ترجمة وتحرير: نون بوست
كانت هذه هي المرة الأولى لإليز شوتين في المملكة العربية السعودية؛ حيث سافرت المرأة الهولندية، البالغة من العمر 25 عاما، إلى الرياض في بداية كانون الأول/ ديسمبر؛ لحضور مهرجان بيست ساوند ستورم، الاحتفال الأكبر للمملكة الخليجية الذي أقيم في صحراء نائية خارج العاصمة.
تمت الإشادة بالفعالية كواحدة من أكبر المهرجانات الموسيقية في العالم هذا العام، إلا أنها تعرضت لانتقادات متجددة بسبب حوادث مضايقات النساء، ذلك على الرغم من تعهدات المنظمين بمكافحة الانتهاكات.
كان المهرجان قد أقيم في الفترة من 1 إلى 3 كانون الأول /ديسمبر الجاري، وجذب أكثر من 730.000 شخصًا؛ حيث عُرضت أعمالًا موسيقية متنوعة، تمتد من الموسيقى الإلكترونية إلى الهيب هوب.
وحضرت شوتين، وهي من محبي الموسيقى الإلكترونية التي تعمل في السفارة الهولندية بالقاهرة، مع زميلتها في السكن إلى الرياض لقضاء عطلة نهاية الأسبوع لحضور احتفالية سوند ستورم، وقالت شوتين إنها وجدت، من وقت وصولهم إلى الحفل، عددًا من الرجال كانوا يصرخون ويحاولون لمسهم.
وأضافت شوتين لـ”ميدل إيست”: “كنت أمسك بصديقتي، حيث أصبح الحشد أكثر كثافة عندما اتجهنا المسرح، ثم شعرت بذلك ثلاث مرات، شخص ما أمسك بي من الخلف، استدرت وصرخت كثيرًا عليهم، لكنهم لم يتوقفوا، بل واصلت اليد لمسي مرة أخرى”.
فشل حملة مناهضة التحرش
بعد تعرضهم لانتقادات في أول عامين له، في عامي 2019 و2021، وبسبب المضايقات، اتخذ منظمو مهرجان إم دي إل بيست خطوات إضافية من خلال حملة الاحترام وإعادة الضبط، وعززوا الأمن وخصصوا مناطق آمنة للرقص لمنع التحرش الجنسي وغيره، ولا سيما استهداف النساء، خلال حضورهن في أماكن المهرجان المختلفة.
عثرت على ضابط أمن وأخبرته بما حدث، حيث طلب منها تحديد مكان الرجل لكي يطرده، إلا أنه اختفى بحلول ذلك الوقت وسط جموع الناس، ولا تعلم شوتين أين ذهب
وعلى الرغم من كل هذه الإجراءات؛ إلا أن كثيرًا من النساء اشتكين من تعرضهن للمضايقات، حيث خرجن على وسائل التواصل الاجتماعي ليحكين قصصهن مع التحرش والمضايقة التي حدثت معهن في مهرجان الرياض، وذلك أثناء إقامة الفعالية التالية “ميدل بيست البلد“، الذي أقيم في جدة يومي 9 و 10 كانون الأول/ ديسمبر؛ فقالت شوتين: “لاحظت أننا محاطات بالرجال فقط، ولم تكن هناك فتيات في الأفق، وعندها بدأتُ أشعر بالذعر”.
وأضافت أنها عثرت على ضابط أمن وأخبرته بما حدث، حيث طلب منها تحديد مكان الرجل لكي يطرده، إلا أنه اختفى بحلول ذلك الوقت وسط جموع الناس، ولا تعلم شوتين أين ذهب.
وتابعت قائلة: “لم يكن هناك سؤال: هل أنت بخير؟”، مضيفة: “وقفنا هناك لفترة من الوقت قبل أن نشق طريقنا إلى المسرح، كنا نعلم أن الأمر سيزداد سوءًا وإن كان على مستوى غير معلن”.
قدمت شوتين في وقت لاحق شكوى إلى إدارة الفعالية، التي ردت بأنه تم طرد عدد من المتحرشين المشتبه بهم من الفعالية.
