خلال العام 2022، انعكست المصالحة الخليجية، التي جرى توقيعها في قمّة العُلا في يناير/ كانون الثاني 2021، بشكلٍ إيجابي على العلاقات بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى، فيما لم يطرأ تحسُّن كبير على العلاقات بين قطر والبحرين، ربما لضآلة تأثير الأخيرة سياسيًّا واقتصاديًّا، بالإضافة إلى عدم اهتمام الدوحة بتطبيع العلاقات مع البحرين لعدة أسباب، بعضها يتعلق برواسب تاريخية قديمة.
مهّدت القمة وما تبعها من استئناف لروابط التجارة والسفر بين الدول الثلاث (قطر من جهة والسعودية والإمارات من الجهة المقابلة)، سلاسة تنظيم مونديال قطر 2022 من كل الجوانب، حيث سهّل استئناف العلاقات الدبلوماسية وحركة السفر بانتظام حركة تنقل المشجعين جوًّا وبرًّا من السعودية والإمارات وبالعكس، فمن إمارة دبي وحدها كانت هناك رحلتان جويتان إلى الدوحة على رأس كل ساعة طيلة فترة المونديال.
تهدئة الصراعات لمواجهة التحديات
تشكّل دول مجلس التعاون الخليجي الستة قوة اقتصادية هائلة، لكنّ الخلافات المتعلقة بالسياسة الخارجية أضرّت بخطط التكامل بين الدول الأعضاء، ما أدّى عام 2017 إلى فرض الدول الثلاث (السعودية والإمارات والبحرين) حصار على قطر استمرّ لـ 4 سنوات، لينتهي مطلع العام الماضي تحت ضغط مواجهة التحديات مثل التضخم وركود الاقتصاد، وكذلك للاستفادة من المزايا الاقتصادية لاستضافة قطر نسخة 2022 من كأس العالم لكرة القدم.
في الوقت الذي كان فيه العالم يسعى للتعافي من الهزّات التي أحدثتها جائحة كورونا، شهد العام الحالي، عام 2022، الغزو الروسي لأوكرانيا الذي تسبّب في زلزال في السياسات الدولية على أكثر من صعيد.
إذ أنهت الحرب نحو 4 عقود من السلام في القارة الأوروبية، وقلبت أولويات القارة العجوز والعالم كله رأسًا على عقب، كما جرّت الولايات المتحدة للانخراط في حرب بالوكالة مع روسيا، وأصابت الاقتصادات العالمية بهزة كبيرة جرّاء التضخم الناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، وتأثرت الأغلبية الكاسحة من دول العالم بتداعيات الحرب بنِسَب مختلفة.
لعقود طويلة، شكّلت الشراكة الاستراتيجية لدول الخليج مع الولايات المتحدة المتمثلة في “الأمن مقابل النفط” محددًا لطبيعة العلاقات الأمريكية الخليجية، لكن مع تراجع الالتزام الأمريكي بأمن الخليج مؤخرًا، تسعى دول خليجية إلى إعادة ضبط معايير الشراكة مع واشنطن من جهة، وتنويع شراكاتها الخارجية من جهة أخرى.
انعطافة عن الغرب
مع أن هناك العديد من الدلائل على أن دول الخليج تبحث منذ سنوات عن طرق تعيد من خلالها التفكير بعلاقاتها مع الغرب، إلا أن ثمة مؤشرات أن العام 2023 سيشكّل تحولًا مهمًّا في طبيعة العلاقات بين الخليج والغرب.
ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اجتمع مسؤولون من السعودية والصين ضمن لجنة فرعية من “مبادرة الحزام والطريق والاستثمارات الكبرى والطاقة”، المندرجة تحت اللجنة المشتركة رفيعة المستوى بين البلدَين في ظل تعاون بينهما بعدة مجالات حيوية.
يأتي ذلك بينما رحّبت بكين وموسكو بمساعي الرياض للحاق بركب الدول المنضوية تحت مجموعة “بريكس”، التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وتسعى لمنافسة تكتلات كبرى مثل مجموعتَي السبع والعشرين على التوالي.
