ترجمة وتحرير: نون بوست
في أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2019، كشفت شركة تكنولوجيا صينية لم تكن معروفة في الغرب أنها استحوذت على واحدة من أكبر الشركات المصنعة لأشباه الموصلات في أوروبا، والرقائق الضرورية لأجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والسيارات وأي جهاز إلكتروني تقريبًا. وعندما تم الإعلان عن الصفقة، زعمت شركة “وينتك” الصينية أن شركة “نيكسبيريا”، الشركة الهولندية التي اشترتها، ستظل مستقلة وأن فريق إدارتها سيستمر تحت قيادة رئيسها التنفيذي، فرانس شيبر، ولكن هذا الوعد سرعان ما نُكث.
عمل شيبر، أحد المخضرمين في صناعة أشباه الموصلات الأوروبية، في شركة “نيكسبيريا” والشركات الشريكة لأكثر من 12 سنة. وبعد ثلاثة أشهر فقط، قال صانع الرقائق إن المدير التنفيذي “قرر التقاعد المبكر”، وربما كانت أنباء تقاعد شيبير مبالغًا فيها، فقد أصبح رئيس شركة “إنتل” في أوروبا، بينما في شركة “نيكسبيريا”، تم استبداله فورًا بالرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة “وينتك”، جانغ شوشنغ.
أسس جانغ شوشنغ شركة “وينتك” في سنة 2006 وقام بإنشائها لتصبح شركة كبرى لتصنيع الهواتف الذكية وأشباه الموصلات. ووفقًا للمحللين في شركة “داتينا”، فإن الصين تستحوذ على نسبة 30 بالمئة من الشركة. ونظرًا للتوترات القائمة بين الصين والغرب، يشعر العديد من المعلقين الغربيين بالقلق من تأثير البلاد على مثل هذه الصناعة العالمية الحيوية.
ويعتبر مالكولم بن، المحلل البارز في صناعة أشباه الموصلات، شيبر صديقًا له؛ حيث يقول إن شيبر “لم يكن يتبع المسار الصحي، لذلك، تم التخلي عنه”. في ذلك الوقت، كان بن مديرًا غير تنفيذي لشركة “نيوبورت ويفر فاب”، وهي من أكبر شركات أشباه الموصلات في المملكة المتحدة. قبل أن تستحوذ شركة “وينتك” على شركة “نيكسبيريا”، كانت شركة صناعة الرقائق الهولندية تحصل على الرقائق من شركة “نيوبورت”. وبعد الاستحواذ الصيني على “نيكسبيريا”، استحوذت أيضًا “وينتك” على الشركة البريطانية مباشرة، في تموز/ يوليو 2021.
وبعد عشرة أشهر، في 25 أيار/ مايو، فتحت الحكومة مراجعة للصفقة لأسباب تتعلق بالأمن القومي؛ حيث ووُصف الاستحواذ من قبل الرئيس التنفيذي المؤسس للمركز الوطني للأمن السيبراني بأنه تهديد أكبر للمملكة المتحدة مقارنة بتهديد “هواوي” حيث أصبحت إمدادات أشباه الموصلات قضية جيوسياسية رئيسية.
حتى الآن؛ التزمت الحكومة الصمت إلى حد كبير بشأن موضوع كيفية استحواذ شركة مملوكة جزئيًا للحكومة الصينية على أكبر شركة لتصنيع الرقائق في بريطانيا. ولكن بعد إغلاق الأسواق في 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، أي بعد أكثر من 120 يومًا من بدء التحقيق، خرجت الحكومة أخيرًا عن صمتها.
وفي حكم تاريخي، تعهدت بإلغاء الصفقة، وطلبت من شركة “نيكسبيريا” بيع 86 بالمئة من حصتها في شركة “نيوبورت ويفر فاب”. في المقابل؛ قالت شركة “نيكسبيريا” إنها ستستأنف ضد القرار، فلقد كانت الصفقة الأحدث في سلسلة من الاستثمارات الصينية في قطاع التكنولوجيا العميقة في المملكة المتحدة. وفيما يلي تفاصيل ومجريات هذه العملية وكيف انهارت.
