أعلن نادي النصر السعودي لكرة القدم عن تعاقده مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، بعد رحيله رسميًا عن نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، ليصبح لاعبًا في صفوف الأصفر حتى عام 2025، في صفقة هي الأكبر في تاريخ المملكة والأكثر ضجةً وإثارةً خلال السنوات الأخيرة.
ولم يكشف النادي السعودي عقب إعلانه عن توقيع العقد مع اللاعب في العاصمة الإسبانية مدريد الجمعة 30 ديسمبر/كانون الأول 2022، التفاصيل المادية للتعاقد، الذي أشارت تقارير إعلامية إلى أن قيمته تجاوزت 390 مليون ريال (104 ملايين دولار) في العام الواحد، بينما ذهبت أخرى إلى أضعاف هذا الرقم، أما صحيفة “ديلي ميل” البريطانية فتحدثت عن تجهيزات خرافية ستكون في استقبال الأسطورة الكروية، لافتة إلى النادي سيوفر له قصرًا قيمته تصل إلى 12.2 مليون جنيه إسترليني.
وتعد تجربة رونالدو مع النصر السعودي هي الأولى له خارج الدوريات الأوروبية التي صال وجال فيها عبر عدد من الأندية التي لعب لها مثل سبورتينغ لشبونة البرتغالي ومانشستر يونايتد الإنجليزي وريال مدريد الإسباني ويوفنتوس الإيطالي.
ورغم أن رونالدو لم يكن اللاعب العالمي الوحيد الذي خاض تجربة الاحتراف في الدوريات الخليجية، إذ سبقه آخرون على رأسهم جوارديولا (الأهلي القطري) وتشافي وراؤول جونزاليس (السد القطري) وفابيو كانافارو (أهلي دبي) وديفيد تريزيجيه (بني ياس الإماراتي)، فإنه يعد أكثرهم تاريخًا وتتويجًا بحسب الأرقام الرسمية.
حالة الاحتفاء التي خيمت على منصات التواصل الاجتماعي عقب الإعلان عن الصفقة لم تمنع العديد من التساؤلات التي فرضت نفسها على الساحة ويأتي في مقدمتها: ماذا يمكن أن يقدم اللاعب صاحب الـ37 عامًا لنادي النصر؟ وهل يستحق رونالدو هذه المبالغ المالية الخرافية التي دُفعت فيه؟
الرياضي الأعظـم عالميًا ?
يـوقع رسميًا لـ #العالمي ?#رونالدو_نصراوي pic.twitter.com/BBq469mAYh
— نادي النصر السعودي (@AlNassrFC) December 30, 2022
إضافة قوية للدوري السعودي
تجدر الإشارة إلى أن وجود لاعب بحجم ومكانة رونالدو في الدوري السعودي لا شك أنه سيكون إضافة قوية، بصرف النظر عن أدائه ومستواه الحاليّ، فالقيمة هنا قيمة رمزية لأسطورة كروية من الطراز الأول، وهو ما سيجعل الدوري المحلي السعودي محط أنظار واهتمام وسائل الإعلام العالمية التي ستتسارع لنقل أخبار اللاعب العالمي.
وبعيدًا عن تصنيف الدوري السعودي ومستواه الفني وحجم قوته مقارنة بدوريات المنطقة فإن وجود لاعب فائز بالكرة الذهبية 5 مرات والحذاء الذهبي 4 مرات، وحاصل على دوري أبطال أوروبا 5 مرات والدوري الإنجليزي 3 مرات والإسباني مرتين ويورو 2016 وأكثر من 34 بطولة في سجله الكروي، سيعطي له زخمًا وقيمة ما كان له الحصول عليها في غياب الصاروخ البرتغالي.
وكان الهداف التاريخي لريال مدريد وللمنتخبات ولدوري أبطال أوروبا، محط أنظار السعوديين منذ التوتر الذي شاب علاقته بنادي مانشستر يونايتد قبل أشهر، وبدأ النصر السعودي فتح قنوات اتصال معه، تلك القنوات التي تعززت أكثر خلال مونديال قطر 2022 وأسفرت عن موافقة اللاعب على تحويل دفته من ملاعب أوروبا إلى الملاعب الخليجية.
