ترجمة وتحرير: نون بوست
في ظل الحرب والوباء والأزمة الاقتصادية، يستضيف الرئيس الأمريكي بايدن هذا الأسبوع قادة من 49 دولة أفريقية والاتحاد الأفريقي على أمل إعادة تأكيد العلاقات مع جزء من العالم غالبًا ما يتم تهميشه والتسليم بتبعيته وسط صراع القوى العظمى في جميع أنحاء العالم.
وفقًا للإدارة الأمريكية، من المفترض أن تُظهر قمة القادة الأفارقة “التزام الولايات المتحدة الدائم تجاه أفريقيا وتؤكد على أهمية العلاقات الأمريكية الأفريقية وزيادة التعاون بشأن الأولويات العالمية المشتركة”.
صرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية للصحفيين بأنه ستكون هناك “مخرجات ومبادرات رئيسية” خلال القمة التي تستمر ثلاثة أيام وتبدأ الثلاثاء. وقال المسؤول: “يتعلق هذا أيضًا بتحديد جدول أعمال عالمي معًا، حيث توجد فرص يجب على الأفارقة – ويتعين عليهم – من خلالها الجلوس على الطاولة ومساعدتنا في التعامل مع بعض أصعب التحديات في هذا العقد التالي”.
لكن بمجرد إلقاء نظرة واحدة على المشهد الأمني، من الواضح أن العديد من هذه البلدان – سواء في منطقة الساحل أو القرن الأفريقي أو وسط أفريقيا – تكافح يوميًا ضد موجات جديدة من العنف (إما من قبل الدولة أو العمليات الإرهابية المتصاعدة)، رغم إبرام شراكات وثيقة مع الجيش الأمريكي تحت راية مكافحة الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر والبرامج ذات الصلة.
شهدت دول مثل نيجيريا والصومال وتشاد وبوركينا فاسو جميعها انقلابات عسكرية أو تصاعدًا في أعمال العنف هذه السنة. يقول النقاد في كثير من الحالات إن تلك العلاقات التي تتمحور حول أغراض عسكرية مع واشنطن تساهم في بعض الأحيان إلى حد كبير في المشكلة، التي يبدو أنها تعرقل التقدم على عدد من الجبهات غير الأمنية – بما في ذلك التجارة والتنمية والتخفيف من حدة الفقر ومشكلات الصحة والمناخ والاستقرار السياسي.
لذلك طرحنا السؤال التالي على مجموعة من خبراء السياسة الخارجية والإقليمية والأمنية:
كيف تقيّمون برامج الأمن/ مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفريقيا على مدى العقدين الماضيين؟
وما هي التغييرات التي يمكن إجراؤها لتحسين العلاقات بشكل عام؟
سمر البلوشي
زميلة غير مقيمة في معهد كوينسي وأستاذة مساعدة في الأنثروبولوجيا في جامعة كاليفورنيا، إيرفين
بعد تقييم برامج الأمن/ مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفريقيا على مدى العقدين الماضيين، يتضح أن هناك ميلا للتركيز بشكل أساسي على الأبعاد العسكرية العلنية لسياسة الولايات المتحدة، من أفريكوم (القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا) إلى تمويل وتدريب قوات الأمن الأفريقية.
لا شك أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة تقييم نهجها العسكري المفرط تجاه أفريقيا والتوقف عن دعم الحروب التي لا نهاية لها في أماكن مثل الصومال، حيث أدت ضربات الطائرات المسيرة وغيرها من استراتيجيات مكافحة الإرهاب إلى نتائج عكسية، مسببة نزوحا جماعيا وحصيلة غير معروفة من الضحايا المدنيين.
