ترجمة حفصة جودة
في العاشرة صباحًا من يوم 16 أغسطس/ آب، تلقّت الشرطة في زنجبار بلاغًا عن اختفاء رجل كان قد ترك منزله على الجزيرة وذهب إلى جهة غير معلومة، كان البلاغ هو الأول من بين 7 بلاغات أخرى تلقّتها الشرطة هذا الشهر عن شباب تتراوح أعمارهم بين 19 و36 عامًا، كانوا قد اختفوا في ظروف غامضة من الأرخبيل التنزاني.
حاولت عائلاتهم جمع الأحداث التي ربما أدّت إلى اختفاء أقاربهم فجأة ودون تفسير، وهكذا ظهر نمط متكرر بشأن تلك الاختفاءات، فقبل رحيلهم ازدادت عزلتهم وأصبحوا متشددين في معتقداتهم الدينية، وازداد قلقهم بشأن البذءاة الأخلاقية في الجزيرة، وصاروا يستمعون إلى تعاليم عبود روجو محمد، رجل الدين المتشدد من كينيا والذي قُتل عام 2021 وكان له تأثير واسع شرق أفريقيا، وقد قالت الأمم المتحدة إنه كان مرتبطًا بجماعة الشباب الصومالية المسلحة.
تعتقد بعض العائلات الآن أن الشباب غادروا للانضمام إلى الجماعات الجهادية، وهناك عائلة تملك خطابًا تعتقد أنه لابنها ذي الـ 19 عامًا، والذي يشرح فيه رحيله مبررًا أنه للقتال من أجل العقيدة.
تقول صبيرة خميس (32 عامًا)، فنانة الحناء من حي ميشينزاني في زنجبار، إن زوجها سلطان موسى صادق (36 عامًا) اختفى عندما كانت حاملًا في شهرها السادس، وتضيف أن سلوك زوجها بدأ بالتغيُّر من شهر أبريل/ نيسان أثناء شهر رمضان، حيث التزم بتعاليم روجو رغم أنه لم يكن مسلمًا متدينًا من قبل.
في السابق، كان يفرح بمشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة على التلفاز، أما الآن فيرغب في أن تستمع العائلة إلى تعاليم روجو فقط، تقول خميس إن زوجها -الذي لم يكن محبًّا للسفر- أخبرها فجأة في أحد أيام يوليو/ تموز أنه سيذهب قريبًا إلى دار السلام للتجارة، وفيما عدا المكالمة الهاتفية التي أخبرها فيها بوصوله، لم تسمع من زوجها شيئًا منذ ذلك الحين.
بنهاية شهر أغسطس/ آب، وتحت ضغط العائلات للتحقيق في اختفائهم، قال حمد خميس حمد، مفتش الشرطة في زنجبار: “لا أريد أن أستبعد احتمالية انضمامهم إلى الجماعات الإرهابية، لكن دون أدلة يبقى الأمر مجرد افتراضات”.
في الشهر نفسه، وجّهت رئيسة البلاد، سامية صولحو، قوات الشرطة لزيادة الجهود الأمنية في زنجبار، قائلة إنهم ضعفاء وأن الجزيرة غير آمنة وحدودها مليئة بالثغرات.
قالت خميس إن اختفاء زوجها سبّب لها صدمة، فقد كانوا متفقين وفي وضع مالي جيد، أنجبت خميس صبيًّا بعد ذلك وهو ما كان يتمناه الزوجان لسنين، وتعتقد خميس أن زوجها أصبح متطرفًا.
تقول خميس بينما يتجمع الأطفال حولها في غرفة الجلوس: “أتساءل كل يوم إذا ما كان عقله سليمًا”، فحتى في أسوأ الظروف لم تتوقع خميس أبدًا أن يتركها زوجها أو يترك أطفالهما، وتضيف باكية: “لقد صدّقته عندما قال إنه سيعود”.
في سبتمبر/ أيلول، استجوبت الشرطة شخصَين مشتبهًا بهما في أحداث الاختفاء، وكشف مفتش الشرطة أن الشرطة وجدت في التحقيقات الأولية وثائق تُستخدَم في تدريبات إرهابية، وقال إن هذه الوثائق تهدف إلى تشجيع الشباب على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة، ومع ذلك لم يكن واضحًا إذا ما كانت هذه الوثائق قد اُستخدمت في الجزيرة أم لا، ومَن استخدمها وكمّ عدد الأشخاص الذين تلقوا هذا التدريب.
