دراسة مقارنة في تشكيلات لجان الدستور والمجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة
إن توظيف النخبة وتجديد دمائها بالشباب، وإحلال نخب أكثر ثورية مكان النخب القديمة المتحالفة مع السلطة. كان على الدوام مطلباً ثورياً منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر.
إضافة إلى ذلك فإن جذرية ارتباط النخب بالقطاعات العريضة من الشعب، وتحديد بوصلتها تجاه الجماهير كمحدد للولاء والشرعية وعدم التحول إلي التماهي مع السلطة أو قيام النظام باختيار الموالين له فحسب دون بقية الأطياف، أو لجؤوه لتعيين أنصاره والمحيطين به دون اعتماد معيار الكفاءة. يعد أحد الأمور البديهية التى كان لا بد أن يتم الأخذ بها عقب الثورة.
ولذلك نحاول استخدام التحليل المقارن بالتركيز على بعض من أهم مواقع السلطة واتخاذ القرار والتى جرى إعادة تشكيلها في الآونة الأخيرة من قبل رئيس الجمهورية المؤقت “عدلي منصور” ورئيس الوزراء “حازم الببلاوي”. والتعرف على وضعها فيما سبق وما صارت إليه الآن.
لجنة الخمسين لصياغة الدستور:
من المفارقة أن نسبة 20% من أعضاء هذه اللجنة قد شاركت بالفعل في كتابة دستور (2012) المعيب في عهد مرسي، لكنهم الآن لا ينفكون عن إبراز الأخطاء الجمة التى احتوته.
وتتميز هذه اللجنة عن سابقتها بكونها أكثر تمثيلاً للنقابيين وأعضاء اتحادات الأعمال المختلفة، والمجالس القومية المتخصصة. إذ يبلغ مجموعهم (22 عضواً من أصل 50عضو) أي بنسبة 44% . في حين بلغت نسبتهم في الجمعية التأسيسية السابقة (10%) فقط، (أي 10 أعضاء من إجمالي 100 عضو).
وجاءت الجمعية التأسيسية من خلال انتخاب شعبي غير مباشر، حيث قام أعضاء مجلسي الشعب والشورى المنتخبين باختيارها وانتخاب أعضائها الأساسيين (100 عضو) إضافة إلي (50 عضو إحتياطي). بينما جاءت لجنة الخمسين الحالية بتعيين من رئيس الجمهورية الانتقالي المؤقت.
وتقاربت نسبة تمثيل رجال الدين وممثلي المؤسسات الدينية المختلفة بين اللجنتين، فكانت في الجمعية التأسيسية 10% (10 أعضاء) عن الأزهر والكنائس وبعض الرموز الدينية. بينما بلغت في لجنة الخمسين نسبة 12% (6 أعضاء) واقتصرت على تمثيل المفتي ومؤسسة الأزهر الشريف وبعض الكنائس المسيحية فقط دون ضم ممثلين دينيين آخريين.
وكانت الغلبة في تشكيل الجمعية التأسيسية للسياسيين من 7 أحزاب فقط والباقي مستقلين. وقد وصلت نسبة السياسيين الإجمالية في الجمعية التأسيسية حوالي 50% من أعضائها كانت أكثريتهم من حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين إذ وصلت نسبة تمثيلهم 20%. بينما تلاهم في التمثيل حزب النور وبعض من رموز الدعوة السلفية (15%). ثم حزب الوفد (6%) ثم حزب الوسط ( 3%). ثم حزب غد الثورة (2%) وعضو واحد لكل من حزبي (الإصلاح والتنمية) و(البناء والتنمية).
وعلى النقيض فإن نسبة السياسيين في تشكيل لجنة الخمسين لم تكن أغلبية كما هو الحال في تشكيل (الجمعية التأسيسية) بل على العكس لم تتخط نسبة ال (14%) بحوالي 7 أعضاء فقط. وذلك بعضو واحد فقط عن كل من الأحزاب الخمسة الآتية (الوفد، النور، التجمع، الكرامة، المصري الديموقراطي الاجتماعي). إضافة إلي كل من المرشح الرئاسي السابق (عمرو موسى)، والقيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين والمعارض لها حالياً (كمال الهلباوي).
وفي حين جاءت نسبة (14%) من أعضاء الجمعية التأسيسية من رجال القانون والأساتذة والفقهاء الدستوريين، فإن هذه النسبة تكاد تكون انعدمت في “لجنة الخمسين” الحالية. فليس من الواضح وجود أشخاص ذوي خبرة قانونية ومشتغلين بالقانون سوى المستشار القانوني لشيخ الأزهر، إضافة إلي (جابر نصار) رئيس جامعة القاهرة الحالي، ونقيب المحامين سامح عاشور. وجميعهم كانوا بالفعل أعضاء في الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور المعيب السابق. ولم يتم دعوتهم بصفتهم خبراء قانونيين، ولكن باعتبارهم شخصيات عامة.
