يقسم علماء الاجتماع السياسي طبقات المجتمع إلى 3 طبقات أساسية، العليا (الغنية أصحاب النفوذ المالي والسياسي) والوسطى (أصحاب الوظائف والدخول الثابتة المتوسطة) والدنيا (العمال والكادحون والفقراء)، ولكل من تلك الطبقات وظيفتها في التماسك الاجتماعي وتنمية الوطن وتعزيز العلاقة بين الدولة والمواطن.
وتعدّ الطبقة الوسطى بحسب علماء الاجتماع السياسي هي الأهم سياسيًّا وعمليًّا واجتماعيًّا، فهي المنوط بها حمل مسؤولية التوازن بين الطبقتَين العليا والدنيا، وهي رمانة الميزان التي يعتمَد عليها في تحقيق الاتزان السياسي والاقتصادي بين طبقات المجتمع الواحد، ومن ثم حرصت كافة الأمم والشعوب على الحفاظ عليها من معاول الهدم، كونها الترمومتر الذي يحدد درجة حرارة تقدم المجتمع ونموه ونهضته.
ورغم الأزمات التي تعرّضت لها الدولة المصرية على مدار مئات السنين، إلا أنها حافظت وبشكل كبير على تلك الطبقة، التي كان لها دورها في سرعة الاستفاقة واستعادة المجتمع لقوته مرة أخرى من خلال الربط والتوازن بين النخبة الفوقية والطبقة الكادحة، وهو ما ساعد الشعب المصري على استمرارية التحدي والمواجهة في ظل الأوقات العصيبة التي كان يواجهها، والتي كانت كفيلة بالإجهاز عليه بالكلية لولا الطبقة المتوسطة التي نجحت في الصمود ولململة خيوط المجتمع مرات ومرات.
لكن في السنوات القليلة الماضية يبدو أن الوضع في طريقه إلى مسار مغاير، شكلًا ومضمونًا، حيث تتآكل هذه الطبقة عامًا تلو الآخر، لتتعزز الفجوة بين النخبة الغنية المحافظة إلى حد كبير على ثباتها النسبي والعددي، والطبقة الكادحة التي تتسع رقعتها بعدما زُج إليها السواد الأعظم من الطبقة المتوسطة، ما ينذر بخلل كبير يهدد تماسك المجتمع المصري ويقوّض توازنه المعهود حتى في أحلك محطاته التاريخية الصعبة.
جولة واحدة داخل أحد الشوارع المصرية كفيلة بأن تعيد رسم المشهد من جديد، أصوات الأنين الصادرة عن حناجر متوسطي ومحدودي الدخل، وهمهمات العجزة ممن فقدوا قدرتهم على الوفاء بأقل الاحتياجات الحياتية الضرورية من مأكل ومشرب، ولغة الجسد المكسية برداء القهر، فهذا يضرب كفًّا على كف، وذاك يحدّث نفسه كما لو فقد عقله، مشاهد لم يعتَدها المصريون، لكنها باتت مرعبة في ظل الحديث عن استمرار الأزمة وإطالة أمدها، وسط عجز السلطة الواضح عن التعاطي معها.
أوضاع معيشية قاسية
“لم أشهد في حياتي عامًا قاسيًا عليّ وعلى أسرتي من هذا العام (2022)، ففيه بعت سيارتي وحولت ابنتي من مدرسة خاصة إلى مدرسة تجريبية، فيما اضطررت قهرًا إلى ترشيد نفقاتي”، بصوت تكسوه مرارة العجز تحدّث أسامة (42 عامًا) الذي يعمل محاسبًا بإحدى الشركات الخاصة عن تجربته مع هذا العام.
ويضيف الشاب المصري خلال حديثه لـ”نون بوست”: “استلمت وظيفتي الجديدة في إحدى شركات القطاع الخاص قبل 6 سنوات براتب 12 ألف جنيه (1500 دولار بسعر عام 2015)، ثم وصل الراتب اليوم إلى 15 ألف جنيه (607 دولارات بسعر اليوم)، ليفقد راتبي أكثر من 60% من قيمته في غضون تلك السنوات القليلة رغم الزيادة التي شهدها في قيمته العددية.
