ترجمة حفصة جودة
كان هذا العام الأكثر دموية في الضفة الغربية منذ نهاية الانتفاضة الثانية عام 2005، في يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول انتهت حياة فلسطيني آخر، فقد أطلقت القوات الإسرائيلية النار على جنى زكارنة (16 عامًا) في الرأس أثناء مداهمة عسكرية، حيث كانت تقف على سطح منزلها.
بعد وفاة زكارنة، طالب رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، الأمم المتحدة بإضافة “إسرائيل” إلى قائمتها السوداء للدول التي ترتكب انتهاكات خطيرة ضد الأطفال في الصراعات المسلحة.
لم تضم الأمم المتحدة “إسرائيل” بعد إلى قائمتها السنوية، لكن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، قال العام الماضي إنه يجب إضافة “إسرائيل” إلى قائمة عام 2022 إذا لم يتحسّن سجلّها في مجال حقوق الأطفال بشكل كافٍ.
لتقييم الوضع الحالي بين فلسطين و”إسرائيل”، أنهت الممثلة الخاصة للأمم المتحدة للأطفال والصراعات المسلحة، فيرجينيا غامبا، للتو زيارة رسمية هناك، وقد التقت بمسؤولين إسرائيليين ذوي رتب عالية، بمن فيهم قاضي المحكمة العليا ورئيس أركان الجيش.
وفقًا لوسائل الإعلام، فإن السلطات الإسرائيلية اهتمت كثيرًا بزيارتها بهدف إقناعها بأن “إسرائيل” تلتزم بالقانون الدولي.
ومع ذلك، اعترفت “إسرائيل” بكل صراحة استخدامها القانون بطريقة استراتيجية، فعلى سبيل المثال تؤكّد الوثيقة الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي أهمية اتّباع دبلوماسية عامة فعّالة وتشكيل للإدراك وجهود قانونية قبل وأثناء وبعد القتال، من أجل إضفاء الشرعية على العملية العسكرية.
تستخدم “إسرائيل” المبادئ القانونية مثل “حماية الطفل” و”مصالح الطفل الفضلى” كسلاح ضد الفلسطينيين.
استخدام “إسرائيل” القانون لغسل عنفها ليس بالأمر الجديد، لكن بمرور الوقت طوّرت حججًا قانونية جديدة، واستغلت مجالات قانونية إضافية.
كان أحد مجالات القانون -المعايير الدولية لحقوق الطفل- في مقدمة جهودها الحديثة لتحصين وتشريع تصرفاتها، وكما كشف كتابي الأخير، فإن “إسرائيل” تستخدم المبادئ القانونية مثل “حماية الطفل” و”مصالح الطفل الفضلى” كسلاح ضد الفلسطينيين.
لا يوجد دليل أوضح على ذلك من وضع الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية، فكل عام تحاكم “إسرائيل” المئات منهم في محاكمها العسكرية حيث تصل نسبة الإدانة إلى 99.76%، والتهمة الأكثر شيوعًا هي إلقاء الحجارة، حيث تعاقب بالسجن 10 سنوات على هذه التهمة، وربما 20 عامًا إذا اُرتكبت ضد مركبة متحركة.
وفقًا للقانون الإسرائيلي، فإن القضاة العسكريين يخوّل لهم (لكنهم ليسوا ملزمين) عقد جلسات استماع سرّية للأطفال الفلسطينيين تحت 18 عامًا، هذا الإجراء الذي تصوّره “إسرائيل” كحماية لمصالح الأطفال الفلسطينيين، يُستخدَم في الحقيقة من قبل النظام القضائي العسكري لمنع التدقيق الإعلامي والشعبي.
هذا ما فعلته المحاكم العسكرية تمامًا قبل 4 سنوات أثناء محاكمة عهد التميمي، والتي كان عمرها 17 عامًا في ذلك الوقت، صُوّرت التميمي وهي تصفع جنودًا إسرائيليين فوق ملكية خاصة لعائلتها بعد أن أطلق جندي النار على ابن عمها في رأسه من مسافة قريبة، ورغم أن محامي التميمي طلب السماح بحضور وسائل الإعلام في قاعة المحكمة، إلا أن القاضي العسكري أغلق جلسة الاستماع وطرد الصحفيين، استنادًا إلى المبدأ القانوني “مصالح الطفل الفضلى”.
في العام الذي يليه، منح تعديل قانوني القضاة العسكريين سلطة جديدة: يمكن طلب تقييم فرص إعادة تأهيل الأطفال الفلسطينيين، والذي من المفترض أن يساعد المحكمة على النظر في بدائل للاعتقال، لم يطالب النظام القانوني الإسرائيلي فقط بهذا التعديل، بل بعض منظمات حقوق الإنسان التي قدّمت حتى التماسًا للمحكمة العليا بشأنه.
فصل الأطفال عن نظرائهم الأكبر سنًّا يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات في السجون الإسرائيلية ومن قبل القوات الأمنية، فقد وردت تقارير عن انتهاكات تتضمن عنف جسدي وتهديدات وتقييد لفترة طويلة وفي أوضاع مجهِدة.
