ترجمة: حفصة جودة
لسنوات، كان السياسي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، شخصًا منبوذًا وسط السياسات السائدة، لكن في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني فازت كتلته بالمرتبة الثالثة لأكثر عدد مقاعد في الكنيست، ووصفه العديد من المعلقين بأنه “صانع الملوك” في حكومة بنيامين نتنياهو القادمة.
يشتهر بن غفير بآرائه السياسية المتطرفة التي تتضمّن دعم الحاخام أمريكي المولد مئير كاهانا وباروخ غولدشتاين، اللذين قتلا 29 مصليًّا في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل بالضفة الغربية المحتلة عام 1994.
في عام 2007، أُدين بن غفير لتحريضه العنصري ضد العرب ولدعمه “كاخ”، وهي جماعة على قوائم الإرهاب الإسرائيلية والأمريكية.
وناهيك عن دعمه لكاهانا وغولدشتاين حيث وُجدت صورهما معلقة في غرفة معيشته أثناء حوار تلفزيوني معه، فقد كان لبن غفير بيان عنصري صادم آخر أعرب فيه عن رأيه دون أسف في نفس المقابلة على “القناة 13” الإسرائيلية.
فقد قال إنه على “إسرائيل” إزالة السلطة الفلسطينية، ويجب أن يعود الفلسطينيون في الضفة الغربية للعيش تحت سلطة الاحتلال الإسرائيلي، دون الحق في الحصول على هوية إسرائيلية (البطاقة الزرقاء) أو تأمين صحي.
بعد صعوده في الانتخابات الأخيرة، بدأت بعض المصادر الإخبارية في الولايات المتحدة و”إسرائيل” تبييض بن غفير باستخدام لهجة مختلفة لوصف آرائه.
وفقًا لبن غفير، لن يكون للفلسطينيين الحق في التصويت ويجب أن يديروا حياتهم في مجتمعاتهم دون السلطة الفلسطينية، وأصرَّ على ضمّ جميع مستوطنات الضفة الغربية وبعض المناطق من الخليل لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
تقسيم الأقصى
بالنسبة إلى أيديولوجية بن غفير فنَقْل (ترانسفير) الفلسطينيين في جوهرها، فقد قال في المقابلة إنه على “إسرائيل” تأسيس وزارة هجرة لتشجيع الفلسطينيين على ترك منازلهم، هذه الوزارة ستشجّع (والمقصود تطرد) أي فلسطيني في الضفة الغربية أو “إسرائيل” يكره “إسرائيل” أو لا يؤمن بها، على الرحيل.
أما رماة الحجارة وزجاجات المولوتوف الحارقة فيجب أن يُسجنوا، وعند إطلاق سراحهم يجب أن يُنقلوا إلى الدول الأوروبية، وفي المقابلة نفسها رفض أن يمنح الفلسطينيين من الضفة الغربية الحق في العيش في “إسرائيل”.
أصرَّ كذلك على أنه يرغب في طرد العرب وأعضاء اليسار المتطرف من الكنيست، مثل أحمد الطيبي وعوفر كسيف، وحتى بعض اليهود الذين لا يدعمون “إسرائيل”، مثل أعضاء حركة “ناطوري كارتا”، أعرب أيضًا عن رغبته في بناء معبد بجوار المسجد الأقصى وتقسيم الدخول اليومي للأقصى بين المسلمين واليهود.
رغم الطبيعة اليمينية واليمينية المتطرفة للسياسة الإسرائيلية عبر العقود، إلا أن فاشية بن غفير أيديولوجية متطرفة للغاية حتى بالنسبة إلى السياسيين السائدين في “إسرائيل”.
وهكذا، بدأ حملة علاقات عامة لتمهيد الطريق لنفسه لدخول العالم السياسي الإسرائيلي، ورغم مواصلته دعم كاهانا إلا أنه حاول إبعاد نفسه عن أيديولوجية “النقل” (ترانسفير)، وبعد صعوده في الانتخابات الأخيرة، بدأت بعض المصادر الإخبارية في الولايات المتحدة و”إسرائيل” تبييض بن غفير باستخدام لهجة مختلفة لوصف آرائه.
ربما أسوأ جانب لمحاولات تبييض بن غفير هو أنه سيصبح قائدًا محتملًا لـ”إسرائيل” في السنوات القادمة، ويذكّرنا صعوده السياسي بصعود أفيغدور ليبرمان، السياسي اليميني المتطرف.
أصبح بن غفير ضيفًا مشهورًا على برامج التلفزيون الإسرائيلي بما في ذلك برامج الطبخ، ويصفه بعض المعلقين الإسرائيليين بالسياسي الطبيعي، بينما انتقدت رئيسة حزب العمل الإسرائيلي، ميراف ميخائيلي، محاولات بن غفير لرسم نفسه كشخص لطيف محبوب.
يقول جيمس نورث -الكاتب في “موندويس”- إن الصحف الأمريكية بدأت استخدام لهجة مختلفة لتطهير بن غفير، بعد فوزه في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني.
