عقدت الجزائر وتركيا الدورة الأولى للجنة التخطيط والتعاون والشراكة الشاملة بين البلدَين، المكلفة بمتابعة تنفيذ المشاريع والاتفاقات المتفق عليها سواء في الاجتماعات الوزارية أو على مستوى القادة، في خطوة تؤكّد تمسُّك الطرفَين بالمضيّ قدمًا في شراكتهما، لتحقيق الهدف المحدد بالوصول إلى مستوى 10 مليارات دولار من التبادل التجاري بين البلدَين.
وبالنظر إلى حجم التعاون بين البلدَين، فقد أصبحت زيارات المسؤولين ورجال الأعمال الأتراك إلى الجزائر شبه عادية، إذ إنه بعد شهر من زيارة وزير الطاقة، فاتح دونماز، حلَّ وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، الذي التقى نظيره رمطان لعمامرة واُستقبل من طرف الرئيس عبد المجيد تبون.
أكثر من 5 مليارات دولار
انعقدت الدورة الأولى للجنة التخطيط والتعاون والشراكة الشاملة الجزائرية التركية، التي تعدّ آلية متابعة جديدة لتعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدَين، لتقييم مدى تنفيذ القرارات التي اتخذها البَلدان في اجتماع مجلس التعاون التركي-الجزائري رفيع المستوى الذي عُقد في مايو/ أيار الماضي بأنقرة، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس تبون إلى تركيا، والتي توّجت بالتوقيع على 15 اتفاقية في مختلف المجالات، وقد ترأّس هذه الدورة وزيرا خارجية البلدَين.
قال وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إن أرقام التبادلات الاقتصادية بين البلدَين “تدلّ على أن للشراكة بين بلدينا مستقبلًا واعدًا”. وأضاف أن “الوتيرة التي وصلنا إليها والمطلوب تسريعها هي علامة من العلامات التي يجب توظيفها للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية بين بلدينا، سواء تعلق الأمر بالتجارة أو الاستثمار أو النقل أو التكنولوجيا أو التعاون في مختلف المجالات”، وتابع أن “الشراكة الجزائرية-التركية تحمل في طياتها إنجازات لا يستهان بها وتكرّس أبعادًا قوية بين البلدَين”.
تتجلّى هذه الأبعاد القوية في تجاوز الاستثمارات التركية بالجزائر حاجز رقم 5 مليارات دولار، الذي ظلَّ ثابتًا في الفترة الأخيرة بسبب جائحة كورونا.
وقال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إن بلاده تستهدف رفع قيمة استثماراتها في الجزائر إلى 10 مليارات دولار، مشيرًا إلى أن الاجتماع ناقش فرص التعاون بمجالات التجارة والزراعة وصيد الأسماك والصناعة والطاقة، والتعاون البحري والعسكري، والصناعات الدفاعية والثقافة والتعليم.
ويتضح أن البلدَين ناقشا تعزيز الشراكة في قطاعات جديدة إضافة إلى تلك التي حقق فيها البلدان تقدمًا كبيرًا، ولعلّ أبرزها الزراعة والتعاون البحري والصناعات الدفاعية التي تريد الجزائر الاستفادة فيها من التجربة التركية، لتحقيق أمنها الغذائي وتعزيز أمنها الدفاعي. وبيّن أنه بحث مع نظيره الجزائري قضايا النقل والشحن البحري والإنتاج المشترَك للسفن، والخطوات اللازمة لتعزيز التعاون بالمجال العسكري والصناعات الدفاعية.
رغم اختلاف الحسابات الجيوسياسية لكل بلد، إلا أن الجزائر وتركيا استطاعتا أن تصلا إلى مستوى الدعم والتوافق السياسيَّين بشأن مختلف القضايا الدولية.
وكشف الوزير التركي أيضًا أن قيمة التجارة الثنائية بين تركيا والجزائر سجّلت زيادة خلال العام الجاري بنسبة 30% مقارنة بالعام الماضي، ويتوقع أن تتجاوز 5 مليارات دولار، مؤكدًا عزم أنقرة على اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للوصول إلى القيمة المستهدفة في التجارة الثنائية والبالغة 10 مليارات دولار. وبيّن جاويش أوغلو أيضًا أن افتتاح فرع لبنك الزراعة التركي في الجزائر سيكون له مساهمات لتحقيق هذا الهدف، بالنظر إلى أن الجزائر توفّر فرصًا مهمة جدًّا في مجال الزراعة.
وضعت الجزائر خططًا لرفع مستوى تأمينها لاحتياجاتها الغذائية إلى نسبة تزيد عن 80%، وذلك بتشجيع الاستثمار الخارجي بالخصوص في المناطق الصحراوية جنوبي البلاد، وتطرّق جاويش أوغلو إلى التعاون بين البلدَين في مجال الطاقة الذي له أبعاد مختلفة، مثل تجارة الغاز الطبيعي والتعدين وأنشطة البحث المشتركة. وقال وزير الطاقة التركي، فاتح دوماز، الشهر الماضي عند زيارته الجزائر، إن البلدَين يعتزمان تأسيس شركة مشتركة للتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي.
يختلف التعاون الاقتصادي مع تركيا عن باقي الشراكات التي تقيمها الجزائر بكونه تعاونًا متعددًا ومتنوعًا، وتترجمه الأرقام الممثلة في تجاوز عدد الشركات التركية العاملة في الجزائر حاجز 1400 شركة، وتحقيق بعضها عائدات للبلاد بالعملة الصعبة ممثلة في مصنع توسيالي للحديد والصبّ ببطيوة بولاية وهران غربي البلاد، الذي وصلت قيمة صادراته العام الماضي إلى 900 مليون دولار، وهو الرقم المرشّح تحقيقه على الأقل هذا العام أيضًا.
