يعيش المقدسيون وأهالي الداخل المحتل ظروفًا معيشية قاهرة، فلا يستطيعون التنقل بحرّية أو التعليم أو الدراسة، فهم محاطون بعناصر من الشرطة الإسرائيلية والوحدات الخاصة المرافقة لها، يقمعون تحركاتهم أينما كانوا حتى في أماكن عبادتهم، حيث تنتشر قوات من وحدة اليسّام المعروفة بالقمع الوحشي والاعتداء على الفلسطينيين في ساحات المسجد الأقصى، والتي تشهد مواجهات دائمة، على إثر سماح وحدة اليسّام للمستوطنين بأداء صلوات تلمودية، وقمع الفلسطينيين في حال قاوموا ذلك.
سنتابع معكم في سلسلة “أجهزة القمع الإسرائيلية” الحديث عن الوحدات الإسرائيلية التابعة للجيش والشرطة الإسرائيلية، والتي تقوم بقمع الفلسطينيين والاعتداء عليهم وتصفيتهم ميدانيًّا، والحدّ من حركتهم واعتقالهم وانتهاك حرمة المساجد والجامعات وغيرها، وسنخصص في هذا المقال الحديث عن وحدة اليسّام.. فما هي؟ وأين تتركّز؟ وما مهامها؟
وحدة اليسّام
هي وحدة خاصّة تابعة لجهاز الشرطة الإسرائيلي، تنشط في القدس وأراضي عام 1948، يرجع اسمها اختصارًا لـ”وحدة دوريات خاصة”، تأسست عام 1988 بهدف مكافحة التظاهرات والاحتجاجات الواسعة، وفق ما هو منشور على موقعها الإلكتروني الرسمي.
تتكون هذه الوحدة من خرّيجي الوحدات القتالية المتعددة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يعرَف عنهم التعامل الوحشي، فهم لا يعرفون إلا الضرب والتكسير والهجوم الهمجي على الأفراد، إذ يتلقون في البداية تدريبات شرطية، ومن ثم دورات قتالية في مكافحة التظاهر والاحتجاج، كما يشاركون في دورة تدريبية مع “حرس الحدود”، وهي وحدة تابعة للشرطة الإسرائيلية، من مهامها الأساسية العمل على مراقبة وحماية حدود الكيان وخطوط المواجهة والموانئ الجوية والبحرية.
مكافحة الجريمة، ولكن
صُمّمت هذه الوحدة لمكافحة التظاهر والاحتجاج، لكن عملها الأساسي هو قمع الفلسطينيين، خاصّة في القدس، ففي السنوات الماضية كنا نرى عناصر من شرطة الاحتلال تصاحبهم وحدات خاصة ومنها اليسّام. وفي هبّة مايو/ أيار، تمَّ استدعاء مئات من عناصر هذه الوحدة للحدّ من قوة أعداد المصلين في ساحات المسجد الأقصى، فحين تنتهي صلاة الجمعة، كان جموع المصلين من أنحاء فلسطين قاطبة يتظاهرون بشكل سلمي، منددين باقتحامات المستوطنين، فكانت تنهال عليهم العصي وغاز الفلفل والبساطير من كل حدب وصوب.
ولم يقتصر الأمر على الضرب والاعتداء الوحشي، بل تطوّر عمل هذه الوحدة للإعدام الميداني والقتل، إذ كانت هذه الوحدة هي المسؤولة عن جريمة قتل الشاب محمد كيوان في بلدة أم الفحم أواخر العام الماضي.
وبدل أن تقوم الوحدة بمحاربة ظاهرة العنف والجريمة في الداخل، كما كان مخططًا لها، إلّا أن عملها أصبح يتركز على ارتكاب الجرائم بحقّ الفلسطينيين، فوحدة اليسّام وبالشراكة مع شرطة “حرس الحدود” مسؤولتان عن ضبط الأمن ومحاربة الجريمة في أراضي عام 1948 والقدس، لكن أصبح هذا الدور هامشيًّا مقارنة بما يعيشه المقدسيون يوميًّا من اعتداء وضرب وسحل.
كما اُستخدمت هذه الوحدة بشكل كبير أثناء فكّ الارتباط الاسرائيلي مع غزة في شهر أغسطس/ آب 2005، ما أعطى شهرةً وانتقادات لاذعة للوحدة على الصعيد الديني الإسرائيلي المتشدد، إذ قامت المرجعيات الدينية الصهيونية بدعوة أتباعها من القادة والجنود إلى رفض تعليمات قيادة الجيش بالمشاركة في تنفيذ خطة “فكّ الارتباط”، فقد دعا حاخامًا يُدعى إبراهام شابيرا، أتباعه إلى الانشقاق عن الجيش والوحدات الخاصة المرافقة معه مثل وحدة اليسّام، في حال نُفّذت خطة “فكّ الارتباط”، نظرًا إلى اعتبارات توراتية تفيد بأنه يُمنع على اليهود ترك “أراضيهم” ومنحها إلى غريب.
