ترجمة حفصة جودة
أدّت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى تعاون عسكري تقني غير مسبوق بين إيران وروسيا، لكن إلى أي مدى يمتدّ هذا التعاون؟ وكم سيمتدّ في المستقبل القريب؟
كان استخدام روسيا لذخيرة شهيد-136 (طائرات دون طيار ذاتية التفجير تستخدَم ضد أهداف ثابتة) ضد البنية التحتية الكهربائية في أوكرانيا، أبرز مثال على هذا التعاون حتى الآن.
طلبت موسكو أكثر من 1000 من تلك الذخيرة، وتوصّلت إلى اتفاق مع طهران لبناء مصنع للمسيّرات في روسيا، طلبت موسكو أيضًا صواريخ بالستية قصيرة المدى من طراز فاتح-110 وذو الفقار، ما سيجعل من الصعب على الدفاع الأوكراني إسقاطها مقارنة بطائرات شهيد.
من جانبها، ستحصل إيران على الطائرات المقاتلة الروسية طراز سو-35 بحلول عام 2023، كجزء من ما أسماه البيت الأبيض مستوى غير مسبوق من الدعم العسكري والتقني، والذي ينقل علاقتهما إلى شراكة دفاعية كاملة.
لكن هناك علامات على أن هذه الشراكة الناشئة تواجه بالفعل أوجُه قصور بارزة.
على سبيل المثال، أحد الأسباب التي دفعت روسيا إلى طلب المساعدة العسكرية من إيران -بغضّ النظر عن البدائل المحدودة التي أصبحت لديها بعد 24 فبراير/ شباط-، هو نجاح إيران في تطوير طائرات مسيّرة وأنظمة أخرى في مواجهة العقوبات الغربية.
طهران تخطط للحدّ من كمية الصواريخ التي تصدّرها لتجنُّب انتهاك قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2231.
ومع ذلك، العديد من المكونات الإلكترونية المتطورة وأشباه الموصلات في تلك الطائرات، مصنوعة بواسطة شركات غربية وليست مطوَّرة محليًّا في طهران.
في الفترة ما بين منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني و10 ديسمبر/ كانون الأول، لم تستخدم روسيا أي من طائرات شهيد، الملقّبة باسم “جيران-2” في روسيا، ضد أوكرانيا، ما يعني أنها استخدمت في فترة قصيرة أول دفعة تسلّمتها في أغسطس/ آب، والتي ضمّت حوالي 400 طائرة.
والسبب الأبرز بين ذلك، هو أن هناك مؤشرات على أن إيران قد لا تسلِّم الصواريخ البالستية قريبًا، فطهران تخطط للحدّ من كمية الصواريخ التي تصدّرها لتجنُّب انتهاك قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم 2231.
قرار جبري لروسيا
وصف المحلل الروسي المستقل والباحث غير المقيم في البرنامج السوري لمعهد الشرق الأوسط، أنطون مارداسوف، شراء روسيا للطائرات الإيرانية بالقرار الجبري، لأن روسيا لم تخطط أصلًا لشنّ هجمات ضد البنية التحتية الأوكرانية.
وأضاف: “هذه المسيّرات اُستخدمت في الخريف كبديل للأسلحة عالية الدقة ضد أهداف ثابتة، والتي لم تتطلب استطلاعًا مسبقًا”.
وبينما تملك روسيا طائرات مسيّرة بالفعل منتشرة في أوكرانيا، مثل لانسيت-3، فإنها ليست كفوءة لهذا المدى من الصراع، وتعدّ باهظة عن نظيرتها الإيرانية.
يجب أن نتذكر أن بوتين له علاقات ممتازة بعدد من خصوم إيران وأعدائها في المنطقة، فهو قريب من السيسي رئيس مصر وكذلك الإمارات والسعودية، ناهيك عن “إسرائيل”.
يقول مارداسوف: “بشكل عام، هذا التعاون خطوة إجبارية من الجانب الروسي الذي أصبح معتمدًا على إيران، وبالطبع يجب ألا يتوقع المرء أن نتيجة هذا التعاون ستكون منتجات تظهر في الأسواق”، كما حفّزت الحرب السورية هذا التعاون لأنها أعطت الروس الفرصة للاطّلاع على المسيّرات الإيرانية.