قبل الاستحواذ على شركة “وينتك” في تموز/ يوليو من السنة الماضية، كانت شركة “نيكسبيريا” و”نيوبورت” “تعملان معًا بشكل جيد”، وذلك على حد تعبير مالكولم بن، الذي غادر مجلس إدارة شركة “نيوبورت” في تموز/ يوليو 2021.
ولكن بعد أن تولى جانغ السيطرة على شركة “نيكسبيريا”، قال بن؛ “تم خرق الاتفاقية ببساطة”، فقد سحبت شركة “نيكسبيريا” التمويل الذي عرضته على شركة “نيوبورت”، مشيرةً إلى الصعوبات المالية للموقع وادعت أن شركة “نيوبورت” لم تف بالتزاماتها التعاقدية، و”عندها بدأت تصبح عدوانية للغاية، وذلك عندما تحول السوق”، بحسب بن.
في الواقع، تعارض شركة “نيكسبيريا” ادعاءات بن وتقول إنها أنقذت شركة “نيوبورت” من الإفلاس، وأمّنت وظائف أكثر من 500 عامل يعملون في الشركة.
ويقول خبراء الصناعة إن رد فعل الحكومة المتأخر على عملية البيع يكشف مدى سوء فهم القادة السياسيين البريطانيين لأهمية صناعة أشباه الموصلات العالمية، والتي تعتبر محور سباق التسلح التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين وتدعم التقدم في كل قطاع آخر تقريبًا من الاقتصاد، بدءا من التمويل وصولا إلى النقل والرعاية الصحية والدفاع.
وتعد إدارة شركة “نيوبورت” قبل الاستحواذ أيضًا نتيجة مباشرة للإستراتيجية الصناعية للمملكة المتحدة على مدى العقود الأربعة الماضية، فمنذ دخول مارغريت ثاتشر داوننغ ستريت في سنة 1979، حفزت الحكومات المتعاقبة المستثمرين الأجانب على شراء الشركات البريطانية المهمة. والآن فقط؛ بينما تنتهج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سياسات أكثر حمائية، بدأ الوزراء في الاعتراف بمخاطر هذا النهج.
في الثمانينات كانت بريطانيا لاعبًا رائدًا في تصنيع أشباه الموصلات ولعبت شركة “نيوبورت ويفر فاب” دورًا رئيسيًا في تطوير هذا القطاع. وتم إنشاء المصنع المتطور، الذي صممه المهندس المعماري ريتشارد روجرز، الذي صمم أيضًا مركز بومبيدو في باريس، لشركة “إنموس”، وهي شركة لإنتاج المعالجات الدقيقة، في سنة 1982. وفي أوج قوتها، استحوذت الشركة البريطانية على 60 بالمئة من السوق العالمية لرقائق الذاكرة الثابتة ذات الوصول العشوائي، والتي تعد مكونًا أساسيًا في الحوسبة الحديثة.
كانت الدولة البريطانية قد دعمت نمو شركة “إنموس” وتمتلك حوالي ثلاثة أرباع الشركة. ولكن في سنة 1986، تخلصت إدارة ثاتشر من حصتها كجزء من حملة الخصخصة. واختفت علامة شركة “إنموس” التجارية لاحقًا بعد أن استحوذت عليها الشركة المصنعة الفرنسية الإيطالية في سنة 1989. وبين سنتي 1999 و2017، تغيرت ملكية الشركة أربع مرات أخرى. وقد حرصت شركة “نيكسبيريا” على التأكيد على أنه في العقد الذي سبق استحواذها على شركة “نيوبورت”، كافح المالكون السابقون لتأمين أساس مالي ثابت للشركة.
وعندما استحوذت شركة “إنفنيون تيكنولوجيز” على شركة “نيوبروت” الألمانية لإنتاج أشباه الموصلات في سنة 2015، استُخدمت بشكل أساسي لتصنيع “أشباه موصلات الطاقة”، والتي تنقل الطاقة من جهاز إلكتروني إلى آخر (على عكس الرقائق المنطقية، التي تعالج البيانات).
