ترجمة وتحرير: نون بوست
يضع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المكلف، اللمسات الأخيرة على تشكيل الحكومة اليمينية الأكثر تطرفًا في إسرائيل حتى الآن، فيما أنا – وآخرين من فلسطينيي 48 والأراضي المحتلة – نشعر بالخوف مما ستجلبه السنوات القليلة المقبلة.
يستيقظ الفلسطينيون كل يوم منذ الانتخابات وهم يتساءلون “ماذا الآن؟”، إنه القلق؛ حيث في كثير من الأحيان يكون هناك خبر آخر يزيد من قلقنا، فتتصاعد أجواء العنصرية لدرجة أنني أتردد في التحدث أو قراءة اللغة العربية في وسائل النقل العام، وهو ما يعني تدهور الحقوق الفلسطينية.
نعيش نحن الفلسطينيون ونحن نعلم أن الغالبية العظمى من السياسيين الإسرائيليين لا يؤيدون إنهاء الحكم العسكري الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة أو تحقيق المساواة لجميع مواطنيها، وهو ما جعلنا نشعر بأننا متطفلين وجودهم مؤقت ويتم التهاون معهم ببساطة حتى يحين الوقت الذي يكون فيه من الممكن التخلص منا.
ووفقًا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2016؛ يتفق 48 في المائة من اليهود الإسرائيليين على أنه “يجب طرد العرب أو نقلهم من إسرائيل”. أنظرُ حولي في حي حيفا المختلط وأتساءل أي من جيراني صوت لصالح المرشحين المتطرفين الذين عبروا عن آراء مماثلة، فيما أخبرني أصدقائي “إنها مسألة وقت فقط قبل أن نغادر”. ولزيادة الطين بلة؛ يلقي الإسرائيليون باللوم على الفلسطينيين في تصاعد التطرف والعنصرية، بدلا من النظر إلى كيفية تطبيع العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يعتبر إلقاء اللوم على الضحية بدلا من المعتدي.
منذ انتخابه مؤخرًا؛ عرض نتنياهو مناصب مهمة في الحكومة للسياسيين المناهضين للفلسطينيين؛ حيث يضم الائتلاف الحاكم القادم حزب أوتزما يهوديت المتطرف والعنصري، أو حزب القوة اليهودية، الذي يمتلك قادته تاريخًا في دعم العنف ضد الفلسطينيين.
وقد أدين إيتمار بن غفير، وهو مستوطن يقود حزب القوة اليهودية، بالتحريض على العنصرية ودعم جماعة إرهابية، في حين أنه أشاد هذا الشهر بجندي إسرائيلي أطلق النار على شاب فلسطيني في الضفة الغربية خلال شجار – وهو ما ظهر في مقطع فيديو تم تداوله على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي – حيث علق قائلا: “عمل صحيح، لقد حققت شرف كل واحد منا وفعلت ما تم تكليفك به”، وعلى الرغم من أن قائد الشرطة الإسرائيلية الحالي كان قد ألقى اللوم على بن غفير للمساعدة في إشعال تصاعد العنف في آيار/ مايو 2021، إلا أنه سيتولى الآن منصب وزير الأمن القومي، وسيتولى مسؤولية الشرطة المحلية الإسرائيلية وشرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، التي يقطنها نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.
قد يكون صعود بن غفير وزملائه المتطرفين سيفتح أعين المزيد من الأمريكيين
على مدار العقود الماضية؛ يبدو أن الإسرائيليين قد أصبحوا محصنين ضد كل ما يقال عن الطريقة التي يعيش بها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة، لا سيما منذ تشييد الجدار على طول الضفة الغربية، بينما ينكر أو يبرر الجيران في حيفا كل النقاشات حول النكبة – أو “الكارثة”، التي فر فيها مئات الآلاف من العرب أو طُردوا مع قيام إسرائيل في عام 1948 – أو الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي يرقى إلى مستوى الفصل العنصري أو حتى العنصرية في إسرائيل؛ لذلك تعلمنا ألا نتحدث أبدا مع بعضنا البعض.
في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، وقع نتنياهو اتفاقًا ائتلافيًا مع بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن آخر ورئيس حزب الصهيونية الدينية، حيث عينه وزيرًا للمالية ومنحه السيطرة على إدارة في وزارة الدفاع، وقد وصف سموتريتش نفسه بأنه “فخور بكرهه للشواذ”، وقال إن قصف منزل فلسطيني في الضفة الغربية عام 2015 بالقنابل الحارقة، مما أدى إلى حرق طفل يبلغ من العمر 18 شهرا ووالديه حتى الموت، لم يكن هجومًا إرهابيًّا، بينما صرح، في عام 2016، إنه يؤيد الفصل بين النساء اليهوديات والفلسطينيات في أجنحة الولادة بالمستشفيات الإسرائيلية.
