ترجمة وتحرير: نون بوست
على أطراف غابة هادئة على بعد ساعة بالسيارة من شتوتغارت؛ حيث تمتد مسارات المشي لمسافات طويلة عبر الأشجار وعبر التلال المنحدرة، يتمركز مقر أحد الأسلحة الأوروبية السرية في السباق العالمي لتطوير أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا في العالم.
أوبركوخن هي بلدة صغيرة يبلغ عدد سكانها 8000 شخص فقط في ولاية بادن فورتمبيرغ الجنوبية الغربية، وهي المقر الرئيسي لشركة “كارل زايس إس أم تي”، الشركة الوحيدة المصنعة للمرايا والعدسات المستخدمة في أكثر معدات صناعة الرقائق تقدمًا في العالم، وتعتبر مراياها وعدساتها فائقة الدقة لدرجة أنها قادرة على تحقيق دقة تفوق 200 مرة من تلسكوب جيمس ويب الفضائي.
وقال بيتر وينينك، الرئيس التنفيذي لشركة “إيه إس إم إل ASML” – التي تتخذ من هولندا مقرًّاً لها والتي تحتكر عالميًّا تصنيع آلات الأشعة فوق البنفسجية شديدة القوة اللازمة لصنع أحدث الرقائق تطورًا، وهي واحدة من أهم عملاء “زايس” – إن شركة “زايس” لديها “كفاءة فريدة”، مؤكدًا على أن بدون عدسات “زايس” فإن شركته لا تستطيع صنع آلات الأشعة فوق البنفسجية شديدة القوة التي تستخدم الضوء فوق البنفسجي لفحص تطابق تصميمات الرقائق على رقاقات السيليكون والتي تكون بمقاسات دقيقة وصغيرة. وبدون آلات “إيه إس إم إل ASML”، سيكون من المستحيل صنع الرقائق الأكثر تقدمًا اللازمة للتقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والقيادة الذاتية والحوسبة الكمية.
تعد معدات صناعة الرقائق المتطورة إحدى نقاط القوة الخفية في أوروبا؛ حيث تحاول البلدان في جميع أنحاء العالم الاستحواذ على حصة من الصناعة التي تقع في قلب الاقتصاد الحديث والتي أصبحت مرتبطة بشكل متزايد بالمخاطر الجيوسياسية.
تجاوزت قيمة سوق أشباه الموصلات 500 مليار دولار لأول مرة في سنة 2021 ومن المقدر أن تتجاوز قيمة هذه الصناعة تريليون دولار بحلول سنة 2030، وذلك وفقًا لشركة “ماكنزي”.
وتعتبر تايوان المركز العالمي لصناعة الرقائق الأكثر تقدمًا، وفيما يتعلق بأشباه الموصلات التي تقل عن 10 نانومتر – الإصدارات الرائدة من التكنولوجيا – تحتكر تايوان أكثر من 90 بالمئة من حصة السوق العالمية.
لكن المخاوف المتزايدة بشأن التدخل العسكري الصيني المحتمل في تايوان دفعت الحكومات من الولايات المتحدة واليابان والعديد من الحكومات في جميع أنحاء أوروبا إلى الاندفاع لتحفيز التوسع في إنتاج الرقائق في بلدانهم، مما أثار مخاوف من حدوث فائض في الإنتاج في نفس الوقت.
وبالنسبة للعديد من البلدان؛ تعتبر أشباه الموصلات مسألة تتعلق بالأمن القومي حيث تعتمد قطاعات كبيرة من الاقتصاد بشكل متزايد على الوظائف التي توفرها، وقد أضر النقص الحاد أثناء الوباء بالإنتاج في مجموعة واسعة من الصناعات العالمية بدءا من الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب الشخصية وصولا إلى الخوادم والسيارات.