ما الذي تستفيده إيران؟
لا يبدو واضحًا تمامًا ما النفع الذي يعود على إيران لتوريدها الأسلحة لموسكو، يُقال إن إيران ترغب في طائرات سو-35 الروسية المقاتلة لتحديث قوتها الجوية القديمة، وفي بداية نوفمبر/ تشرين الثاني نقلت “سكاي نيوز” عن مصدر أن روسيا نقلت سرًّا شحنة استولت عليها من أسلحة أمريكية وبريطانية إلى إيران، بالإضافة إلى 140 مليون يورو نقدًا في أغسطس/ آب.
يقول أراش عزيزي، مؤلف كتاب “قائد الظل: سليماني” وطالب دكتوراه في التاريخ بجامعة نيويورك: “من غير المرجّح أن روسيا -التي لا تعتمد بشدة على طهران بأي شكل من الأشكال- قد تبذل ما في وسعها لتسليح إيران بأسلحة متقدمة”.
وأضاف: “يجب أن نتذكر أن بوتين له علاقات ممتازة بعدد من خصوم إيران وأعدائها في المنطقة، فهو قريب من السيسي رئيس مصر وكذلك الإمارات والسعودية، ناهيك عن “إسرائيل”، ومأساة إيران تكمن في أنها مهما حاولت تملُّق بكين وموسكو، فإنهما لن تخاطرا بعلاقتهما الهامة مع مجلس التعاون الخليجي و”إسرائيل” بسهولة”.
ويشكّك مارداسوف في أن روسيا ستقدّم أي نقل تكنولوجي بارز لأي من عتادها العسكري الذي تزود به إيران.
تطور الأسلحة الإيرانية في مواجهة العقوبات كان مفيدًا لروسيا، حتى لو كانت هذه الأسلحة تتضمن مكونات مصنوعة في الغرب.
ويضيف: “لا نعلم ذلك حتى الآن، لكني أشكّ أن الشركات الروسية والإيرانية ستُنشئ تعاونًا مستهدفًا فيما يتعلق بالتبادل التكنولوجي، سيجعل ذلك موسكو أكثر اعتمادًا على طهران، لكن الجانب الروسي قد يطلق بعض الطائرات المسيّرة المحدّثة بناءً على طائرات إيران”.
إضافة إلى ذلك، فهو يرى أن إيران لن تتعامل بخسارة، وأن عقد توريد طائرات سو-35 هو الاحتمالية الأكثر منطقية، نظرًا إلى أن الأسطول الجوّي الإيراني أصبح قديمًا للغاية.
أشار صامويل بنديت -محلل باحث في مركز التحليلات البحرية- إلى أن تطور الأسلحة الإيرانية في مواجهة العقوبات كان مفيدًا لروسيا، حتى لو كانت هذه الأسلحة تتضمن مكونات مصنوعة في الغرب.
ويضيف: “تحصل روسيا على خبرة استخدام التكنولوجيا التي جُمعت أثناء العقوبات، سواء كانت مصنوعة من مكونات إيرانية محلية أم لا، فلا علاقة لذلك بحقيقة أن روسيا الآن لديها طائرات دون طيار رخيصة يمكنها الطيران مئات الكيلومترات”.
يرى بنديت أن العمليات المحلية الإيرانية التي استحوذت على التكنولوجيا المستوردة لطائراتها ستكون مهمة لروسيا، كما يتوقع أن روسيا ستدفع ثمن هذه المعدّات الإيرانية، وهو ما يهم إيران أكثر، سواء كان نقدًا أو بالتكنولوجيا الغربية التي استولت عليها أو كليهما.
يقول بنديت: “في هذه الصفقة تحديدًا، يحصل كل جانب على ما يريده، وربما تبرز عناصر وعمليات أخرى على الطاولة -مثل الدعم السياسي-، حيث تستعدّ روسيا لشراء دفعة جديدة من طائرات شهيد أو إنتاج كمية كبيرة منها محليًّا”.
المصدر: ميدل إيست آي