في العام الماضي؛ اعتبر سموتريتش أن ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل ، “لم ينهي مهمة” طرد الفلسطينيين في عام 1948، كما روج سموتريتش أيضا لخطة إخضاع يعتبر فيها الفلسطينيون – الذين يقبلون الخطة – “أجانب مقيمين”، بينما يتعامل الجيش الإسرائيلي مع أولئك الذين لا يقبلون الخطة. وكجزء من منصبه في وزارة الدفاع؛ سيكون له سلطة غير مسبوقة على السياسة المتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وعلى البناء داخل الأراضي الفلسطيني ، وسيكون قادرًا على تعيين رؤساء الإدارة المسؤولين عن السياسة المدنية للحكومة في الضفة الغربية.
وتركز برامج حزبي القوة اليهودية والصهيونية الدينية بشكل أساسي تقريبًا على الفلسطينيين بما يضمن السيادة اليهودية؛ حيث يهدف حزب الصهيونية الدينية إلى إضفاء الشرعية بأثر رجعي على المستوطنات في الضفة الغربية.
وأخشى أن يزداد القمع الإسرائيلي العنيف ضد الفلسطينيين في المستقبل القريب، فقط لأنني أعتبر سجل نتنياهو وتحالفاته السابقة، لما لديه من تاريخ مليء بالاستدراج العنصري الذي لا هوادة فيه والتحريض على التحيز ضد الفلسطينيين في إسرائيل، وإقرار قانون الدولة القومية اليهودية (الذي يكرس امتياز المواطنين اليهود)، وسياسة إطلاق النار، والسياسة الإسرائيلية بتدمير منازل الفلسطينيين، واستمرار احتلال الضفة الغربية، والقصف الجماعي المتكرر لغزة.
ومن المرجح أن يستمر نتنياهو في هذا الطريق، خاصة مع وجود بن غفير، وسموتريتش وغيرهم من المتطرفين في ائتلافه، لا سيما أنهم كانوا أداة تمكين العديد من هذه السياسات؛ حيث تعتبر القوة اليهودية والصهيونية الدينية امتداد طبيعي لسياسات نتنياهو، وإن إنكار هذه الحقيقة يشبه وضع الرأس في الرمال.
وإذا كان هناك جانب إيجابي لوضعنا الكئيب، فقد يكون صعود بن غفير وزملائه المتطرفين سيفتح أعين المزيد من الأمريكيين؛ حيث دعا بعض المسؤولين والدبلوماسيين السابقين في وزارة الخارجية إدارة بايدن إلى عدم التعامل مع الأعضاء الأكثر تطرفا في التحالف الإسرائيلي الجديد. كما أعربت الجماعات اليهودية الأمريكية عن قلقها من التحالف الجديد.
وعلى الرغم من ذلك، لا يتوقع أن تتغير السياسة الأمريكية استجابة لهذه الأخبار المظلمة، فقد تحدث وزير الخارجية أنتوني بلينكن عن “تدابير متساوية للحرية والأمن والفرص والعدالة والكرامة” للإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن ماذا سيقدم لضمان أن يعيش الفلسطينيون في حرية وأمان مع هذه الحكومة الجديدة؟؛ فبينما كانت إسرائيل تتجه إلى اليمين؛ استمرت الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى في إضفاء الشرعية على المتطرفين وتطبيع التعامل معهم رغم أنهم كانوا يعتبرون في يوم ما بعيدين عن ذلك؛ بدءا من الجنرال سيء السمعة، أرييل شارون، عندما أصبح رئيسا للوزراء، وانتهاء بالمستوطن والمتطرف القومي أفيغدور ليبرمان عندما عينه نتنياهو وزيرا في حكومته عام 2009.
في ذلك الوقت، واجه تعيين ليبرمان – الذي دعا إلى أداء كل من اليهود وفلسطينيي 48 قسم الولاء وإعادة رسم الحدود التي تجرد الفلسطينيين جنسيتهم الإسرائيلية – انتقادات واسعة، ولكن سرعان ما اجتمع المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون مع ليبرمان.
كان هناك أمل ضئيل في أن هذا لن يحدث مرة أخرى، ولكن ما كان لا يمكن تصوره قبل بضع سنوات سيصبح حقيقة واقعة، حيث يدفع الفلسطينيون حتمًا ثمنًا باهظًا لخيارات إسرائيل الانتخابية.
المصدر: نيويورك تايمز