السودان.
وفي نفس خطاب البيعة هذا لوح البشير باستخدام قوات الدفاع الشعبي ضد الجنوب بعد احتلال دولة جنوب السودان لمنطقة “هجليج”، متوعدًا الجنوب بالعقاب الصارم عن طريق ما أسماه “كتائب المجاهدين”، ومؤكدًا أن نزاع هجليج بعث في الشعب السوداني روح الجهاد والاستشهاد (هذا المثال كفيل أن يعطي لك معلومة عن كيفية حشد قوات الدفاع الشعبي وطريقة تعاملهم مع القيادة بمفهوم البيعة مع ظروف وأماكن استخدام النظام لهم بعد الشحن المعنوي الجهادي لهم).
وفي الدور السياسي الذي تلعبه قوات الدفاع الشعبي في حماية النظام أو التدخل في العملية الأمنية للنظام على أقل تقدير جاءت الشواهد تؤكد ذلك الأمر؛ فمنذ يوم تقريبًا وقّعت الفصائل المعارضة المسلحة التي تصفهم السلطات بالمتمردين والقوي السياسية المعارضة اتفاق تحالف بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ما اعتبرته الرئاسة السودانية خيانة للوطن، حسب تصريح لنائب الرئيس السوداني “حسبو محمد عبد الرحمن”، فيما أتت توجيهات الرئاسة السودانية بفتح معسكرات التدريب لقوات الدفاع الشعبي كرد فعل على هذا الاتفاق، وأكد نائب الرئيس أن لجوء المعارضة لمثل هذه الخطوة لا يثني الدولة عن مضيها في مشروع تمكين الدين، في استدعاء واضح للهجة شعبوية دينية يعتمد عليه نظام المؤتمر الوطني في مآزقه السياسية.
كما جاءت تصريحات المنسق العام لقوات الدفاع الشعبي “عبد الله الجيلي” مؤيدة لهذا الحشد، مؤكدًا أن الدفاع الشعبي جند أكثر من مليون مقاتلاً خلال مسيرته استشهد منهم أكثر من 18 ألف مقاتلاً في معارك مختلفة مع استعداد الدفاع الشعبي لتقديم المزيد، بينما أتت استعدادات الجيش في الخطاب الإعلامي ضمن استعدادات الدفاع الشعبي؛ مما يؤكد دمج قوات الدفاع الشعبي في الصراع السياسي كأداة في يد نظام الإنقاذ الحاكم، وهو ما يؤكد تحول الدفاع الشعبي لحرس ثوري أو كما تحب أن تطلق عليه المعارضة أحيانًا مليشيات في يد نظام المؤتمر الوطني.
لم تتوقف مظاهر تدخل الدفاع الشعبي إلى جانب القوات المسلحة في أكثر من موطن ليرسخ في الأذهان أنه قوة منفصلة في الدولة له دور ليس شعبيًا فحسب كما يدعى النظام، بل إنه فاعل في حسم قضايا سياسية عالقة ونزاعات لم يستطع الجيش النظامي السوداني فضها.
فقوات الدفاع الشعبي لها رونقها الخاص وتصريحاتها الخاصة بها في الشأن السياسي العام، فقد صرحت هذا العام بأن الصيف القادم سيأتي وحالة التمرد السائدة غير موجودة، وهو ما أكدته تعهدات قيادة الدفاع الشعبي في إفطارها السنوي أن الصيف المقبل سيكون ختاميًا لدحر الحركات المتمردة.
تأتي تصريحات قيادات قوات الدفاع الشعبي في ظل مشاركتها في حملات القوات المسلحة في منطقة النزاع في كردفان، حيث أكدت مصادر بالدفاع الشعبي مقتل أكثر من 50 من عناصر القوات التي تقاتل بجانب الجيش السوداني هناك وسط تأكيدات على استمرار النفير لدى كل قوات الدفاع الشعبي بجميع الولايات السودانية.
بينما لا يخفي دعمه لذلك علانية تحت سترة الجهاد، حيث صرح “على كرتي” وزير خارجية السودان أن الحملات الغربية التي تستهدف السودان لن تدفعهم للتنازل عن باب الجهاد، في إشارة لعدم التخلي عن قوات الدفاع الشعبي.
أما الوجه المدني لهذه القوات فهو حاضر أيضًا وبقوة فقد جمعت القوات من مختلف الولايات عبر منسقيها أكثر من 132 مليون جنيهًا كمساعدات ودعم لمنكوبي شمال كردفان، حسبما صرح أحد منسقي الدفاع الشعبي؛ وهو ما يجعل له تواجد مدني في الأعمال المجتمعية بدعم حكومي غير منقطع.
في ظل هذا التمدد لقوات الدفاع الشعبي والتسليح المستمر من الحكومة تبقى مشكلة الدفاع الشعبي في عدم السيطرة على جميع مقاتليه، حيث إن تدريب وتسليح فئة شعبية في بيئة منعدمة السيطرة المركزية كالسودان يجعل انشقاق بعضها واردًا؛ الأمر الذي جعل الدفاع الشعبي أحد أسباب فشل اتفاقات عدة أبرمها النظام بعدم امتثال جميع المقاتلين لهذه الأمور، لكن الأمر ليس بالخطورة الفعالة الآن لكنه يعطي نظرة بعيدة لما يمكن أن يكون عليه حال النظام الحالي في ظل تنامي القوة المسلحة لحركات المعارضة بالقرب من المركز، وهذا يجعل قوات الدفاع الشعبي تحت المجهر لما سيكون لها من أهمية ودور في حالة نشوب أي صراع مسلح داخل نطاق العاصمة، كذلك مع تنامي دورها الفاعل في العملية السياسية واتهام المعارضة لها بأنها مجرد مليشيا للحزب الحاكم عكس مفهوم الجهاد التي تروج له الحكومة في دعمها لقوات الدفاع الشعبي الذي سيظل تجربة سودانية تحتاج إلى مزيد من الدراسة والبحث الدقيقين.