أسقطت الولايات المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا في 6 أغسطس/ آب 1945، على مدينتَي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتَين، قنابل ذرّية بطول 3 أمتار تقريبًا، لتطمس هوية المدينتَين في غضون دقائق معدودة، ما أدّى إلى مقتل عشرات الآلاف.
أصابت الحادثة العالم بصدمة عارمة، فالدمار الذي خلفته تلك القنابل لم يكن متوقعًا، حتى من قبل الأمريكيين أنفسهم، ليستيقظ العالم على كابوس جديد، فيما احتلَّ هذا النوع من المتفجرات اهتمامًا عالميًّا غير مسبوق، ومن هنا فرض عنصر اليورانيوم نفسه على الساحة الدولية، كونه المادة المستخدمة في صناعة القنبلة الذرّية التي اُستخدمت لأول مرة في تلك الحرب.
ورغم اكتشاف اليورانيوم عام 1789، إلا أن استخدامه في صناعة القنبلة الذرّية أعاد تشكيل قيمته وأهميته العالمية، فلم يعد ذلك المعدن الاستراتيجي هو العنصر المستخدَم في تلوين الزجاج كما كان في السابق، ليتصدّر بورصة المعادن الاستراتيجية خلال العقود السبع الأخيرة، ويتحوّل إلى ساحة كبيرة للتنافس وكنز حيوي يتهافت عليه الجميع، لما يلعبه من دور محوري في تغليب كفّة فريق في مواجهة الآخر في صراع النفوذ وحروب المستقبل.
أحدثت تفجيرات هيروشيما عام 1945 طفرة كبيرة في اهتمام العالم باليورانيوم
ما هو اليورانيوم؟
يُرمز لليورانيوم بحرف U، وعدده الذري رقم 92 في الجدول الدوري، وهو من الفلزات ذات اللون الأبيض وإن كان يميل نسبيًّا إلى اللون الفضي، وتحتوي ذرة اليورانيوم الواحدة على 92 بروتونًا و92 إلكترونًا، ويعتبَر من العناصر المتحلّلة ذات النشاط الإشعاعي، إذ إن كل نظائره في الطبيعة غير مستقرة.
يحتلّ معدن اليورانيوم المركز الثاني بعد عنصر البلوتونيوم في العناصر ذات الكتلة الذرّية الأعلى، فيما تبلغ كثافته نحو 19.1 غرامًا/ سنتمترًا مكعب في درجة حرارة الغرفة، أي أن 1 متر مكعب من اليورانيوم يزنُ نحو 19.1 طنًّا، ما يعني أنه في كثافته أعلى من الرصاص مثلًا بـ 70%، وإن كان أقل نسبيًّا من الذهب.
يتواجد المعدن بالطبيعة في شكل تركيزات منخفضة في التراب والصخور والماء تصلُ إلى بضعة أجزاء لكل مليون، ويتمّ استخراجه إما نقيًّا مستقلًّا أو ممتزجًا ببعض المعادن الحاوية له مثل اليورانينيت، وهناك أنواع متعددة لليورانيوم لعلّ أكثرها شيوعًا يورانيوم-238، ويشكّل نحو 99.3% من كمية اليورانيوم المتواجد في الطبيعة، ويحوي 146 نيوترونًا، ويورانيوم-235 يمثل النسبة المتبقية من المعدن والبالغة نحو 0.7%، بينما يحوي على 143 نيوترونًا.
اُكتشف اليورانيوم أول مرة بواسطة الكيميائي الألماني مارتن كلابروث عام 1789، في أحد مناجم الفضة المتواجدة في البتشبلند (جمهورية التشيك حاليًّا)، وذلك حين كان يجري بعض التحليلات على المعادن المتواجدة هناك، حيث اكتشف مادة جديدة تميل إلى اللون الأصفر قليلًا، وبعد تسخينها بالفحم حصل على مسحوق أسود، وكان هذا المسحوق هو أكسيد اليورانيوم، وتسميته بهذا الاسم نسبةً إلى كوكب أورانوس، سابع كواكب المجموعة الشمسية، والذي سُمّي على اسم إله السماء اليوناني أورانوس.
في القرن التاسع عشر كان استخدام اليورانيوم محصورًا في تلوين الزجاج والسيراميك، وإضافته بنِسَب معيّنة للمزهريات والأواني المزخرفة، حيث كان يمنح الألوان البرّاقة مثل البرتقالي والأحمر، وهو ما جعله عنصرًا أساسيًّا في تجميل المنازل والاستخدامات الديكورية المتعددة.
