ترجمة: نون بوست
في البداية، لم يرغب يوسف في تذكُّر رحلته الخطيرة بالقارب الذي أخذه من مصر إلى طبرق في ليبيا ومنها إلى إيطاليا أخيرًا، لكنه يتذكر جيدًا لماذا رحل، كان الشاب -في العشرينيات من عمره- قد تزوج مؤخرًا وينتظر مولودًا خلال أشهر، لكنه كان يخشى ارتفاع تكلفة المعيشة في مصر، لذا استسلم وتواصل مع مهرّبين عبر الإنترنت من خلال مجموعة على فيسبوك، حيث يمكن للباحثين عن الهجرة نشر معلومات عن عبور البحر.
عندما سُئل يوسف عن شعوره حيال ترك أسرته، قال: “كان شعورًا صعبًا”، ثم أضاف واصفًا الرحلة التي استمرت 4 أيام بين ليبيا وإيطاليا: “لكن الأصعب الشعور بالموت يحوم من حولك، كأنك تشاهد حياتك تتداعى أمام ناظريك”.
كان يوسف بالكاد يتمكن من كسب لقمة عيشه قبل أن يترك مصر، وذلك بالعمل كسائق بعد أن اقترض سيارة عائلته، كان يجني 2000 جنيه (66.5 دولارًا) في الشهر، لذا قرر أن يترك زوجته 3 أشهر بعد أن شعر باختناق الحياة في مصر، وأن يهرب للعمل في إيطاليا ليتمكن من إرسال المال لمولوده.
يقول يوسف: “لم أتمكن من تحمل نفقات المعيشة في مصر، فقبل السفر إلى إيطاليا كنت أنجح في ادّخار 200 جنيه في الشهر فقط”.
مثل كثير من الشباب في مصر، قرر يوسف الهرب من الأزمة الاقتصادية المتزايدة في مصر وقمع السلطات، اتّبعت رحلته طريق الهجرة المعروف الذي تعرّض لحملة قمع سابقًا من السلطات المصرية بدعم من الاتحاد الأوروبي.
تقدَّر الإحصاءات الرسمية الحديثة للبلاد لمعدّل الفقر -منذ أكثر من 3 سنوات- أن ثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر.
شهد هذا الطريق من مصر إلى الساحل الليبي ومنه إلى إيطاليا انتعاشًا مؤخرًا بعد 5 سنوات من انخفاض الأعداد، فقد وصل أكثر من 20 ألف مصري إلى إيطاليا عبر ليبيا هذا العام، وهو عدد أكبر بـ 3 مرات من العدد الذي عبر في نفس هذا الوقت العام الماضي، وفقًا لوزارة الداخلية الإيطالية.
إنهم يهربون من انهيار اقتصادي سريع بعد أن فقد الجنيه المصري أكثر من ثلث قيمته أمام الدولار هذا العام فقط، إضافة إلى ارتفاع نسبة التضخم، ما يتسبّب في ارتفاع شديد بتكلفة المعيشة بينما تغرق البلاد في الديون.
تقدّر الإحصاءات الرسمية الحديثة للبلاد لمعدل الفقر -منذ أكثر من 3 سنوات- أن ثلث الشعب يعيش تحت خط الفقر، حيث اتّبع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري، إجراءات تقشفية أدّت إلى زيادة الهوّة بين النخبة المدعومة من الدولة وأعداد المواطنين المتزايدة الذين يعانون الآن للبقاء على قيد الحياة.
يقول محمد الكاشف، محامي حقوق الإنسان وخبير الهجرة في مبادرة Watch the Med وشبكة Migreurop للاجئين في باريس: “نرى الآن الكثير من المصريين يغادرون إلى أوروبا بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية، هؤلاء الناس لم يتركوا مصر أملًا في تحسن الأوضاع، ولم يكونوا جزءًا من أي حركة سياسية، وقد صدّقوا وعود السيسي حتى تجاوز الدولار 20 جنيهًا مصريًّا، بعد أن كان 6.5 جنيهات عندما وصل السيسي إلى السلطة”.
بعض الناس مثل يوسف اختاروا ما اعتقدوا أنه الطريقة الوحيدة للهرب، وهي المخاطرة بالموت في رحلة إلى أوروبا، تقول وكالة اللجوء الأوروبية إنها أصدرت 45 ألفًا و207 تأشيرات شنغن للدخول القانوني إلى أوروبا عبر القنصليات في مصر العام الماضي، ما يعني أن 3 من كل 4 متقدمين حصلوا على طريقة قانونية لدخول أوروبا.
تمثل هذه الأرقام أيضًا أقل من ثلث تأشيرات شنغن التي كانت تصدر سنويًّا للمصريين في السنوات السابقة لجائحة كورونا، وهي نسبة قليلة جدًّا من سكان مصر البالغ عددهم 104 ملايين نسمة، ويرى عدد من هؤلاء الناس أن عملية التقديم المعقّدة والباهظة والمتحيّزة للتأشيرة الأوروبية تمنعهم من سلوك الطرق القانونية.