استحوذت حادثة أخرى على وسائل التواصل الاجتماعي روتها الممرضة الفنلندية إريكا ميليا، والتي كتبت قائلة على موقع إنستغرام: “الليلة الماضية كانت واحدة من أكثر التجارب المؤلمة التي مررت بها، لقد شعرت دائمًا بالأمان والتقدير كامرأة في السعودية ولكن كل ذلك ذهب أدراج الرياح الليلة الماضية، حيث تعرضت أنا وأصدقائي للتحرش الجنسي من قبل عدد كبير من الرجال خلال أحد أكبر المهرجانات الموسيقية في الشرق الأوسط”.
وعلقت كل من النساء السعوديات والأجنبيات على منشورها، بينما ذهب العشرات إلى حساب منصة ميدل بيست لسرد شكاواهم.
مشكلة على مستوى الصناعة
وقامت شركة ميدل بيست ببذل جهود متضافرة هذا العام لمعالجة هذه القضية؛ حيث تم نشر اللافتات التي تحمل عناوين: “الاحترام وإعادة الضبط” و”قم بزيارة أماكن البحث والتطوير الخاصة بنا للمساعدة في التحرش”، كما كانت هناك خيمة مخصصة لأولئك الذين تعرضوا للمضايقة.
وقال المنظمون إن الفعالية “تأخذ هذه القضية على محمل الجد، وتكرس الجهود لخلق بيئة آمنة، يكون فيها سلوك الضيوف محترمًا ويسمح للجميع بالاستمتاع بتجربة المهرجان”.
ووصف المنظمون، في بيان وصل إلى ميدل إيست آي، التحرش بأنه “مشكلة على مستوى الصناعة”، مضيفين: “نحن نعمل مع جميع الأطراف للحصول على أفضل الممارسات، وسنواصل الاستثمار والبناء في مكافحة هذه المشكلة”.
وأضافوا أنهم تعاملوا مع الشكاوى التي تلقوها خلال المهرجان إما من خلال “تحذير المتحرشين، أو طردهم من الفعالية، أو وضعهم في قائمة سوداء لحظر حضورهم من الفعاليات المستقبلية”، وأفادوا أن “السلامة مسؤولية تقع على عاتق الجميع، ونطلب من أي شخص شهد شيئا ما أو واجه حادثًا أن يقدم تقريرًا فوريًا من خلال القنوات الرسمية”.
وقال رمضان الحراتاني، الرئيس التنفيذي لشركة ميدل بيست، إن مستوى الأمن ارتفع هذا العام؛ حيث تم توظيف أكثر من 3800 فرد تواجدوا في الموقع، مع وجود حارس واحد لكل 35 ضيفًا، بينما تم تركيب ما يقرب من 300 كاميرا مراقبة بالمهرجان.
وقبل افتتاح مهرجان بلد بيست في جدة في نهاية الأسبوع الماضي، تم إرسال مذكرة إلى الطاقم ودي جي لتذكيرهم بالموارد المتاحة للحفاظ على سلامة الجميع.
وأضاف التقرير أن “التحرش لا يزال يمثل مشكلة في جميع أنحاء العالم، ونحن ملتزمون بالاستمرار في معالجة جميع أشكال المضايقات سواء في فعالياتنا أو في كل يوم. التحرش غير مقبول بأي شكل من الأشكال تحت أي ظرف من الظروف”.
وذكر التقرير بعض الطرق للحصول على المساعدة إذا تعرض شخص ما للهجوم، أو شهد هجوما، وذلك من خلال الاتصال بمدير أو مشرف.
الحاجة إلى “التعليم”
وعلى الرغم من كل هذه التحركات الإيجابية، ترجع العديد من النساء السعوديات هذه الحوادث إلى الثقافة؛ حيث قالت منتجة ثقافية سعودية لـ”ميدل إيست آي”، رفضت الكشف عن هويتها: أعتقد حقا أن “ميدل بيست” كانت تحاول جاهدة السيطرة على الأمر، لكنني ما زلت أعتقد – كبلد لم يشهد مثل هذا النوع من المهرجانات من قبل – أننا بحاجة إلى وفرة من الأمن المدربين على التعامل مع التحرش الجنسي”.
وأضافت أنهم بذلوا “جهود شجاعة، لكن العنصر المفقود الذي نحتاجه هو مناقشة القضايا بصراحة وتثقيف هؤلاء الرجال الذين لديهم خبرة قليلة في رؤية النساء يرقصن في الأماكن العامة”.
نحن بحاجة إلى تثقيف الناس، وخاصة الرجال، حول سبب عدم صحة معاملة النساء بهذه الطريقة
وأوضحت أن الأشخاص الذين حضروا فعاليات ميدل بيست والذين اشتروا التذكرة الأغلى لديهم تجارب أقل من التحرش، إن وجدت، من أولئك الذين حضروا في منطقة الدخول العامة، مضيفة: “لم يحضر معظم معارفي مهرجان ميدل بيست هذا العام بعد المضايقات في العام الماضي”.
هذا العام؛ تم ربط منطقة كبار الزوار بشبكة من الممرات المرتفعة التي ربطت بين المسارح وتصل إلى المناطق المخصصة للأطعمة والمشروبات، ولكن في الأسفل، على الأرض؛ حيث كانت منطقة الدخول العامة التي تقول معظم النساء إنهن تعرضن للهجوم فيها.
ويمكن رؤية عدد قليل جدا من النساء في هذه المنطقة خلال الساعات الأولى من الصباح؛ حيث تنتقل حشود من الشباب السعودي في الغالب من حفلة موسيقية إلى أخرى، كان المشهد يشبه الكرنفال – وإن كان مشهدا غريبًا – حيث ارتدى الرجال كل شيء بدءًا من أغطية الوجه السوداء ومتعددة الألوان لإخفاء هويتهم، بالإضافة إلى نظارات ريف الشمسية الملونة والمكياج اللامع المميز لثقافة مجتمع الشواذ الموجود بشكل محدود في السعودية.
وشق عدد قليل من السعوديات المحتشمات طريقهن عبر حشود الناس، تأكيدًا على فرديتهن، بينما تعثر الرجال المخمورون في الحشود المليئة برائحة الماريجوانا المميزة، ذلك على الرغم من أن الكحوليات والمخدرات والشذوذ لا يزالون غير قانونيين في المملكة العربية السعودية.
لكن ميدل بيست تعتبر مساحة جديدة لاختبار قوة التغيير الاجتماعي داخل المملكة العربية السعودية؛ حيث تقول المنتجة الثقافية السعودية: “لا أعتقد أن حراس الأمن يعرفون ماذا يفعلون عندما يتعلق الأمر بهذه الأشياء”.
وأضافت: “لقد سمعت الكثير من القصص عن الأمن، حتى الأشخاص الذين أعادوا تعيينهم واحترامهم، لا يعرفون كيفية التعامل مع المواقف. يبدو أن وجودهم هناك لمكافحة الخوف من التحرش بدلاً من التعامل معه من موقع ثقافي عندما يحدث بالفعل”.
لم يكن من الممكن تخيل إقامة الحفلات الموسيقية الكبيرة والترفيه الجماعي في المملكة العربية السعودية المحافظة حتى قبل حوالي ست سنوات، عندما أطلق ولي العهد ورئيس الوزراء الحالي محمد بن سلمان، رؤية 2030، مما أدى إلى تغييرات اجتماعية واسعة النطاق في البلاد.
قبل ذلك؛ لم تكن لتصدر أي موسيقى في الحفلات العامة، فضلا عن أنه كان يتم حظر دور السينما، وفصل الرجال والنساء، ومنع الرقص المختلط بين الجنسين؛ كل ذلك كان غير قانوني على عكس ما ظهرت عليه فعاليات ميدل بيست اليوم.
وقالت منسقة دي جي سعودية قبل فعالية ساوند ستورم في الرياض: “نحن بحاجة إلى تثقيف الناس، وخاصة الرجال، حول سبب عدم صحة معاملة النساء بهذه الطريقة”.
وأضافت: “لم تتم مناقشة القضية علنًا أبدًا. توجد هذه المنطقة الرمادية على ما يعتبر تحرش هنا. إنه يتعلق بفضح الضحية وإلقاء اللوم على المرأة، مثل: إذا كنتٍ ترتدين تنورة قصيرة، فقد طلبتٍ ذلك! هكذا يفكرون بها، ونحن بحاجة إلى تغيير هذا”.
وقالت المنتجة الثقافية: “لا أعرف كيف يمكننا أن نكون دولة إسلامية، بينما لا نمتلك هذه القيم بالفعل، وعلى الرغم من صعوبة فهم هذا الأمر ومعالجته، لكن هذا هو الواقع. وإذا لم نعالجه، فأنا أخشى في الفعاليات المستقبلية أن يمنع ذلك النساء اللواتي يرغبن في الذهاب”.
المصدر: ميدل إيست آي