ويشير أسامة إلى أن لديه بنت في عمر العاشرة، كانت في إحدى المدارس الخاصة برسوم سنوية قدرها 16 ألف جنيه (650 دولارًا)، وأخرى تصغرها بـ 6 سنوات ولم تلتحق بالدراسة بعد، ومع اشتداد الأزمة والارتفاع الجنوني الذي شهدته الأسعار خلال العام الحالي، ما عاد في استطاعته تحمّل نفقات المدرسة وكلفتها الموازية (دروس ومواصلات وأنشطة وخلافه)، ما اضطر إلى تحويلها إلى مدرسة تجريبية برسوم قدرها 2000 جنيه في العام (81 دولارًا).
“وبدلًا من ادخار ما بين 2 و4 آلاف جنيه شهريًّا قبل سنوات، تحول الأمر إلى الاستدانة اليوم، والشهر الذي يمرّ دون اقتراض سلفة بضمان الراتب يكون معجزة، علمًا بأني بعت سيارتي لأكمل أقساط الشقة التي تراكمت عليّ ولم أستطع سدادها”، هكذا أكمل المحاسب الشاب حديثه.
أما عثمان (50 عامًا)، والذي يعمل موظفًا حكوميًّا، فقد أعلنها صراحة للجميع: “ليس عندي بنات للزواج”، وذلك ردًّا على مساعي بعض الشباب خطبة ابنته الجامعية البالغة من العمر 24 عامًا، إذ جرت العادة في الأرياف حيث يقطن عثمان أن يجهّز الأهل العروس بمستوى معيّن من الأجهزة والأدوات تتراوح أسعارها بين 120 و200 ألف جنيه، وهو لا يملك من ذلك أي شيء، فراتبه الذي لم يتجاوز 4500 جنيه بعد أكثر من 20 عامًا في الخدمة، لم يعد يكفي مأكله ومشربه هو وأسرته المكونة من 5 أفراد (الزوجان و3 أبناء).
وبكلمات تعتصرها دموع القهر والعجز يضيف عثمان لـ”نون بوست”: “الوضع أصبح صعبًا للغاية، لأول مرة في حياتي ينتابني شعور الموت، فنظرة الحسرة في عيون ابنتك لرفضك خطبتها كفيلة أن تقضي عليك في لحظات”، متسائلًا: “من أين آتي بمبلغ التجهيز؟ حتى لو سويت معاشي مبكرًا من أين أنفق على أخيها وأختها وهما ما زالا في مراحل التعليم، سأظلمهما لو فعلت ذلك، كما أني أظلم ابنتي لو لم أحقق لها حلم الزواج.. ماذا أفعل؟”، هكذا اختتم حديثه.
تآكُل الطبقة الوسطى
المؤشرات الأولية لخارطة المجتمع المصري خلال هذا العام تشير إلى تآكُل واضح في الطبقة الوسطى لحساب الطبقة الدنيا، حيث فرَّ الكثير من أبناء الطبقة البرجوازية أصحاب الوظائف والمشاريع الصغيرة إلى الطبقة الكادحة، بعدما فقدوا مواردهم بسبب التضخم وتراجع حركة البيع والشراء، وعزوف السواد الأعظم من المواطنين عن الضروريات فضلًا عن الكماليات.
التوصل إلى تلك النتيجة ليس بالأمر الصعب، فالأخبار والمانشيتات التي تتصدر المواقع الإخبارية خلال الآونة الأخيرة خير دليل على تلك الوضعية المذرية، فالمصانع التي اضطر أصحابها لغلقها إما لقروض لم يستطيعوا سدادها وإما لزيادة أسعار الموارد وقلة حركة البيع، وتراجُع معدلات الادخار لدى المصريين بشكل كبير، وقفزات التضخم الذي أصاب المشهد الاقتصادي بالشلل التام، وفقدان بوصلة الأولويات في خارطة الإنفاق، والقروض شبه اليومية التي تعزز من المأزق، كل هذا يقدّم صورة واضحة عن اتساع الفجوة بين الطبقة النخبوية والطبقة الدنيا بسبب تآكُل رمانة الميزان بينهما، وهي الطبقة المتوسطة.