وجاء في مقال لموقع “ميدل إيست آي” قبل يومَين، أن قادة الولايات المتحدة المتعاقبين من عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أظهروا اهتمامًا قليلًا بالخليج لا يتجاوز صفقات السلاح، إلى جانب التأكُّد من استقرار تدفق النفط إلى الأسواق العالمية، فقد تجاهل أوباما مجلس التعاون الخليجي عندما حاول البحث عن اتفاقية مع إيران بشأن برنامجها النووي، أما دونالد ترامب فقد تعامل مع السعودية كـ”بقرة حلوب” لصفقات الأسلحة ومصالح عائلته، وفق التقرير.
بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحديدًا في مارس/ آذار الماضي، سافر رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، إلى الرياض والتقى مع ولي العهد، محمد بن سلمان، كأول لقاء بين رئيس وزراء بريطاني وولي العهد منذ مقتل خاشقجي، وجاء جونسون مناشدًا السعوديين من أجل زيادة معدلات إنتاج النفط لتخفيف حدّة التضخم في بريطانيا، لكنه عاد خالي الوفاض.
ثم جاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 15 يوليو/ تموز ليطلب من قادة مجلس دول التعاون الخليجي زيادة معدلات إنتاج النفط، وتكرر السيناريو نفسه مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي رحّب بولي العهد السعودي في باريس نهاية شهر يوليو/ تموز، وتمَّ تجاهل طلبه هو الآخر.
قبيل انتخابات التجديد النصفية للكونغرس الأمريكي، حيث كان بايدن وحزبه الديمقراطي في وضع غير مريح، قُدّم الطلب نفسه برفع معدلات إنتاج النفط، ورُفض مرة ثانية، بل قررت “أوبك بلاس” وبضغط من السعودية خفض معدلات إنتاج النفط بمليوني برميل في اليوم، ما زاد الطين بلة على إدارة بايدن وحزبه.
بالمقابل، دعم النائب الديمقراطي في الكونغرس الأمريكي، توم مالينوسكي، قرارًا يهدف إلى سحب القوات وأنظمة الصواريخ الدفاعية الأمريكية من السعودية والإمارات، وفي رسالة مرفقة عبّر مالينوسكي والداعمون للقرار عن غضبهم قائلين: “حان الوقت لكي تعود الولايات المتحدة وتتصرف كقوة عظمى في علاقاتنا مع عملائنا في الخليج. اختاروا وعليهم تحمُّل التداعيات، وهناك حاجة لقواتنا ومعدّاتنا في أماكن أخرى”.
“I think it’s long past time that we started acting like the superpower, not the sucker, in this relationship with Saudi Arabia.”@Malinowski speaks with @MehdiRHasan about the motivations behind the White House finally reviewing U.S. allyship with Saudi Arabia. Watch: pic.twitter.com/q1LN0ByUxw
— The Mehdi Hasan Show (@MehdiHasanShow) October 18, 2022
قمة الخليج-الصين
في وقت سابق من الشهر الحالي، اختتم الرئيس الصيني، شي جين بينغ، زيارته الثالثة إلى الشرق الأوسط كرئيس دولة بمشاركته في مجموعة من القمم والاجتماعات الثنائية، وتقديمه تعهّدات ووعود كبيرة، حيث وقّعت شركات صينية ما لا يقلّ عن 34 اتفاقية مع شركات إقليمية خلال هذه الجولة، ناهزت قيمتها 50 مليار دولار.
ووفقًا لتحليل نشره معهد واشنطن، فإن مناخ الزيارة كان جدير بالملاحظة أيضًا، إذ تناقض مع الانطباع عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السعودية في يوليو/ تموز المنصرم، ففي حين شدّد بينغ على إقامة شراكة جديدة تكون آفاقها واعدة وتحدّث عن “طاقة لا تنضب لتنمية الصداقة بين الصين والدول العربية”، اعتبر بايدن أن العلاقة بحاجة إلى تعديلات، مشددًا على وضع أهداف “مركّزة وواقعية”.
رئيس الإمارات في قطر.. لأول مرة منذ عام 2016
بينما كان تقارب قطر مع الإمارات يسير ببطء مع أبوظبي ومتعثرًا مع البحرين، كانت العلاقات بين الرياض والدوحة تبدو إيجابية منذ اتفاق العلا، حيث تمّت استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين منذ العام الماضي، وهو ما لم يحدث حتى الآن بين قطر من جهة والإمارات والبحرين من جهة أخرى.