وقبل الاستحواذ على شركة “إنفنيون”، كان مالكو شركة “نيوبروت” يطورون القدرة على تصنيع نوع آخر من الشرائح، وهي أشباه الموصلات المركبة. وتعتبر هذه الرقائق متقدمة ويُنظر إليها باعتبارها تقنية تمكين للبطاريات الأكثر تقدمًا والألواح الشمسية والمركبات الكهربائية واتصالات الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
بعد ذلك بعامين؛ تم الاستحواذ على نيوبورت من قبل درو نيلسون، مؤسس ورئيس شركة “آي كيو إي” لأشباه الموصلات في كارديف، من خلال شركة نبتون 6 المحدودة، التي كان مالكولم بن عضوا في مجلس إدارتها، وأنشأ مالكو شركة “نيوبورت” الجدد الشركة لتعمل “كمصنع تصنيع مفتوح الوصول”، مما يعني أن الشركات الأخرى، مثل شركة “نيكسبيريا”، ستكون قادرة على استخدام المرافق لتطوير رقائقها الخاصة.
وأبرمت الشركة أكثر من 20 صفقة مع عملاء تجاريين وأكاديميين، لا تغطي هذه الصفقات موصلات الطاقة التقليدية فحسب ولكن أيضًا أشباه الموصلات المركبة الجديدة. ويعتقد الملاك الجدد أن الرقائق المركبة ستلعب دورًا مهمًا ليس فقط في مستقبل شركة “نيوبورت”، ولكن في قطاع أشباه الموصلات الأوسع في المملكة المتحدة.
في صيف 2019، وقعت شركة “نيكسبيريا”، التي كانت لا تزال تحت ملكية هولندية ويديرها فرانس شيبر، صفقة مع شركة “نيوبورت” لزيادة تصنيع نوع جديد من أشباه موصلات الطاقة التي يُعتقد أنها مخصصة للسيارات. وكانت تعمل مع مورد مختلف، وقررت نقل الإنتاج إلى شركة “نيوبورت”.
وقد جعلت الصفقة شركة “نيكسبيريا” مساهمًا ذا أقلية في شركة “نيوبورت”، وجاءت مع وعد بالاستثمار من خلال قرض رأس مال عامل بقيمة 12 مليون جنيه إسترليني، كما أعطت شركة “نيكسبيريا” خيار تعيين مديرين في مجلس إدارة شركة “نيوبورت” وحتى الاستحواذ على الشركة في حالة تعرضها لخطر الإفلاس ولم يعد بإمكانها الوفاء بالتزامات الإنتاج التي تعهدت بها.
تقول نيكسبريا إنها رفضت تقديم القرض على أساس أنها لم ترغب في ضخ المزيد من الأموال في عمل تجاري فاشل وأن نيوبورت لم تلتزم بجانبها من الصفقة
وبدأت العلاقة مع ما أسماه بن “مشاكل التسنين”، فهو يوافق على أن “نيوبورت” كانت “مقصرة بعض الشيء في تنفيذ أشياء معينة”، لكنه يقول إن فشلها في الوفاء بالتزامات التسليم حدث لأن المورد السابق “كان محرجًا بشأن نقل العملية”؛ حيث عملت شركة “نيوبورت” و شركة “نيكسبيريا” معًا لحل المشاكل.
بعد أن استحوذت شركة “وينتك” على شركة نيكسبريا الهولندية وتم تعيين جانغ في منصب المدير التنفيذي، يقول مالكوم بن إن العلاقة بينهما تغيرت؛ مع تغير ثروة نيوبورت؛ حيث تم إلغاء القرض البالغ 12 مليون جنيه إسترليني فجأة، وفي رسلالة موجهة إلى الأعضاء في لجنة اختيار الأعمال في آب/ أغسطس من السنة الجارية، والتى تحدثت عنها نيكسبريا لصحيفة نيوستيسمان، قالت نيكسبريا إن “القرض كان متوقفًا على”نيوبورت ويفر فاب” التي قدّمت توقعات موارد نقدية كافٍ لمواصلة العمليات، وعدم خرق أي تعهدات مصرفية، وعدم التأخر عن سداد أي مدفوعات للقروض التي تحصلت عليها، والتمكن من الوفاء بالتزامات الإنتاج بموجب اتفاقها مع نيكسبريا؛ وهو الأمر الذي فشلت نيوبورت في القيام بها”.
يدعي مالكولم بن أن نيكسبريا “تعللت بالعديد الثغرات” لتجنب تقديم القرض مشيرًا – على سبيل المثال – إلى أنها “لم تفِ بهذا الالتزام التعاقدي هنا؛ لم تعجبنا خطة عملك هنا؛ لم تعطنا هذه البيانات هنا… يمكن لأي شخص الإفلات من المسؤولية ما إذا أراد ذلك”.
