ترجمة وتحرير: نون بوست
قال صديق لي عندما التقينا في الأيام التي أعقبت جنازة الملكة إليزابيث في وقت سابق من هذه السنة: “الأمر بالنسبة للعائلة المالكة هو أنه في معظم الأوقات، مجرد مسلسل تلفزيوني درامي قليلاً. ولكن بعد ذلك، من حين لآخر، يزداد ليصبح دراما بحتة”. كان المشهد الاستثنائي للملكة السابقة مستلقية، وكل الطبول والأزياء، كانت واحدة من تلك اللحظات من الفن الراقي، الخاتمة المصممة بشكل مثالي لدراما استمرت 70 سنة. أعتقد الآن أن شيئًا مشابهًا ينطبق على كرة القدم، وعلى وجه الخصوص، كأس العالم الذي يقترب من نهايته في نهاية هذا الأسبوع.
كأس العالم هو أكبر حدث رياضي في العالم، وهو آخر فصل في دراما استمرت أربع سنوات حتى نهايتها، ولا يوجد شيء مثل ذلك حتى الألعاب الأولمبية. ويؤسفني أن أقول، لا ينطبق ذلك أيضًا على سوبر بول أو بطولة العالم لكرة البيسبول الأمريكية، فكأس العالم هو حدث يغذي هذا الشغف الذي ينضم فيه الملوك إلى الحشود في الشوارع للاحتفال بالنصر الوطني، وتندلع بسببه أعمال الشغب في جميع أنحاء أوروبا، وتوقف دول بأكملها. إنه حدث ينتج لحظات من أنقى لحظات الفرح واليأس والحماقة البشرية والذكاء الفردي. في سنة 1990؛ كان لدى الإيطاليين العبقرية لإنتاج موسيقى كاملة خاصة بكأس العالم، ولم تكن كأي موسيقى قديمة ولكنها أنتجت بشكل يناسب الأوبرا. لا أحد من جيلي – خارج الولايات المتحدة، على الأقل – قادر على سماع “نيسون دورما” دون رؤية صورة الإيطالي سالفاتوري سكيلاتشي وهو يعبر عن فرحته الشديدةبعد رؤية الكرة التي ضربها تصطدم بالجزء الداخلي من الشبكة، تجسيدًا للحظة تاريخية لأمته بأكملها.
يمتلئ كأس العالم هذا بالعديد من لحظات التوتر والحزن والفرح والراحة، فلقد شوهدت ألمانيا العظيمة وهي تنهار في مراحل المجموعات، وتراجع المغرب التي أصبحت أول دولة أفريقية تصل إلى نصف النهائي على الرغم مما قدمته من أداء واتحاد العالم العربي خلف المنتخب المغربي، والبرازيل المهيمنة ونجمها الأيقوني، نيمار، والذي رغم تقصيره مقدر له أن يكون رجل بلاده إلى الأبد تقريبًا. ولقد شوهدت المملكة العربية السعودية تهزم الأرجنتين، وتغلبت اليابان على إسبانيا، وفشلت إنجلترا مرة أخرى؛ والتي صاحب مشوارها – ولهذه المرة فقط وبطريقة ما – شعور بالحرية والتعويض عن الإحساس بالخوف والقلق الذي علق فيه المنتخب الوطني لفترة طويلة؛ كان المشهد عظيمًا ككل.
ولكن مع وصولنا إلى ذروة المنافسة، يكشف خط القصة الرئيسي الآن عن نفسه بكل وضوحه الدرامي، حيث سيصطف، يوم الأحد، ليونيل ميسي، أعظم لاعب في جيله ، في مباراته الأخيرة في كأس العالم، حيث سيكون على بعد 90 دقيقة من المكسب التاريخي والمخلد، إذا فاز، وهو ما سيؤثر بشكل إيجابي على وضعه في كل من الأرجنتين وبقية العالم ليصبح إلى ما يشبه “الأسطورة الرياضية” الكاملة، ويكتمل عمله النهائي، حتى يصبح قادرًا أخيرًا على الجلوس في المنزل إلى جانب دييغو مارادونا العظيم على قدم المساواة. وسينتهي كل هذا الجدل في بقية العالم (بخلاف نابولي، موطن فريق نادي مارادونا منذ فترة طويلة) ليكون ميسي، الأعظم في كل العصور؛ فكل آلام كأس العالم المؤدية إلى لحظة المجد هذه ستشكل جزءا من ملحمته الخاصة.
أمراء قطر قد نجحوا في تغيير المفاهيم العالمية لبلدهم والعالم العربي الأوسع
أما إذا خسر، وتغيرت قصة حياته، فلن يكن هناك هرقل الأرجنتيني، أو البطل المنتصر، بل شخصية مأساوية رومانسية، مصيرها لها أن تُحرم في النهاية، مثل نابليون عندما أسر وحوصر في جزيرة سانت هيلانة وظل يحلم دائما بما يمكن أن يكون لو استمر على عرشه.