إلا أن رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، وصل إلى الدوحة مطلع الشهر الحالي في زيارة مفاجئة هي الأولى له بعد أن أصبح رئيس الدولة في وقت سابق من العام الحالي، فآخر زيارة للشيخ محمد بن زايد إلى قطر قبل الحصار كانت عام 2016.
زيارة مهمة في توقيت مهم (استضافة قطر للمونديال)، قُوبل خلالها رئيس الإمارات بحفاوة وترحيب كبيرَين من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، وأجرى الزعيمان جلسة مباحثات رسمية.
تركّزت المباحثات حول سبل تعزيز العلاقات وتعزيز التضامن الخليجي ودعم الأمن والاستقرار بالمنطقة، وجدد الشيخ محمد بن زايد التهنئة للشيخ تميم بن حمد والشعب القطري بنجاح استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، والذي يعدّ نجاحًا وفخرًا لجميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والعالم العربي عامة، بحسب “وكالة أنباء الإمارات الرسمية”.
ويعدّ اللقاء الذي جمع الزعيمَين هو الثالث منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مقاليد الحكم في 14 مايو/ أيار الماضي، بعد اللقاء الذي جمعهما خلال زيارة أمير قطر إلى دولة الإمارات في مايو/ أيار الماضي، لتقديم التعازي بوفاة رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.
كما سبق أن جمعهما لقاء خلال مشاركتهما في قمة جدة للأمن والتنمية، التي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية والأردن ومصر والعراق في 16 يوليو/ تموز الماضي.
وجاءت القمة القطرية الإماراتية في ظل التحديات التي تشهدها المنطقة والعالم، وسط إيمان مشترك بأهمية بناء توافق إقليمي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة ككل ويعود على دولها بالنفع والفائدة، خصوصًا في ظل المتغيرات الكبيرة التي يشهدها النظام الدولي، لا سيما بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما شكّلت الزيارة رسالة دعم إماراتي ومساندة لجهود قطر في استضافة مونديال 2022، إذ تعدّ أول دولة عربية تستضيف هذا الحدث الكروي الكبير الذي اُختتم في 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
توسُّع الصين في أفريقيا يقلق واشنطن
ترى نسرين الأمين، وهي محللة وأكاديمية أمريكية متخصصة في شؤون الخليج بجامعة تورنتو الكندية، أن دول الخليج منخرطة في تحوُّل نحو تعزيز علاقاتها مع القوى العالمية والإقليمية مثل الصين منذ فترة، وتمثّل القمة الصينية العربية أحدث هذه المحاولات، مضيفة: “رغم جهود الولايات المتحدة للحفاظ على نظام عالمي أحادي القطب، فإننا نعيش بالفعل في عالم متعدد الأقطاب”.
وأوضحت في حديثها لـ”نون بوست”: “تدرك دول الخليج ذلك وترى الصين كشريك استراتيجي في جهودها الخاصة لإنشاء أشكال معيّنة من القوة في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا، ترتبط بشكل خاص بالأمن الغذائي والقوة العسكرية”.
تضرب نسرين الأمين مثالًا على ذلك بأن الولايات المتحدة تمنع بيع الطائرات من دون طيار إلى الإمارات، نظرًا إلى مشاركتها في حرب اليمن، بينما تلجأ الإمارات إلى الصين لشراء هذه الأسلحة لأن الصين معروفة عمومًا بأنها لا تُدين أو تتدخل في الشؤون السياسية أو انتهاكات حقوق الإنسان لشركائها الاستراتيجيين.
وتضيف: “يأتي تعزيز علاقة الخليج مع الصين في وقت يتوسع فيه نفوذ الصين في أفريقيا، وهو ما يثير قلقًا كبيرًا للولايات المتحدة. في الواقع إن الكثير من سياسة واشنطن الخارجية مدفوعة بالخوف من توسُّع كل من الصين وروسيا على مستوى العالم. لم تعُد الولايات المتحدة أكبر لاعب في أفريقيا، وعلينا أن نفهم تحول الخليج نحو الصين كشريك استراتيجي لتوسيع قوته عبر شمال أفريقيا ومنطقة الساحل والقرن الأفريقي”.