ورغم أن الشرطة تلقت 7 بلاغات اختفاء رسيمة فقط، إلا أن العدد الحقيقي للشباب المختفين أكبر من ذلك، فقد كشفت تحقيقات وسائل الإعلام المحلية عن اختفاء 15 شابًّا فجأة هذا العام، بينما أكّدت “الغارديان” اختفاء 5 آخرين في شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
تواجه تنزانيا تهديدات إرهابية مباشرة أقل من جيرانها في شرق أفريقيا مثل كينيا وموزمبيق، فالدولة ليست على الحدود مع الصومال حيث جماعة الشباب، ولا تشارك في قوات الاتحاد الأفريقي في الصومال “Amisom”، التي تدعم أنشطة الحكومة الصومالية لمكافحة الإرهاب ضد الجماعات المسلحة.
ومع ذلك فقربها من تلك الدول يجعلها عرضة للخطر، في عام 2020 شنَّ مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية من موزمبيق هجمتَين إرهابيتَين على تنزانيا، وقالت بعض التقارير إن التنظيم يشكّل أكبر تهديد إرهابي لتنزانيا.
لكن مدى التهديد الكامل ليس معروفًا بسبب ثقافة الكتمان في البلاد، حيث ما زال التطرف العنيف خاضعًا للمراقبة في تنزانيا لكنه مخفيًا عن العامة، بسبب تحفظ الحكومة وقوات الأمن حول الاعتراف بالهجمات الإرهابية عند وقوعها، ناهيك عن الرقابة على وسائل الإعلام والمجتمع المدني.
وفقًا لليان دانج، خبيرة الأمن والعدل التي عملت على التطرف العنيف في تنزانيا، فإن المجتمعات تتردد في لفت الانتباه لمخاطر التطرف في الدول المجاورة، وتضيف: “هناك بعض المخاوف بشأن الردود الأمنية للشرطة تجاه التطرف العنيف، وهناك انعدام للثقة بين أفراد المجتمع والشرطة”.
عاش معظم الشباب المختفين في منطقتَي فيكوكوتوني ومتنديني في زنجبار والمعروفتَين بنشاطهما السياسي، وتقول تقارير الإعلام إن المجندين ينشطون في سوق درجاني بستون تاون، كانت بعض عائلات الشباب المختفين قد رفضت الحديث إلى الإعلام خوفًا من الانتقام من المفقودين.
يعدّ سليمان محمد أحد الخمسة المختفين من متنديني في أكتوبر/ تشرين الأول، وتقول خالته موليدي محمد يوسف إنه في غضون أسابيع تحوّل من شاب مرح يلعب كرة القدم في وقت فراغه إلى شخصية منعزلة، يصلي وحده ويعبّر عن قلقه على أخلاق الجزيرة، ويتحدث عن القتال من أجل العقيدة، وأضافت أنه قبل رحيله بأيام قال لها: “إذا مت سأراك في الجنة”.
تقول يوسف، التي ما زالت لا تصدّق رحيله بتلك الطريقة: “أعتقد أنه تعرض لغسيل دماغ”، وأضافت أن إحدى أمهات الشباب المفقودين أصبحت نادرًا ما تغادر المنزل، وانعزلت منذ رحيل ابنها.
يقول بيتوس سيد سيلا، مدير التخطيط والبحث في قوات الشرطة التنزانية، إن المجندين يستخدمون الأيديولوجيا الدينية أو السياسية والدافع الاقتصادي لدفع الشباب للانضمام إلى الجماعات المتطرفة، فالفقر والبطالة والجهل تربة خصبة للتطرف والعنف في البلاد، مضيفًا أن المجندين يستهدفون الشباب الذين يشعرون بالتقويض من قبل النظام حيث يكونون في أضعف حالاتهم، ويحفزهم العثور على وسيلة للنجاة.
ويؤكد سيلا أن الشرطة المجتمعية في تنزانيا تساعد في الكشف عن حوادث التطرف العنيف مبكرًا، من خلال مخططات مراقبة الأحياء حيث يندمج جامعو المعلومات الاستخباراتية في المجتمعات، لكن دانج ترى أن هذه الطريقة قد تكون غير فعّالة، لأن السلطات تركز كثيرًا على جمع المعلومات بدلًا من بناء حوار بين المجتمع والشرطة.
تقول العائلات إنها لم تتلقَّ أي تحديثات بشأن حالة أقاربها، وأنها غير متفائلة ولا تعتقد أن الشرطة ستقدم المزيد، وقد استسلم بعضها لعدم رؤية أقاربها مجددًا بينما تعيش العائلات الأخرى على الأمل، حيث تقول خميس: “أعتقد أن صادق سيعود يومًا ما، وسأكون في انتظاره”.
المصدر: الغارديان