ترجمة وتحرير: نون بوست
ساعدتنا العديد من المهارات التي طورناها في الطفولة على الارتقاء إلى مرحلة البلوغ، وكان أحدها القدرة على تنظيم عواطفنا، ولكننا لم نتقن جميعًا هذه المهارة بنفس المعدل، ولا نتحكم جميعًا في عواطفنا بنفس الدرجة. وحتى بصفتنا بالغين، نعرف أشخاصًا يبدون منزعجين من أصغر المضايقات وآخرين يبدو أنهم يتعاملون مع المواقف الصعبة بخطى سريعة.
يبدأ تطوير التنظيم العاطفي عندما نكون صغارًا جدًا، فالرضع يبكون للتعبير عن احتياجاتهم ويجب على الكبار معرفة ما يبكون من أجله، وحتى عندما كان أطفالك أصغر من أن يتحدثون ربما كنت قد طرحت عليهم أسئلة: هل أنت جائع؟ هل تريدني أن أغير حفاظتك؟ وعلى الرغم من أنك تعلم أنهم لا يستطيعون الإجابة إلا أنك كنت تصوغ تعبيرًا عن الحاجة إليهم حتى يتمكنوا من طلب مساعدتك بأنفسهم في المستقبل.
بمرور الوقت، منحتنا تجارب حياتنا ممارسة التعامل مع عواطفنا، ومن خلال تدريب مقدمي الرعاية لدينا؛ تعلمنا كيفية تصنيف مشاعرنا بمزيد من التحديد؛ حيث أصبح الشعور “بالضيق” أكثر دقة، مثل: الإحباط، أو الغضب، أو خيبة الأمل، أو الحسد، أو الاشمئزاز. ولقد تعلمنا أيضًا كيفية تفسير المواقف من خلال الانتباه إلى تعليقات أو سلوكيات الآخرين لا سيما أولئك الذين أعجبنا بهم أو شعرنا بقربنا منهم، وتعلمنا كيف نهدئ أنفسنا عندما نشعر بالضيق. ولكن ليس من المستغرب أن تؤدي مزاجاتنا إما إلى تكثيف أو تخفيف ردود أفعالنا العاطفية.
أولاً، خصص وقتًا كل يوم للعب مع أطفالك؛ حيث يبني وقت اللعب العلاقات ويوفر لك فرصة لتشجيعهم لا سيما في المجالات التي تحتاج إلى مزيد من التطوير، مثل مهارات الاستعداد للمدرسة والمهارات الاجتماعية والشخصية، ووضع العلامات على المشاعر وتنظيمها، ويوصي ويبستر- ستراتون بـ30 دقيقة يوميًا ليكون الأمر فعالًا.
وإذا كانت 30 دقيقة في اليوم غير ممكنة بسبب التزامات الوالدين الأخرى، فاختر مدة أقصر من الوقت يمكنك الالتزام بها يوميًا؛ حيث إن الهدف هو الالتزام طويل المدى والقدرة على الوفاء به، وأنت لا تريد أن يتحول الأمر – دون قصد – إلى قيام أطفالك بسوء التصرف لجذب انتباهك.
وإذا كان ذلك ممكنًا؛ فاستهدف نفس الوقت كل يوم حتى لا يحتاج أطفالك إلى التصرف لأنهم لا يعرفون بالضبط متى سيحظون باهتمامك.
وعندما تتفاعل مع أطفالك خلال وقت اللعب هذا؛ اسمح لهم بأخذ زمام المبادرة، وقم بمحاكاة لعبهم، وأضف إليه بدلاً من تغييره، وقدم سردًا مستمرًا لما يفعلونه يسلط الضوء بشكل إيجابي على مجموعات المهارات التي تحاول تطويرها مثل الثقة بالنفس والمثابرة والتنظيم العاطفي والتكيف وما إلى ذلك.
ونظرًا لأنك تحاول على وجه التحديد تنمية الوعي العاطفي والتنظيم لدى أطفالك؛ فمن المهم أن تمدح الطفل حتى عندما لا يفعلون الأشياء بشكل مثالي، فأنت تمدحهم لخطواتهم في الاتجاه الصحيح؛ على سبيل المثال، فيمكنهم أن يظهروا حزنهم ولكن لا يرمون باللعبة التي كانوا يلعبون بها، كما كانوا يفعلون في الماضي.
واحرص على عدم تقديم ملاحظات تصحيحية عن غير قصد، مثل: لا؛ القطعة هذه لا توضع هناك، إنها توضع هنا؛ حيث يمكن أن تعزز مثل هذه التعليقات عن غير قصد القلق من عدم الكمالية والعجز عندما لا يتم الوصول إلى الهدف المنشود بسهولة. وأيضًا؛ تجنب الجمع بين المديح والتقليل من شأنهم مثل: أنت تقوم بعمل جيد، ليس كما تفعل عادة….