تقول نيكسبريا إنها رفضت تقديم القرض على أساس أنها لم ترغب في ضخ المزيد من الأموال في عمل تجاري فاشل وأن نيوبورت لم تلتزم بجانبها من الصفقة. في الخطاب الموجه إلى الأعضاء، قال توني فيرسلويج، مدير الشركة في المملكة المتحدة، إن “شركة نيكسبريا كانت مهتمة بنيوبورت كعميل، وليس كمستحوذ محتمل”.
ويدعي بن أن نيكسبريا كان لها دوافع مختلفة، فقد كانت تداعيات جائحة كوفيد-19 مدمرة بشكل كبير لصناعة أشباه الموصلات، مما أدى إلى زيادة الطلب في ظل محدودية العرض؛ حيث يقول بن: “بمجرد مواجهة حالة نقص في الرقائق، أصبح من الضروري أن تمتلك نكسبريا حقًا أسهم فاب بالكامل وتطرد أي شخص آخر، لأنهم كانوا بحاجة إلى كل رقاقة يمكنهم إنتاجها”.
لم تكن نيكسبريا وحدها هي التي لن تمنح نيوبورت الأموال التي تحتاجها لمواصلة العمل كشركة مستقلة، فحسب صحيفة التايمز، رفضت الحكومة الويلزية تقديم أي تمويل إضافي مقابل الأسهم لأنه “لم يكن اقتراحًا قابلاً للتطبيق”. واستشهدت بحصة نيكسبريا، و”جدوى أعمال السيليكون الأساسية”، وانخفاض المبيعات والأرباح، وقالت إن نيوبورت كانت ذات نفوذ كبير ولكن بعدد قليل جدًا من العملاء. وتابعت حكومة ويلز أنها كانت تريد “تغييرًا مهمًا في الإدارة”، ناهيك عن أنها أثارت مخاوف بشأن احتمال فشل عملية الاستحواذ مع وزارة الأعمال والطاقة والإستراتيجية الصناعية في المملكة المتحدة، والتي لم تتدخل في ذلك الوقت.
ادعى بن مالكولم في رسالته إلى النواب في تموز/يوليو أن “ملكيته الجديدة لا تهدف إلى إنقاذ شركة نيوبورت ويفر فاب من الإفلاس”؛ حيث تمكنت نيكسبريا من الصمود في حين واجهت الشركة صعوبات في توفير التدفق النقدي لأنها تحولت نحو الإنتاج الكامل بعد كوفيد-19”. وأضاف بن أن “نيكسبريا رفضت أولاً الحصول على قرض رأس المال المتداول بقيمة 12 مليون جنيه إسترليني ثم مانعت الموافقة على “ضخ رأس مال بملايين الجنيهات” من قبل صندوق الأسهم الخاصة. في هذا السياق، كتب مالكولم بن أن هذا “دفع الشركة إلى حافة الإفلاس، وبالتالي فتح الباب أمام نكسبريا لإطلاق عملية استحواذ معادية”.
تكمن أهمية أشباه الموصلات المركبة في التقنيات المتطورة في العقود القادمة في أن قانون الأمن القومي والاستثمار يشمل على وجه التحديد المرافق التي يمكنها تطوير هذه الرقائق.
تنفي نكسبريا أنها أرادت الاستحواذ على الشركة. من جانبه، أوضح توني فيرسلويج في رده الكتابي على اللجنة أن نيكسبريا ماطلت في تسليم قرض رأس المال المتداول لأنها كانت تشعر بالقلق من أنها لن تكون قادرة على استرداده إذا أصبحت نيوبورت معسرة وكانت غير قادرة على الوفاء “بالمعايير المتفق عليها بموجب العقد”، وأوضحت نيكسبريا أن قرار حكومة ويلز أكد موقفها وأنها دعمت جهود نيوبورت لتأمين مصدر بديل للتمويل.
