ترجمة وتحرير نون بوست
أصبحت داعش الآن على أرض مصر بشكل رسمي، كما علمنا في العاشر من نوفمبر، إذ أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس، الناشطة في شمال سيناء، ولاءها لها ولزعيمها أبو بكر البغدادي، وكانت الجماعة التي نشأت إبان ثورة 2011 قد فرضت نفسها كلاعب على الساحة، على الأقل في سيناء، وقد قامت بهجمات عدة في الأشهر القليلة الماضية ضد الشرطة والجيش في القاهرة وفي سيناء.
لم يكن إعلان الجماعة مفاجأة، إذ أتى بعد أسابيع من إعلان الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” حالة الطوارئ في سيناء، وبدء حملة دموية لمواجهة الجماعة بدأت بتهجير أهالي من رفح المصرية، بلغ تعدادهم حوالي عشرة آلاف مواطنًا، علاوة على ذلك، فإن أنصار بيت المقدس وداعش تتشاركان بالفعل بعض الرؤى الأيديولوجية والتكتيكات الدموية، على سبيل المثال ما جرى في أغسطس الماضي، حيث قامت أنصار بيت المقدس بقطع رؤوس أربعة رجال في شمال سيناء بتهمة تخابرهم مع إسرائيل.
بيد أن قرار الانضمام لداعش يمثل نهاية لصراع داخلي في الجماعة بين الجناح المؤيد للانضمام لتنظيم دولي، والجناح الذي يفضّل استمرار أنصار بيت المقدس كجماعة محلية، والذي فشل على ما يبدو في إقناع رفقائه بأن التركيز على مصر فقط سيجلب لهم الدعم في الداخل؛ وهو ما أدى في النهاية لرجحان كفة الانضمام لتنظيم دولي، ومع أن كبار الجماعة فضّلوا تنظيم القاعدة، فقد دفع الأعضاء الأصغر سنًا بطبيعة الحال تجاه داعش.
تمثل طموحات أنصار بيت المقدس الجديدة إشارة جديدة على أن حملة السيسي العمياء والشعواء لا تؤتي أكلها، بل في الواقع تأتي بردود فعل عكسية، فعلى مدار السنوات الماضية نمت تلك المجموعة بشكل كبير وأصبحت أكثر شعبية بين الشباب المصري المهمّش؛ وبالتالي توسع نطاق عملياتها، بعد أشهر من سقوط مبارك، ركزت المجموعة فقط على إسرائيل وسيناء، حيث نفذت هجومًا في أغسطس 2011 على أهدافٍ في مدينة إيلات، وقتلت ثمانية إسرائيليين وخمسة جنود مصريين، وتبع ذلك على مدار 2011 و2012 تفجيرات مستمرة لخطوط الغاز الطبيعي التي تمر عبر سيناء إلى إسرائيل والأردن، ولكن التحوّل نحو الداخل المصري بشكل واضح لم يحدث إلا بعد استحواذ السيسي على السلطة في يوليو 2013، إذ بدأ منذ ذلك الوقت استهداف الجماعة لأهداف حكومية وأمنية مصرية، لتصبح هجماتها في العاصمة ذاتها بنفس وتيرة هجماتها في سيناء – بل وأكثر دموية – طبقًا لتقرير صدر عنها مؤخرًا.
يخشى الكثير من المحللين الآن أن يكون للجماعة متعاطفون داخل صفوف الجيش المصري، إذ انشق بالفعل عدد لا يُستهان به من الضباط في الجيش وانضموا للجماعة، كما حدث في أكتوبر الماضي، حين تم تخطيط هجوم عنيف خلّف 31 قتيلاً من جنود الجيش، عن طريق ضابطين سابقين في الجيش، عماد عبد الحليم وهشام عشماوي، وذلك طبقًا للإعلام المصري نفسه، كما سرت أنباء عن ضلوع ضابط بالبحرية المصرية في هجوم لأنصار بيت المقدس وقع مؤخرًا على سفينة مصرية في البحر المتوسط؛ أدى إلى مقتل خمسة ضباط بحريين وفقدان ثمانية، هذا وأشار مقال نُشِر بصحيفة النيويورك تايمز أن جماعة أنصار بيت المقدس تستقطب جواسيس لصالحها يعرفون دقائق انتشار الجيش على الأرض، وأن تسريب المعلومات قد يؤذن بفشل ذريع للحملة في سيناء، وبدء انتفاضة موسعة لسنوات.