ولكن أوروبا مصممة على عدم التخلف عن الركب في ظل تسارع وتيرة هذه المنافسة. ففي وقت سابق من هذه السنة؛ كشفت المفوضية الأوروبية عن خطة لاستثمار 43 مليار يورو في محاولة لإغراء أكبر صانعي الرقائق في العالم لإنشاء مصانع في القطاع، وتعهدت شركة “إنتل” الأمريكية العملاقة للرقائق، باستثمار أولي قدره 33 مليار يورو في القطاع، بما في ذلك 17 مليار يورو لصالح موقع ضخم في ألمانيا.
وتعمل شركات تصنيع الرقائق الأوروبية مثل “إس تي ميكروإلكترونكس” و”إنفنيون” على توسيع منشآتها في أوروبا، ويحاول الاتحاد الأوروبي أيضًا إغراء شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة، وهي أكبر صانع رقاقات تعاقدية في العالم، لتأسيس عمليات واسعة النطاق في الكتلة.
هناك نوعان رئيسيان من الرقائق الدقيقة: رقائق المنطق ورقائق الذاكرة، والرقائق المنطقية هي “أدمغة” الأجهزة الإلكترونية، فهي تعالج المعلومات لكي يتم إكمال المهمة. ومن بين الرقائق المنطقية؛ وحدات المعالجة المركزية، وهي الرقائق “الأصلية” التي صممت لأول مرة في عام 1960. ولكن هناك أيضا معالجات مثل وحدات معالجة الرسومات (التي تقوم بتحسين العرض المرئي) ووحدات المعالجة العصبية (المصممة لتطبيقات التعلم العميق والآلي).
تقوم رقائق الذاكرة بتخزين المعلومات. هناك نوعان من رقائق الذاكرة: “درام DRAM” (ذاكرة الوصول العشوائي الديناميكية)، وهي رقائق “الذاكرة العاملة” التي تحفظ البيانات فقط أثناء تشغيل طاقة الجهاز، و”ناند فلاش NAND flash”، التي تحفظ البيانات حتى يتم إيقاف تشغيل الجهاز. على سبيل المثال، تقوم “درام DRAM” بالمساعدة في تشغيل البرامج على جهازك، في حين تقوم “ناند NAND” بتخزين الصور الخاصة بك، وفي حين أن “درام DRAM” سريعة، فإن “NAND” بطيئة في قراءة وكتابة البيانات.
قُدِّمت في 2022؛ وهي أقوى شريحة في السوق اليوم، وسيتم استخدامها في الجيل التالي من الهواتف الذكية المتطورة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة؛ حيث بدأت سامسونج شحنها في تموز/يوليو الماضي. وستكون أبل واحدة من أوائل العملاء الذين ستصنع لهم شركة تايوان لرقائق أشباه الموصلات شريحة الـ3 نانومتر هذا العام، ففقط سامسونج وشركة تايوان لرقائق أشباه الموصلات من يمكنهم القيام بذلك.
قُدِّمت في 2020؛ وتدخل في معالجات التطبيقات للهواتف الذكية المتطورة، وتستخدم هواتف آيفون وماك بوك وسامسونج جالاكسي هذه الرقائق.
قُدِّمت في 2018؛ وتستخدم في أجهزة الكمبيوتر المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المكتبية المعاصرة كوحدة معالجة مركزية رئيسية من إنتل و/أو “إيه إم دي AMD” (التي انتقلت إلى شرائح الـ5 نانومتر)؛ واستخدمتها لجنة الأمن والاستثمار الأسترالية “آسيك ASIC” في لمحطات قاعدة الـ5 جي؛ وهي رقاقة الجيل التالي في سيارات تسلا “ذاتية القيادة الكاملة”.
قُدِّمت في 2016؛ وتستخدم في مجموعة متنوعة من المنتجات مثل شرائح الذاكرة (درام DRAM)، والـ” إف بي جي إيه Fpga” (صفائف بوابة البرمجة المتقدمة)، والجيل القديم من وحدات المعالجة المركزية لأجهزة سطح المكتب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة (على سبيل المثال إنتل).