توافُق سياسي
رغم اختلاف الحسابات الجيوسياسية لكل بلد، إلا أن الجزائر وتركيا استطاعتا أن تصلا إلى مستوى الدعم والتوافق السياسيَّين بشأن مختلف القضايا الدولية، وفي هذا المجال قال لعمامرة: “أيّدنا التوافقات بين البلدَين وقمنا بتبادل التحاليل والاستشارات وتعميق موقفنا تجاه مجمل القضايا الدولية”. وأكّد لعمامرة أن الطرفَين توقّفا عند مخرجات القمة العربية المنعقدة بالجزائر، مشيرًا إلى الاتفاق على مواصلة التشاور بين البلدَين حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.
وقال جاويش أوغلو يوم الأحد، عقب استقباله من طرف الرئيس تبون، إنه نقل إليه “التحيات الحارة من الرئيس رجب طيب أردوغان، وقدم له أيضًا تهانيه بنجاح الجزائر في استضافة القمة العربية”.
ويتضح من هذا التصريح أن تركيا تدعم الرئاسة الجزائرية للجامعة العربية، رغم تضمُّن إعلان الجزائر بندًا يتعلق برفض “التدخلات الخارجية” في المنطقة العربية، والتي حرصت بعض الدول العربية كمصر مثلًا أن تكون تركيا ممّن يشملهم هذا البند، أي أن البلدَين يتفهّمان الإكراهات التي قد يضطر أحدهما قبولها مع شركائه الآخرين دون أن تؤثر على تعاونهما الثنائي.
يشكّل الملف الليبي أهم القضايا التي يتوافق البلدان بشأن طريقة حلّها، من خلال دعم أي حل ليبي-ليبي وإجراء انتخابات شفّافة تسمح للشعب الليبي ممارسة حقه في اختيار مسؤوليه.
وشكّل ملف الدبلوماسية متعددة الأطراف أيضًا حديث الوزيرَين لعمامرة وجاويش أوغلو، حيث تتفق الجزائر وتركيا على دعم السلم والحلول المبنية على القانون الدولي، والدعم المتبادل لترشيحاتهما على المستوى الدولي، والتفاهم حول القضايا الدولية وترسيخ نمط جديد من التعاون بين دول الجنوب والشمال، مهما كان مستواها الاقتصادي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أقار، إن التعاون بين بلاده والجزائر سيُقدّم إسهامات مهمة للسلام في المنطقة، وليس فقط للبلدَين وقواتهما المسلحة. ويظهر هذا الاتفاق بالخصوص حول القضايا الأساسية بالنسبة إلى الجزائر، فقد أكّد جاويش أوغلو أن البلدَين لهما توافق تامّ بشأن القضية الفلسطينية، وبلاده تدعم إعلان الجزائر للمصالحة بين الفصائل الفلسطينية.
ويشكّل الملف الليبي أيضًا أهم القضايا التي يتوافق البلدان بشأن طريقة حلّها، من خلال دعم أي حل ليبي-ليبي وإجراء انتخابات شفّافة تسمح للشعب الليبي ممارسة حقه في اختيار مسؤوليه، فقد عارض البلدان سابقًا محاولات الجنرال خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة طرابلس، وأكّدا حينها دعم حكومة الوفاق الوطني، ويدعمان اليوم أيضًا حكومة عبد الحميد الدبيبة المعترف بها أمميًّا.
جهد أكثر
رغم الخطوات التي حقّقها البَلدان في مجال الاقتصاد والتنسيق الدبلوماسي، إلا أن العمل على مستوى تنقُّل الأشخاص وإحياء الروابط التاريخية التي تجمع البلدَين ما تزال تحتاج إلى جهد أكبر.
ومن هذا المنطلق، شدّد وزير الخارجية التركي على أن الثقافة والتعليم من المجالات التي تستدعي تعزيز التعاون بشأنها، لذلك يتمّ العمل على فتح مراكز للثقافة والتعليم في كلا البلدَين، معربًا عن أمله في أن يكون المركز الثقافي التركي جاهزًا للعمل في عام 2023. وأشار جاويش أوغلو إلى جهود مماثلة تتعلق بالعمل القنصلي، حيث سيتم تعيين القنصل التركي في وهران غربي الجزائر مع دخول العام الجديد.
وبهدف تسهيل تنقُّل الأشخاص، تمَّ رفع عدد الرحلات الجوية الأسبوعية بين تركيا والجزائر إلى 55 رحلة بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وهو ما سيزيد من التواصل بين شعبيهما. ذلك عدا عن مساهمة الشراكة الاقتصادية بين البلدَين في ارتفاع عدد أفراد الجالية التركية المقيمة بالجزائر إلى 25 ألف مواطن تركي، وهو ما سيدي إلى تقريب أواصر القرابة بين الشعبَين الجزائري والتركي، وإحياء ماضيهما التاريخي الذي يعود إلى الفترة العثمانية.
في المقابل، تعدّ تركيا اليوم إحدى الوجهات السياحية المفضّلة للجزائر، وبالخصوص في فصل الصيف، إذ تأتي في المرتبة الثانية بعد تونس حسب تقديرات غير رسمية، ولذلك يشكّل مطلب إلغاء التأشيرات إحدى القضايا المهمة التي يجب معالجتها في الاجتماعات الثنائية المقبلة، والتي قد تكون أحد محاور الاجتماع الثنائي رفيع المستوى الذي ينتظر أن يعقد بالجزائر، ووجّه بشأنه الرئيس تبون دعوة لنظيره رجب طيب أردوغان لزيارة الجزائر، والتي سيحدد تاريخها لاحقًا.