الخليج وإيران.. تجنُّب الحرب
شجّعت نتائج وآثار الحرب العراقية الإيرانية المدمّرة (1980-1988)، وكذلك آثار حرب اليمن المستمرة منذ 8 سنوات، على عدم تصعيد الصراع الخليجي مع إيران حتى يتطور إلى حرب يدرك الجميع كلفتها وتداعياتها الكارثية.
منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية والعلاقات بين عدد من دول الخليج (السعودية والإمارات وربما الكويت)، وإيران تمرّ بهذه التحولات، ما بين دعايات السلام وتعزيز التعايش السلمي والتعاون الاقتصادي بين دول الجوار والتفاهمات الهشة من جهة، والصراعات السياسية والمذهبية من جهة أخرى.
على أية حال، فيما يتعلق بالصراع مع إيران، تبدو منطقة الخليج خلال العام 2022 أكثر ميلًا إلى تهدئة المخاوف وتثبيت التوافقات المؤقتة، لكن يبقى ملف حرب اليمن ومدى قدرة الرياض وطهران على إنجاز تسوية تضمن للحوثيين وحلفاء الرياض تقاسم للسلطة، عاملًا محددًا ومهمًّا في رسم مسار العلاقات بين إيران وبقية دول الخليج، وبالأخص السعودية.
فيما يتعلق بالأخيرة، قال وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الأربعاء الماضي، إن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أكّد له على هامش مؤتمر بغداد الثاني في العاصمة الأردنية عمّان، استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إيران.
وكتب عبد اللهيان في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر: “حضرتُ مؤتمر بغداد الـ 2 في الأردن لنؤكد دعمنا العراق، وعلى هامش الاجتماع أتيحت لي الفرصة، أيضًا، للحديث الودّي مع بعض نظرائي ومنهم وزراء خارجية عُمان، قطر، العراق، الكويت والسعودية”، وأضاف: “أكّد لي وزير الخارجية السعودي، استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع إيران”.
حضرت مؤتمر بغداد- 2 في الأردن لنوکد دعمنا للعراق ، وعلى هامش الاجتماع أتيحت لي الفرصة أيضا للحدث الودی بعض نظرائي ومنهم وزراء خارجية عمان ، قطر، عراق،والكويت و السعودية. وقد أکد لی الوزیر السعودی استعداد بلاده لاستمرار الحوار مع ایران.
— H.Amirabdollahian امیرعبداللهیان (@Amirabdolahian) December 21, 2022
البحرين والحاجة إلى إصلاحات وتحسين العلاقات مع قطر
من المرجّح أن تسعى الحكومة البحرينية خلال العام القادم إلى تحسين علاقاتها المتأزّمة مع قطر، بعد أن خسرت بسوء تقديراتها مكاسب اقتصادية ضخمة كانت يمكن أن تحصل عليها من مونديال قطر 2022، كما من المتوقع أن تجري الحكومة البحرينية بعد انتهاء الانتخابات الأخيرة إصلاحات تشمل إلغاء أحكام الإعدام الصادرة بحق معارضين، وإعادة الجنسية المسقطة لبعض السياسيين والصحفيين منذ أحداث عام 2011.
بعد الانتقادات التي وجّهتها منظمات ووسائل إعلام لانتخابات مجلس الشورى البحريني الأخيرة، يبقى الرهان على أن يُقدِم ملك البلاد، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، على إصلاحات حقيقية تتضمن إصدار قانون بتعديل قانون الحقوق السياسية والمدنية يتيح للأغلبية الشيعية وللمعارضة القدرة على المشاركة السياسية، وهو ما تسعى إليه واشنطن ولندن اللتان تمارسان ضغوطًا على البحرين في هذا السياق.
ولفت تقرير لموقع “فوربس” إلى أن الانتخابات التشريعية الأخيرة في البحرين شهدت ظاهرة “مثيرة للفضول” لم يتم تفسيرها من قبل السلطات، متمثلة في تآكُل الكتلة الانتخابية، إذ سُمح فقط لحوالي 345 ألف مواطن بحريني بالتصويت، أي أقل بنسبة 6% من الانتخابات السابقة (365 ألف ناخب).