نسبة الفقراء في مصر تتجاوز حاجز الـ 60-70% من الشعب
يشير الباحث السيد عبد الفتاح، مدير وحدة الدراسات بمركز الشرق للدراسات الاستراتيجية (مؤسسة بحثية مصرية مستقلة)، إلى أن تآكُل الطبقة المتوسطة لم يكن وليد العام الحالي فقط، بل هو ظاهرة منذ أكثر من 15 عامًا، لكنها تفاقمت أكثر مع هذا الانهيار الكبير في المستوى المعيشي جرّاء التضخم ورفع الأسعار وتعرض الهياكل الاقتصادية المحورية لهزات عنيفة، كانت لها تبعاتها على الأنشطة الاقتصادية الصغيرة.
وأضاف الباحث خلال حديثه لـ”نون بوست” أن سبب انهيار أوروبا في القرون الوسطى كان غياب الطبقة المتوسطة وفقدانها وظيفتها الأساسية في تحقيق التوازن بين النخبة والطبقة الفقيرة، معربًا عن قلقه من تكرار السيناريو ذاته داخل المجتمع المصري الذي تتسع فيه الهوة عامًا بعد الآخر بين حفنة النخبويين أصحاب النفوذ المادي والسياسي، وهم أكثر المتربّحين من كافة الأزمات، والكادحين الذي يتسع تمددهم بصورة مقلقة تهدد الأمن والسلم المجتمعيَّين.
وكشف أنه ولأول مرة تتحول فيه معدلات الادخار لدى المصريين بالسالب، فبعد أن كانت تلك المعدلات تتأرجح بين 10 و15% من صافي الدخول لدى أبناء تلك الطبقة المتوسطة، انقلب الوضع اليوم بصورة كبيرة، حيث لجوء الكثير إلى الاستدانة للوفاء بالتزاماتهم اليومية الضرورية من أكل وشرب وإيجار سكن ومصاريف مدارس.
وهناك العديد من الشواهد التي توثق تلك النتيجة، منها زيادة أعداد المتسوّلين في الشوارع العامة والطرقات وفي الميادين، وانتشار صفحات التسول الإلكتروني عبر منصات التواصل الاجتماعي، هذا بجانب تفشّي ظاهرة التسرب الدراسي ولجوء الكثير من الشباب الجامعي، من الذكور والإناث، إلى بعض الأعمال غير المألوفة كتنظيف المنازل والعمل كسائقين ضمن منظومة “أوبر” و”كريم”، فيما اضطر الكثير منهم إلى العمل في أكثر من وظيفة لتلبية احتياجاتهم.
الدَّين يلتهم موارد المصريين
على الورق يمكن اعتبار الموازنة المصرية من الموازنات المتوسطة إلى حد ما مقارنة بموازنات البلدان المجاورة، إذ يمكنها تلبية احتياجات المواطنين بشكل مقبول، لكن هذا إن كانت الموازنة بأكملها مخصصة لخدمة المواطن، فالمفاجأة أن الجزء الأكبر من تلك الموازنة يذهب لسدّ فاتورة الدين والأقساط والفوائد، خاصة بعدما وصل الدين الخارجي إلى 157.8 مليار دولار بنهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، وفق تقرير البنك المركزي المصري.
وقفز الدين الخارجي المصري خلال السنوات الثمان الأخيرة قفزات جنونية، تتجاوز حاجز الـ 150%، فيما وصل إلى 35% من قيمة الناتج المحلي، وزاد نصيب الفرد من الديون ليصل إلى ما يقارب 900 دولار للفرد مقابل 400 فقط عام 2011، وهي الأعلى في تاريخ الدولة المصرية التي باتت تستحوذ وحدها على 34% من إجمالي ديون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2019 حسب تقرير البنك الدولي.