مع ذلك، من المهم بنفس القدر التدقيق في دعم الولايات المتحدة لبرامج المجتمع المدني حول موضوع “مكافحة التطرف العنيف” – الذي لا يخلو من الآثار السلبية أيضًا. أولاً، أدى انشغال حكومة الولايات المتحدة بمسائل الأمن والإرهاب إلى إعادة توجيه تمويل المانحين بعيدًا عن القضايا ذات الأهمية الملحة لشعوب القارة (مثل الرعاية الاجتماعية والتعليم والتنمية والوظائف وما إلى ذلك). ثانيًا، لا تعمل برامج المجتمع المدني المدعومة من الولايات المتحدة بشأن مكافحة التطرف العنيف على تطبيع الأشكال الجديدة من ضبط الأمن فقط (من خلال تعزيز الرقابة والمراقبة على الجيران وأفراد الأسرة)، بل تعمل أيضا على إساءة معاملة أولئك الذين يشككون فيها وتخلط بين الإحباط السياسي ودعم العنف السياسي ويؤدي ذلك إلى قمع النقاش والحوار وبالتالي تجريم المعارضة. باختصار، لابد من التدقيق في الدفاع الخطابي عن “الديمقراطية” و”المجتمع المدني” خشية أن يكون غطاءً لأشكال جديدة من القمع.
أليكس دي وال
المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي، وأستاذ الأبحاث في مدرسة فليتشر للشؤون العالمية في جامعة تافتس
فشلت الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في أفريقيا. وقد كان واضحًا منذ الأيام الأولى التي تلت أحداث 11 أيلول / سبتمبر أن الحرب على الإرهاب كانت بذرة لما سعت واشنطن إلى القضاء عليه. قام البنتاغون بتمويل وتدريب الجنود الذين ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان وأفسدوا الخدمة العامة وقاموا بانقلابات. وأدت جهود مكافحة الإرهاب لإعادة توظيف المنظمات الإقليمية الأفريقية في شكل تحالفات عسكرية.
تسبب قانون باتريوت في إعاقة العمليات الإنسانية في الصومال منذ 11 عامًا لدرجة أن مجاعة كان يمكن تفاديها بالكامل أودت بحياة 250 ألف شخص. أطلقت العملية العسكرية التي أطاحت بمعمر القذافي موجة من الجهاد في ثلث القارة.
إذا كانت إدارة بايدن تبحث اليوم عن إطار عمل للشراكة مع أفريقيا يقود مسارًا بين العسكرة والأخلاق، فإنها لا تحتاج إلى النظر إلى أبعد من معايير ومبادئ الحوكمة والديمقراطية في أفريقيا
إن سجل هذه النتائج الأمريكية المزرية مؤسف بشكل خاص لأنه في العقد الذي سبق أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، كانت دول شرق إفريقيا قد وضعت صيغة لاحتواء تنظيم القاعدة – واضعة السياسة في المقام الأول. ودفع مزيج من الإكراه والدبلوماسية السودان، الذي كان مدرجًا على قائمة الدولة الراعية للإرهاب، إلى التعاون مع جيرانه والولايات المتحدة ووضع المنطقة على طريق تحييد التهديد الجهادي.
كانت الإخفاقات جلية حتى في ظل إدارة جورج دبليو بوش، التي تراجعت عن تجاوزاتها. ما لم يتم تأسيسه كان بديلاً، إذ استعانت إدارة ترامب بمصادر خارجية في سياستها تجاه أفريقيا واضعةً إسرائيل ومصر والمغرب والإمارات في وضع السيطرة على الموقف. وحاليًا ليس لدى إدارة بايدن سياسة واضحة باستثناء الأمل المتردّد في الاستقرار.
إذا كانت إدارة بايدن تبحث اليوم عن إطار عمل للشراكة مع أفريقيا يقود مسارًا بين العسكرة والأخلاق، فإنها لا تحتاج إلى النظر إلى أبعد من معايير ومبادئ الحوكمة والديمقراطية في أفريقيا. هذه طموحاتٌ بالتأكيد، لكنها صيغت في إطار التعافي من الصراع وفشل الدولة واليأس. لقد تم النص عليها في القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي والتزاماته بالديمقراطية والانتخابات والحوكمة وحقوق الإنسان وتكريس السلام والأمن.