وبغضّ النظر عن أهمية اليورانيوم لعلماء الكيمياء، اقتصر استخدام اليورانيوم في القرن التاسع عشر على تلوين الزجاج والسيراميك، فقد اُستخدمت عناصره في إضافة اللون الأصفر المخضّر إلى المزهريات والأواني الزجاجية المزخرفة، وفي ذلك الوقت اشتهر استخدامه لإضافة الألوان البرّاقة من البرتقالي إلى الأحمر في طلاء الخزف المستخدَم في الأواني الفخارية المنزلية والديكورات المعمارية.
ومع بدايات القرن العشرين تمَّ تكثيف التجارب المعملية على اليورانيوم، بعدما اكتشف عدد من العلماء، وعلى رأسهم هنري بيكريل، نشاطًا ملحوظًا لهذا المعدن في النشاط الإشعاعي، وذلك حين ترك عيّنة من ملح اليورانيوم وكبريتات يورانيل البوتاسيوم على قمة لوح فوتوغرافي غير ظاهر في الدرج، لتتشوّه اللوحة بعد فترة قصيرة، الأمر الذي دفع إلى وضع هذا العنصر تحت الدراسة المكثّفة لاحتمالية استخدامه في مجالات أخرى غير تقليدية.
الانشطار والاستخدامات الذرّية
في بدايات عام 1934 لاحظ العالم الفيزيائي إنريكو فيرمي (إيطالي أمريكي حصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1938، وكان ضمن الفريق الذي أنتج أول مفاعل نووي وأول قنبلة ذرية)، الذي كان يقود فريقًا بحثيًّا، أن قذف اليورانيوم بالنيوترونات ينتج عنه أشعة بيتا ومن ثم حدوث انشطار الإلكترون والبوزيترون.
وكان التفسير المبدئي لهذه الظاهرة أن هناك عناصر جديدة هي من أدّت إلى هذا الانشطار، كما ذهب عميد كلية روما، أورسو ماريو كوربينو، إلّا أن التجارب التي أُجريت لاحقًا في برلين كشفت عن أن اليورانيوم لديه قدرة كبيرة على الانشطار إلى عناصر أخف في الوزن وأكثر قوة في حجم الطاقة.
وفي فبراير/ شباط 1939، نشرت عالمة الفيزياء السويدية، ليز مايتنر، نمساوية المولد، وابن اختها الفيزيائي أوتو روبرت، تفسيرًا ماديًّا للتجارب التي قام بها فيرمي، حيث أطلقوا عليها اسم “الانشطار النووي”، والذي يقوم على فرضية أن انشطار اليورانيوم قد يطلق ما يكفي من النيوترونات للحفاظ على التفاعل الانشطاري (كل ذرة من اليورانيوم-235 قادرة على تحرير 2.5 نيوترون).
وفي 29 فبراير/ شباط 1940، نجح العلماء في فصل أول عينة في العالم من اليورانيوم-235 داخل أحد المختبرات، وبعد إرسالها بالبريد إلى جامعة كولومبيا توصّل العالم جون دانينج إلى أن هذا العنصر هو المادة الانشطارية المعزولة، وأن اليورانيوم-235 ونظيره 238 يمكن تحويلهما نوويًّا إلى البلوتونيوم القابل للانشطار، ومن هنا جاءت فكرة استخدام هذا العنصر في تطوير الأسلحة النووية.
وتمكّن فريق العالم الإيطالي الأمريكي، فيرمي، في 2 ديسمبر/ كانون الأول 1942، عبر مشروع “مانهاتن”، ولأول مرة من استخدام اليورانيوم المخصّب في إنتاج أسلحة نووية، في البداية لم يكن اليورانيوم-235 موجودًا بكمّيات متوافرة لإنتاج مثل تلك الأسلحة، ما اضطر الفريق لتغيير الخطة والانتقال إلى معمل “ستاغ فيلد” في جامعة شيكاغو.
وهناك تمّت تهيئة الأجواء المناسبة للتخصيب، وذلك بتكديس 400 طن من الغرافيت و58 طنًّا قصيرًا (53 طنًّا متريًّا) من أكسيد اليورانيوم، و6 أطنان قصيرة (5.5 أطنان مترية) من معدن اليورانيوم، لتبدأ مرحلة جديدة من الثورة الصناعية في مجال الاستخدامات النووية.
وخلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) طوّرت الولايات المتحدة نوعَين من القنابل الذرّية، الأولى كانت تعتمد بشكل كامل على اليورانيوم المخصّب وتحمل اسم “قنبلة الولد الصغير”، أما الثانية فكانت تعتمد على البلوتونيوم المشتق من اليورانيوم-238 وتحمل اسم “قنبلة الرجل البدين”.
وفي 6 أغسطس/ آب 1945 كان أول استخدام لـ”قنبلة الولد الصغير” المصنَّعة من اليورانيوم المخصّب، حين سقطت على مدينة هيروشيما اليابانية، الانفجار كان بقوة تعادل 12 ألفًا و500 طن من مادة TNT، حيث نسف ما يقرب من نصف مليون مبنى، وقتل قرابة 75 ألف شخص في دقائق معدودة.
نجاح اليورانيوم في إنتاج القنبلة الذرّية أعاد الأمل للعلماء والباحثين، لتشغيل المفاعلات النووية القديمة التي أُهملت بسبب عدم وجود مواد انشطارية، ففي عام 1972 اكتشف الفيزيائي الفرنسي، فرانسيس بيرين، أكثر من 15 مفاعلًا نوويًّا قديمًا متوقفة عن العمل في منجم أوكلو في الغابون غرب أفريقيا، إلا أن عدم توفر كميات اليورانيوم بالمعدلات الكافية كان حائلًا أمام عودة كل تلك المفاعلات للنشاط مرة أخرى.
خارطة الإنتاج
يتأرجح الإنتاج السنوي من اليورانيوم الطبيعي بين 55 و65 ألف طن، وتتصدر كازاخستان قائمة الدول الأكثر إنتاجًا لهذا المعدن بإنتاج يبلغ نحو 19.4 ألف طن، بما يشكّل نحو 40% تقريبًا من حجم الإنتاج العالمي، بحسب بيانات الرابطة النووية العالمية لشهر سبتمبر/أيلول 2021.
وتأتي أستراليا في المرتبة الثاني بحصّة إنتاجية تبلغ نحو 7.4 آلاف طن، تشكّل 13% من الإنتاج العالمي، تليها ناميبيا في المرتبة الثالثة بإجمالي إنتاج بلغ 5413 طنًّا، ثم كندا بـ 3885 طنًّا، فيما جاءت أوزبكستان في المرتبة الخامسة بإجمالي إنتاج بلغ 3500 طن، ومن بعدها النيجر بـ 2991 طنًّا، ثم روسيا بإجمالي إنتاج وصل إلى 2846 طنًّا، وفي المرتبة الثامنة جاءت دولة الصين بإنتاج بلغ 1885 طنًّا، ثم أوكرانيا بإجمالي 400 طن، فيما جاءت الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة العاشرة بإنتاج قدره 6 أطنان من اليورانيوم.
أما عن خارطة الاستهلاك العالمي لهذا المعدن الحيوي، فجاءت أمريكا على رأس القائمة باستهلاك يبلغ 16 ألف طن، يليها فرنسا بإجمالي 8.74 آلاف طن، ثم الصين بإجمالي استهلاك 8.71 آلاف طن، فيما جاءت روسيا في المرتبة الرابعة ضمن قائمة أكثر الدول استهلاكًا لليورانيوم بإجمالي 5.62 آلاف طن، تليها كوريا الجنوبية بالمرتبة الخامسة بإجمالي 4.59 آلاف طن، ثم في المرتبة السادسة جاءت الهند باستهلاك 2.33 ألف طن، ومن بعدها أوكرانيا في المرتبة السابعة بإجمالي 1.89 ألف طن.
وفي المركز الثامن جاءت بريطانيا باستهلاك سنوي بلغ 1.8 ألف طن، وفي المرتبة التاسعة جاءت كندا بإجمالي 1.62 ألف طن، وبالمرتبة الأخيرة جاءت ألمانيا بإجمالي 1.38 ألف طن، وذلك وفق إحصائية صادرة عن شركة ستاتيستا (Statista) الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين، في أبريل/ نيسان 2020.
الوجه الآخر لليورانيوم
لم تكن الأسلحة النووية المجال الوحيد لاستخدام اليورانيوم، حيث يدخل في العديد من الاستخدامات الأخرى كدروع الدبابات وصناعة الزجاج، وبعض المجالات الطبية التي يلعب فيها دورًا كبيرًا في الشفاء من عدد من الأمراض المستعصية، فيما يبقى استخدامه في مجال إنتاج الطاقة النووية المستقبلية هو الأبرز.
حتى المخلفات الناجمة عن استخدامات اليورانيوم في الطاقة النووية يمكن إعادة تدويرها وإدخالها في إنتاج أنواع أخرى من الطاقة، مثل الطاقة الشمسية، وهو ما أكّده الباحثان إيجور يوسوف وميلان سايكورا من مختبر لوس ألاموس الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، خلال ورقة بحثية نشراها عام 2017، ناقشت استخدام اليورانيوم المنضب الناتج من التفاعلات النووية لصنع خلايا شمسية وذلك من خلال التحكم بسماكة، ونسبة اليورانيوم إلى الأكسجين، والتبلور، والتنشيط.
وفي دراسة أخرى لتوماس ميك من مختبر أوك ريدج الوطني بولاية تينيسي الأمريكية، توصّل إلى إمكانية استخدام أكسيد اليورانيوم كأشباه مواصلات ممتازة، بما يمكن الاستعاضة به عن الاستخدامات التقليدية للسيليكون، والغرمانيوم، وزرنيخيد الغاليوم، وهو ما يعدّ طفرة كبيرة في مجال المواصلات والرقائق المعدنية.
ورغم تلك الاستخدامات المتعددة والحيوية لليورانيوم، إلا أن هناك مخاطر ناجمة عنها، حيث انتشار التلوث وتهديد حياة الناس للخطر، إذ أدّت التجارب النووية التي قام بها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة في فترة الخمسينيات وأوائل الستينيات، ثم فرنسا في السبعينيات والثمانينيات، إلى تطاير كميات كبيرة من نظائر اليورانيوم في العديد من البلدان، ما تسبّب في وقوع الكثير من الحوادث الإشعاعية خلال السنوات الماضية.
ومن البيئة إلى الإنسان، حيث تتزايد احتمالات إصابة العاملين في مناجم اليورانيوم بمرض السرطان، وهو ما حدث مع عمّال المناجم في نافاجو (قبيلة في جنوب غرب أمريكا)، حيث أصيب عدد كبير من العاملين هناك بسرطان الرئة، فيما ربطت الأبحاث التي أُجريت عليهم بين مرضهم وطبيعة عملهم في المناجم، ما دفع الحكومة الأمريكية عام 1990 إلى تدشين قانون لتعويض العمّال عن التعرض للإشعاع بمبلغ قيمته 100 ألف دولار كحدّ أدنى، كتعويض مادي عن إصابة أي من العاملين في استخراج هذا العنصر بالسرطان أو أمراض الجهاز التنفسي الأخرى.
أفريقيا.. منجم اليورانيوم الذي أسال لُعاب العالم
الكميات القليلة لليورانيوم في القشرة الأرضية مقارنة بالطلب الزائد عليه في ظلّ استخداماته الحيوية كأحد جسور العبور نحو المستقبل، جعلت من البلدان المنتجة له قِبلة لجهود التنقيب العالمية، وهدفًا رئيسيًّا للكيانات الاقتصادية الدولية، وإحدى ساحات المواجهة الشرسة في معركة النفوذ الكبرى بين أباطرة الاقتصاد.
وتأتي القارة الأفريقية على رأس تلك الساحات، حيث تهيمن على قرابة 60% من الاحتياطي العالمي لهذا المعدن الاستراتيجي، وهو ما أسال لعاب العديد من الدول العظمى للحصول على جزء من هذا الكنز الثمين، وهو ما يمكن قراءته بصورة أولية من خلال خارطة الاهتمام الدولي بدول القارة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فبعد نجاح أمريكا في صناعة القنبلة الذرّية عبر اليورانيوم، تحرّكت فرنسا سريعًا نحو مستعمراتها الأفريقية مثل الغابون ومدغشقر ومن قبلهما النيجر للتنقيب عن هذا المعدن، بغية إحداث طفرة كبيرة في برنامجها النووي، وفق ما ذهبت إليه الباحثة الجزائرية إيمان لوافي.
أشارت لوافي في ورقة بحثية لها إلى أن ملف اليورانيوم في القارة الأفريقية، وتحديدًا جنوب الصحراء، تحول في الآونة الأخيرة إلى “ورقة تجاذب ومخاوف، ورقة وُظفت لإسقاط أنظمة، وصراعات داخلية. وورقة لتبرير التدخل العسكري الأجنبي لتبرير الحرب على الإرهاب”.
