عندما طبعت كل من الإمارات والبحرين مع “إسرائيل” عام 2020، وانضمت إليهما لاحقًا كل من السودان والمغرب، توقع كثيرون أن تكون سلطنة عُمان الدولة التالية التي تنضم إلى “اتفاقيات إبراهام”، لأن السلطنة حافظت على علاقات منخفضة المستوى مع “إسرائيل” منذ سبعينيات القرن الماضي، كما زار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشكل مفاجئ، مسقط، عام 2018، والتقى بالسلطان الراحل قابوس بن سعيد، وغيره من كبار المسؤولين العمانيين.
?جلالة السلطان المعظم يستقبل ببيت البركة دولة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي https://t.co/faOgfSFX93#مركز_الأخبار pic.twitter.com/B3qFuxLvl9
— مركز الأخبار (@omantvnews) October 26, 2018
مسقط تخالف توقعات الإسرائيليين
المعلومة تكررت أيضًا في تصريح لرئيس قسم شؤون الشرق الأوسط وعملية السلام في وزارة الخارجية الإسرائيلية إلياف بنيامين الذي قال: “سلطنة عمان قد تكون الدولة التالية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”، مؤكدًا أن “إسرائيل كان لديها في الماضي بعثة في مسقط، تم تشكيلها بعد اتفاقيات أوسلو”.
وأضاف إلياف بنيامين “إسرائيل تشارك أيضًا في مشروع تعاون هيدروليكي بالاشتراك مع عمان والأردن ولطالما وصفت سلطنة عمان بأنها واحدة من الدول التي يحتمل أن تكون مستعدةً لإقامة علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”، بعد الترحيب بتوقيع الاتفاقات الإبراهيمية التي تم التوصل إليها عام 2020”.
لكن وزير خارجية سلطنة عمان بدر البوسعيدي، ربط موقف بلاده من إقامة علاقات التطبيع مع “إسرائيل”، بتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، ونقلت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، عن وزير الخارجية العماني قوله إن بلاده “أول دولة خليجية تدعم السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979″، مؤكدًا أن “مسقط لن تنضم إلى اتفاقيات أبراهام، لأنها تفضل المبادرات التي تدعم الشعب الفلسطيني”.
الشورى العماني يتحرك لتشديد قانون مقاطعة “إسرائيل”
مضى مجلس الشورى العماني إلى أبعد من ذلك، ففي يوم الإثنين الماضي 26 ديسمبر/كانون الأول، أحال مجلس شورى سلطنة عمان، مشروع قانون تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة “إسرائيل” إلى اللجنة التشريعية والقانونية لاستيفاء الجوانب الإجرائية، ويقضي التعديل بتوسيع قانون مقاطعة “إسرائيل”، ليشمل المجالات الرياضية والثقافية والاقتصادية.
نائب رئيس مجلس الشورى العماني يعقوب الحارثي، قال: “مقترح المشروع يوسع من نطاق المقاطعة التي نصت عليها المادة المذكورة ويفضي إلى توسع في التجريم وتوسع في مقاطعة هذا الكيان”، وأضاف الحارثي، وفق وكالة “واف” العمانية (مستقلة)، عقب انتهاء الجلسة الاعتيادية لمجلس الشورى، “القانون في صيغته الحاليّة يحظر التعامل مع الكيان الصهيوني، سواء للأفراد أم الشخصيات الاعتبارية”.
#الوصال| سعادة يعقوب الحارثي: جاء مقترح تعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة #إسرائيل نظرًا للتطور التقني والثقافي والرياضي والاقتصادي واقترحوا بتعديلات إضافية لتشمل قطع أي علاقات اقتصادية أو ثقافية وحظر التعامل بأي وسيلة كانت سواء كان لقاء واقعي أو إلكتروني @Yaqoobalharthy pic.twitter.com/jbulntIrSL
— Al Wisal – الوصال (@al_wisal) December 26, 2022
وأشار الحارثي إلى أن “أعضاء مجلس الشورى الذين تقدموا بالطلب نظروا إلى التطور الحاصل، سواء كان التقني أم الثقافي أم الاقتصادي أم الرياضي، واقترحوا تعديلات إضافية تتضمن قطع أي علاقات اقتصادية كانت أو رياضية أو ثقافية، وحظر التعامل بأي طريقة أو وسيلة كانت، سواء كان لقاءً واقعيًا أم لقاءً إلكترونيًا أم غيره”.