مايكل هورتون
زميل الشؤون العربية في مؤسسة جيمستاون
يجب الحكم على جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا من خلال ما أسفرت عنه. يصعب على المرء أن يشير إلى بلد أفريقي حيث أدت هذه البرامج إلى قمع المتشددين بشكل دائم. وعلى النقيض من ذلك، انتشرت الجماعات المسلحة في العديد من البلدان الأفريقية حيث ينشط الجيش الأمريكي – وقلة من البلدان الإفريقية لا تحتضن هذه الجماعات. وتنشط الجماعات المسلحة حاليا في جميع أنحاء شمال إفريقيا، والساحل، والساحل الشرقي لأفريقيا، وفي مساحات شاسعة من غرب أفريقيا.
لم تنتشر هذه المجموعات فحسب بل إن العديد منها أفضل تنظيما ولديها قدرة أكبر على الوصول إلى الأسلحة المتطورة، ويتم دمجها بشكل أفضل في الشبكات المظلمة مثل عصابات التهريب. باختصار، تنامى التطور العسكري والسياسي والمالي للعديد من هذه المجموعات. وإذا لم تتطور جماعة مسلحة فإنها تنهار.
نادرًا ما تنجح الحلول الحركية الأمريكية المكلفة لقمع المتشددين لأنها تفشل في معالجة الدوافع الحقيقية للتشدد التي تتمثل في الفقر المدقع، والتدهور البيئي، والفساد المستشري. وستحقق الولايات المتحدة المزيد من التقدم من خلال العمل على إيجاد حلول محلية لهذه المشاكل الأساسية وفهمها وتمكينها.
يقدم الصومال مثالاً يستحق الدراسة. فهو يكافح لتنظيم حركة الشباب بشكل فعال بميزانية ضئيلة من خلال الاستفادة من عمليات الحظر التي يقودها المجتمع. ومع ذلك، لا تزال حركة الشباب في الصومال تسيطر على جزء كبير من البلاد، بما في ذلك أجزاء من العاصمة، رغم التمويل الأمريكي السخي والوجود العسكري.
أحمد إبراهيم
باحث مشارك بجامعة القديس أوغسطين بتنزانيا
كان إعطاء الأولوية لبرامج وسياسات مكافحة الإرهاب الأمنية في تعامل الولايات المتحدة مع الدول الأفريقية يأتي بنتائج عكسية، حيث أدت هذه السياسات في كثير من الأحيان إلى تفاقم التشدد المسلح الذي كان من المفترض تقويضه. وتتمثل إحدى مشاكل نموذج مكافحة الإرهاب الأمني في أنه يعمل مثل نبوءة تتحقق ذاتيًا من خلال اختزال الصراعات المحلية متعددة الأوجه والمعقدة في قضية واحدة هي العسكرة والعنف الديني.
ومن خلال القيام بذلك، تساعد السياسات الأمريكية على تحديد وتحويل ما كانت في البداية حركات غير متجانسة بقيادة جهات اجتماعية مختلفة بدوافع متضاربة تستنير بالعمليات الاجتماعية والسياسية المتباينة إلى القضية الوحيدة المتمثلة في التشدد الإسلامي.
بعد تأطير القضية على هذا النحو، يترتب عن سياسة الولايات المتحدة نزع الشرعية عن الحركة المعنية، وتقديم استجابة عسكرية باعتبارها المشاركة الوحيدة الممكنة. وبهذه الطريقة، فإن ظهور التشدد الإسلامي المستنير دوليا وأكثر ترابطا وتشابكا في بلدان مختلفة في أفريقيا، لم يسبق ظهور برامج الأمن الأمريكية لمكافحة الإرهاب في تلك البلدان.
تشكل هذه السياسات وتؤثر على طريقة تطور العديد من هذه الصراعات. ومن خلال تحويل العديد من الجهات الفاعلة والمناطق في القارة الأفريقية إلى “تهديدات”، تعمل هذه السياسات على تبنّي تدخلات جديدة تدعم وتعمق التاريخ الطويل لعلاقات القوة غير المتكافئة بين أفريقيا والولايات المتحدة.
