وحدة “شمشون” المستعربة.. جنود إسرائيليون بملامح عربية

وحدة-شمشون_1

NoonPodcast نون بودكاست · وحدة “شمشون” المستعربة.. جنود إسرائيليون بملامح عربية

تستخدم وحدات القمع المصاحبة لجيش الاحتلال والشرطة الإسرائيلية، العديد من الوسائل التكنولوجية لمطاردة المقاومين والتعرف على تحركاتهم، وفي الوقت نفسه، تنتهج أساليب تقليدية عبر التنكر والتخفي والتشبه بمظهر الفلسطيني المقاوم من خلال طريقة اللباس والتحدث باللهجة المحلية، وإطلاق اللحى إن لزم الأمر.

مثالًا على ذلك، وحدة شمشون التي تعرف باسم “الوحدة 367″، والتي تأسّست بأوامر قائد المنطقة الجنوبية آنذاك، إسحاق موردخاي، وبدأت عملها في قمع المواطنين الفلسطينيين في قلب قطاع غزة على مدار 10 أعوام، من عام 1986 إلى عام 1996، أما الآن فلم يتبقَّ منها شيء سوى أعمالها الإجرامية الراسخة ومثيلتها في الإجرام وحدة الدوفدوفان، التي ما زالت تنشط في الضفة الغربية.

شمشونوحدة شمشون، مسؤولة عن اغتيال الشهيد عماد عقل – “رويترز”.

سنتعرّف معكم في سلسلة “أجهزة القمع الإسرائيلية” من “نون بوست” إلى وحدة شمشون العاملة في قطاع غزة، والتي كان لها دور كبير في عمليات الاغتيال وقمع الشبان الفلسطينيين في القطاع، سُمّيت بـ”شمشون” في إشارة إلى البطل اليهودي الأسطوري الذي هدم المعبد على من فيه وفق الروايات التوراتية.

نستمر في معكم في نون بوست في سلسلة “أجهزة القمع الإسرائيلية”، و سنتعرف معكم على وحدة “شمشون” العاملة في قطاع غزّة، والتي كان لها دور كبير في عمليات الاغتيال وقمع الشبّان الفلسطينيين في القطاع.

شمشونشعار الوحدة

كيف بدأت؟

في نهاية العام 1986 عمل إيهود باراك -الذي كان يشغل منصب قائد المنطقة الوسطى- على إنشاء وحدات دوفدوفان لأداء مهام خاصة ومعقّدة في الضفة الغربية، وهي مؤلفة من عناصر يجيدون التنكُّر بالزي العربي ويستطيعون التكلم بالعربية بكفاءة عالية، وملامحهم لا تختلف عن ملامح الفلسطينيين، فبشرتهم سمراء وملامحهم تشبه العرب.

في الوقت ذاته، أمر بتشكيل وحدات مشابهة في غزة عُرفت باسم شمشون للقيام بالمهام نفسها، حيث قامت بتنفيذ معظم عمليات القتل التي تمّت بواسطة إطلاق النار على المطلوبين، وبدأت وحدة شمشون العمل رسميًّا عام 1988، وتلقّت الدعم والمساندة من قبل الهيئات العسكرية، وكانت مطالبها واحتياجاتها توفَّر باستمرار.

وقد حظيت بعلاقة خاصة مع القيادة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي إضافة إلى قيادة غزة، فقائد المنطقة الجنوبية في تلك الفترة، ماتان فلنائي، دخل مرة إلى مخيم جباليا مع اثنين مساعدَين متنكّرَين بزيّ العرب، أي دخلوا مستعربين.

وبعد 10 سنوات قام القائد الصهيوني، ماتان فلنائي، والذي شغل أيضًا منصب نائب رئيس هيئة الأركان، بحلّها شخصيًّا عام 1996، أي بعد التوقيع على اتفاق أوسلو، إذ إن الظروف الميدانية في القطاع وطبيعته الجغرافية والديموغرافية لم تشجّع القيادة العسكرية الإسرائيلية على استخدام هذه الوحدات، في أعقاب قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.

وصل فلنائي إلى قاعدة شمشون في كيسوفيم، وهي مستعمرة يهودية في شمال صحراء النقب في فلسطين المحتلة كانت مقرًّا للوحدة، وأعلن عن حلّها، بقوله: “نقلنا جزءًا من أعضاء الوحدة إلى وحدة دوفدوفان في الضفة الغربية لتعزيزها، وقسمًا إلى وحدة إيجوز العاملة على الحدود اللبنانية”.

شمشونمقاتلون من الوحدة على حدود غزة.

