ترجمة حفصة جودة
في الساعات الأخيرة لأكبر حدث متعلق بتغيُّر المناخ هذا العام -“COP27”- علمنا باتفاقية لإنشاء صندوق الخسائر والأضرار، والذي يعدّ بالأساس مصدر تمويل لتعويض الدول الفقيرة عن الآثار التي يسبّبها تغير المناخ، ويستشهَد في ذلك بالمعاناة المستمرة لمنطقة القرن الأفريقي، ذلك الجفاف الذي يعرّض 22 مليون شخص لخطر الجوع الشديد.
وبينما أشار البعض إلى أن هذه الاتفاقية تعويض متأخّر عن أضرار تغيُّر المناخ، إلا أن آخرين أشاروا إلى أن صندوق الخسائر والأضرار لا يقدّم شيئًا لمعالجة جذور المشكلة، ألا وهي انبعاثات الوقود الأحفوري.
لكنني هنا أتحدث عن أمر مختلف مثير للقلق: فهذه المنهجية تغطي على حقيقة أن أنواع أنظمة إنتاج الغذاء التي عززها المجتمع العالمي في أفريقيا، تترك الفقراء أكثر عرضة لتقلبات المناخ والصدمات الاقتصادية.
أنظمة إنتاج الغذاء تلك تشير إلى طرق إنتاج الناس للغذاء وتخزينه ومعالجته وتوزيعه، بالإضافة إلى مدخلات النظام على طول الطريق.
تاريخيًّا، أنتج صغار الملّاك والسيدات المزارعات نصيب الأسد من المحاصيل الغذائية في القارة الأفريقية، وخلال الـ 60 عامًا الأخيرة ركّز صنّاع القرار العالمي والمنظمات الخيرية الكبرى والمصالح التجارية وقطاعات كبيرة من المجتمع العلمي على زيادة إنتاج الغذاء والتجارة وطرق الزراعة كثيفة الطاقة، كأفضل طريقة لمعالجة الجوع الأفريقي والعالمي.
فشلت هذه الطريقة لمعالجة الجوع في معالجة انعدام الأمن الغذائي في القارة، وقد أثّر انعدام الأمن الغذائي المتوسط والشديد على ما يقرب من 60% من الأفارقة اليوم، ونتج عن ذلك أيضًا أنظمة غذاء أكثر عرضة لتغير المناخ.
يفهم الكثير من الباحثين الآن أن الأمن الغذائي له 6 أبعاد، واحد منها فقط يُعالج بإنتاج الغذاء، وتكشف تلك الأبعاد عن تعقُّد دوافع الجوع.
تعود فكرة إنتاج المزيد كحلّ لأزمة الجوع إلى العصر الاستعماري، لكنها فكرة سيّئة للبيئة العالمية وأكثر عرضة لصدمات المناخ والطاقة ولا توفر الطعام لأشد الفقراء.
كعالم جغرافيا المجتمع والطبيعة، قضيتُ معظم الوقت في دراسة طرق تطوير الزراعة وأنظمة الغذاء في جنوب وغرب أفريقيا، فإنني أرى أن الزراعة البيئية أكثر سهولة للفقراء.
نُظُم غذائية ضعيفة
في كل مرة يواجه العالم أزمة غذائية، فإن الصيغ المختلفة للإنتاج الزراعي والتجارة وطرق الزراعة كثيفة الطاقة تصبح الحل المفضّل، يتضمّن ذلك الثورة الخضراء الأولى في الستينيات والسبعينيات، وإنتاج السلع الأساسية والتجارة في الثمانينيات والتسعينيات، والثورة الخضراء الجديدة في أفريقيا والشراكة بين القطاعَين العام والخاص في أول الألفية.
يفهم الكثير من الباحثين الآن أن الأمن الغذائي له 6 أبعاد، واحد منها فقط يُعالج بإنتاج الغذاء، وتكشف تلك الأبعاد عن تعقُّد دوافع الجوع، يتضمّن ذلك:
توافر الغذاء: الإنتاج المحلي وصافي الواردات.
الوصول: قدرة الأسر على حيازة الطعام المتوفر.
المنافع: مرافق الطبخ والمياه والصرف الصحي اللازمة لإعداد طعام صحي.
الأسعار: استقرار أسعار الغذاء والمؤن بمرور الوقت.
الاستمرارية: القدرة على إنتاج الغذاء دون تقويض قاعدة الموارد.
الوكالة: قدرة الناس على التحكم في أنظمة الغذاء من الإنتاج وحتى الاستهلاك.
إنهاء الاستعمار الزراعي لأفريقيا
إذًا كيف وصلنا إلى هنا؟ تستفيد دول وشركات معيّنة من الطرق الإنتاجية لمعالجة الجوع، يتضمّن ذلك على سبيل المثال شركة “Monsanto” التي طوّرت مبيد الأعشاب “Round-Up”، وهناك 4 شركات أخرى (Archer-Daniels-Midland وBunge وCargill وLouis Dreyfus) تتحكم في 70% إلى 90% من تجارة الحبوب العالمية.
يتأصّل تركيز الإنتاجية أيضًا في العلوم الزراعية، فالهندسة الزراعية الاستوائية، والتي تُعرَف الآن بالهندسة الزراعية التنموية، كانت مركزية في المشروع الاستعماري بأفريقيا، وكان الهدف الرئيسي للقوى الاستعمارية تحويل أنظمة الغذاء المحلية.
أبعدَ ذلك الكثير من الأسر الأفريقية عن الزراعة المستدامة وإنتاج الغذاء للأسواق المحلية، بدلًا من ذلك اتجهوا إلى زراعة المحاصيل السلعية اللازمة لتغذية التوسع الاقتصادي الأوروبي مثل القطن في مالي والقهوة في كينيا والكاكاو في ساحل العاج.