من جهتها؛ تأمل بروكسل أن تضاعف الاستثمارات حصة الاتحاد الأوروبي في سوق أشباه الموصلات العالمية من حوالي 10 بالمئة اليوم إلى 20 بالمئة بحلول سنة 2030. ولكن الأهم من حصتها في السوق هو تقليل اعتماد الاتحاد الأوروبي على المنتجين في آسيا – مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة و”سامسونج” – في وقت يمكن أن تشكل فيه التوترات بين الشرق والغرب تهديدًا محتملًا للإمدادات.
ومن المقرر إنشاء ما لا يقل عن 81 منشأة جديدة لصناعة الرقاقات بين سنتي 2021 و2025؛ حيث سيتم إنشاء 10 في أوروبا، و14 منشأة في الولايات المتحدة و21 في تايوان، وذلك وفقًا لأحدث البيانات التي أصدرتها شركة “سيمي” في أيلول/سبتمبر، وهي منظمة صناعة أشباه الموصلات مقرها الولايات المتحدة.
وإلى جانب الأسس الراسخة للقارة في المواد الكيميائية والمواد، ستكون الشركات مثل شركة “كارل زايس إس أم تي” وشركة “إيه إس إم إل ASLM” وسلاسل التوريد الخاصة بهم أساسية لتعزيز طموح أوروبا بأن تصبح واحدة من أهم موردي الرقائق في العالم.
لكن لا تزال هناك فجوات مهمة في دفع أوروبا لريادة أشباه الموصلات؛ حيث إن مبالغ رأس المال المطلوبة هائلة، وتحذر الشركات التي تتطلع إلى إمداد مصانع الرقائق من عدم وجود عدد كافٍ من العمال المتخصصين للحفاظ على استمرار تشغيل مصانعهم.
وقال لارس ريجر، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة “إن إكس بي لأشباه المواصلات” التي تتخذ من هولندا مقرا لها، إن “احتكارنا على 20 بالمئة من حصة السوق بحلول سنة 2030 لا يزال موضع تساؤل، ولكن هناك ضغط متزايد لأن عدم القيام بأي شيء سيزيد الوضع سوءًا”.
وقال وينينك، من شركة “إيه إس إم إل ASML”، إن “الأمر كله يتعلق بالملاءمة. عليك أن تظل وثيق الصلة بالسياق الجيوسياسي”.
هل هذا منطقي؟
لم تحظ خطة أوروبا الطموحة للرقائق الدقيقة، والتي تم إنشاؤها وفقًا لقانون الرقائق الأوروبي، بموافقة عالمية.
وقد أشار بعض النقاد، بمن فيهم المسؤولون التنفيذيون في الصناعة، إلى أن أوروبا كانت تهدر أموال دافعي الضرائب، وهم يجادلون بأنه من الأفضل إنفاق الأموال على توسيع قدرة تقنيات الرقائق المتطورة التي تستهلكها الصناعات الأوروبية الخاصة – مثل تطبيقات السيارات والصناعية – بدلًا من مواجهة التكاليف الهائلة لمحاولة تطوير أحدث الرقائق. وقد أدى تراجع صناعة الهواتف المحمولة في أوروبا إلى ترك القارة دون عملاء واضحين للرقائق المتطورة.
وقال أحد المسؤولين التنفيذيين في إحدى شركات الرقائق إنه “في ظل تصاعد تكلفة إنتاج المزيد من الرقائق المعقدة، كانت قلة من الشركات قادرة على مواكبة ذلك، وكان العديد من الشركات التي انسحبت من السباق أوروبية”.
وقد ترك ذلك سلسلة التوريد في أوروبا تفتقر إلى بعض القدرات الأساسية اللازمة لتصنيع أشباه الموصلات المتطورة.
يشير يانغ وانغ، كبير المحللين في لندن لدى شركة “كاونتربوينت ريسيرش” الاستشارية، إلى أنه لا يوجد مصممو شرائح في أوروبا يعملون في إصدارات العقد من هذه التكنولوجيا من حجم 7 نانومتر أو أقل، ويقول: “أفضل 10 مصممين للرقائق في العالم ليسوا في أوروبا، بينما تتصدر الولايات المتحدة العالم في تصميمات أشباه الموصلات”.