نلفت إلى أن سلطنة عمان من أوائل الدول العربية التي أصدرت قانونًا خاصًا لمقاطعة “إسرائيل”، فقد أصدر السلطان الراحل “قابوس بن سعيد” عام 1972 قانون مقاطعة “إسرائيل”.
حاولت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إغراء العديد من البلدان العربية والإسلامية بواسطة تحفيزات مالية أو سياسية أو عسكرية، من أجل ركوب قطار التطبيع مع “إسرائيل”، الأمر الذي تحقق فعليًا مع عدة دول هي: الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
وادعت هيئة البث الإسرائيلية قبيل مغادرة ترامب، أن “هناك اعتقادًا يسود لدى صناع القرار في “إسرائيل”، أن سلطنة عمان هي الدولة القادمة التي ستقيم علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” بعد المغرب”، مرجحة أن “تنضم السعودية إلى ركب السلام حتى قبل تداول السلطة في البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني عام 2021”.
وقال مسؤول إسرائيلي رفيع لهيئة البث: “تجري اتصالات مع 10 دول إسلامية أخرى للتطبيع مع “إسرائيل”، وفي مقدمتها باكستان وإندونيسيا إلى جانب النيجر ومالي وجيبوتي وموريتانيا وجزر القمر وبروناي وبنغلاديش وجمهورية المالديف”.
لماذا لم تنضم سلطنة عمان إلى اتفاقات التطبيع؟
رغم هذه التصريحات الإسرائيلية المتفائلة وما سبقها من زيارة لنتنياهو إلى مسقط عام 2018 ووجود قدر من التواصل العماني مع “إسرائيل”، فإن السلطنة لم تنضم إلى الدول التي طبعت مع الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي ربما سبب قدرًا من الإحباط لدى المسؤولين في تل أبيب، خاصة مع التحركات الأخيرة لمجلس الشورى العماني الذي يتجه إلى توسعة قانون مقاطعة “إسرائيل”.
جدير بالذكر أن هذه التحركات دعمتها الحكومة العمانية ممثلة في وزير الخارجية بدر بن حمد البوسعيدي، إذ يرى الوزير قرار مجلس الشورى العماني القاضي بتوسعة التطبيع مع “إسرائيل”، بأنه “يعبر عن تطلعات شعب بلاده ودول المنطقة”.
وأضاف البوسعيدي في تصريحات لوكالة أنباء “إرنا” الإيرانية، أن قرار المجلس يهدف أيضًا إلى دعم التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفقًا للمعايير الدولية ومبادرة السلام العربية.
يُعتقد أن أحد أسباب رفض مسقط الانضمام لاتفاقيات التطبيع، ما ورد في تصريح وزير الخارجية العماني الأخير، “الإصرار المتكرر على ضرورة أن يكون أي اتفاق مع “إسرائيل” مسبوقًا بموافقة الأخيرة على حل شامل يقوم على مبادرة السلام العربية التي وضعها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عام 2002″.
السبب الآخر هو العلاقات التجارية والسياسية الوثيقة التي تجمع السلطنة بإيران المجاورة، فالاستثمارات الإيرانية وكذلك التبادل التجاري مع طهران يخدمان الاقتصاد العماني بشكل كبير، إذ تمكنت مسقط، وعلى مدى سنوات طويلة، من الحفاظ على توازن دقيق بين علاقاتها الجيوسياسية مع دول ضفتي الخليج العربي، وتحديدًا إيران والسعودية.