بالنسبة لواشنطن، يعد هذا التحالف الجهادي بين أنصار بيت المقدس وداعش كارثة كما هو بالنسبة للنظام في مصر، حيث يُعَد دليلاً على نجاح داعش في الترويج لنجاحاتها في سوريا والعراق لجذب أنصار جدد لها خارج الشام – رُغم مواجهتها للحملة العسكرية الجوية الأمريكية – وقدرتها على الدخول إلى مصر، والتي كانت دومًا معقلاً للجهاديين.
بالنسبة لداعش، تُعَد مصر محورية لتعزيز خلافتها الإسلامية، ليس فقط لأهميتها في العالم العربي سياسيًا وثقافيًا، بل ولأنها مجاورة لإسرائيل بشكل مباشر، وهو ما يعني أنها تستطيع تدعيم شرعيتها وشعبيتها عبر مهاجمة الكيان الصهيوني، وربما كسب ود المصريين.
على الناحية الأخرى، يبدو أن السيسي يفقد باستمرار شعبيته بين المسلمين المتدينيين من البسطاء في مصر، كما جرى مع أحمد الدروي، البالغ من العُمر 38 عامًا، والذي خدم سابقًا كضابط شرطة قبل أن يستقيل احتجاجًا على الفساد ليصبح ناشطًا، ثم مرشحًا في انتخابات مجلس الشعب التي تمت عقب الثورة، والذي قُتِل الشهر الماضي محاربًا تحت لواء داعش في العراق. طبقًا لبعض التقديرات، هناك حاليًا 5000 مصريًا يحاربون في صفوف داعش، والكثير منهم من الجهاديين الذين حاربوا في السابق في أفغانستان والبوسنة في الثمانينيات والتسعينيات، وقد عاد منهم البعض إلى مصر لمواجهة نظام السيسي، طبقًا لمسؤولين مصريين.
يشي لنا كل ذلك بمدى عدم الاستقرار في مصر، لاسيما قمعها المستمر للنشاط السياسي، وهو ما يجعل البلاد بيئة خصبة لداعش وأمثالها، تحديدًا بين الشباب والإسلاميين، خاصة القمع في سيناء، والذي تستغله جماعة أنصار بيت المقدس لتعزيز دعم القبائل لها في سيناء.
تحالف بين الجماعة وداعش ستكون له تبعات إقليمية وليس فقط داخلية، وحتى لو هُزِمَت داعش في سوريا والعراق، فإن تمكّنها من تأسيس قاعدة لها في مصر سيكون بمثابة نافذة لها تنفتح منها على عالم الجهاديين في شمال أفريقيا، وكذلك شبه الجزيرة العربية، خاصة وهناك الآلاف من الداعمين والمتعاطفين معها في الجزائر وليبيا ومالي والمغرب ونيجيريا وتونس، الذين يعانون اليأس والإحباط من النظم السياسية القمعية هناك، بالإضافة لوجود حركات جهادية في تلك البلدان أصلاً، مثل أنصار الشريعة في ليبيا وبوكو حرام بنيجيريا.
سيؤدي كل ذلك إلى مزيد من التعقيد في جهود الرئيس أوباما الرامية إلى تجديد دعم الكونجرس للحملة العسكرية ضد داعش، وسيثير الشكوك حيال قدرتها على تحقيق نتائج على الأرض وسط تراجع التأييد لها في الشارع الأمريكي، أضف إلى ذلك أن الدعم العسكري الأمريكي لمصر، والبالغ سنويًا 1.3 مليار دولارًا، سيكون أيضًا على المحك، حيث تضمن مؤخرًا مروحيات أباتشي وطائرات مقاتلة جديدة لا يبدو أنها تحقق أهدافها في مكافحة الإرهاب في سيناء، بل وتُعطي الانطباع بأن حملة السيسي ليست سوى حملة أمريكية.
قد تمضي واشنطن قدمًا في منح السيسي كل ما يريد لمواجهة أنصار بيت المقدس، ولكن إذا أرادت بالفعل أن تكون ناجحة في حربها ضد داعش ومثيلاتها، فعليها أن تتأكد من أن دعمها العسكري لن يُستَخدَم في ترسيخ النظام القمعي في مصر، أو استهداف الأبرياء، إذ إن السيسي، كغيره من الزعماء العرب، سيستخدم هكذا تحالف لمصلحته الخاصة ولتبرير سياساته الديكتاتورية ضد النشطاء والمعارضين.
رُغم كل ذلك، تشي لنا الأحداث الأخيرة بأن هذا النهج قد يؤدي لردود فعل عكسية في نهاية المطاف، ولن يترك للولايات المتحدة وحلفاءها سوى لملمة الجراح.
المصدر: فورين آفيرز