يشير التقرير إلى أنه من المحتمل أن يكون عدد السكان قد نما قليلًا منذ ذلك الحين، ولكن حتى لو لم يتغير كان من المفترض أن يكون هناك حوالي 86 ألف شخص إضافي على قائمة الناخبين هذا العام.
كتبت الباحثة رباب خداج تقريرًا شديد اللهجة عن الانتخابات البحرينية، نشره معهد البحرين للحقوق والديمقراطية “بيرد”، جاء فيه: “وفقًا لحساباتنا، تمَّ استبعاد ما بين 94 ألفًا و105 آلاف فرد من كتلة الناخبين”.
مسقط والكويت.. الوساطة والاستقرار السياسي والاقتصادي
من المنتظر أن تستمرَّ سلطنة عُمان خلال العام القادم في لعب دور الوسيط السياسي الأهم في المنطقة، سواءً في علاقات واشنطن ودول الخليج مع إيران، أو في ما يتعلق بالحرب في اليمن.
داخليًّا، وبعد سياسات اقتصادية ثابتة لعقود، تبدو عُمان في عهد السلطان هيثم بن طارق أكثر انفتاحًا على استقبال الاستثمارات الخارجية، وبالخصوص القادمة من دول الخليج، ونظرًا إلى ما تمثله التحديات الاقتصادية وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام ونِسَب البطالة من أهمية، من المتوقع أن يحظى ملف التنمية الاقتصادية بالأولوية القصوى لدى الحكومة.
في الكويت، لعب العفو الأميري الأخير عن معارضين في الداخل والخارج دورًا حاسمًا في ترطيب الأزمة السياسية الداخلية، لكن حالة عدم اليقين مستمرة حتى بعد أن حقّقت المعارضة تقدمًا كبيرًا في انتخابات مجلس الأمة نهاية سبتمبر/ أيلول 2022، بحصولها على 60% من مقاعد البرلمان.
كما تمكّنت المرأة من استعادة حضورها في المجلس بحصولها على مقعدَين، حيث تشهد البلد أزمات متعددة الجبهات، بدءًا بالانكماش المالي، ومرورًا بتردّي الخدمات العامة، وصولًا إلى بعض الاختلالات في النظام السياسي.
وفقًا لـ”معهد كارنيغي“، يرى أمير الكويت الراحل أن مأزق البلاد مردّه التركيبة السياسية، حيث يجمع الدستور بين النظامَين الرئاسي والبرلماني، ما يولّد تداخلًا بين عمل الحكومة ومجلس الأمة، هذا التداخل يؤدّي إلى إشعال الخلافات بينهما بصورة مستمرة.
وقد تسبّبت هذه الصراعات المزمنة في عرقلة التنمية، ودفعت بمؤسسات الدولة إلى خوض معارك سياسية عقيمة، كانت نتيجتها تعاقُب 18 حكومة و7 برلمانات على السلطة في الأعوام العشرين الماضية.
لذا، بحسب المعهد، من الضروري إصلاح الدستور والمنظومة السياسية، إذ قد يؤدّي تجنُّب تطبيق إصلاحات سياسية جريئة من خلال إقرار قوانين على غرار قانون الصوت الواحد عام 2012، إلى ترجيح كفة الميزان لصالح السلطة التنفيذية وتهدئة المنظومة لبعض الوقت، لكن هذه الإجراءات لن تقدّم حلولًا دائمة إلا إذا اقترنت بعملية إصلاح شاملة.
بشكل عام، يتجه العام 2023 إلى خفض الصراعات في الخليج، رغم الملفات الخلافية المتعلقة بالسياسة الخارجية، مثل قضية التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وتعويم نظام بشار الأسد والموقف من الأزمة الليبية، وعلى الصعيد الاقتصادي هناك مؤشرات إيجابية بتحقيق وفرة مالية وتحسُّن مضطرد في معدلات النمو الاقتصادي لدول الخليج، كما يمكن التنبؤ أيضًا بأن فرص تحسين العلاقات وتخفيف حدّة الصراع السياسي بين السعودية وإيران تبدو أفضل خلال العام القادم.