ورفضت نيكسبريا فكرة أن عملية الاستحواذ كانت معادية، لكنها اعترفت في رسالتها إلى النواب بأن مالك نيوبورت السابق، نيلسون، الذي وصفته بأنه “شريكها منذ فترة طويلة” لمالكوم بن، كان “معارضًا بشدة” للصفقة. في هذا السياق، يقول مالكولم بن: “التظاهر بأنها لم تكن عملية استحواذ عدائية هو أمر مثيرا للجدل”، ويضيف: “لم يكن هناك شخص واحد من جانب نيوبورت ويفر فاب يريد أن يحدث ذلك. يعد مديرا نيكسبريا هما الشخصان الوحيدان المسؤولان عن ذلك”.
فيما يتعلق باستثمار الأسهم الخاصة المقترح، والذي جاء من شركة بالاديان إنفستمنت بارتنرز، أخبرت نيكسبريا الأعضاء أنها “شاركت في مفاوضات بنية صادقة ولم تسع إلى منع الاستثمار”. ومع ذلك؛ قالت نيكسبريا في النهاية إن الصفقة لم تتم لأن الشروط المالية لشركة بالاديان كانت غير جذابة، وستحتاج إلى التخلي عن “حقوق المساهمين الرئيسية” وهي “غير مستعدة للتخلي عن قدرتها على حماية عملائها في حال تضررت سلسلة التوريد”.
في نهاية المطاف؛ سمحت عملية الاستحواذ لشركة نكسبريا بزيادة حصتها من 14 إلى 100 في المائة من الأعمال. وحولت النسبة البالغة 86 في المائة للبيع الآن، لأن الصفقة الأصلية لا تشملها أحكام التشريع الذي تمت مراجعته بموجبه، أي قانون الأمن القومي والاستثمار. ومع ذلك، إذا فشل الاستئناف، فمن المتوقع أن تبيع نكسبريا الشركة بالكامل.
منذ الاستحواذ على نيوبورت في تموز/ يوليو الماضي، ركزت نيكسبريا على زيادة إنتاج أشباه موصلات الطاقة؛ حيث يقول مالكولم بن إن هذا كان على حساب التقدم الذي أحرزه مالكو المصنع السابقون في السعي لتطوير قدرات أشباه الموصلات المركبة.
قبل عملية الاستحواذ، لعبت نيوبورت دورًا رئيسيًا في مجمع ساوث ويلز المركب لأشباه الموصلات، وهو اتحاد من الشركاء الأكاديميين والصناعيين يروج لتطوير وتصنيع أنواع جديدة من الرقائق. على عكس موصلات الطاقة التقليدية، لا تعتمد أشباه الموصلات المركبة على السيليكون، بل إنها مصنوعة من مجموعة متنوعة من المواد المركبة ويمكن استخدامها في مجموعة من التطبيقات، بما في ذلك شواحن السيارات الكهربائية ومحطات القاعدة لشبكة الجيل الخامس.
تكمن أهمية أشباه الموصلات المركبة في التقنيات المتطورة في العقود القادمة في أن قانون الأمن القومي والاستثمار يشمل على وجه التحديد المرافق التي يمكنها تطوير هذه الرقائق.
يُنظر أيضًا إلى أشباه الموصلات المركبة على أنها مجال يمكن أن تستعيد فيه المملكة المتحدة بعض قدراتها في تصنيع الرقائق؛ حيث تقوم شركات الرقائق الكبرى في المملكة المتحدة، مثل “أرم أند إيمجنايشين تكنولوجيز” (التي يملكها يابانيون وصينيون) بتصميم الرقائق ولكنها لا تصنعها، وبالتالي لا تأخذ سوى جزء صغير من قيمة كل شريحة تساعد تقنياتها في إنتاجها. وتجدر الإشارة إلى أن الطاقة الإنتاجية تعتبر مربحة وحساسة من الناحية السياسية.
تتجلى الأهمية السياسية لأشباه الموصلات المركبة في أن نيكسبريا لا تريد أي علاقة بها، وذكرت رسالة الشركة إلى الأعضاء أنها أنهت مشاركتها في برنامج بحث حكومي حول التكنولوجيا لأن “التدقيق الحكومي والتعليق العام ثبطوا نكسبريا من المشاركة في المشاريع التي تحمل أي تصور محتمل يشكل تهديدا للأمن القومي”. قال متحدث باسم الشركة إنه “لم تملك الشركة قدرات لتصنيع أشباه الموصلات المركبة سابقًا لا تملكها حاليا في نيوبورت”. ولكن بعد مزيد من الاستفسارات، أكدت الشركة أنه في حين أنه سيكون من المستحيل معالجة معظم أشباه الموصلات المركبة في الموقع، فقد عالجت نيوبورت جزئيًا “عددًا صغيرًا من الرقائق” لنوع من رقائق أشباه الموصلات المركبة المصنوعة من نيتريد الغاليوم.