موجات هروب لضباط اليسّام
كشف تقرير صحفي إسرائيلي في الشهور الماضية النقاب عن “موجة هروب كبيرة” لضباط وجنود من وحدة اليسّام الخاصة التابعة لشرطة الاحتلال، في ظل الأحداث المتسارعة التي يشهدها حي الشيخ جراح، والمواجهات التي شهدتها العديد من المحافظات الفلسطينية على طرفَي الخط الأخضر.
وجاء في التقرير الذي نشرته صحيفة “هآارتس”، أن من أبرز أسباب الهروب عدم قدرة عناصر هذه الوحدة على تحمّل موجة التظاهرات الفلسطينية المتواصلة، خاصة في محيط المسجد الأقصى، فوجودهم في هذه الأماكن “الحساسة” على حدّ تعبيرهم، جعلهم عرضةً لمخاطر كبيرة، وأظهر التقرير أنه من بين كل 5 أفراد في وحدة اليسّام هناك فرد واحد على الأقل يطالب بترك هذه الوحدة، إما بالاستقالة منها وإما بالانتقال إلى وحدة أخرى.
وأضاف أن المعطيات بيّنت أن هناك 55 عنصرًا من أفراد وحدة اليسّام، والتي تعمل في منطقة القدس، من بين 250 شرطيًّا في هذه الوحدة كاملةً، طالبوا بالاستقالة، أو نقلهم إلى وحدات أخرى خلال العام الماضي. وأشار التقرير إلى أن نسبة الذين طالبوا بترك الوحدة وفق المعطيات من العام الماضي، تعتبَر نسبة كبيرة قياسًا لسنوات سابقة، وهذه الموجة من الهروب اعتبرها المسؤولون ضربة كبيرة لهذه الوحدة وقيادة الشرطة.
وبحسب المعطيات التي أوردها موقع “ماي نت”، والذي يختص بتغطية منطقة القدس، فإن 46 شرطيًّا في وحدة اليسّام طالبوا العام الماضي بالانتقال إلى وحدات أخرى، وانضمَّ إليهم 9 آخرين طالبوا بالاستقالة نهائيًّا من الوحدة، ليصبح مجمل الذين طالبوا بترك وظيفتهم من الوحدة العام الماضي 55 فردًا، وخلال عام 2020 طالب 25 شرطيًّا من الوحدة ذاتها بتركها والانتقال منها إلى وحدة أخرى.
وذكر التقرير أن منطقة القدس تعتبَر بشكل عام بؤرة توتُّر، إلا أن العامَين الأخيرَين بشكل خاص شهدا سلسلة احتجاجات ومواجهات عنيفة، خاصة في البلدة القديمة ومدخل مدينة القدس ومحيط المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، فاضطرت هذه الوحدة إلى العمل بشكل مكثّف، حيث شهدت تلك الاحتجاجات مواجهات عنيفة بين قوات اليسّام والمتظاهرين الفلسطينيين، ما أدّى إلى ضغوط كبيرة على أفراد هذه الوحدة.
وتابع التقرير أنه وفي ظل الأحداث المتسارعة في حي الشيخ جراح، والمواجهات العنيفة هناك في الفترة الأخيرة، فمن المتوقع أن يؤدّي هذا إلى ارتفاع أكبر في عدد الأفراد الذين يطالبون بترك هذه الوحدة، أو حتى الاستقالة من جهاز الشرطة الإسرائيلية والوحدات المرافقة لها بشكل كلي.
أحداث مايو/ أيار 2021
خلال الأحداث المتسارعة التي شهدتها الأراضي الفلسطينية داخل الخط الأخضر، العام الماضي، استعان الاحتلال بعدد من الوحدات والفرق الخاصة من بينها وحدة اليسّام، إلى جانب مشاركة بسيطة لوحدة اليمّام الخاصة، من أجل قمع الهبّة التي وُصفت بالأخطر في تاريخ الاحتلال.
تعاملت هذه الوحدة مع المتظاهرين بعنف شديد، وطالت عددًا من الفلسطينيين أوامر استدعاء للشرطة، وهناك من تمَّ اعتقاله فورًا، واُنهيلَ على النساء والأطفال وجميع من تظاهر ضد الاحتلال بالضرب والسحل، وهو ما وثقته مئات الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما كان لهذه الوحدة دور كبير في قمع المصلين في ساحات المسجد الأقصى، وإطلاق قنابل الغاز والصوت على المصلين، ومنعهم من الاحتفالات الدينية، خاصّة في شهر رمضان المبارك.
يتفنّن الاحتلال في إنشاء وحدات قمعية جديدة للسيطرة على الشعب الفلسطيني، والحد من تطلُّعه للحرية، فهذه الوحدات المرافقة لجيش الاحتلال تمارس غطرستها وبطشها على الشعب الضعيف الأعزل، خاصة أنها مدرّبة على أحدث الوسائل القمعية، في محاولة منهم لكسر عزيمة وصمود الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.