وأدّى هذا التعاظم في سرطان الدين إلى التهام الجزء الأكبر من الموازنة السنوية التي يفترض تخصيصها لتلبية احتياجات الشعب، حيث تلتهم فوائد الديون والأقساط المستحقة أكثر من 80% من الإيرادات العامة للدولة خلال العام المالي الماضي، بحسب بيانات وزارة المالية المصرية.
ومع زيادة سعر الدولار مؤخرًا، فإن خدمة الدين (أصله مع فوائده) تقضم 102.5% من الإيرادات العامة، ما يعني أن الدولة تنفق على الشعب أقل من 20% فقط من موازنتها المعلنة، وهو أمر غاية في الصعوبة وينعكس بشكل واضح على المستوى المعيشي لمحدودي الدخل، وهو السواد الأعظم من الشعب المصري.
وقد رفض عدد من أعضاء البرلمان مشروع موازنة الدولة عن السنة المالية الجديدة (2022-2023)، والتي قدّرتها الحكومة بنحو 3 تريليونات و66 مليارًا و300 مليون جنيه (المصروفات بتريليونَين و70 مليارًا و900 مليون جنيه، ومتطلبات حيازة الأصول المالية البالغة بنحو 30 مليار جنيه، وسداد القروض المحلية والأجنبية بنحو 965 مليارًا و500 مليون جنيه)، بسبب تناقضها مع الاستراتيجيات التي أعلنت عنها الحكومة وتساهم في تفاقم أوضاع الشعب المعيشية.
فمن جانبه، قال ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الإصلاح والتنمية، أيمن أبو العلا، خلال الجلسات التي عُقدت لمناقشة الموازنة في يونيو/حزيران الماضي، إن “الموازنة الجديدة خصصت مالية كبيرة للمستشارين في الوزارات، وبنودًا للمكافآت والدعاية تصل إلى مليارات الجنيهات، بدلًا من دعم المواطنين البسطاء الذين يعيشون تحت خط الفقر”.
وطالب بـ”التحول من الدعم العيني إلى النقدي، لأنه يساهم بشكل كبير في وصول الدعم لمستحقيه”، وتابع: “الفوائد وسداد القروض بلغت نحو 1.7 تريليون جنيه في مشروع الموازنة، وهو ما يعادل 102.5% من إيرادات الموازنة، ويساوي 133% من إيرادات الضرائب خلال السنة المالية الجديدة”.
فيما انتقد النائب الوفدي، أيمن محسب، سياسة الاستدانة والاقتراض التي باتت ظاهرة سلطوية مصرية خلال السنوات الأخيرة، قائلًا إن “التوسع في الاقتراض الخارجي يقضي على موارد الدولة، والتي يذهب نصفها تقريبًا لسداد خدمة الدين”، وتساءل: “متى ستتحول مصر إلى دولة منتجة؟ وتقلل من الاعتماد على القروض والاستيراد من الخارج؟ وقطاع السياحة لا يحقق الأرقام المطلوبة منه، ويجب على الحكومة العمل على تطويره”.
أما النائب ضياء الدين داوود، فأعلن رفضه القاطع للموازنة “لأنها ناتجة عن حكومة عجزت عن معالجة المشاكل الهيكلية، ففي موازنة 2010-2011 كانت فوائد الدين 85.1 مليار جنيه تمثل 21.2% من المصروفات، وفي عام 2022-2023 قفزت إلى 690 مليار جنيه تمثل 33% من المصروفات، وهذا معناه أن شعب مصر بالكامل يعمل لصالح الدائنين، وأن هذه هي الترجمة الحقيقية للموازنة”.
تزايد معدلات الفقر
نتاجًا للسياسة الاقتصادية المتبعة، والتي تفتقد بوصلة فقه الأولويات، وتعلي من شأن الكباري والطرق على حساب المصانع والإنتاج، وتقدِّم الاقتراض والاستدانة على العمل والتخطيط والبحث عن موارد إضافية، وتتعامل مع ضرورات الحياة على أنها كماليات يمكن الاستغناء عنها ضمن بوتقة التقشف التي تطالب بها الحكومة الشعب دون أن تلتزم بها هي، أن قفزت معدلات الفقر بصور هائلة لم تعرفها مصر قبل ذلك.