ما الذي يجب فعله بشكل مختلف؟ ربما يمكن البدء بفحص عواقب الانشغال بتحديد مواقع التهديدات التي تتعرض لها المصالح الأمريكية والقضاء عليها. وقد يؤدي التحليل الشامل لهذه العواقب، المقصودة وغير المقصودة، إلى إعادة تقييم برامج مكافحة الإرهاب الأمنية الأمريكية في أفريقيا.
زوري لينيتسكي
الزميل الباحث في مؤسسة مجموعة أوراسيا
استنادًا إلى الأدلة المتاحة، وسعت برامج مكافحة الإرهاب الأمريكية في أفريقيا على امتداد العقدين الماضيين القدرات العسكرية للدول الحليفة ولكنها لم تخفف من الإرهاب أو تعالج القضايا الهيكلية الكامنة وراء انتشار الجماعات الإرهابية.
وتشمل برامج مكافحة الإرهاب في أفريقيا تدريب وتجهيز القوات العسكرية الشريكة، وإنشاء وحدات جديدة، وحظر المخدرات، والبعثات الموجهة من الولايات المتحدة. وقد عززت هذه البرامج من قدرة الدول الحليفة على العمليات العسكرية الحركية، وقدرتها على استخدام مجموعة أوسع من المعدات. لكن الدول الشريكة لا تزال تكافح لحساب المعدات التي قدمتها الولايات المتحدة والحفاظ على اللوجستيات العسكرية دون الولايات المتحدة.
من المرجح أن يشارك ضباط الجيش الأفارقة الذين يتلقون تعليمًا عسكريًا احترافيًا أمريكيًا في الانقلابات. والأهم من ذلك، أنه على الرغم من هذه التدخلات، فقد زاد الإرهاب في جميع أنحاء أفريقيا بنسبة 300 بالمئة خلال العقد الماضي. لا يوجد برنامج أمريكي لمكافحة الإرهاب يعالج عدم المساواة الاجتماعية، وديناميكيات السلطة المحلية، والتوترات العرقية التاريخية، أو سوء الإدارة الذي دفع الجماعات الإرهابية إلى الظهور في المقام الأول.
ربما تكون البرامج الأمريكية قد فاقمت المشكلة. فقد نمت حركات التمرد الإرهابية بنحو 300 بالمئة في العقد الماضي
مع أن قانون إقرار الدفاع الوطني لسنة 2017 ينص على التزام برامج التعاون الأمني بالتقييم والمراقبة والتقدير لتتبع عملياتها، إلا أن البيانات لا تزال محدودة وضعيفة. ويتمحور التحدي الأكبر حول الافتقار إلى نظرية واضحة لنجاح برامج التحويلات النقدية الأمريكية في إفريقيا وعدم القدرة على حساب العائد على الاستثمارات البرامجية.
ويليام مينتر
محرر مجلة “أفريكا فوكس”، والمحرر المشارك لكتاب “لا توجد انتصارات سهلة: التحرير الأفريقي والنشطاء الأمريكيون على مدى نصف قرن (1950-2000)”
منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، عملت “الحرب على الإرهاب” الأمريكية على تبرير التدخل العسكري المكثف في أفغانستان والعراق. ولكن في أفريقيا، كان معدل الإنفاق والخسائر في صفوف العسكريين الأمريكيين أقل بكثير.
مع ذلك، أثبتت برامج مكافحة الإرهاب، على الصعيدين العالمي والإفريقي، أنها غير فعالة وتأتي بنتائج عكسية على أمن الولايات المتحدة. وبالنسبة للبلدان التي تم تحديدها على أنها تهديدات، كانت الخسائر في الأرواح وسبل العيش عالية.
من أجل معالجة أسباب العنف وانعدام الأمن، يجب على صانعي السياسات والمواطنين الأمريكيين التخلي عن وهم القيادة العالمية للولايات المتحدة. ويجب علينا بدلاً من ذلك أن نتعلم من رئيسة الوزراء ميا موتلي من دولة بربادوس الصغيرة.
