لم يكن 2022 عامًا عاديًا لأي محبّ للتقنية، إذ قفزت البشرية خطوات متقدمة جدًّا في عدة مجالات، ربما على رأسها تحوّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى أدوات شعبية و”ترند” بيد الجميع بفضل البراعة التي وصلت إليها هذا العام، وتقنيات “الدمج” الثورية في قطاع تعدين العملات الرقمية، فيما كان محبّو الألعاب الإلكترونية على موعد مع الجهاز الذي سيقضي على ما تبقى من وقتهم.
نستعرض في هذا التقرير التقنيات التي أحدثت ثورة في مجالها لهذا العام 2022، والتي من المتوقع أن تخلق أسواقًا وأنماط حياة جديدة في المستقبل القريب.
تقنية The Merge
منذ الإعلان عن العملات الرقمية وربطها بتقنية البلوك تشين لم تحدث تغييرات كبيرة على آلية عملها، إذ كان يجب “التعدين” للحصول على المكافأة، وهو ما كان يحدث للحصول على العملتَين الأشهر: البيتكوين والإيثيريوم. ويستلزم التعدين عمليات حاسوبية رياضية معقدة، تُستخدَم فيها حواسيب خارقة تستهلك كميات مهولة من الطاقة بهدف إنجاز العملية بشكل أسرع والحصول على المكافأة.
كل هذا تغيّر بعد تقنية The Merge أو “الدمج”، بالخصوص مع عملة الإثيريوم، إذ أعلن مؤسّسها يوم 15 سبتمبر/ أيلول عن تقنية جديدة تهدف إلى تخفيض استهلاك الطاقة، وتتيح لكل الأشخاص تعدين العملة عن طريق دفع مبلغ بسيط للاشتراك في قرعة، وكلما زاد المبلغ الذي تدفعه تزيد فرصك في الحصول على المكافأة.
بهذه العملية استطاعت عملة الإثيريوم تخفيض حدة سباق العتاد الحاسوبي الذي كان المعدّنون يقومون به، ما ينتج عنه استهلاك مهول للطاقة، إذ يستهلك المعدّنون أكثر من 340 تيراواطًا من الطاقة سنويًّا بهدف تعدين عملة البيتكوين (ما يعادل 40% من استهلاك الطاقة السنوي لدولة كتركيا مثلًا).
أما عملة الإيثيريوم فكانت تتطلب ما بين 46 و94 تيراواطًا من الطاقة قبل عملية الدمج، حيث انخفض الاستهلاك المطلوب لتعدين الإيثيريوم بنسبة 99.9%، أي ما يعادل تخفيض الاستهلاك العالمي من الطاقة بنسبة 0.2%، كل هذا حصل بسبب تحديث جرى عن طريق ضغطة زر.
حاسوب الألعاب المحمول باليد Steam Deck
أعلنت شركة Valve المالكة لمتجر الألعاب Steam، والمطورة لعدة ألعاب أشهرها Counter Strike وHalf Life، عن حاسوب ألعاب صغير محمول باليد من إنتاجها باسم Steam Deck.
يعدّ الجهاز قفزة تكنولوجية، فالجهاز يستخدم شريحة Aerith التي تأتي مع 4 أنوية و8 مسارات وتعتمد على معمارية Zen 2، بتردد يتراوح ما بين 2.4 غيغاهرتز في الوضع القياسي ويمكن أن تصل إلى 3.5 غيغاهرتز، وتحوي معالج رسومي RDNA2 مع 8 وحدات حسابية.
من حيث قوة المعالجة يستطيع جهاز Steam Deck التفوق على أجهزة أكبر حجمًا مثل Xbox One S بسعر مبدئي معقول، حيث أعلنت Valve عن 3 إصدارات من الجهاز تبدأ من 399 دولارًا أمريكيًّا لنسخة الـ 64 غيغا بايت كذاكرة داخلية و650 دولارًا لنسخة الـ 512 غيغا بايت، لكن تستطيع دائمًا أن ترفع المساحة عن طريق إضافة Micro SD Card إذ يدعم الجهاز بطاقة ذاكرة حتى 1 تيرا بايت.
يُشغّل الجهاز ألعاب فائقة التطلب أو ما يعرف بألعاب AAA مثل Cyberpunk 2077 أو GTA V أو حتى Elden Ring (اللعبة التي حصلت على جائزة “لعبة العام لـ 2022”)، وغيرها من الألعاب التي تتطلب عادة حواسيب تتمتع بعتاد قوي جدًّا لتعمل بسلاسة، كل هذه الإمكانات وضعتها Valve في جهاز تستطيع حمله بيدك ويعمل على البطارية.