يمتلك الاتحاد الأوروبي بالفعل مجموعات حالية من سلاسل توريد أشباه الموصلات، مثل لوفن في بلجيكا ودريسدن في ألمانيا وغرونوبل في فرنسا، ولكن يشير خبراء المجال أنه قد يتعين على أوروبا تكثيف إمكانياتها في تصميم الرقائق والاستثمار في نظام متكامل لصناعة الرقائق المتطورة وكذلك الاستثمار في صناعة الرقائق ذاتها.
إضافة إلى ذلك؛ فالتمويل عامل حاسم، فكلما كانت الشريحة المصنوعة أكثر تقدمًا، كلما زاد رأس المال الذي تكلفه العملية. على سبيل المثال؛ سيكون الإنفاق الرأسمالي لشركة شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة لسنة 2022 36 مليار دولار، وأعلنت الشركة هذا الشهر عن خطط لمضاعفة استثماراتها في ولاية أريزونا ثلاث مرات من 12 مليار دولار إلى 40 مليار دولار في السنوات المقبلة؛ حيث ستجلب أيضًا تقنية 3 نانومتر الأكثر تقدمًا بحلول سنة 2026.
وأقرت الولايات المتحدة هذه السنة قانون الرقائق والعلوم الخاص بها، وهو حزمة من الحوافز والإعفاءات الضريبية بقيمة 52.7 مليار دولار.
ويقول المسؤولون التنفيذيون في المجال إن بناء سلسلة توريد معقدة مثل تلك المطلوبة لتكنولوجيا الرقائق الأكثر تقدمًا سيستغرق سنوات بالإضافة إلى دعم أكبر من دافعي الضرائب؛ حيث استثمرت دول مثل الصين وتايوان وكوريا الجنوبية المليارات على مدى عقود لدعم مصنعي الرقائق.
يقول جان مارك شيري، الرئيس التنفيذي لشركة “إس تي مايكروإلكترونكس”، وهي شركة مقرها جنيف توفر الرقائق لأسواق السيارات والصناعات التي تعتمد بشكل كبير على تقنيات ناضجة: “يعتبر قانون الرقائق الأوروبي أداة رائعة، لأنه يقدم التحفيز الذي يضعنا على نفس المستوى مع جميع أنحاء العالم” ويضيف “لكن إذا كان علينا بناء تكنولوجيا متقدمة ومصانع ضخمة للرقائق… فلن تكون تنافسية على الإطلاق”.
لكن أوروبا لم تبدأ من الصفر؛ حيث يعتبر تمسك الاتحاد الأوروبي بمعدات الرقائق المتقدمة إحدى الميزات المهمة، في ظل استخدام آلات الأشعة فوق البنفسجية شديدة القوة “إي يو في” من شركة “إيه إس إم إل ASML”، أصبح بإمكان أكبر مصنعي الرقائق في العالم مثل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة وسامسونج وإنتل تحدي حدود الفيزياء، وتعبئة المزيد من الترانزستورات المعالجة على شرائح أصغر بكثير، وتمثل 3 نانومتر أحدث ما توصل إليه الإنتاج الضخم اليوم – في إشارة إلى حجم كل ترانزستور على شريحة – ولكن التكنولوجيا تطور هذا إلى 2 نانومتر وأقل.
وقال توماس ستاملر، كبير مسؤولي التكنولوجيا في شركة زايس: “بدون مركبات آلات الأشعة فوق البنفسجية شديدة القوة “إي يو في”، لن نتمكن من الوصول إلى هذه الكثافات الكبيرة من الترانزستورات في شريحة”.
وأضاف: “نظرًا لأننا الجهة الوحيدة التي تزود الأشعة فوق البنفسجية، فإننا نأخذ هذا أيضا كالتزام لتوسيع صناعة الرقائق ودعمها… ونحن نعمل بالفعل على الجيل القادم من الأشعة فوق البنفسجية”.