من أوروبا إلى الخليج
تعرض اللاعب البرتغالي لانتقادات من بعض أنصاره بسبب قبوله اللعب في الدوري السعودي وتركه للدوريات الأوروبية، فهناك فارق كبير بين المستويين، فيما اعتبر آخرون هذه النقطة محورية في تاريخ رونالدو الذي انتقل من قمة الإثارة الكروية في أوروبا إلى أحد الدوريات الضعيفة مقارنة بما كان فيها قبل ذلك.
غير أن كثيرًا من تلك الانتقادات تعاملت مع رونالدو على أنه ذلك اللاعب الذي كان يهز أرجاء ملاعب جوزيه ألفالادي، وسانتياغو وأولد ترافورد، دون مراعاة العديد من العوامل الأخرى التي جعلت بقائه في أوروبا مسألة ربما تضعه في الكثير من المواقف الحرجة وتشوه تاريخه الكروي.
فاللاعب صاحب الـ37 عامًا يعاني من تراجع واضح في مستواه خلال الآونة الأخيرة، هذا بجانب بعض السمات الشخصية التي وترت علاقته بالأندية التي لعب فيها، ولعل علاقته بإدارة مانشستر يونايتد خلال الآونة الأخيرة خير شاهد على تفاقم الوضع، وعليه تخشى أندية أوروبا من استقدامه تجنبًا لأي مشاكل مستقبلية قد يثيرها رونالدو الذي يأبى الجلوس على دكة الاحتياط ويرغب في الوجود داخل المستطيل الأخضر معظم الأوقات، وهو ما قد يخالف رؤية الجهاز الفني، ما ينجم عنه مشاكل كبيرة، وصلت في بعض الأحيان إلى انسحاب اللاعب من المباريات وعدم حضور التمرين ثم التصريحات الهجومية ضد الإدارة والمدير الفني.
يعلم الأسطورة الكروية البرتغالية أن وجوده في الملاعب لن يتجاوز العامين وأن احتمالية اللعب في الدوريات الأوروبية باتت أمرًا صعبًا، وعليه جاءت الفرصة السعودية لتكون قشة الإنقاذ للاعب، فهذا العقد الخيالي في قيمته والزخم الإعلامي المتوقع مرافقته في تلك التجربة، قد يعوضاه نسبيًا عن انسحاب الأضواء عنه خلال الآونة الأخيرة.
صفقة تاريخية مذهلة بانتقال أفضل لاعب في العالم ل #النصر
نأمل أن يستشعر اتحاد الكرة ولجانه المسؤولية والارتقاء بالعمل؛ فالدوري السعودي مع دخول 2023 سيكون تحت أنظار العالم. #كرستيانو_رونالدو#كرستيانو_رونالدو_نصراوي pic.twitter.com/sJnnCyEQBL
— عبدالله بن ناصر الفرج (@AlFaraj3) December 30, 2022
سفير ملف المونديال
من الواضح وفق ما تناقلته تقارير إعلامية أن التعاقد مع رونالدو لم ينحصر في الأداء داخل الملعب فقط، كلاعب في صفوف النصر، بل سيكون سفيرًا لملف استضافة السعودية – رفقة مصر واليونان – لمونديال كأس العالم 2030، بعد انتهاء مشواره الكروي داخل المستطيل، ورغم أن المملكة لم تعلن بشكل رسمي نيتها التقدم بملف استضافة النسخة بعد القادمة من كأس العالم، فإن استقدام لاعب بحجم كريستيانو ربما يرجح تلك الفرضية.
ووفق تقرير “ديلي ميل” فإن تعاقد رونالدو لم يكن لمدة عامين كما تردد، بنهاية 2025، بل سبع سنوات كاملة، موسمان كلاعب وخمس سنوات كسفير لملف المونديال، كاشفة أن الأجر الإجمالي الذي سيتقاضاه اللاعب يبلغ 1.2 مليار جنيه إسترليني (1.45 مليار دولار) خلال السنوات السبعة.