علاقات تطبيعية
مع ذلك، أسوأ تبييض لبن غفير جاء من الديكتاتوريين العرب، فقد التقى السفير الإماراتي في تل أبيب ببن غفير في احتفالية الذكرى 51 ليوم الاستقلال الإماراتي، والتقى السفير محمد آل خاجة متطرفًا آخر فاز في انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو قائد الحزب الصهيوني الديني بتسلإيل سموتريش، والذي يعدّ شريك بن غفير السياسي ويحمل آراء فاشية أيضًا ضد الفلسطينيين.
ورغم أن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، حذّر نتنياهو في أكتوبر/ تشرين الأول من ضمّ بن غفير أو سموتريش إلى حكومته القادمة، إلا أنه يبدو أن الدولة الخليجية سعيدة بتطبيع العلاقات مع الحكومة التي ستضمّ كليهما.
بعد أيام من اجتماع السفير الإماراتي وبن غفير في تل أبيب، زار الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ أبوظبي، والتقى بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان.
لا يقتصر التعاون الإماراتي مع الإدارة الإسرائيلية على تل أبيب أو أبوظبي فقط، فهو مستمر في واشنطن كذلك حيث يلتقي سفيرا البلدَين بالمرشح الجمهوري المحتمل للانتخابات الرئاسية القادمة، رون ديسانتس، ويناقشون اتفاقات أبراهام.
في يوم 5 ديسمبر/ كانون الأول، عقد مسؤولون من الأردن ومصر والسودان والبحرين اجتماعًا مع ممثلين إسرائيليين في المغرب وناقشوا “التعليم والتعايش”، هذه الاجتماعات تحدث عادة بين هذه الدول و”إسرائيل”، رغم أن في الحكومة الإسرائيلية القادمة وزيران يحملان أيديولوجيات فاشية تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية و”إسرائيل”.
سيفشل بن غفير
ربما أسوأ جانب لمحاولات تبييض بن غفير هو أنه سيصبح قائدًا محتملًا لـ”إسرائيل” في السنوات القادمة، ويذكّرنا صعوده السياسي بصعود أفيغدور ليبرمان، السياسي اليميني المتطرف الذي أصبح نائبًا لرئيس الوزراء ووزيرًا للمالية، وبنتنياهو ذاته الذي يعدّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الأطول خدمة.
لكن تبييض بن غفير و”إسرائيل” من خلال الصحف الإسرائيلية والغربية والدول العربية سيفشل، وإليكم الأسباب.
أولًا، بعد 4 عقود من توقيع اتفاقيه كامب ديفيد، ما زالت غالبية الدول العربية ترفض تطبيع العلاقات مع “إسرائيل”، وقدوم حكومة إسرائيلية فاشية سيجعل مهمة الأنظمة العربية في نشر فكرة التطبيع بين الشعوب أكثر صعوبة.
نظرًا إلى أن فاشية بن غفير و”إسرائيل” تسبّب مشكلة للفلسطينيين والدول العربية والأوروبية أيضًا، فإن أي محاولات من الحكومات العربية لتبييض بن غفير وأيديولوجيته الخطيرة ستبوء بالفشل.
ما زال هناك إجماع قوي بين الشعوب العربية على رفض فكرة التطبيع مع “إسرائيل”، على مدى عامَين من توقيع اتفاقية أبراهام، حاولت الإمارات والبحرين التطبيع مع “إسرائيل” ليس فقط من الناحية الرسمية بل ادّعاء أن الشعب يريد ذلك، لكن مقاطع الفيديو التي ظهرت في قطر أثناء كأس العالم تظهر المشجعين العرب واللاعبين وهم يرفعون العلم الفلسطيني ويرفضون الحديث إلى مذيعي التلفزيون الإسرائيلي، تدلّ على فشل محاولات التطبيع.
إن تركيز بن غفير على المسجد الأقصى وخطته لتقسيمه بين اليهود والمسلمين وبناء معبد قريب منه سيقوّض فقط محاولات تبييضه، فالأقصى ذو أهمية بالغة في فلسطين والعالم العربي والإسلامي أجمع.
منذ عام 1967، سبّبت جميع الهجمات والسلوكيات الاستفزازية الإسرائيلية حول المسجد الأقصى توترًا هائلًا داخل القدس وفلسطين وفي جميع الدول العربية والإسلامية، وقد سبّب العدوان الإسرائيلي الأخير هناك عام 2021 اضطرابات في فلسطين والمدن الإسرائيلية وحربًا بين غزة و”إسرائيل”.
ستلقى سياسات بن غفير أيضًا مقاومة من بعض الدول الأوروبية والعربية، لأن خطته لنقل الفلسطينيين إلى الدول العربية أو الأوروبية ستسبّب مشكلات للدول المضيفة، حيث تشهد الدول الأوروبية بالفعل تصاعد التوترات الداخلية نتيجة الهجرة، بينما تعاني الدول العربية التي تتشارك الحدود مع فلسطين التاريخية -خاصة لبنان- بالفعل من توترات بسبب تواجد اللاجئين الفلسطينيين، وهذه الدول لن تقبل المزيد من النازحين.
ونظرًا إلى أن فاشية بن غفير و”إسرائيل” تسبّب مشكلة للفلسطينيين والدول العربية والأوروبية أيضًا، فإن أي محاولات من الحكومات العربية لتبييض بن غفير وأيديولوجيته الخطيرة ستبوء بالفشل.
المصدر: ميدل إيست آي