تحت الملكية الصينية؛ تحول المصنع من استكشاف التقنيات للشركاء الجدد إلى زيادة الإنتاج لعملاء نيكسبريا؛ فقد كان روكلي فوتونيكس أحد عملاء نيوبورت قبل عملية الاستحواذ، كانت شركة نيوبورت تعمل مع روكلي لتطوير شريحة ضوئية متطورة من السيليكون – قادرة على نقل المعلومات عبر الفوتونات، تلك المستخدمة في الألياف البصرية – والتي يمكن استخدامها في الساعات الذكية. على الرغم من أن نيوبورت لم تبدأ بعد في إنتاج الرقائق، إلا أن روكلي توقع أنها ستُقدم على هذه الخطوة.
بعد الاستحواذ على المصنع، زعمت شركة “نيكسبيريا” أن خطة إنتاج رقائق لصالح شركة “روكلي” ستكلف 200 مليون جنيه إسترليني وأنها كانت “بعيدة المنال” نظرًا لوضع مصنع “نيوبورت” المالي. ولم يوافق أندرو ريكمان، الرئيس التنفيذي لشركة روكلي، على ذلك، حيث أخبر لجنة اختيار الأعمال بأنه يدعم المشروع: “كنا نعتزم التصنيع في “نيوبورت ويفر فاب” … لكن تغيرت ملكيتها والمالك الحالي، لأسباب تجارية معروفة، لا يريد مناث التصنيع هناك.”
هذا التغيير في الاتجاه مهم ليس فقط للمصنع، ولكن لصناعة أشباه الموصلات الأوسع نطاقًا، والتي كانت “نيوبورت” موقعًا للبحث والتطوير فيها. قالت “نيكسبيريا” إنها أعطت مالكي المصنع السابقين الفرصة لتطوير قدرات تصنيع أشباه الموصلات في الموقع. لكن كلّا من بن و”نيكسبريا” يدعيان أن الجانب الآخر جعل المضي قدمًا في الخطط باهظ التكلفة، قال فيرسلويجس أيضًا أن “نيكسبيريا” واصلت العمل مع الشركاء الأكاديميين في مجموعة أشباه الموصلات المركبة بجنوب ويلز، بينما يقول بن إن افتقار “نيكسبيريا” للتعاون قد خلق “مشكلات رئيسية لكل من المجتمع الأكاديمي المتصل وخطط توسعة مجموعة أشباه الموصلات المركبة”.
حددت الحكومة هذه المشكلة كأحد أسباب لحل عملية الاستحواذ. وقالت في حكمها الصادر إن جرانت شابس، وزير التجارة، قرر أن هناك مخاوف تتعلق بالأمن القومي حول نقل الخبرات لصناعة أشباه الموصلات المركبة و”احتمال أن تقوض هذه الأنشطة قدرات المملكة المتحدة”. وأضاف البيان أن المخاوف بشأن نقل الخبرات يمكن أيضًا أن يمنع المجموعة من “المشاركة في مشاريع مستقبلية ذات صلة بالأمن القومي”، في إشارة واضحة إلى أشباه الموصلات المركبة.
قال فيرسلويجس إن “نيكسبيريا” أبلغت الحكومة أنها لن تطور التكنولوجيا المركبة نفسها، لكن القلق الثاني في الحكم يشير إلى أن احتمال تشغيل المجموعة المستقلة لأبحاث المركبة وأعمال التطوير في جزء آخر من موقع “نيوبورت”، كما تم اقتراحه سابقًا، تم اعتباره أيضًا خطرًا على الأمن القومي. يشير قرار الحكومة إلى أنها تعتقد أنه سيكون من الأسهل إحراز تقدم في الأبحاث المركبة للمجموعة إذا لم تكن “نيوبورت” مملوكة لشركة صينية في نهاية المطاف.