اكتشف مقدمو الالتماس بعد ذلك أن “إسرائيل” مرة أخرى تُسلّح المبادئ القانونية لحقوق الأطفال ضد الفلسطينيين، حيث أجرى الضباط الإسرائيليون المكلفون بإجراء تقارير إعادة التأهيل مقابلات مع شباب فلسطيني، لكن هذه الجلسات لم تكن مسجّلة بالكامل، ووفقًا لبعض الشباب الذين خضعوا لهذا التقييم أثناء احتجازهم، فإن الضباط الذين أجروا المقابلات حاولوا إجبارهم على الاعتراف دون أن يشرحوا لهم العواقب المحتملة للإقرار بالذنب.
أجرت “إسرائيل” المزيد من الإصلاحات المشابهة في السنوات الأخيرة، وقد صيغت جميعها لتتوافق مع حقوق الطفل والقانون الدولي، أسوأ هذه الإصلاحات تزايُد الفصل بين الأطفال والبالغين في السجون الإسرائيلية، حيث كانوا يُحتجزون سابقًا معًا.
طالبت منظمات حقوق الإنسان بهذا الإصلاح لفترة طويلة باسم القانون الدولي، ودعمَ النظام القانوني الإسرائيلي هذا الفصل أيضًا لكن لسبب آخر: منع الفلسطينيين من نقل معرفتهم السياسية من جيل إلى آخر في السجن، وذلك من خلال مجموعاتهم الدراسية المنظَّمة ذاتيًّا.
غني عن القول إن التبرير المعتاد لفصل الأطفال خلف القضبان لا يسري على السجناء السياسيين الذين يقبعون في السجون الإسرائيلية، لأفعال ذات دوافع أيديولوجية وليس اعتداءات جنسية على سبيل المثال.
في الحقيقة، وقبل فصلهم، يقدّم البالغون الفلسطينيون للصغار الدعم المادي والنفسي والتعليمي الذي لا تقدّمه السلطات الإسرائيلية، كان هؤلاء السجناء البالغين البديل الأقرب لرعاية الوالدَين، خاصة منذ احتجاز الشباب الفلسطيني في سجون داخل “إسرائيل”، وبالتالي يحرَمون من أي تواصل مع عائلاتهم في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
إن تسليح “إسرائيل” لحقوق الطفل والقانون الدولي جزء من محاولتها ارتداء عباءة الأخلاق.
الأكثر إثارة للقلق، أن فصل الأطفال عن نظرائهم الأكبر سنًّا يجعلهم أكثر عرضة للانتهاكات في السجون الإسرائيلية ومن قبل القوات الأمنية، فقد وردت تقارير عن انتهاكات تتضمّن عنفًا جسديًّا وتهديدات وتقييد لفترة طويلة وفي أوضاع مجهِدة.
وفقًا لـ”إسرائيل”، فإن هذه الإصلاحات تعزز حماية حقوق القاصرين الفلسطينيين وتضمن توفير رعاية مناسبة ومهنية للأحداث، وتعترف برفاهيتهم ومصالحهم الفضلى كعامل في تلك الإجراءات.
يبدو أن البعض في المجتمع الدولي يأخذ التصريحات الإسرائيلية على محمل الجدّ، فعند سؤال مكتب الخارجية البريطاني عن الأمر، فقد ذكر هذه الإصلاحات كمثال على بعض التحسينات والتقدم الإسرائيلي، وبالمثل استشهدت الخارجية الأمريكية بمزاعم “إسرائيل” بأن هذه الإصلاحات تحسّن معاملة القاصرين الفلسطينيين.
من وجهة نظر غير متشكّكة، إن فصل الأطفال عن البالغين وتقييم إعادة تأهيلهم وغلق جلسات الاستماع، كلها أمور تبدو خاضعة لمعايير حقوق الطفل الدولية، لكن جزءًا من المشكلة يكمن في أن مصالح الطفل الفضلى والمبادئ القانونية المماثلة يمكن تفسيرها بشكل مغاير، وغير حسّاسة للسياق، وبالتالي يسهل استقطابها من قبل الدول العنيفة.
إن تسليح “إسرائيل” لحقوق الطفل والقانون الدولي جزء من محاولتها ارتداء عباءة الأخلاق، في الواقع، بعد قتل الطفلة جنى زكارنة، أعرب مسؤول عسكري إسرائيلي كبير بشكل علني عن دعمه الصريح والمطلق للجنود الذين أطلقوا النار عليها، قائلًا إنهم تصرفوا بشكل أخلاقي.
لذا، هل من الممكن أن يكون القانون والحقوق ليسا ببساطة جزءًا من الحل، بل أيضًا جزءًا من المشكلة؟ في ضوء المشاركة المتزايدة لحقوق الطفل والقانون الدولي في عنف الدولة الإسرائيلية، يبدو أن ذلك ممكنًا أكثر من أي وقت مضى.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية