ترجمة وتحرير: نون بوست
لطالما كان الرجل المسن الذي أنشأ أبو طارق، أحد أشهر المطاعم في مصر، قادرًا على الاعتماد على أن الكشري لن يتأثر بأي شيء، وهو مزيج من المعكرونة والأرز والعدس والحمص والبصل المقلي وصلصة الطماطم الحارة، وهو أيضًا أحد أرخص الأطعمة وأكثرها شعبية في مصر، فهو مليء بالكربوهيدرات والبروتين بحيث يمكن أن يشبع حتى أكثر الناس جوعا ولليوم كله؛ فالجميع هنا يأكله: من أغنى الأغنياء إلى أفقر الفقراء.
ولكن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية السريع بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية المتنامية؛ أصبحت حتى أكثر الوجبات منخفضة التكلفة أكثر تكلفة؛ حتى أنها تؤثر على هوامش – وهي الفرق بين التكلفة وسعر البيع للمنتج – ما يبيعه زعماء الكشري مثل يوسف زكي، مالك أبو طارق، وكذلك تؤثر على جيوب المصريين العاديين.
وفي الوقت الذي كانت فيه مصر تأمل في في التعافي من آثار وباء كوفيد؛ الذي شهد توقف قطاع السياحة الضخم بشكل أساسي؛ غزت روسيا أوكرانيا، وتسببت الحرب في سلسلة من التداعيات غير المتوقعة في جميع أنحاء المنطقة، والتي ضربت مصر بشدة؛ حيث سحب المستثمرون الأجانب مليارات الدولارات من البلاد في غضون أسابيع من الغزو، مما أزعج الاقتصاد. إضافة إلى أن مصر تستورد قمحًا أكثر من أي دولة أخرى؛ معظمها من روسيا وأوكرانيا، ولهذا بدأت تكلفة القمح والنفط في الارتفاع بينما انخفضت أعداد السياحة مرة أخرى بسبب الاعتماد منذ فترة طويلة على الزوار الروس والأوكرانيين.
تواجه مصر الآن واحدة من أسوأ فترات التضخم منذ سنوات، ويدفع المصريون العاديون ثمن ذلك إلى حد كبير، فقد ارتفعت أسعار الطعام والشراب بنسبة 30.9 بالمئة مقارنة بهذا الوقت من العام الماضي. وفي وقت سابق من هذا العام؛ كان سعر الصرف الرسمي مرة واحدة 15.6 جنيهًا للدولار، ولكنه الآن يصل إلى 24.7 جنيهًا، وفي السوق السوداء يمكن بيع دولار واحد مقابل ما يصل إلى 33 جنيها، وتقوم البنوك بالحد من سحب الدولارات في محاولة للحفاظ على النقد في البلاد، وتخلى العديد من المصريين عن مظاهر الإنفاق – من تجنب تناول الطعام في الخارج لتأجيل حفلات الزفاف – على أمل أن تنخفض التكاليف قريبا.
لحسن حظ زكي؛ لا يزال الكشري عنصرا أساسيا في النظام الغذائي المصري، ولتجنب رفع الأسعار التي يعرف زكي أن عملائه لا يستطيعون تحملها؛ جعل أبو طارق حجم أطباقه أصغر قليلا. ومع ذلك؛ تضاءلت قاعدة العملاء إلى حد ما، ومع وجود عشرات الموظفين بين المطبخ وطاقم الخدمة وفرق التوصيل، أصبح لدى زكي الآن نفس عدد العمال الذين يدفع لهم كما كان يدفع من قبل، ولكن مع دخل أقل للقيام بذلك.
“نفس العملاء الذين اشتروا ذات مرة طبقًا كبيرا من الكشري، قد يشترون طبقا أصغر”؛ هكذا قال زكي وهو جالس على كرسي بلاستيكي في الشارع بالخارج؛ حيث منحه المعجبون المارة معاملة المشاهير، وقاطعوا المقابلة لالتقاط الصور معه، وأضاف: “بدلًا من تناول ثلاث وجبات، قد يأكل الناس واحدة أو اثنتين فقط”.
وقال وائل جمال، الخبير الاقتصادي والسياسي المصري، إن إلقاء اللوم في الأزمة على الحرب في أوكرانيا فقط سيكون “بالكاد صحيحا”، مشيرًا إلى أن سنوات من الاقتراض والاستثمار في المشاريع العملاقة جعلت مصر عرضة للخطر بشكل خاص. وقد دافع الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي تولى السلطة في انقلاب عسكري في عام 2013، عن هذه المشاريع خاصة وأنه جعل تطوير البنية التحتية سمة مميزة لرئاسته.
في كانون الأول/ديسمبر، وبعد أشهر من المفاوضات؛ أعلنت مصر أنها ستتلقى قرضا بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بما في ذلك 347 مليون دولار سيتم صرفها على الفور؛ حيث إن هذه هي المرة الرابعة التي يقدم فيها صندوق النقد الدولي المساعدة لمصر خلال السنوات الست الماضية.
وقال جمال إن المشاكل الاقتصادية في مصر تصبح “أعمق في كل مرة يذهبون فيها إلى صندوق النقد الدولي ليأخذوا المزيد من القروض ويغطون القروض القديمة بقروض جديدة”.
مطاعم زكي؛ الناجحة منذ تسعينيات القرن الماضي – والتي ظهرت مرة واحدة في برنامج الشيف الدولي أنتوني بوردان الذي بعنوان “لا تحفظات” – أعطاه قدرة كافية كافية على مواجهة العاصفة، فبعد أن باع كشري معظم حياته؛ أولًا من عربة طعام والده وبعد ذلك من مطعمه الخاص؛ شاهد زكي الأسعار ترتفع وتنخفض بمرور الوقت، ولكنه يقول: “لكن لا أحب هذا أبدا”.
في الفرع الذي يقع في حي الزمالك – وهي جزيرة على النيل ويعتبر ساكنوها من الطبقة العليا – يقدم أحمد رمضان، 27 عامًا، حوالي 700 طلب من الكشري والوجبات الجاهزة الأخرى كل يوم، ومعظم زبائنه هم من الطلاب والموظفين من الطبقة العاملة الذين يتنقلون هناك كل يوم.
وبالمقارنة مع الآخرين في حي إمبابة ذي الدخل المنخفض؛ يعتبر رمضان نفسه محظوظًا، فلديه عمل ثابت ويمكنه المشي إلى مطعم الكشري في الزمالك كل يوم دون القلق بشأن ارتفاع تكاليف النقل؛ حيث يقول إنه بالنسبة لجيرانه “لقد ازداد الوضع سوءًا”، مضيفًا: “عليهم تغطية نفقاتهم وتناول الخضار والأرز فقط. ماذا يمكن أن يفعلوا؟”.
وارتفعت تكاليف التوريد لدرجة أنه قبل بضعة أسابيع توقف مطعمه عن تقديم أرخص جزء من الكشري؛ حيث قام يوضع شريط لاصق على ذلك الاختيار في قائمة الطعام. ويقول رمضان إنه حتى وقت قريب كان بإمكان مطعمه شراء طن الأرز بحوالي 8000 جنيه مصري، ولكنه الآن يكلف 18000 جنيه، وقفزت قفزت تكلفة شراء المعكرونة بمقدار 6000 جنيه، وحتى الحاويات والأكياس البلاستيكية المستخدمة لتعبئة الوجبات أصبحت أغلى من ذي قبل، لكن العملاء ما زالوا يظهرون؛ حيث يقول رمضان: “يجب على الناس أن يأكلوا”.
وفي حي العجوزة المجاور؛ يقف مدحت محمد، 47 عاما، خلف منضدة مطعم على جانب الطريق يبيع شطائر الطعمية (الفلافل المصرية) والفول (الفول المطهي)، وكلاهما من المواد الغذائية النباتية في النظام الغذائي المصري، لكن العملاء بدأوا في الاستغناء عنهما؛ كما قال محمد وزملاؤه.
قبل عام؛ تم بيع السندويشات بثلاثة جنيهات ونصف، والآن يكلفون أربعة جنيهات ونصف؛ حيث يقول محمد: “الحرب في أوكرانيا تسببت في ارتفاع أسعار الدقيق والنفط، وعندما ارتفعا؛ ارتفع سعر كل شيء آخر”.
الآن؛ يشتري بعض الزبائن الأفقر قطعا من الفلافل بدلًا من شطيرة، ويضعونها في الخبز الذي يحصلون عليه من خلال برنامج الدعم، فقط لتوفير بضعة أرطال.
ويقول سيد الأمير، مدير المطعم إنه حتى لو ضاعف المطعم أسعاره “لن نحقق الكثير من الأرباح، مبينًا أن الكثير من المتاجر الأخرى تغلق، لكنه سيفعل كل ما في وسعه لتجنب تسريح العمال؛ حيث يقول: “أيٌّ من هؤلاء العمال لديه ثلاثة إلى أربعة أطفال”، مشيرًا إلى محمد والرجال الآخرين، بما في ذلك واحد يقذف الفلافل الخام في وعاء من الزيت، وجميع موظفي المطعم لديهم أيضا وظائف أخرى؛ حيث يعملون كعمال توصيل أن يعملون في مطاعم أخرى، فيما يقول سيد الأمير: “إنه لأمر مدهش كيف يعيش الناس”.
المصدر: واشنطن بوست