قام الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” الخميس الماضي بإعلان اسم مرشحه لمنصب وزير الدفاع، وكان المرشح هو الدكتور “أشتون كارتر” النائب الأسبق لوزير الدفاع الأمريكي حتى 2013، ويأتي هذا الترشيح ذو الدلالة بعد استقالة (أو اقصاء) الوزير السابق “تشاك هاجل” الذي اصطلحت بعض الأوساط على تسميته بـ” تشاك ذو الأيدي المهتزة”.
تخرج الدكتور كارتر من واحدة من أعرق وأقدم الجامعات بالولايات المتحدة وهي جامعة يال في العام 1972، كان مجال شهادته هو تاريخ العصور الوسطى (التي تعتبر جامعة يال من أفضل الجامعات فيه على الإطلاق) والفيزياء النظرية، وحصل على شهادة الدكتوراة في الفيزياء النظرية من جامعة أوكسفورد عام 1979 في إطار برنامج منح رودس للنابغين، عمل الدكتور كارتر بعد ذلك كمحاضر للفيزياء النظرية في جامعة أوكسفورد وجامعة روكفيلر ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وعمل كباحث في كل من مؤسسة بروكهيفن ومعامل فيرمي لاب الأكبر في العالم.
يصبح من الواجب التساؤل عند هذه النقطة عن كيف تحول هذا الفيزيائي المهتم بالتاريخ إلى رئيس البنتاغون المقبل، فكارتر قبل أن يتم ترشيحه لمنصب الوزير كان قد قضى قرابة العامين (2011-2013) كنائب للوزير، وكان مسؤولاً بشكل مباشر عن ميزانية قدرها 600 مليار دولارًا، وعدد من الموظفين بالوزارة يقارب اثنان ونصف مليون شخص، وقبل ذلك بين عامي 2009 و2011 كان وكيلاً للوزارة لشؤون التسليح والتكنولوجيا واللوجيستيات، أي قرابة الخمسين مليار دولارًا من مصروفات البحث والتطوير التكنولوجي سنويًا.
في لقاء له عام 2013 تحدث كارتر عن كيفية قضائه فترة كبيرة من عمره يدرس الفيزياء الجزيئية، وأيضًا كيف تطور عنده اهتمام شديد بالسياسات العسكرية دافعًا إياه للتخلي التام عن عمله كفيزيائي، تسبب هذا الاهتمام ببدء كارتر العمل مستفيدًا من خبراته السابقة كفيزيائي في مجال الاستشارات العسكرية والتكنولوجية؛ فعمل كمستشار للاستثمار العسكري والعلاقات الدولية لدى شركة جولدمان ساكس، كما كان عضوًا بمجلس إدارة العديد من مراكز الأبحاث المعنية والشركات، وتم انتخابه كعضو بالجمعية الأمريكية للعلوم والآداب.
عمل كارتر كمسؤول لشؤون الأمن الدولية بوزارة الدفاع بين 1993 و1996؛ وكان لاعبًا رئيسيًا في الوصول لتسوية أزمة التسلح النووي لكوريا الشمالية عام 1994؛ ليتسع مجال سلطته بعد ذلك ليشمل شؤون الدويلات السوفيتية والأمن القومي ومكافحة التسلح النووي، وأثناء كل هذا كان كارتر مستمرًا في نشر الأوراق البحثية بالعشرات وشارك في كتابة وتحرير 11 كتابًا؛ ليحصل على وسام الخدمة المميزة خمس مرات عن خدمته في الوزارة.
يذكر أن كارتر كان أحد أهم العوامل المتسببة في إدماج إسرائيل في برنامج تطوير مقاتلات إف-35 شديدة التطور والذي تكلف ما يزيد على تريليون دولارًا أثناء مسؤوليته عن مسائل التطوير التكنولوجي بالوزارة، والتي من المقرر أن تستلم إسرائيل 19 طائرة منها كجزء من المعونة العسكرية الأمريكية، ويعرف أيضًا عن كارتر علاقته القوية على المستوى الشخصي بوزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعالون، وقد صرح عدد من المسؤولين الإسرائيليين لمراسل الجوراسليم بوست عن سعادتهم العارمة بقرار الرئيس أوباما.
وعلى الصعيد الإيراني فقد عُرف كارتر بآرائه الحادة والواضحة، فكارتر ذو الخبرة الكبيرة في التعامل مع المسألة النووية الدولية وخصيصًا بعد الأزمة الكورية الشمالية، قد نشر في العام 2006 تقريرًا لمعهد كارنيجي مطالبًا بتهديد إيران بالتدخل العسكري إذا لم تتراجع عن برنامجها النووي، وقد غلب على كتابته اهتمام واضح بضرورة احتواء البرنامج النووي الإيراني.
في الخطاب الذي أعلن فيه أوباما عن ترشيحه لكارتر، وصف الرئيس مرشحه بأنه “خليط فريد من الرؤية الإستراتيجية النظرية والمعرفة التكتيكية العملية”، وإذا ما وضع هذا الوصف جنبًا إلى جنب مع ما اتضح سابقًا من آراء وتوجهات كارتر؛ يتضح للعيان كيف ستختلف ولاية كارتر تمامًا ولماذا أتت بعد ولاية هاجل، فهاجل المغضوب عليه بوضوح في الأوساط العسكرية الأمريكية كان مهزوز الأيدي وذي توجه دفاعي، بينما يرى هؤلاء أن الوضع حاليًا وخصيصًا في الشرق الأوسط يحتاج إلى شخص لا ينتظر التقارير السياسية والإستراتيجية، بل شخص يسعى مستخدمًا الإمكانات الهائلة للوزارة والولايات المتحدة إلى تغيير الواقع الإستراتيجي بأي شكل ليناسب المصالح الأمريكية.