وبينما استمرت نسبة تمثيل أجهزة السلطة التنفيذية كما هي في التشكيلين (4%) بأحد الأعضاء عن المؤسسة العسكرية (محمد مجد الدين بركات – رئيس النيابة العسكرية) وهو نفسه ممثل المؤسسة العسكرية في الجمعية التأسيسية. إضافة إلي ممثل عن وزارة الداخلية الذى تغير حالياً ليصبح اللواء علي عبد المولي مساعد وزير الداخلية للشؤون القانونية. وفي الوقت نفسه فقد توارى عن الأنظار اللواء (ممدوح شاهين) من المؤسسة العسكرية والذى كان عضواً مثيراً للجدل بالجمعية التأسيسية السابقة، وأحد أعضاء المجلس العسكري الذى تولى زمام المرحلة الانتقالية عقب تنحي مبارك.
وارتفع عدد الشباب وممثلي الحركات والائتلافات الثورية المختلفة الأعضاء في لجنة الخمسين لصياغة الدستور ليصل إلي (10%) أي 5 أعضاء، بعد أن كان (2%) فقط في الجمعية التأسيسية السابقة. وبالطبع فإن الغلبة هنا للمشاركين في حركة “تمرد” وائتلاف “30 يونيو” مع غياب ملحوظ لتمثيل حركة “6 أبريل” الشبابية والتى كان المنسق العام لها “أحمد ماهر” عضواً بالجمعية التأسيسية السابقة.
المجلس الأعلى للصحافة
في سبتمبر 2012 قام (محمد مرسي) بإعادة تشكيل المجلس الأعلى للصحافة بجعله مكوناً من قرابة الستين عضواً، وتولية رئيس مجلس الشورى رئاسة المجلس. وبعد عام كامل جاء الرئيس المؤقت (عدلي منصور) ليقوم بإعادة تشكيل المجلس واختزال عضويته إلى خمسة عشر عضواً فقط.
وقد حرص (مرسي) وقتها على أن يضم المجلس رؤوساء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية ورؤوساء تحرير الصحف القومية (15 عضواً) أي بنسبة 25% من إجمالي تشكيل المجلس.
وقد شكّل النقابيون (10 أعضاء) نسبة 15% من أعضاء المجلس في عهد (مرسي)، بينما شكّلوا قرابة ال 30% في عهد (منصور).
وفي الوقت نفسه ظل عدد الأساتذة الجامعيين سواء من كلية الحقوق أو كلية الإعلام ثابتاً كما هو في كل من التشكيلين (4 أعضاء). بالرغم من اختلاف أعداد الأعضاء في كل تشكيل.
وبينما كان رئيس المجلس الأعلى للصحافة في عهد “مرسي” هو نفسه رئيس مجلس الشورى بتعيين من قبل رئيس الجمهورية، فإن الأمر اختلف في عهد “عدلي منصور” إذ تم تسمية أعضاء المجلس بقرار جمهوري أولاً، ثم قاموا فيما بينهم بانتخاب رئيس لهم. وهو ما أسفر عن فوز (جلال عارف) نقيب الصحفيين الأسبق برئاسة المجلس الحالي.
ومن المفارقة هنا أيضاً أن 20% من التشكيل الحالي للمجلس الأعلى للصحافة بعد 3 يوليو، كانوا ضمن التشكيل السابق في عهد (مرسي).
المجلس القومي لحقوق الإنسان:
وفقاً للقانون المنشئ للمجلس القومي لحقوق الإنسان (قانون رقم 94 لسنة 2003) فإنه يتشكل من خمسة وعشرين عضواً، إضافة إلي رئيس ونائب له. ولم يطرأ تغيير في أعداد الأعضاء بالزيادة أو النقصان كما هو الحال بالنسبة للمجلس الأعلى للصحافة (الذى تقلص من قرابة ال 60 إلى 15 عضو).
جرى إعادة تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان في عهد مرسي، عن طريق مجلس الشورى، الذى انتخب أعضاءه، بينما تم تعيين التشكيل الجديد الآن من قبل الرئيس المؤقت “عدلي منصور”.
وكان للسياسيين والحزبيين الغلبة في تشكيل المجلس إبان “مرسي” من التشكيل الأساسي حيث كانت نسبتهم 50% من إجمالي الأعضاء. وكان الاتجاه الأكبر من بين الإسلاميين وداعمي الإخوان المسلمين فيهم. حيث كان منهم (محمود غزلان) أحد أعضاء مكتب الإرشاد. إضافة إلى د. محمد البلتاجي، وصفوت حجازي.