نظارات الواقع المعزز Nreal Air AR
لم تكن شركة “إن ريل” (Nreal) أول من يعلن عن نظارات ذكية تدعم الواقع المعزز، فقد سبقتها شركة جوجل بسنوات عند إعلانها عن Google Smart Glasses، لكن “إن ريل” أخذت التحدي إلى مراحل مختلفة تمامًا.
فبينما كانت نظارات جوجل قبيحة المظهر وتضفي طابعًا جليًّا أن هذه النظارات ذكية، حاولت “إن ريل” وضع ميّزات وخصائص متقدمة جدًّا، مع حفاظها على مظهر خارجي لائق مستوحى من شركة النظارات الشمسية الشهيرة RayBan مع تقديمها بسعر منافس يبدأ من 379 دولارًا أمريكيًّا.
تمكّنك النظارة من مشاهدة الأفلام على شاشة تلفاز افتراضية أو توصيل هاتفك الذكي أو منصة الألعاب المحمولة، مثل Steam Deck, Nintendo Switch أو حتى حاسوبك المحمول في أي مكان، وبأبعاد تصل حتى 201 إنش، مع قدرة على تصفُّح الإنترنت واستخدام المساعدات الصوتية بأي طريقة ووضعية ترتاح بهما.
ذكاء اصطناعي فنان ومبرمج
في مسابقة أجراها متحف كولورادو، احتلت لوحة بعنوان “مسرح أوبرا الفضاء” المركز الأول، لكن ما كان يجهله محكّمو المسابقة أن هذه اللوحة لم يرسمها إنسان، بل جرى إعدادها من قبل مصمّم ألعاب فيديو يُدعى جيسون ألين، بمساعدة برنامج ذكاء اصطناعي قادر على تحويل النصوص إلى رسوم ولوحات مرئية.
خلال عام 2022 تطوّرت أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، واخترقت بطريقة غير مسبوقة عوالم الفن والبرمجة وصياغة المحتوى، إذ أعلنت شركة OpenAI عن أداتها الجديدة ChatGPT التي تنتمي إلى الجيل 3.5 من برمجية التنبؤ اللغوي GPT-3، هذه الأداة قادرة على إنتاج محتوى، برمجة تطبيقات والإجابة عن أسئلة خلال ثوانٍ معدودة.
عندما سألنا هذه الأداة عن “كيف تصف قوة أداة ChatGPT؟”، كان جوابها:
“صُمّمت ChatGPT خصيصًا لتكون نموذجًا للغة وطريقة المحادثة. جرى تدريب ChatGPT على مجموعة بيانات كبيرة وهي قادرة على توليد إجابات شبيهة بالبشر.
إحدى المزايا الرئيسية لـ ChatGPT هي قدرتها على التكيُّف مع سياق المحادثة وتوليد إجابات ملائمة.
على سبيل المثال، إذا طرح أحد المستخدمين سؤالًا حول موضوع لم يتم ذكره مسبقًا في المحادثة، يمكن لـ ChatGPT إنشاء إجابة للسؤال، مع الأخذ بعين الاعتبار الرسائل السابقة في المحادثة، وهذا يجعلها أداة قوية للقيام بمهام مثل روبوتات المحادثة وترجمة اللغة ومعالجة اللغة الطبيعية.
تتمتع ChatGPT أيضًا بالقدرة على إنشاء استجابات طويلة ومتماسكة، ما يجعلها مناسبة لمهامّ مثل إنشاء نصّ لوسائل التواصل الاجتماعي أو المساعدة في الكتابة.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن ChatGPT، مثل برمجيات التنبؤ اللغوي الأخرى، غير قادرة على فهم معنى الكلمات أو المفاهيم بالطريقة نفسها التي يفهمها الإنسان، إنها ببساطة قادرة على إنشاء نصّ بناءً على الأنماط والارتباطات التي تعلمتها من البيانات التي تمَّ تدريبها عليها.”
فنيًّا، كان للذكاء الاصطناعي بصمته الواضحة عام 2022، وأصبح حديث الناس على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ جرى استخدامها على نطاق واسع لتحويل النصوص إلى رسوم وتصاميم فنيّة غاية في الروعة والجمال، حيث تستطيع الأدوات معالجة كلمات مفتاحية وإنشاء روابط بينها مهما كانت الكلمات بعيدة في المعنى والسياق.
