ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما فاز بنيامين نتنياهو في الانتخابات العامة الشهر الماضي، تساءل المحللون عن ردة فعل ثلاث دول عربية قامت بتطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي في سنة 2020 وهي البحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة.
قام نتنياهو بصياغة الاتفاقيات بنفسه عندما كان آخر مرة في المنصب، لكن حلفاءه اليمينيين المتطرفين الجدد لديهم سجل من التصريحات المعادية للعرب التي يعتقد البعض أنها قد تكون مرفوضة للغاية بالنسبة للقادة في الدول العربية الثلاث.
قبل الانتخابات، التقى وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، على انفراد مع نتنياهو وأعرب عن عدم ارتياحه لتحالفه مع اليمين المتطرف، وفقًا لما ذكره شخصان مطلعان على المحادثة طلبا عدم الكشف عن هويتهما للتحدث بحرية أكبر. ولكن منذ الانتخابات، سرعان ما تحول هذا القلق إلى نهج أكثر واقعية: العمل كالمعتاد، على الأقل في الوقت الحالي.
في الأسابيع الأخيرة؛ دعت كلًّا من البحرين والإمارات العربية المتحدة إيتمار بن غفير، أحد أكثر حلفاء نتنياهو تطرفًا، إلى احتفالاتهم بالعيد الوطني في تل أبيب. وتم إرسال دعوات لجميع المشرعين من اليسار واليمين، لكلا المناسبتين، لكن إدراج بن غفير – واحتضان السفير الإماراتي الحار له بشكل خاص – أثار الدهشة وتصدر عناوين الصحف في الكيان.
بينما تجنبت دول أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة، بن غفير، الذي أدين في “إسرائيل” بالتحريض ضد العرب، فإن البعثتين البحرينية والإماراتية لم تفعلا ذلك؛ حيث قال خالد الجلاهمة، السفير البحريني لدى “إسرائيل”، في رسالة نصية مساء الخميس: “أي تغيير في الحكومة لن يؤثر على نهج البحرين في تطوير علاقات إيجابية مع إسرائيل”، فموقف البحرين من تغيير الإدارة في “إسرائيل” هو نفسه موقف أي دولة أخرى.
لكن الجلاهمة أضاف: “كما هو الحال مع أي حكومة، سوف نعرب عن قلقنا إذا كانت السياسات التي يتم سنها ذات طبيعة يمكن أن تؤدي إلى توتر العلاقات”.
يعكس هذا الموقف إلى أي مدى أعادت اتفاقات إبراهيم، كما سميت اتفاقات 2020، رسم ملامح الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط. فلعقود من الزمان، رفضت جميع الحكومات العربية، باستثناء حكومتين، إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع الكيان إسرائيلي حتى يتم حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وكان فتح العلاقات مع الكيان الإسرائيلي، ناهيك عن أكثر سياسييها المتطرفين؛ غير وارد.
وقد أكد توقيع الاتفاقيات كيف أن التضامن مع الفلسطينيين، بالنسبة لبعض القادة العرب، قد طغى على المصلحة الوطنية الذاتية؛ حيث أدت المخاوف المشتركة من إيران النووية، إلى جانب الاندفاع الى علاقات اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية أفضل مع “إسرائيل”، إلى حث الموقعين على الاتفاقات على إعطاء الأولوية للعلاقات مع “إسرائيل” فوق الاستعادة الفورية لدولة فلسطين.
بعد ذلك بسنتين؛ ساعدت هذه المخاوف والآمال الآن أيضًا في دفع الموقعين إلى قبول شركاء نتنياهو، حتى مع تبني بعض مؤيدي “إسرائيل” القدامى، مثل الولايات المتحدة، نهجًا أكثر حذرًا، كما قال محللون.