وبالإضافة إلى “إيه إس إم إل ASML” وزايس؛ حيث تمتلك الأولى حصة 25 في المائة، تعتبر شركة ترومف الألمانية رائدة عالميًا في مجال الليزر المستخدم في آلات الأشعة فوق البنفسجية شديدة القوة.
وتكون البلازما الناتجة عن أشعة ليزر ترومب – المستخدمة لتوليد ضوء الأشعة فوق البنفسجية – أكثر سخونة بنحو 40 مرة من سطح الشمس، وذلك عند 220 ألف درجة مئوية، وهو ما يمكن مركبات آلات الأشعة فوق البنفسجية شديدة القوة “إي يو في” من مساعدة شركات مثل آبل في الضغط على ما يصل إلى 16 مليار ترانزستور في وحدة المعالجة المركزية لجهاز ماك بوك الخاص بها اليوم، مقارنة بـ1000 ترانزستور في الأجهزة الإلكترونية في السبعينيات.
وتتمتع أوروبا أيضا بميزة قوية تتمثل في قدرتها على إنتاج المواد والكيماويات المعقدة وشديدة التخصص، التي تستخدم في صناعة الرقائق المتقدمة، وتأتي هذه الصناعات أساسًا من عدد قليل من الشركات الأوروبية مثل ميرك و”بي إيه إس إف BASF” وسولفاي، بالإضافة إلى شركات يابانية مثل “جا أس أر JSR” وشين-إتسو الكيميائية.
وتمتلك أوروبا واحدًا من أهم مراكز البحوث في العالم في إيميك، وهو مركز أبحاث تكنولوجيا النانو خارج بروكسل، الذي يستخدمه صناع الرقائق الأكثر تقدمًا لبناء النماذج الأولية. ومن بين مراكز البحوث الأخرى المشهورة عالميًا معاهد فراونهوفر الألمانية وسي-ليتي الفرنسية، وبالرغم من كل ذلك.
ولا تزال هناك تحديات تواجه هذه الصناعة؛ حيث تستثمر دول أخرى أكثر بكثير من تلك الموجودة في أوروبا لبناء قدراتها الخاصة في صناعة الرقائق، وبدأت النظم البيئية بالفعل في التطور حول مصانع جديدة.
وفي أوروبا؛ كان موردي المواد والكيماويات الحرجة أبطأ في الاستثمار من هؤلاء الموجودين في الولايات المتحدة وتايوان، وهو ما يرجعه البعض إلى أن قانون الرقائق الأوروبي لا يغطي الاستثمار بشكل كافٍ خارج صناعة الرقائق، أو لأن اللوائح البيئية الأوروبية تجعل توسيع المنشآت الكيميائية أكثر صعوبة، هذا إلى جانب أزمة الغاز في أوروبا، والتي أدت بالطبع إلى ارتفاع أسعار الطاقة المرتفعة بالفعل، مما أجبر صناعة الكيماويات كثيفة الاستهلاك للطاقة في الاتحاد على إيقاف أو تعليق إنتاج بعض المنتجات، فيما يقول التنفيذيون في الصناعة إن التوسع في أوروبا في الوقت الحالي ليس أمرًا جذابًا بدون حوافز قوية.
وكان رودريغو إليزوندو، رئيس شركة سولفاي تكنولوجي سوليوشنز، قد صرح لصحيفة فاينانشيال تايمز، قائلا :”يتطلب توريد المواد الكيماوية لأشباه الموصلات الجديدة استثمارات في أصول مخصصة. لذلك، فإن الافتقار إلى دعم الدولة سيكون بالتأكيد عقبة أمام موردي المواد الكيميائية، وأضاف: “من وجهة نظرنا، فإن عدم وجود إمدادات إقليمية قوية من المواد الكيميائية سيعرض بالتأكيد عمليات تصنيع أشباه الموصلات الأوروبية للخطر”.
وتتوقع “بي إيه إس إف BASF” وسولفاي نقصًا في المواد والكيماويات في السنوات القادمة عندما تزداد قدرات الرقائق الجديدة، ما لم يتم إجراء استثمارات في هذه المجالات.