شجّعت العديد من السياسات والبرامج الدولية والمحلية المزارعين الأفارقة على إنتاج المزيد من المحاصيل باستخدام بذور مستوردة ومبيدات حشرية وأسمدة باسم التنمية أو مكافحة الجوع.
رغم استغلال العمالة الإجبارية في بعض الحالات، إلا أن الضريبة على الرأس أصبحت الاستراتيجية المفضّلة في بعض الحالات لتسهيل إنتاج المحاصيل السلعية، وهكذا اضطر المزارعون الأفارقة البدء في إنتاج المحاصيل النقدية أو العمل في المزارع القريبة لدفع الضرائب بدلًا من مواجهة عقوبة السجن.
الافتقار إلى ممارسات إدارة المخاطر
صاحبَ التحول إلى إنتاج المحاصيل السلعية، الافتقارُ التدريجي لممارسات إدارة المخاطر مثل تخزين الحبوب الفائضة، واضطر المزارعون والرعاة في أفريقيا إلى التعامل مع أنماط متغيرة لهطول الأمطار لعقود، جعلهم ذلك خبراء أساسيين في التكيُّف مع تغيُّر المناخ.
اتجه المزارعون أيضًا إلى زراعة أنواع مختلفة من المحاصيل تتطلب أنماطًا مختلفة لهطول المطر، بينما انتقل الرعاة إلى المناطق الكبيرة بحثًا عن أفضل المراعي.
شجّعت الأنظمة الاستعمارية الرعاة باسم التقدم على التنقل بشكل أقل في شرق أفريقيا، كما دفعوا المزارعين من خلال سياسات الضرائب إلى تخزين حبوب أقلّ لزيادة إنتاج المحاصيل السلعية، أدّى ذلك إلى مواجهة المزارعين للقوة الكاملة المميتة للجفاف، الأمر الذي وُثّق جيدًا في شمال نيجيريا.
استمرت بعض الطرق الإشكالية في فترة ما بعد الاستعمار، فقد شجّعت العديد من السياسات والبرامج الدولية والمحلية المزارعين الأفارقة على إنتاج المزيد من المحاصيل باستخدام بذور مستورَدة ومبيدات حشرية وأسمدة باسم التنمية أو مكافحة الجوع، وهكذا رغم أن المزارعين الأفارقة ينتجون المزيد، إلا أنهم أصبحوا أكثر عرضة لآثار الظروف المناخية المتقلبة.
الزراعة البيئية والمضيّ قدمًا
يقدّم علماء الزراعة البيئية طرقًا مختلفة للتقدم، فهم يسعون لفهم التفاعلات البيئية بين مختلف المحاصيل، وبين التربة والمحاصيل والمناخ، وبين المحاصيل ومجتمعات الحشرات، وهم يسعون للحفاظ على خصوبة التربة والحدّ من ضراوة الآفات الزراعية وزراعة المزيد من المحاصيل دون استخدام مواد كيميائية.
لم تحدث عواقب تغير المناخ والجوع بمعزل عن غيرها، لكنها جزء من النظام الذي بنيناه، هذا يعني أننا باستطاعتنا بناء نظام آخر مختلف.
عادة ما يتعاون هؤلاء العلماء مع المزارعين ويتعلمون منهم الممارسات التي طوروها بمرور الوقت، ويتفقون مع النظم البيئية المحلية، هذا المزيج من المعرفة التجريبية والتدريب العلمي الرسمي يجعل الزراعة البيئية علمًا مكافحًا للاستعمار، كما أن وصوله سهل للفقراء لأنه لا يحتاج إلى شراء مدخلات باهظة أو المخاطرة بالديون عند موت المحاصيل.
ما زال مجتمع الأعمال يعلم أن الزراعة البيئية أقل تكلفة، لكنه سيخسر ذلك إذا لم تعد طرق الزراعة التقليدية مرتبطة بمكافحة الجوع، الأكثر من ذلك أن العاملين في العلوم الزراعية الداعمين للطرق الإنتاجية لمكافحة الجوع، يرون أن الزراعة البيئية تهديد وقد تؤدي إلى تراجع المكانة وتمويل الأبحاث.
هناك علامات تشير إلى بداية تحول كبير في تفكير المجتمع العالمي فيما يتعلق بأنظمة الغذاء وتغيُّر المناخ والجوع.
أدّت أزمة الغذاء العالمية إلى تساؤل البعض بشأن فشل الحلول السابقة، كما أن لدينا الآن علم الزراعة البيئية المناهض للاستعمار الذي يزداد قبوله داخل نظام الأمم المتحدة، وتدعمه حركة اجتماعية قوية ترفض العودة إلى الوراء عندما حاولت المصالح التجارية للشركات السطو على قمة أنظمة الغذاء التابعة للأمم المتحدة عام 2021.
في بعض الحالات، هناك أيضًا جهات مانحة كبرى تجرّب طرق الزراعة البيئية، وهو أمر لم نسمع به منذ عقد من الزمان، وأخيرًا هناك مجموعة جديد من قادة الحكومات الأفريقية الذين يفهمون ما تقدّمه الزراعة البيئية.
لم تحدث عواقب تغير المناخ والجوع بمعزل عن غيرها، لكنها جزء من النظام الذي بنيناه، هذا يعني أننا باستطاعتنا بناء نظام آخر مختلف، وقد كشفت الأزمة الحالية عن تلك المشكلة، لذا يمكن للمزج المناسب بين الأفكار الجديدة والموارد والإرادة السياسية أن يحلَّ الأزمة.
المصدر: ذي كونفرسيشن