يرجع ازدهار طرق التهريب السابقة أيضًا إلى إطلاق سراح عدد من أفراد شبكات التهريب المعروفين، والذين اعتقلتهم السلطات المصرية 5 سنوات بعد كوارث غرق القوارب في عامَي 2015 و2016، ما خلّف مئات القتلى أمام سواحل مصر الشمالية.
يقول الخبراء إن كبار المهربين الذين قضوا عقوبة 5 سنوات في السجن، عادوا إلى المهنة الوحيدة المتاحة أمامهم، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى سيطرة الجيش المصري على صناعة الصيد وحرمان مُلّاك القوارب من أشكال العمل القانونية.
الآن أصبحت قوارب الصيد الكبيرة التي كان من الممكن أن تُستخدَم في العمل القانوني، تُستخدَم لنقل المهاجرين عبر البحر المتوسط، يقول موريس ستيرل من منظمة Alarm Phone التي تساعد المهاجرين الذين يواجهون المشاكل أثناء عبورهم البحر المتوسط: “لقد شهدنا تزايد أعداد المهاجرين من طبرق في ليبيا منذ نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، فقد غادرت العديد من القوارب سواحل طبرق وعلى متنها الكثير من الناس ووصلت إلى ساحل صقلية الجنوبي، إننا نتحدث عن قوارب تحمل 400 إلى 700 شخص على متنها، إنها قوارب صيد ضخمة قديمة أُعيد استخدامها للعبور، إنه تطور حديث”.
ورغم هذه الأحجام الكبيرة، إلا أن القوارب تكون مزدحمة ما يجعل الرحلة صعبة، يقول ستيرل: “إننا الآن في الشتاء لذا فالجو متقلب، وقد تحدث أشياء كثيرة في عرض البحر، إنها رحلة خطيرة بشكل لا يصدَّق، فالرحلة طويلة ولا توجد منظمات مدنية غير حكومية للإنقاذ في شرق ليبيا، لذا تحتاج القوارب إلى الاقتراب من الحدود الأوروبية ليمكن إنقاذها”.
يعمل الحاج محمد -المهرّب الليبي- وشقيقه في التهريب منذ فترة طويلة، ويحكي كيف يرتّب السفر للمهاجرين المحتملين، فبرسوم قدرها 120 ألف جنيه (4 آلاف دولار) يرتّب رحلة جوية من مصر إلى ليبيا ثم مكانًا على قارب يتّسع لـ 250 شخصًا من غرب مدينة زوارة إلى مدينة لامبيدوسا في إيطاليا، يقول محمد: “يعاني زبائني في مصر من ظروف معيشية صعبة، لذا يهاجرون في هذه الرحلة”.
إن ارتفاع نسبة التهريب من ليبيا ومصر يرجع إلى قبضة السلطات الضعيفة، فالسلطات الليبية الآن تصادر قاربًا واحدًا بينما تترك 50 أخرى ترحل.
يعدّ أيمن واحدًا من آلاف المصريين الذين يسافرون من زوارة إلى إيطاليا، ومثل يوسف قال إنه دفع 100 ألف جنيه (3300 دولار) لمهرّب يحمل اسمًا زائفًا هو رضا، وهو مشهور على الإنترنت، عندما يكتمل عدد ركّاب القارب ينشر رضا تفاصيل الرحلة على فيسبوك.
يقول أيمن: “أما المهرب في زوارة الذي ينظّم بقية الرحلة فيبدو أنه أكثر مهارة، فهو يرتدي ملابس قسم الشرطة في زوارة ويقود سيارة مرسيدس، ما يشير إلى علاقته القوية بالسلطات المحلية”.
في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقّع الاتحاد الأوروبي آخر اتفاقية من سلسلة اتفاقياته مع مصر التي تهدف إلى الحد من الهجرة، هذه المرة كانت الاتفاقية مدعّمة بمبلغ 80 مليون يورو لدعم خفر السواحل المصري والقوات البحرية ووقف تدفُّق الناس.
يقول الكاشف: “الاتحاد الأوروبي مستعدّ للقيام بأكثر من ذلك لإغلاق حدوده ومنع العبور، في الوقت نفسه يفتح أبوابه أمام السوريين والأوكرانيين فهو بحاجة إلى أفراد للعمل ودفع الضرائب، لكنه لا يرغب باستقبال فقراء أفارقة ليستثمر فيهم”.
أثبت التمويل الأوروبي أنه صفقة مربحة لقوات الأمن المصرية، لكنه يخاطر بالقيام بالقليل لوقف شبكات التهريب التي تعمل بشكل أساسي في ليبيا الآن حيث تزداد الانتهاكات، في مارس/ آذار الماضي أعلن الجيش الألماني توقف برنامجه المثير للجدل لتدريب أفراد خفر السواحل الليبية والمشكَّلين من ميليشيات عند سواحل البلاد، نظرًا إلى معاملتهم السيّئة للاجئين.
قال يوسف إن ارتفاع نسبة التهريب من ليبيا ومصر يرجع إلى قبضة السلطات الضعيفة، فالسلطات الليبية الآن تصادر قاربًا واحدًا بينما تترك 50 أخرى ترحل.
المصدر: الغارديان