في طريق ميسي؛ تكمن قوة فرنسا – الحاصلة على اللقب في المونديال الماضي – في تطور الحبكة بقيادة كيليان مبابي، زميله في فريق باريس سان جيرمان، ووريث عرش كرة القدم العالمية. وإذا فازت فرنسا، فإنها ستصبح بلا منازع أعظم منتخب وطني في العصر الحديث، حيث ستصبح، في الواقع، أول دولة تفوز بكأس العالم مرتين على التوالي منذ أن فعلت البرازيل ذلك في عام 1962، كما سيفوز مبابي بكأس العالم مرتين متتاليتين في سن الـ23، ليكون بيليه البرازيلي الجديد لبرازيل الجديدة. ربما، في يوم من الأيام، يستطيع أن يتفوق حتى على ميسي، لتبدأ معه قصة جديدة.
ستصل إحدى هذه الروايات إلى ذروتها في الدوحة، قطر، في نهاية هذا الأسبوع، حيث سنرى الدموع والتوتر والضعف البشري والإلهام. في الأرجنتين؛ سوف نشهد أمة وصلت إلى ذروة حماسة تشبه الحماسة الدينية تقريبا، والتي جذبت انتباهها التلفزيون، بينما يتحول ركن صغير من الخليج إلى حي في بوينس آيرس. أما في فرنسا؛ سنرى دولة جمعت أولادها من الضواحي للدعم، حيث يدَّعي أطفال المهاجرين أنهم تجسيدا للمثل الأعلى الجمهوري، ليصبح الحلم الفرنسي هو قاهر كل شيء مرة أخرى.
وعلى عكس رؤية عائلة صديقي الملكية فإن المشكلة تكمن في أن كل الدراما الكبيرة لكأس العالم لا تغطي فقط سلسلة مسلسلات درامية أساسية، بل تغطي شيئًا أكثر شرًا، حيث لم تقتصر خطوط هذه القصة فقط على تلك التي أرادها الكثير من العالم، ولكن أيضا هناك ما كانت قطر تسعى إلى تحقيقه أيضا، وذلك من خلال المباراة النهائية التي تقام بين نجمي كرة القدم العالميين، اللذين يلعبان في النادي الذي تملكه قطر نفسها، وهو باريس سان جيرمان، لتبدو المباراة النهائية، في الواقع، وكأنها النهاية المثالية لكل ما قامت قطر ببنائه على مدار العقد الماضي، حيث اشترت ناديا لكرة القدم للترويج لصورة قطر واكتسبت بثبات أفضل اللاعبين على هذا الكوكب، قبل استضافة كأس العالم نفسها.
على الرغم من كل ردود الفعل العنيفة على سجل قطر في مجال حقوق الإنسان في بداية البطولة، إلا أنه من الصعب إنكار أن كل شيء قد سار على ما يرام بالنسبة لعائلة آل ثاني الحاكم. ومع استمرار البطولة؛ يبدو أن الاحتجاجات حول حقوق مجتمع الشواذ والأخبار الصحفية السيئة حول ظروف العمل قد تبددت مع ترسخ الروايات الأخرى المتمحورة حول كرة القدم: انتصار السعودية الرائع على الأرجنتين، والانتصار المذهل للمغرب على جيرانه الأوروبيين، والتعايش السلمي بين المشجعين من جميع أنحاء العالم السعداء بتواجدهم في قطر.
قد أصبح كل العالم مسرحا، ولكن مع كأس العالم هذه، لا يبدو الأمر كما لو أننا ممثلون، بل مجرد متفرجين، بينما يجلس المخرجون في أجنحتهم الفندقية سعداء بإنتاجهم
فجأة؛ ارتفعت صرخة لعقد المزيد من البطولات خارج الدول الغربية المعتادة في أوروبا والأمريكتين. وربما ينبغي أخيرا منح المغرب نفسه الحق في الاستضافة، أو مصر أو السعودية؛ حيث قال أحد المعلقين مشيرا إلى حجم دعم المعجبين الذي تمكن المغرب من إرساله إلى قطر لدعم فريقه: “تخيل الأجواء”. وهو ليس مخطئا في ذلك.
عبر القنوات الإخبارية، كانت هناك مقتطفات من المحادثات مع المغتربين الذين يعيشون في قطر، مليئة بالثناء على البلاد، وبسعادة الزوار بهذه التجربة. وشيئًا فشيئًا، أصبحت فكرة استضافة القوة الناعمة لكأس العالم، وإنفاق مئات المليارات من الدولارات لاستضافة حدث رياضي في الصحراء، منطقية.
ستحدد مباراة يوم الأحد انتصار ميسي أو مبابي. وستقوم دراما المسابقة في ذكرياتنا بحرق فصل آخر (ربما الفصل الأخير) في أساطير هؤلاء الأبطال المعاصرين؛ وبالكاد تهتم قطر بالفائز، حيث تعتبر أن كلا النجمين يمثلان قطر.
لقد تسلل إليّ الاستنتاج اللاشعوري بأن أمراء قطر قد نجحوا في تغيير المفاهيم العالمية لبلدهم والعالم العربي الأوسع؛ ربما كان كل هذا الفساد والعمالة المهاجرة اللازمة لاستضافة الحدث، وجميع الانتقادات الغربية التي جاءت مع منحها البطولة، يستحق العناء بالفعل. وقد أصبح كل العالم مسرحا، ولكن مع كأس العالم هذه، لا يبدو الأمر كما لو أننا ممثلون، بل مجرد متفرجين، بينما يجلس المخرجون في أجنحتهم الفندقية سعداء بإنتاجهم.
المصدر: ذا أتلانتيك