فكر في وقت اللعب الموجه للأطفال باعتباره وقتًا يوجه فيه أطفالك النشاط، وتستخدم ما يفعلونه كأساس لتدريبهم على تلك المهارات التي يطورونها، فالأنشطة التي يشاركون فيها لا صلة لها بالموضوع؛ حيث تقوم أنت بالتركيز طوال الفترة على أطفالك وأفعالهم وردود أفعالهم، واجعل تعليقك إيجابيًّا ويلفت الانتباه إلى تقديرات تقريبية أو إنجازات للسلوكيات المرغوبة.
أثناء وقت اللعب هذا؛ علم أطفالك كيفية مدح أنفسهم بقول أشياء مثل “يجب أن تشعر بالفخر بنفسك لأنك فعلت كذا”، وعندما يتذمرون أو يصرخون أو يرمون الألعاب، تجاهل هذا السلوك إن أمكن وحاول تحويلهم للعبة مختلفة، وإذا لم ينجح ذلك قل: “عندما ترمي الألعاب، نحتاج إلى التوقف عن اللعب”، وبعد عودتهم إلى اللعب المناسب، أعد توجيه انتباهك إليهم.
من المهم أيضًا إعداد الأطفال لنهاية جلسة اللعب بعبارة مثل أن تقول “في غضون بضع دقائق، سأتوقف عن اللعب معك. لقد استمتعت حقًا بفعل هذا اليوم”، وتجاهل المرافعة والاحتجاجات والحجج؛ حيث يمكنك أيضًا أن تضيف أنك ستلعب معهم مرة أخرى غدًا.
خارج وقت اللعب هذا، فأنت تريد توصيل العديد من الرسائل نفسها إلى أطفالك ولكن بطريقة أقل تركيزًا؛ حيث يجب أن لا تولي اهتمامًا وثيقًا لكل فعل، فعلى الرغم من أنك تلاحظ سلوكهم – وخاصة السلوك الذي تريد تشجيعه – ولكن كافئهم بالثناء (أحب الطريقة التي تلعب بها بهدوء) وتعلمهم بشكل غير مباشر، وتدمج هذه الدروس الاجتماعية العاطفية في الأنشطة اليومية. وكلما أمكن؛ اجعل مدحك فوريًا ومحددًا، وامنح أطفالك خارطة طريق للحصول على مدح إيجابي مرة أخرى توضح لهم بالضبط ما يحتاجون إلى القيام به، وكلما كان أطفالك أكثر تحديًا، زادت رغبتك في مدحهم لتقريب السلوك الهدف الذي تريدهم أن يكرروه.
عندما يأتي الأطفال الآخرون للعب مع أطفالك، يمكنك تعليم وصياغة كيفية مدح الآخرين: انظر إلى ما صنعه تايرا! هل يمكنك المجاملة لها؟ ولأن الأطفال فخورون، تأكد من مدحهم أمام الآخرين عندما يكون ذلك مناسبًا.
هذه المجموعة من الإستراتيجيات، مثلها مثل أي إستراتيجيات أخرى، لن تؤدي إلى تحول 180 درجة في سلوك أطفالك بين عشية وضحاها، لكن معظم الآباء يلاحظون التغييرات حتى في غضون أسبوع؛ حيث إن قيمة الاستثمار لمدة 30 دقيقة في اليوم لإنتاج مثل هذا التغيير الإيجابي الكبير هي أيضًا استثمار في العقود الآجلة. أنت لا تجهز أطفالك فقط للتنقل بشكل أفضل اليوم وغدًا؛ أنت تمنحهم الأدوات التي سيستخدمونها لبقية حياتهم للتنقل في مستقبلهم بقدر أقل من المعاناة والمزيد من الاستقلالية.
ونظرًا لأننا نتعلم من مشاهدة الآخرين بقدر ما نتعلم من التفاعل معهم، فلا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن كوفيد قد أعاق النمو الاجتماعي والعاطفي للعديد من الأطفال؛ حيث أدت الاحتياطات التي اتخذناها لتجنب الإصابة بالفيروس إلى تقليل فرص التعلم في الحياة الواقعية للأطفال. وحتى قبل كوفيد، رأينا العديد من الطلاب المتفوقين أكاديميًا يكافحون من أجل التنقل في الحياة بنجاح، فقبل كوفيد؛ قُدر أن حوالي 20 بالمئة من الأطفال الذين لم يستوفوا معايير مشكلة قابلة للتشخيص أظهروا سلوكًا صعبًا.
إن تعليم الأطفال كيفية تصنيف ما يمرون به وأخذ وجهات نظر الآخرين وتحفيز أنفسهم بالحديث الذاتي وإعادة التفكير فيما إذا كان حدث ما كارثيًا حقًا؛ كلها أدوات يمكن تدريسها في تفاعلاتك مع أطفالك، وستبدأ هذه الأدوات في صقل مرحلة الطفولة وتتطور لتخدمها جيدًا حتى مرحلة البلوغ.
المصدر: سايكولوجي توداي