وأفاد لوثار لوبيشلر، نائب الرئيس الأول للمواد الإلكترونية في “بي إيه إس إف BASF”، بأنه “يتحدث الجميع عن تصنيع أشباه الموصلات، ولكن لا يتم إيلاء الاهتمام الكافي للمواد الكيميائية اللازمة لإنتاج هذه الرقائق الدقيقة”، مضيفًا: “يبدو الأمر كما لو أن المواد الكيميائية يُنظر إليها مثل الماء أو الكهرباء، فتفتح الصنبور ويخرج مباشرة، لكن هذا مفهوم خاطئ”.
وأضاف كاي بيكمان، عضو المجلس التنفيذي لشركة ميرك والرئيس التنفيذي لقسم الإلكترونيات التابع لها: “نحن بحاجة إلى النظر في هذا الأمر بالاشتراك مع الاتحاد الأوروبي، لأننا نتحدث عن مواد عالية التخصص قد لا يتم وضعها في الاعتبار بشكل جيد في الطموحات الأوروبية”.
العثور على موظفين
وتواجه أوروبا مشكلة أساسية أخرى، وهي العثور على ما يكفي من العمال المهرة؛ حيث كشف مسح أجرته هيئة العمل الأوروبية عن أكبر نقص في العمالة في الاتحاد الأوروبي أن المهندسين والفنيين – ركائز صناعة الرقائق – كانوا من بين أكبر أربعة مواهب تعاني من النقص في 10 دول.
وحذرت شركات – مثل إنفينيون الألمانية، وإدواردز فاكيوم البريطانية، والتي تعد المكون الرئيسي ومزود النظام الفرعي لشركة “إيه إس إم إل ASML”، و شركة التكنولوجيا النمساوية “إيه تي آند إس AT&S”، وهي واحدة من الموردين الرئيسيين لركائز الرقائق المتطورة، التي يتم تركب أشباه الموصلات عليها – من أن المواهب الأجنبية ستكون حاسمة لمزيد من التطوير والاستدامة لصناعة أشباه الموصلات في أوروبا.
وقال أندرياس غيرستينماير، الرئيس التنفيذي لشركة “إيه تي آند إس AT&S”، إن شركته تكافح للعثور على 800 عامل ماهر يحتاجهم مركز البحث والتطوير الجديد في النمسا، وتابع قائلا: “علينا أن نتواصل مع العالم لتوظيف المواهب، لأن الخبرة والتكنولوجيا [في ركائز الرقائق] غير متاحة بعد هنا”.
وقال مارتن سانت شتوكل، رئيس الموارد البشرية في إنفينيون، إن سلسلة التوريد بأكملها ستلاحق نفس المواهب، مما يزيد الأمور سوءا، مضيفًا: “تعتبر مشكلة نقص المواهب خطيرة في أوروبا، فإذا قمت بإجراء عملية حسابية سريعة، فإننا في إنفينيون سنبني مصنعًا جديدًا لتصنيع أشباه الموصلات، كما ستتوسع أيضًا شركتي “إس تي ميكروإلكترونكس STMicroelectronics”، لذلك سنحتاج إلى آلاف المهندسين والفنيين على الأقل في السنوات القادمة”.
ومع ذلك؛ فإن المعركة بعيدة كل البعد عن الخسارة، كما يقول المسؤولون التنفيذيون في الصناعة، حيث إنهم متفائلون بشأن آفاق أوروبا في هذه الصناعة الحرجة، وذلك على الرغم من كل هذه التحديات؛ حيث يعتبر وجود شركات مثل “إيه إس إم إل ASML” وزايس وترومف فرصة جيدة للانطلاق.
ويقول أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في شركة إنتل: “احتفظت أوروبا بالقوة الحقيقية على مر السنين في معدات تصنيع أشباه الموصلات، حيث منحها ذلك فرصة حقيقية لإعادة دخول السوق، التي لولاها لم تكن لتحصل عليها. فبدون هذه الفرصة، كان من الصعب جدا على أوروبا أن تعود لهذا المجال”.
المصدر: فاينانشال تايمز