وقد تساوى تقريباً تمثيل “المرأة” في كل من التشكيلين، إذ بلغ في عهد “مرسي” 5 نساء من إجمالي 27 عضو بالمجلس، بينما تناقص العدد ليصبح 4 فقط في عهد “عدلي منصور”.
ونعتمد هنا في هذه المقارنات على التشكيل الأساسي للمجلس، حيث تعرض في عهد “مرسي” لموجة من الاستقالات عقب أزمة إعلانه الدستوري، وما صاحبها من أحداث “الاتحادية”. إذ تقدم 8 أعضاء بالاستقالة من المجلس احتجاجاً على عدم إدانة المجلس ما جرى من قبل “جماعة الإخوان” والرئيس “مرسي” حينها. وكان من ضمن المستقيلين نائب رئيس المجلس نفسه (عبد الغفار شكر). والذى عاد الآن ليصبح نائباً مرة أخرى في عهد “منصور”.
وبمجرد إعلان التشكيل الجديد الحالي تقدم حتى الآن عضوان بالاستقالة هما (حسام بهجت) الحقوقي ومدير مركز المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. إضافة إلي (ناجح إبراهيم) القيادي السابق بالجماعة الإسلامية.
ومن خلال تحليل أبرز الاتجاهات السياسية لأعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان في عهدي “مرسي” و”منصور”. يتبين لنا أن الغلبة كانت للمحسوبين على جماعة “الإخوان المسلمين” ومؤيديها في عهد “مرسي”. إذ تم استئثارهم وتفضيلهم في التعيينات بصرف النظر عن مدى الكفاءة (14 عضو). وهو ما تغير حالياً ليصبح العكس بحيث أن الاتجاه السياسي للأكثرية (18 عضو تقريباً من أصل 27عضو) يتمثل في مناهضة “الإخوان المسلمين”.
الخلاصة
اعتماداً على المعيارين الذين قمنا بالاستناد إليهما، تجديد النخبة وتمكين الشباب من ناحية، وارتباط النخبة الجذري بالجماهير والولاء لها لا للسلطة من ناحية أخرى. فإنه وكما أشرنا نجد أن ثلث الأعضاء الحاليين في (المجلس القومي لحقوق الإنسان) قد شغلوا نفس المنصب في الأنظمة التى أعقبت الإطاحة بمبارك، سواء في عهد المجلس العسكري ورئيس الوزراء (عصام شرف) حيث عمل 7 أعضاء من التشكيل الحالي، أو في عهد (مرسي) حيث استمر عضوين حاليين في المجلس.
إضافة إلي ذلك فإن 20% من التشكيلات الحالية ل(المجلس الأعلى للصحافة) أو حتى (لجنة الخمسين لصياغة الدستور) استمرت كما هي ولم تتغير منذ عهد (مرسي) إلي الآن.
وبالتالي فإن الحديث عن (تجديد النخبة) يتضائل، كما أن (تمكين الشباب) لا يزال على مستوى الخطابات لا التعيينات الحقيقية. فالشباب في (المجلس القومي لحقوق الإنسان) أقلية نادرة إذا بحثنا عمّن هم دون الأربعين عاماً. فهم لا يتعدون ال 10% أي 3 أعضاء. وتقلص عددهم بعد استقالة الحقوقي (حسام بهجت) ليستمر فقط (محمد عبد العزيز) مسؤول الاتصال السياسي بحركة تمرد. إضافة إلى الناشطة (راجية عمران) عضوة مجموعة لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين.
ولم تتعد نسبة الشباب في لجنة الدستور سوى 8% (4 أعضاء فقط). كما انعدمت أساساً في المجلس الأعلى للصحافة. ولم يتعد دور الشباب سوى إشراكهم بنسب قليلة كما نرى، في حين احتكرت الأجيال المتقدمة جداً في السن المناصب الحيوية في تلك اللجان والمجالس، فالرئيس الحالي للمجلس القومي لحقوق الإنسان (محمد فايق) على سبيل المثال تجاوز الثمانين عاماً. وشغل منصب وزير الإعلام في عهد الرئيس الراحل (جمال عبد الناصر) في الستينات.
وبخصوص المعيار الثاني (ارتباط النخبة الجذري بالجماهير لا بالسلطة) ففي حين جاء تشكيل النخبة في هذه المجالس وفي لجنة الدستور عن طريق ديموقراطية غير مباشرة في عهد مرسي، فإنها تأتي الآن بتعيينات من رئيس مؤقت. وفي الواقع فإن كلا النظامين لم ينجح في إحداث تمثيل مجتمعي حقيقي من خلال اختياراته، ولم يركز على الكفاءة كعامل رئيسي. بل كانت (المحاصصة) وتفضيل المحيطين، والمؤيدين للنظام هي السمة الأبرز لدى كل من “مرسي” و”عدلي منصور”.