تمتُع السلطنة بعلاقة جيدة مع طهران منذ مدة طويلة، يجعل أي اتفاق مع “إسرائيل” على غرار اتفاقيات إبراهام أمرًا غير وارد في القريب العاجل، وإلا ستشعر طهران بالتهديد المباشر لأمنها القومي، ما قد يدفعها إلى إعادة النظر في أواصر العلاقة الوثيقة التي تجمعها مع مسقط.
لا يمكن التقليل من أهمية الدور الذي تؤديه سلطنة عمان في المنطقة وتأثيرها الكبير في حل النزاعات، فقد ظلت السلطنة وسيطًا مقبولًا وفاعلًا نشطًا على الساحة الدبلوماسية بين جميع الأقطاب المتناحرة حولها، لا سيما بين الإسرائيليين والفلسطينيين وبين الأمريكيين والإيرانيين، وعليه لا يمكن تصور أن تضع مسقط نفسها في محور التطبيع المقرب من “إسرائيل”.
مونديال قطر يحرج المطبعين
الشيء الآخر الذي قد يكون وراء عدم تحمس عمان للانجرار وراء “اتفاقيات أبراهام” أن نسخة مونديال 2022 لكرة القدم التي استضافتها قطر مؤخرًا، كشفت بكل وضوح زيف اتفاقيات التطبيع، وأكدت دعم الجمهور العربي لفلسطين خلال فعاليات كأس العالم في قطر.
أكدت العديد من المواقف قوة ارتباط الشعوب العربية بفلسطين وعدم تخليها عن القضية الفلسطينية، في وقت كانت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب و”إسرائيل” تعتقدان أن توقيع اتفاقيات التطبيع مع بعض الأنظمة العربية يعني تخلي العرب عن فلسطين.
لعل أبرز نجاحات بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر كان في تصدر القضية الفلسطينية للحدث والتشديد على الرفض الشعبي لكافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني. هذا النجاح كان ثمرة جهود شعبية وتضامن عفوي من جماهير البطولة، فكل الشكر لكل من ساهم فيه#فلسطين_في_مونديال_قطر pic.twitter.com/laFoOl3ckE
— شباب قطر ضد التطبيع (@QAYON) December 24, 2022
موقع “ذي إنترسبت” الأمريكي، يرى أن دعم المشجعين من جميع أنحاء العالم العربي في كأس العالم بقطر، لفلسطين، أظهر عدم إمكانية تحقيق السلام الذي تحدث عنه جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
ويضيف الموقع أن اللافتات الضخمة التي رفعت في المدرجات مثل “فلسطين حرة” وترديد شعارات مثل “بالروح بالدم نفديك يا فلسطين”، واقتحام المشجعين المقابلات التليفزيونية الإسرائيلية للتلويح بالأعلام الفلسطينية وتوبيخ المراسلين، تشير إلى الدعم اللافت ومدى سوء تقدير كوشنر، بتحقيق السلام، عندما أقنع ترامب بعض الحكام العرب بتوقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي مع “إسرائيل” دون احترام الحقوق الفلسطينية.
Watch: Football fans chant for Palestine during Qatar vs. Netherlands match at #FIFAWorldCup, today ?? pic.twitter.com/uyChhP6uch
— Quds News Network (@QudsNen) November 29, 2022
أخيرًا، يمكن القول إن سلطنة عمان ما زالت تمضي على السياسة الخارجية التي اختطها السلطان الراحل قابوس بن سعيد ووردت في أحد خطاباته: “لقد أثبت النهج الذي اتبعناه في سياستنا الخارجية خلال العقود الماضية جدواه وسلامته بتوفيق من الله…”.
وهنا يكمن السبب الرئيسي وراء إحجام عُمان عن التوقيع على اتفاقيات إبراهام أو أي اتفاق مماثل، وهو التزام السلطنة بالحياد وعدم التدخل في النزاعات الإقليمية، إضافة إلى الأسباب الأخرى.