وأفاد فيرسلويجسس بأنه “صُدم حقًا” من القرار، الذي اعتبره “باطلاً من الناحية القانونية” و”غير متناسب بالنظر إلى سبل الانتصاف التي اقترحتها نيكسبريا”. وقال إن هذا القرار المجحف خلق مزيدًا من الحيرة بالنسبة لموظفي الشركة وسيقضي على “لاعب قوي” في صناعة أشباه الموصلات في المملكة المتحدة. مضيفاً “سنستأنف هذا القرار غير الصحيح إطلاقًاً”
ولاحت في الأفق الاعتبارات الاقتصادية في المشهد أيضاً؛ رحب العديد من العمال الذين يزيد عددهم عن 500 موظف في “نيوبورت” بملكية “نيكسبريا” التي قالت إنها ملتزمة بالموقع، مشيرة إلى أن مصنعها في “ستوك بورت” يعمل منذ أكثر من 50 سنة. لكن “نيكسبريا” مملوكة لشركة “وينغ تك” منذ ثلاث سنوات فقط، وكما هو الحال مع العديد من الشركات الصينية، “وينغ تك” لديها ولاءاتها السياسية الخاصة.
وكتب بن في رسالته إلى أعضاء البرلمان: “في النهاية، سوف يفوز الاقتصاد البسيط دائمًا، الشركة الأم لـ “نيكسبريا” و”وينغ تك” على وشك الانتهاء من إنشاء مصنع جديد كبير ممول جزئيًا من الحكومة الصينية في شنغهاي، وهو يعادل خمسة أضعاف حجم مصنع “نيوبورت” ومصمم لإنتاج الأجزاء المتطابقة ولكن بتكلفة بسيطة.”
ويقول بن إن نقل كل الإنتاج إلى الصين والإغلاق اللاحق لـ “نيوبورت” سيكون مناسبًا من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، “بالنظر إلى الخطة الخمسية للحكومة الصينية لأشباه الموصلات لتحقيق الاكتفاء الذاتي. بمجرد أن يتم تشغيل “مصنع “وينغ تيك فاب”، تصبح أشباه موصلات الطاقة مجالًا يمكن تحقيق هذا الهدف فيه بسهولة بالغة. “
وقالت أليسيا كيرنز، رئيسة مجموعة أبحاث الصين في مجموعة أعضاء البرلمان المحافظين وعضو لجنة الشؤون الخارجية: “لقد رأينا نمطًا من عمليات الاستحواذ الصينية في صناعة أشباه الموصلات في بريطانيا. لدى حكومة الصين طموحات واضحة للهيمنة على تصنيع أشباه الموصلات.”
وأضافت كيرنز أن لجنة اختيار الشؤون الخارجية قد شهدت “استحواذًا فوضويًا” مثل ذلك الذي حدث في “نيوبورت” من قبل، في حالة شركة “إماجيناشين تيكنولوجيس”، التي تم الاستحواذ عليها من قبل صندوق الأسهم الخاصة المدعوم من الصين سنة 2017. وقالت كيرنز “نحن بحاجة إلى قانون الأمن القومي والاستثمار ويجب التصرف بشكل أسرع للتعامل مع هذا النوع من القضايا”.
بعد صدور الحكم في 16 تشرين الثاني / نوفمبر، قالت كيرنز: “يجب أن يمثل هذا القرار بداية تنفيذ السياسات التي تعزز الأمن القومي البريطاني وتحمي شركات التكنولوجيا الرائدة والأبحاث الخاصة بنا من الوقوع في أيدي منافسينا”.
في حين تم انتظار الحكم بفارغ الصبر، من المرجح أن يستمر الخلاف القانوني حول ملكية “نيوبورت” لبعض الوقت. أخبر فيرسلويجسس صحيفة الغارديان أن “نيكسبيريا” :”ستفعل كل ما في وسائلها القانونية لإلغاء القرار”. من غير المرجح أن ينجح الاستئناف المقدم إلى شابس نظرًا لعدم وجود تغيير جوهري في الظروف منذ إصدار القرار. النهج الأكثر احتمالا هو إعادة النظر في القضية.
قد يتطلب ذلك تقييم القاضي وقد يستغرق عدة أشهر. قال بيتر لو، الذي يرأس بيكر ماكنزي وهي شركة محاماة في الصين، إنه قدم طلبًا مختلفًا في أوائل تشرين الثاني / نوفمبر لجلسة استماع ليوم كامل كان من المقرر عقدها لمدة عشرة أشهر: “لن تكون عملية سريعة ما لم يتمكنوا من تحديد مدى أهمية القضية ومطالبة المحكمة بالنظر فيما إذا كان سيتم تقديم الجدول الزمني أم لا، لأن هذا هو القرار الأول من نوعه، فمن الصعب التنبؤ بالنتيجة”.