وقال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي: “هذا ما هي عليه إسرائيل – ودول مثل الإمارات العربية المتحدة قررت التعامل مع من ينتخبهم الإسرائيليون”. وأضاف البروفيسور عبد الله، مشيرًا إلى بن غفير: “لا مجال للتراجع عن هذه المعاهدة، اتفاقيات إبراهيم، ونحن عالقون مع شخص مثله”.
جذب قبول بن غفير الانتباه بشكل خاص بسبب سجله في التطرف المعادي للعرب، فبينما يقول إنه خفف آراءه، ولكنه مؤخرًا، حتى سنة 2020، عرض بن غفير في منزله صورة لمسلح يهودي قتل 29 فلسطينيًا داخل مسجد في سنة 1994.
في حكومة نتنياهو الجديدة المحتملة، من المقرر أن يصبح بن غفير وزيرا للأمن القومي، وهو دور يشرف على الشرطة. وقبل أن يتولى منصبه ضمن التحالف رسميًّا، فإنه يحاول تمرير قانون من شأنه أن يمنح بن غفير سلطة أكبر من نشاط الشرطة.
وأثار ذلك مخاوف من أن تؤدي فترة ولايته إلى مزيد من المواجهات مع الفلسطينيين، لا سيما في الأماكن الحساسة مثل المسجد الأقصى، المعروف لليهود باسم جبل الهيكل؛ حيث تصطدم شرطة الكيان المحتل في كثير من الأحيان بالفلسطينيين في موقع مقدس لليهود والمسلمين على حد سواء.
على الرغم من هذه المخاوف؛ استقبل السفير الإماراتي لدى الكيان الإسرائيلي، محمد الخاجة، بن غفير بحرارة في حفل نظمه السفير الخاجة في تل أبيب هذا الشهر، وهو يشبك يده بإحكام بيد بن غفير أمام العديد من المصورين.
ورفضت وزارة الخارجية الإماراتية التعليق لكن مكتب بن غفير استخدم اللقاء كدليل على قبوله المتزايد؛ حيث قال يشاي فليشر، المتحدث باسم بن غفير، إن الإمارات العربية المتحدة والبحرين “تعترفان ببن غفير على ما هو عليه، وهو زعيم حزب القانون والنظام وليس زعيمًا عنصريًا كما هو مذكور في وسائل الإعلام الغربية”.
وقام السيد الخاجة في وقت لاحق بزيارة إلى بتسلئيل سموتريتش، زعيم يميني متطرف آخر له تاريخ في التعليقات المعادية للعرب، وتمت دعوة كل من سموتريتش وبن غفير بعد ذلك إلى احتفال اليوم الوطني البحريني في تل أبيب ليلة الخميس، لكن مثل العديد من نواب الائتلاف، لم يحضروا بسبب الالتزامات السياسية في القدس.
في تلك المناسبة؛ قال السفير البحريني الجلاهمة في خطاب أن القضية الفلسطينية لا تزال مهمة للبحرين. لكن الإيقاع العام للأمسية؛ حيث ظهر نتنياهو عبر رابط الفيديو، كان أن العمل يجرى كالمعتاد. هذا الشهر؛ رحبت البحرين أيضًا بإسحاق هرتسوغ، رئيس الوسط الإسرائيلي، في أول زيارة يقوم بها رئيس إسرائيلي إلى البلاد.
وتجنبت الحكومة المغربية اليمين الإسرائيلي المتطرف، لكنها أشارت من خلال وسائل أخرى إلى أن علاقتها مع “إسرائيل” ستستمر كالمعتاد، فهذا الأسبوع؛ أرسل المغرب ضابطًا عسكريًا كبيرًا للمشاركة إلى جانب نظرائه الإسرائيليين والبحرينيين والإماراتيين في اجتماع في الإمارات العربية المتحدة حول الأمن السيبراني.