وخلال العقدَين الماضيَين ارتفعت تلك المعدلات من 16.7% عام 2000 إلى 29.7% عام 2021، بما يعني أن هناك 30 مليون مواطن دخلهم اليومي أقل من 46 جنيهًا (1.9 دولار)، وهو الدخل الذي بالكاد لا يساوي وجبة واحدة لفرد وليس أسرة.
وذلك رغم الوعود التي قطعها الرئيس المصري على نفسه بتحسُّن الأوضاع وأن المصريين سيرون “بلد تانية” خلال عام واحد فقط من حكمه، وهو العام الذي أطلق عليه “عام الرخاء”، وحتى اليوم وبعد مرور 7 سنوات تقريبًا على تلك التعهُّدات لم يتلمّس المواطن هذا الرخاء المنشود، وإن كان وجد نفسه في بلد آخر بالفعل، بلد أكثر فقرًا وأشرس قسوة على مواطنيه ممّا كان عليه قبل ذلك.
وفي حال التدقيق في الأرقام الرسمية المعلنة بشأن معدلات الفقر في مصر ستكون النتيجة كارثية، فالمعدل الرسمي للفقر والبالغ 29.7% يستند إلى تقييم الحكومة المصرية عند معدل 1.9 دولار يوميًّا، رغم أن تقييم البنك الدولي يستند إلى المعدل 5.5 دولارات يوميًّا، فيما يُعتبر 1.9 دولار يوميًّا مؤشر الفقر المدقع، ما يعني أنه وبحساب معدلات الفقر وفق التقييم الدولي، فإن نسبة الفقراء في مصر تتجاوز حاجز الـ 60-70% من الشعب.
في دراسة للمعهد المصري للدراسات، أعدّها الباحث مصطفى إبراهيم، تطرّق خلالها إلى بعض المؤشرات التي تكشف عن الوضع المعيشي المتدنّي للمصريين، منها أن نصف الشعب تقريبًا يعيش على هياكل الدجاج، بسبب ارتفاع أسعار الدواجن والسلع الأساسية، بجانب أن قرابة 80% من الفقراء لا تصلهم خدمات الدعم أو التأمين الاجتماعي، وأن هناك 9 ملايين طفل في مصر يعيشون تحت خط الفقر.
وقد انعكس ذلك على السلم المجتمعي، حيث احتلت مصر المرتبة الثالثة لارتفاع معدلات الجريمة بسبب انتشار الفقر والبطالة، وارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب بسبب الأزمات النفسية الناجمة عن الأزمات المادية.
ومنذ تعويم العملة المحلية المصرية (الجنيه) عام 2016، يظن المصريون أن كل عام سيكون نهاية السنوات العجاف وبداية مرحلة الرخاء والازدهار التي تعهّد بها الرئيس والحكومات المتتالية، ليأتي عام 2022 ليكون الأكثر إيلامًا وقسوة، فلأول مرة يستقبل الشعب المصري عامًا جديدًا وهو على يقين أنه لن يكون أفضل ممّا مضى.
بالأمس كانت الطبقة الوسطى تقوم بدور حلقة الوصل التي تربط بين طائفة النخبة التي تستوحش ثراءً، وقاعدة الفقراء الممتدة على مداريها الرأسي والأفقي، وكانت بمثابة حائط الصد الأقوى في مواجهة معاول هدم التوازن بينهما، والضامن الأساسي الذي يؤمّن عملية الانتقال من وإلى الطبقتَين بيسر وسلاسة بعيدًا عن نيران الاحتقان المتأجّجة تحت الرماد، لكن الوضع تغير اليوم، ليتعرّى المجتمع المصري، كاشفًا عن عوراته التي يُخشى ارتدادتها السلبية على تماسكه وتناسقه وأمنه واستقراره مستقبلًا.