في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ الذي انعقد في مصر وخلال كلمتها في محاضرة نيلسون مانديلا السنوية العشرين في جنوب إفريقيا، اكتسب جدول أعمال موتلي الشامل للاستجابة “للأزمة العالمية” لتغير المناخ اليوم، والحروب في أوروبا وكذلك في إفريقيا، و الركود الاقتصادي، شهرة عالمية.
إليزابيث شاكلفورد
زميلة أولى، مجلس شيكاغو للشؤون العالمية؛ ضابط سابق بالخدمة الخارجية الأمريكية خدمت في الصومال وكينيا وجنوب السودان
ربما تكون البرامج الأمريكية قد فاقمت المشكلة. فقد نمت حركات التمرد الإرهابية بنحو 300 بالمئة في العقد الماضي. وكانت مساعدة قطاع الأمن – تدريب الجيوش الأجنبية وتجهيزها – هي الأداة الأساسية لجهود مكافحة الإرهاب الأمريكية، لكن قوات الأمن التي دعمناها قد استخدمت كأدوات للقمع السياسي الداخلي وسوء المعاملة في أوغندا وإثيوبيا والكاميرون ونيجيريا. ويمكن أن يؤدي هذا الانتهاك إلى دعم وتجنيد نفس حركات التمرد التي نساعد في قتالها.
في بعض الأحيان، يكون لدى الحلفاء حافز أقل لمعالجة المشاكل الجذرية لعدم الاستقرار بينما نساعد في تعزيز قوتهم العسكرية أيضًا. وتقر “الاستراتيجية الأمريكية” الجديدة نحو أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى” بالعلاقة بين الحكم الرشيد والأمن، وهي خطوة جيدة. ولكن ضمان عدم استمرار المصالح الأمنية قصيرة المدى في التفوق (وتقويض) التركيز على الحكم الرشيد أمر ضروري لتحقيق النجاح. ويجب أن تكون أولويتنا ضمان عدم تسهيل استدامة الحوكمة السيئة.
هذا يعني أن نكون واقعيين بشأن مصالح أمننا القومي المعرضة للخطر، وإنهاء البرامج مع الحكومات المسيئة، والتركيز على الدول التي تعتبر حليفة جيدة. وما لم يكن ذلك ضروريًا لأمننا القومي، فلا ينبغي لنا أن ندعم الجهات الفاعلة السيئة.
سارانغ شيدور
مدير الدراسات وزميل باحث أول في معهد كوينسي
تسيّر الولايات المتحدة مهمة عاجزة في أفريقيا. خلال تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في آذار/ مارس 2022 على حرب أوكرانيا، امتنعت قرابة نصف الدول الأفريقية عن التصويت أو صوتت بـ “لا” أو لم تصوت لصالح القرار المدعوم من الولايات المتحدة. في المقابل، كانت الأصوات أكثر دعما لواشنطن في تصويت تشرين الأول/ أكتوبر 2022 على ضم موسكو العلني لأجزاء من أوكرانيا.
ترغ أفريقيا في بناء علاقات مع الولايات المتحدة ولكن ليس على حساب علاقاتها مع روسيا والصين، كما أن دول منطقة الساحل تشعر بالقلق في الغالب من الحرب التي تقودها فرنسا على الإرهاب بدعم من واشنطن. ومثل الكثير من دول الجنوب، يريد الأفارقة صفقة جديدة مع واشنطن، حيث يمكن أن تكون هذه الصفقة أيضًا في مصلحة الولايات المتحدة على المدى الطويل.
أدى إعطاء الأولوية للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب إلى إغفال واشنطن عن الانتهاكات التي يرتكبها الشركاء
من شأن مساعدة جهود مكافحة الإرهاب ذات الحجم المناسب، وتوسيع جهود واشنطن الجديرة بالثناء في مجال الصحة العامة وتغير المناخ، واقتراح قصة اقتصادية أكثر إقناعًا تنطوي على قدر أكبر من الاستثمار في البنية التحتية والوصول إلى الأسواق، أن يعزز الاستقرار والنمو في إفريقيا ويخلق فرصًا اقتصادية للولايات المتحدة، وبالتالي يجب أن تستجيب واشنطن بشكل مناسب لحماية أسهمها في هذه القارة الشاسعة.