إعادة التشكيل

مع اندلاع انتفاضة الأقصى، أعاد جيش الاحتلال بناء وحدات شمشون من جديد، وتخصّصت هذه المرة في العمل الميداني الخاص باقتحام القرى والأحياء الفلسطينية بغرض تصفية أو اختطاف المطلوبين، إلى جانب حراسة قوافل المستوطنين التي تتحرك ليلًا بين المستعمرات ومناطق ال48 المحتلة.

أعاد الجيش الإسرائيلي تشكيلها من جديد لتعمل على حدود قطاع غزة فيما يسمّى بوحدة التقاط العملاء على الحدود، وتنشط هذه الوحدة الاستخباراتية في المنطقة المحاذية للخط الفاصل بين دولة الكيان وقطاع غزة، وتقوم باختطاف المزارعين وتسليمهم لمحقّقي جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك”، حيث يخضعونهم للتحقيق لتحصيل أي معلومات قد تفيد في ضرب المقاومة الفلسطينية، أو لإسقاطهم في وحل العمالة.

ومن أساليب وحدة المستعربين الجديدة، التنكر في زيّ تجّار خضار يرتدون الزي الشعبي الفلسطيني، ويتنقلون في سيارات شحن من نوع مرسيدس “كابينه”، وهي السيارة التي يستخدمها التجار الفلسطينيون.

وما إذا كانت تعمل الوحدة إلى الآن في القطاع، نفت وزارة الداخلية في حكومة قطاع غزة مزاعم صحيفة “هآارتس” العبرية حول وجود مجموعات إسرائيلية مستعربة تعمل في غزة باسم وحدة شمشون، وجاء في الصحيفة: “أفرادها يتحدثون اللغة العربية بطلاقة، ويطلقون اللّحى للتشبُّه بالمقاومين، وتسهيل عملية اختراق حركات أفراد المقاومة الفلسطينية”.

وأوضحت الوزارة أن الادّعاءات الإسرائيلية محض أكاذيب، تهدف إلى رفع الروح المعنوية المهزومة لدى الجيش الإسرائيلي، وشنّ حرب نفسية في صفوف المقاومين بغزة وإرباكهم، ولا صحة لأي أنباء تتحدث عن وجود الوحدة ميدانيًّا في أراضي قطاع غزة.

شهادات حية من عناصر وحدة شمشون

نشرت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي تقريرًا عن وحدة شمشون، وقد شمل التقرير لقاءات مع عدد من ضباط وعناصر الوحدة، تحدثوا لأول مرة بشكل علني عن عمليات التصفية والإعدامات الميدانية التي نفّذوها من مسافة صفر ضد شبان فلسطينيين.

يعرض التقرير تفاصيل عمليتَي اغتيال نفّذها عناصر الوحدة؛ الأولى عملية اغتيال أسامة النجار عام 1992، قائد تنظيم صقور فتح في خان يونس، اتهمه الاحتلال الإسرائيلي بإعدام عملاء للاحتلال؛ والثانية عملية اغتيال أنور إصليح، متهم من الاحتلال بأنه أطلق النار على وحدة شمشون خلال عملية اغتيال النجار.

ويقول التقرير إن معلومات وصلت من جهاز الشاباك الإسرائيلي لوحدة المستعربين عن مكان وجود قائد صقور فتح في خان يونس، أسامة النجار، تحركت وحدة المستعربين للمكان دون أن تعلم بالضبط في أي جزء من المبنى يوجد أسامة، اقتحموا المبنى، وبعد اشتباك مع عناصر الوحدة قُتل فيها ضابط وجُرح آخر، استشهد أسامة النجار.

أما عن اغتيال أنور صليح، فقد كان في مظاهرة، وفي الظلام، تتبعه عناصر وحدة المستعربين بين المتظاهرين، ومن مسافة 30 سنتمترًا ووجهًا لوجه أطلق عناصر وحدة المستعربين النار معًا على أنور صليح، ما أدى إلى استشهاده فورًا.

ويروي أحد عناصر الوحدة تفاصيل ما بعد الاغتيال: “بدأنا نسمع صراخ، وصيحات الله أكبر، والجمهور أخذ يبتعد للخلف ليفهم ما يجري، فهم سمعوا صوت رصاص دون أن يروا شيئًا، وخلال التراجع للخلف لوضع مخزن رصاص جديد في المسدس، شاهدت أحد عناصر الوحدة على الأرض مصاب بـ 4 رصاصات في الظهر، وفي تلك العملية قُتل اثنان من عناصر الوحدة وأُصيب آخرون”.

شمشون

كان من المهم بمكان التعرُّف إلى هذه الوحدة التي نشطت سابقًا في قطاع غزة، والتي كان لها دور في تصفية الشبان الفلسطينيين، لكن أعمالها في القطاع لم تستمر، ربما لخصوصية القطاع السكانية والديموغرافية، واتّباع الغارات الجوية سبيلًا للقتل والإجرام على أبناء قطاع غزة المحاصرين من كل حدب وصوب.