ربما يكون الخطر الأكبر هو أنه إذا تم إجبار “نيكسبيريا” على بيع غالبية حصتها في “نيوبروت”؛ حيث تفشل الحكومة في تطوير ودعم إستراتيجية قوية لأشباه الموصلات تضمن ازدهار مبادرات مثل مجموعة أشباه الموصلات المركبة بجنوب ويلز
إذا خسرت “نيكسبيريا” القضية، فسينتقل التركيز إلى من يتولى إدارة الموقع. ورد أن نيلسون، المالك السابق لـ “نيوبورت”، بأنه يعمل مع شركة “بالاديان إنفستمنت بارتنرز” لاستعادة الشركة. بموجب شروط الاستحواذ الأصلي، لدى نيلسون خيار إعادة شراء مسبك المعادن بنفس السعر الذي تم بيعه به، حوالي 63 مليون جنيه إسترليني، والذي يُعتقد أنه أقل من قيمته السوقية. ومع ذلك، يمكن توقع قيام “نيكسبيريا” بالضغط على الحكومة لعرض المسبك في للمزاد العلني – والتي يحق لها بموجب قانون الأمن القومي والاستثمار – للحصول على سعر أعلى.
في مزاد ما، يمكن أن يتوقع نيلسون وداعموه منافسة من مجموعة من المستثمرين الأثرياء. من المحتمل أن يكون أحد اللاعبين الرئيسيين هو رون بلاك، الرئيس التنفيذي الأمريكي السابق لشركة “إماجيناشين تيكنولوجيس”، والذي ترك شركة تصميم الرقائق عندما حاول مستثمروها الجدد، دون جدوى في نهاية المطاف، إخضاع مجلس إدارتها للسيطرة الصينية. لقد أعلن أنه سيكون على استعداد لإنفاق ما يصل إلى 300 مليون جنيه إسترليني لشراء موقع شركة “نيوبورت” والاستثمار في مصنعها.
والسؤال التالي الذي يدور في أذهان العاملين في القِطاع هو: هل ستلتزم الحكومة التزامًا كاملاً بقطاع أشباه الموصلات؟ يعد حل الصفقة خطوة بسيطة نسبيًا مقارنة بتطوير إستراتيجية لأشباه الموصلات من شأنها عكس أربعة عقود من السياسة الصناعية. بينما يعتبر رئيس الوزراء ريشي سوناك بطل قطاع التكنولوجيا، فقد ركز معظم عمله على تعزيز الشركات الناشئة عالية النمو، بدلاً من شركات التكنولوجيا العميقة التي تتمتع بحضور تصنيعي كبير.
يهتم خبراء الصناعة بشكل خاص بما ستعطيه الحكومة الأولوية لتدخلها، على الأقل خارج سوق الطاقة. على الرغم من أن الحكومة قالت إنها تدرك نقاط القوة في مجموعة أشباه الموصلات المركبة بجنوب ويلز، إلا أن الخبراء يخشون أن تركز الإستراتيجية على تكنولوجيا تصميم الرقائق في المملكة المتحدة على حساب قدراتها التصنيعية المتقدمة، على الرغم من تحديد أشباه الموصلات المركبة على أنها مسألة تتعلق بالأمن القومي.
ربما يكون الخطر الأكبر هو أنه إذا تم إجبار “نيكسبيريا” على بيع غالبية حصتها في “نيوبروت”؛ حيث تفشل الحكومة في تطوير ودعم إستراتيجية قوية لأشباه الموصلات تضمن ازدهار مبادرات مثل مجموعة أشباه الموصلات المركبة بجنوب ويلز. وهذا من شأنه أن يعرض 500 وظيفة للخطر والتي التي تدعمها “نيوبورت” ويهدد دور المملكة المتحدة في صناعة تدعم الآن ليس فقط كل قطاعات الاقتصاد الأخرى، ولكن الجغرافيا السياسية للقرن الحادي والعشرين.
المصدر: نيو ستيتسمان