أليكس ثورستون
زميل غير مقيم في معهد كوينسي وأستاذ مساعد في العلوم السياسية بجامعة سينسيناتي
يمكن لبرامج مكافحة الإرهاب أن تلحق الضرر بالبلدان المضيفة من خلال تمكين المستبدين والتحريض على الفساد وتغذية المظالم. وقد حدثت بعض هذه الأضرار بالفعل في أفريقيا مع تباين في الزمان والمكان.
تتعمد الحكومة الأمريكية عدم ايلاء الأولويّة إلى أفريقيا، وهو خيار مؤسف بشكل عام، لكنه أبقى مكافحة الإرهاب محدودة، نوعا ما، خارج الصومال وليبيا. كان من الممكن أن تؤدي عمليات مكافحة الإرهاب الأكثر توسعا إلى مزيد من الضرر. فعلى سبيل المثال، لقد كان صانعو السياسة الأمريكيون على حق في قرارهم بعدم شن ضربات مسلحة بطائرات دون طيار في منطقة الساحل، على الرغم من المقاومة العسكريّة الخطيرة هناك.
في الوقت ذاته، فإن برامج مكافحة الإرهاب الحالية معيبة. ووفقًا لعمليات المراجعة، كانت شراكة مكافحة الإرهاب عبر الصحراء، التي تغطي شمال غرب إفريقيا، مبذرة وتعاني من سوء الإدارة. علاوة على ذلك، ساهم تركيز الولايات المتحدة على التدريب في تهميش المحادثات التي تشتد الحاجة إليها بشأن الجذور السياسية للصراعات.
في غضون ذلك، أدى إعطاء الأولوية للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب إلى إغفال واشنطن عن الانتهاكات التي يرتكبها الشركاء. ففي النيجر، سجن الرئيس آنذاك محمدو يوسفو خصمه الرئيسي خلال انتخابات 2016، واندلعت فضائح حول مزاعم القتل خارج نطاق القانون من قبل الجنود والاختلاس من الميزانية الأمنية، التي مرّت كلها دون محاسبة. تستعين الولايات المتحدة ببعض المصادر الخارجية لأنشطة مكافحة الإرهاب للقوى الإقليمية، مثل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، إلا أن العديد من هذه القوات قد تعثرت، بينما تحوّل البعض الآخر إلى عمليات انتشار مفتوحة تفتقر إلى خطط موثوقة لحل الصراع.
نيك تورس
صحفي استقصائي ومؤلف كتاب “في المرة القادمة سيأتون لإحصاء الموتى: الحرب والبقاء على قيد الحياة في جنوب السودان”
في حديثها أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في تموز/يوليو، أعربت تشيدي بلايدن، نائب مساعد وزير الدفاع للشؤون الأفريقية، عن أسفها “لانتشار المنظمات المتطرفة العنيفة مؤخرًا والزيادة الهائلة في هجماتها” في منطقة الساحل، ودعت لمزيد من المشاركة الأمريكية. مع ذلك، فشلت بلايدن في تسيير الوضع الحالي بناء على سياق ما يقارب 20 عامًا من الجهود الأمريكية لمكافحة الإرهاب في المنطقة، بما في ذلك عدد كبير من برامج المساعدة الأمنية ومكافحة الإرهاب؛ والتدفق المستمر للأموال والأسلحة والمعدات والمستشارين الأمريكيين؛ فضلا عن نشر قوات الكوماندوز في مهمات قتالية غير بارزة.