وفي الأسبوع الماضي، استضاف المغرب مؤتمرا لمسؤولي التعليم والأكاديميين من الكيان إسرائيلي وسبع دول عربية، بما في ذلك مواطنون من عمان والسودان لا تربطهما علاقات دبلوماسية كاملة مع “إسرائيل”. وناقش المشاركون كيفية تحسين التعاون بين أنظمتهم التعليمية، بما في ذلك نظام التبادل لطلاب الجامعات الإسرائيلية والعربية.
وشاهد العديد من المشاركين الإسرائيليين والإماراتيين والبحرينيين مباريات كأس العالم معًا، بما في ذلك فوز المغرب المفاجئ على إسبانيا.
هذا النوع من التفاعل يسلط الضوء على مدى تعقيد تواجد الكيان الإسرائيلي في العالم العربي: حتى مع تعميق بعض القادة العرب لعلاقاتهم مع “إسرائيل”، تُظهر استطلاعات الرأي أن هذه العملية لا تزال غير شعبية بين أغلبية العرب، فخلال كأس العالم في قطر، أكد العديد من الحضور العرب – وبعض اللاعبين، بما في ذلك المنتخب المغربي – دعمهم للفلسطينيين ورفضوا التحدث مع الصحفيين الإسرائيليين الذين يغطون البطولة.
وقالت إلهام فخرو، الزميلة البحثية في مركز دراسات الخليج بجامعة إكستر في بريطانيا: “ما يحدث في القمة لا علاقة له بما يحدث بين الناس”.
ورفضت وزارة الخارجية المغربية التعليق على هذا المقال لكن المحللين يقولون إن القادة العرب الرئيسيين سعداء بتجاهل احتجاجات مواطنيهم والفلسطينيين لأن بلدانهم تستفيد بشكل كبير من الشراكة العسكرية والاقتصادية مع “إسرائيل”.
ويعمل الكيان الإسرائيلي جنباً الى جنب مع دول اتفاقية إبراهيم والولايات المتحدة للحماية من الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيرة، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرت في أكتوبر/ تشرين الأول أن وزارة الدفاع الإسرائيلية وقعت اتفاقيات عامة مع نظيرتيها البحرينية والمغربية، مما يسهل على الدول الثلاث التنسيق وتبادل المعدات العسكرية، كما أنها زودت الإمارات العربية المتحدة بنظام دفاع جوي.
التجارة مزدهرة أيضا، ففي هذا الشهر؛ قام الكيان الإسرائيلي والإمارات العربية المتحدة باللمسات الأخيرة لصفقة ستغطي 96 بالمئة من التجارة الثنائية، وهي الاتفاقية التجارية الأكثر تفصيلاً بين “إسرائيل” ودولة عربية.
وقالت الدكتورة فخرو: “كان هذا دائمًا ترتيبًا عمليًا يرون أنه يصب في مصالحهم الإستراتيجية طويلة المدى. لن يتغير فقط لأن بن غفير موجود الآن. هم لن يبادلوا هذه المصالح بالقضية الفلسطينية”.
وكثيرا ما قالت المملكة العربية السعودية إنه لن تقام علاقات كاملة مع “إسرائيل” قبل إقامة دولة فلسطينية. ويعتقد المحللون أيضا أنها لن تتبع الإمارات العربية المتحدة في التطبيع مع “إسرائيل” ما لم تحصل على مزيد من الدعم من الولايات المتحدة، بما في ذلك توريد أسلحة أكثر تطورا أو دعم برنامج نووي، لكن نتنياهو وعد مرارًا وتكرارًا منذ فوزه في الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني بأنه سيحاول تطبيع العلاقات مع الرياض.
وقال نتنياهو يوم الخميس على قناة العربية، وهي شبكة تلفزيونية سعودية: “يمكن أن يكون لدينا مبادرة سلام جديدة ستشكل نقلة نوعية”، وأضاف: “بالطبع، أشير إلى ما يمكن أن يكون سلامًا تاريخيًا رائعًا حقًا مع المملكة العربية السعودية”.
المصدر: نيويورك تايمز