على سبيل المثال، طلبنا من أداة الذكاء الاصطناعية أن ترسم لوحة (أو عدة لوحات) باستخدام كلمات مفتاحية عشوائية بعيدة كل البُعد عن بعضها، وهي “فقر، عشب، كاميرا”، وكان ردّها:
صورة من تصميم الذكاء الاصطناعي جرى رسمها من خلال تزويده بكلمات مفتاحية عشوائية
أما عند ذكرنا الكلمات “طماطم، سماء، حذاء”، كان تصوّرها للأمر كالتالي:
صورة من تصميم الذكاء الاصطناعي جرى رسمها من خلال تزويده بكلمات مفتاحية عشوائية
ماذا ينتظرنا في عام 2023؟
هذا سؤال صعب، فما حقّقته البشرية في عام 2022 لم نتوقع أن نصل إليه قريبًا بهذه الكفاءة، لهذا وجّهنا السؤال ذاته لأداة الذكاء الاصطناعي ChatGPT، لتجيب على هذه النقطة:
“من الصعب بالنسبة إليّ أن أتنبأ بالضبط بنوع التكنولوجيا التي ستكون متاحة في عام 2023، لأن الأمر يعتمد على مجموعة واسعة من العوامل مثل التقدم في البحث والتطوير، والطلب في السوق، والظروف الاقتصادية. ومع ذلك، فإن بعض مجالات التكنولوجيا التي من المحتمل أن تشهد تقدمًا كبيرًا في المستقبل القريب، وهي تشمل:
الذكاء الاصطناعي (AI) والتعلم الآلي: من المتوقع أن تستمر تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في التقدم، ما يؤدي إلى تطوير أنظمة أكثر تطورًا وقدرة لمجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك ترجمة اللغة، وتحليل الصور والفيديو، ومعالجة اللغة الطبيعية.
الواقع المعزز والافتراضي (AR وVR): من المتوقع أن تستمر تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي في التطور، مع توفُّر تجربة أكثر واقعية وغامرة. هذه التقنيات لها تطبيقات محتملة في مجالات مثل الترفيه والتعليم والرعاية الصحية.
5G والتقنيات اللاسلكية الأخرى: من المتوقع أن تصبح شبكة 5G متاحة على نطاق واسع في السنوات القادمة، ما يوفر اتصالًا لا سلكيًّا أسرع وأكثر موثوقية لمجموعة واسعة من الأجهزة. قد يؤدي ذلك إلى تمكين التطبيقات الجديدة مثل المركبات المستقلة والعمل والتعلم عن بُعد.
الحوسبة الكمومية: تمتلك أجهزة الكمبيوتر الكمومية، التي تستخدم ظواهر ميكانيكا الكمّ لإجراء العمليات الحسابية، القدرة على تسريع أنواع معيّنة من مهام الحوسبة بشكل كبير. بينما لا تزال في المراحل الأولى من التطوير، من المتوقع أن تلعب أجهزة الكمبيوتر الكمومية دورًا أكثر أهمية في السنوات القادمة.
التكنولوجيا الحيوية: من المتوقع أن تستمر التطورات في التكنولوجيا الحيوية في الوصول إلى علاجات وعلاجات جديدة لمجموعة واسعة من الأمراض والحالات.
الروبوتات: من المتوقع أن تستمر تكنولوجيا الروبوتات في التقدم، ما يؤدي إلى تطوير روبوتات أكثر تطورًا وقدرة لمجموعة واسعة من التطبيقات، بما في ذلك التصنيع والرعاية الصحية والمساعدة المنزلية.
هذه مجرد عيّنة صغيرة من العديد من مجالات التكنولوجيا التي من المحتمل أن تشهد تقدمًا كبيرًا في السنوات القادمة. من الصعب التنبؤ بالتحديد بالتقنيات الجديدة التي ستظهر، ولكن من المحتمل أن يكون هناك العديد من التطورات المثيرة في هذا المجال”.
انتهت إجابة ChatGPT.
عمومًا، هذه المادة ليست حصادًا رقميًّا وتقنيًّا لكل ما شهده سوق التكنولوجيا من مستجدات، بل أردنا الحديث عن التقنيات الأربع الأكثر ثورية التي شهدناها هذا العام، والتي من المتوقع أن يكون لها ما بعدها خلال السنوات المقبلة، وقد تغيِّر حياتنا إلى الأبد.