كان بإمكان بلايدن استشارة مركز أفريقيا للدراسات الإستراتيجية التابع للبنتاغون للحصول على مقاييس عمل مفيدة. وجد مركز أفريقيا أن الأحداث العنيفة المرتبطة بالجماعات الإسلامية المتشددة في منطقة الساحل قد ارتفعت من 76 في سنة 2016 إلى 2800 في سنة 2022، في زيادة قدرها 3600 بالمئة. وكان الارتفاع في عدد القتلى الناجم عن هذه الهجمات بذات الخطورة تقريبًا، حيث ارتفع من 223 إلى 7052 خلال نفس الفترة. وفي الواقع، الترابط لا يعني السببية، ولكن الزيادة الهائلة في الهجمات الإرهابية خلال فترة عمليات مكافحة الإرهاب الأمريكية المهمة توفر نقطة انطلاق مفيدة لإعادة تقييم أهداف الولايات المتحدة وجهودها.
ألدن يونغ
زميل غير مقيم في معهد كوينسي وأستاذ مشارك في مجال الدراسات الأمريكية الأفريقية في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس
منذ أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، تمحورت علاقة الولايات المتحدة مع القارة الأفريقية بشكل أساسي حول نموذج الأمن ومكافحة التمرد. توصف أفريقيا، باعتبارها القارة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في العالم، على أنها امتداد للشرق الأوسط وأنها مساحة شاسعة يتوجّب على القوات الخاصة الأمريكية محاربة المتطرفين الإسلاميين المتشددين فيها. لقد بنت أجيال من المقاتلين الأمريكيين حياتهم المهنية على القتال في حروب لا نهاية لها في أماكن مثل الصومال.
بينما ركزت الولايات المتحدة على خوض الحروب، فقد قادتها في واشنطن بشكل متزايد اهتمامهم بالإمكانات الاقتصادية للدول الأفريقية. في سنة 2010، فقدت الولايات المتحدة مكانتها كشريك تجاري رئيسي مع غالبية الدول الأفريقية لتحل محلها الصين، التي أصبحت منافسًا استراتيجيًا في نظر الولايات المتحدة. وقدر لا يُصدق من الذعر في واشنطن بشأن احتمال أن تضغط الصين على البلدان الأفريقية بالديون نتيجة استثماراتها في البنية التحتية في جميع أنحاء القارة.
قد يصل عدد سكان كينشاسا إلى 83 مليون شخص بحلول نهاية القرن، في حين أن عدد سكان المدن الكبرى في لاغوس وأكرا وأبيدجان قد يبلغ قريبًا نصف مليار شخص.
مع ذلك، تلك الاستثمارات في البنية التحتية هي ما تحتاجه الاقتصادات الأفريقية بشدة. ووفقًا لبعض التوقعات، ستكون القارة الأفريقيّة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم بحلول نهاية القرن عوضا عن آسيا، ولكن حتى اقتصاداتها الصناعية مثل جنوب إفريقيا لا تزال تعاني من انقطاع التيار الكهربائي بشكل شبه يومي. تعتمد إسكوم، وهي مرفق مملوك للدولة ينتج قرابة 90 بالمئة من طاقة جنوب إفريقيا، على محطات قديمة تعمل بالفحم ولا يمكنها ببساطة مواكبة الطلب أو مساعدة البلاد على تلبية أهدافها المتعلقة بتغير المناخ.
إلى جانب ذلك، توجد بعض القصص المماثلة في جميع أنحاء القارة، حيث تتضح الحاجة إلى الاستثمار في البنية التحتية أكثر في المدن الكبرى في غرب إفريقيا. قد يصل عدد سكان كينشاسا إلى 83 مليون شخص بحلول نهاية القرن، في حين أن عدد سكان المدن الكبرى في لاغوس وأكرا وأبيدجان قد يبلغ قريبًا نصف مليار شخص. تدرك إدارة أوباما أن هناك حاجة إلى الاستثمار في البنية التحتية للطاقة، لكنها لم تكن قادرة على حشد الأموال الكافية لإحداث فرق ملموس، مما جعل هذا التحدي أكثر حدة في العقد الماضي.
المصدر: ريسبونسبل ستيت كرافت