واستعرضت الورقة ملامح خارطة اليورانيوم في القارة السمراء، والتي يأتي في مقدمتها ناميبيا التي تمتلك من احتياطي اليورانيوم ما يقدَّر بـ 383 ألف طن، كذلك جنوب أفريقيا التي تمتلك ما يقدَّر بـ 338 ألف طن، ثم النيجر وهي أكثر الدول الأفريقية امتلاكًا لاحتياطي المعدن حيث يصل إلى 450 ألف طن، هذا بجانب مناجم مكتشَفة حديثًا في الكونغو الديمقراطية.
هناك كذلك الجزائر التي تمثل حوالي 1% من الاحتياطي العالمي بإنتاج بلغ 29 ألف طن بحسب أحدث الإحصاءات، علمًا أن هناك العديد من الاكتشافات الحديثة التي ربما تزيد من تلك النسبة، والأمر لا يختلف كثيرًا في تنزانيا التي توصّلت الدراسات إلى امتلاك منطقة حقول اليورانيوم بجنوب شرق البلاد 360 ألف طن، وإن كان الإنتاج يقدَّر في مراحله الأولية بنحو 14 ألف طن، وهو ما يعني إمكانية أن تقفز إلى قائمة الكبار في إنتاج المعدن مستقبلًا.
هذا المخزون الاستراتيجي من اليورانيوم الذي تتربّع عليه أفريقيا، جعلها محطة للتنافس الدولي وفتحَ باب الصراع على مصراعَيه بين الشركات والقوى الكبرى، على رأسها فرنسا صاحبة الإرث الاستعماري الكبير في القارة، لا سيما في منطقة الغرب، حيث النشاط الملحوظ من التنقيب عن المعدن في النيجر عن طريق شركة “ARRIVA” الفرنسية التي حصلت على حق استغلال المناجم المتواجدة هناك منذ عقود، ويلبّي اليورانيوم المستخرَج من تلك البلدان الأفريقية أكثر من ثلث محطات الطاقة النووية لشركة “O.D.F” للكهرباء في فرنسا.
الولايات المتحدة حاضرة هي الأخرى وبشكل كبير في أفريقيا بحثًا عن اليورانيوم، وذلك إما عن طريق شركاتها المباشرة وإما شركاتها العاملة في كندا و”إسرائيل”، وأبرزها شركة “روجيت” الكندية، والتي حصلت على حقوق التنقيب عن المعدن الحيوي في منطقة VALIA التي تبعد مسافة 350 كيلومترًا غرب العاصمة المالية باماكو وبالقرب من حدود السنغال وغينيا.
وبطبيعة الحال لا يمكن أن يغيب العملاق الصيني عن هذا الكنز الاستراتيجي، إذ عززت بكين علاقتها مع القارة الأفريقية خلال السنوات الماضية بشكل كبير، حتى بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفَين 350 مليار دولار سنويًّا، بما يفوق حجم التبادل الأمريكي والأوروبي مع القارة معًا.
وتسابق بكين الخطى للاستفادة من المخزون الأفريقي من اليورانيوم، الذي تحتاج إليه بشكل كبير في العديد من صناعاتها الدفاعية وتعزيز قدراتها من الطاقة النووية، وهو ما يفسّر تعزيزها للعلاقات مع الجزائر في مجال الطاقة النووية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، والتفكير في إنشاء قاعدة عسكرية في القرن الأفريقي.
وسارت روسيا على خطى الصين في الاستعانة ببوابة دول شمال أفريقيا للدخول على خط المنافسة على ثروات القارة من اليورانيوم، حيث كثّفت خلال الآونة الأخيرة من علاقتها الاستثمارية مع مصر ودول المغرب العربي، الأمر كذلك حذته إيران وكوريا الجنوبية و”إسرائيل”.
وهكذا تحولت أفريقيا إلى بؤرة صراع عالمي جديدة بسبب مخزونها من اليورانيوم، اللاعب الأبرز في مستقبل الصناعات النووية، عسكرية كانت أو مدنية، بجانب ما يتمتع به مخزونها من هذا المعدن من سهولة الاستخراج وجودة في المواصفات بجانب كلفته القليلة مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى.
وفي الأخير، إن المعادن الاستراتيجية التي تمثل عصب الصناعات المستقبلية، والضمانة الوحيدة نحو الحفاظ على النفوذ وموطئ القدم الأكثر استقرارًا وتماسكًا لمن يريد العبور نحو المستقبل بشكل آمن، ستكون وقود الحروب القادمة بين القوى الاقتصادية الكبرى، لتضاف إلى قائمة محفّزات الحروب المستقبلية بجانب الطاقة والمياه.