وأسال نجاح قطر في تنظيم مونديال 2022 لُعاب العديد من الدول المجاورة، وذلك بعد الإبهار والإشادات العالمية بتلك النسخة التي وصفت بأنها “الأفضل في تاريخ البطولة”، وهو ما حرك المياه الراكدة في مجاري الرياضة الخليجية والعربية التي خرجت لتكشف النقاب عن احتمالية تكرار السيناريو ذاته وذلك بالتقدم لاستضافة نسخة 2030.
ولا شك أن وجود شخص بحجم رونالدو على قائمة وفد السعودية حال تقديمها ملف استضافة المونديال سيكون له أثره الجيد واعتباراته القوية، وهو ما تخطط له الرياض خلال السنوات القادمة، مع الوضع في الاعتبار احتمالية ألا يكون كريستيانو هو اللاعب العالمي الوحيد الذي يأتي للدروي السعودي، إذ تشير بعض الأنباء إلى وجود أسماء أخرى خلال الآونة المقبلة، من بينهم النجم العالمي ليو ميسي.
قل أعوذ برب الفلق ??#كرستيانو_رونالدو_نصراوي pic.twitter.com/1Tu2RBXF1c
— وردة مابوه مثله? (@manol1271) December 31, 2022
الترويج للمملكة
لا يمكن بأي حال من الأحوال قراءة استقدام لاعب بمكانة رونالدو بهذا المقابل المادي الخرافي بمعزل عن إستراتيجية الترويج للمملكة وتجميل صورتها الخارجية من خلال الشخصيات العالمية والأحداث الضخمة، وهي الإستراتيجية التي اتبعتها الرياض خلال السنوات السبع الأخيرة منذ تقلد محمد بن سلمان منصب ولي العهد في أبريل/نيسان 2015.
وكثفت المملكة عبر أجنحة الرياضة والفن والترفيه والإعلام من جهود الترويج لنفسها خلال الأعوام الماضية، فحاولت قدر الإمكان توظيف قوتها الناعمة لطمس الانتهاكات الفجة في سجلها الحقوقي التي وضعتها في مرمى الانتقادات الحقوقية الدولية.
فعلى المستوى الرياضي، تحول رئيس هيئة الترفيه الحاليّ ورئيس اتحاد الكرة سابقًا، تركي آل الشيخ، إلى ذراع ابن سلمان اليمنى لتحقيق هذا الغرض، وقد استهل مشواره داخل الساحة المصرية حيث قضى هناك قرب عامين في تجربة جاءت بنتائج عكسية بعدما تغول الرجل في المشهد الرياضي فأفسده بشكل كبير، وتسبب في إحداث فتنة كروية بين مشجعي قطبي الكرة المصرية، الزمالك والأهلي، لينتقل بعد خروجه المهين من الساحة المصرية إلى أوروبا، حيث اشترى نادي ألميريا، أحد أندية دوري الدرجة الثانية في إسبانيا، لكن يبدو أن شعبية النادي المتراجعة لم تلب طموحات الأمير الشاب، فكان التحرك الأكثر جدلًا من خلال شراء نادي نيوكاسل الإنجليزي، في صفقة مولها الصندوق السيادي للمملكة بقيمة 340 مليون جنيه إسترليني (380 مليون يورو) مقابل الاستحواذ على 80% من أسهم النادي.
ومن الرياضة إلى الفن، حيث تحولت الرياض وجدة إلى مسرحين كبيرين لاستضافة الفعاليات والاحتفالات الكبرى، لتستبدل المملكة حضورها العالمي من ثقلها الديني (مسقط رأس الرسول محمد عليه السلام وعاصمة الإسلام الأولى وموطن الكعبة ) إلى عاصمة الترفيه العالمي وملتقى الفرق الاستعراضية ونجوم الفن بشتى أنواعه.
ويكشف حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه “جوي أوردز” (Joy Awards)، الذي احتضنته العاصمة الرياض في 27 يناير/ كانون الثاني 2022 على هامش ختام فعاليات موسم الرياض الترفيهي السنوي، ترسخ هذا التوجه الجديد في عقلية السلطات السعودية، حيث شهد الحفل حضور عشرات النجوم العالمية على رأسها النجمين: الأمريكي جون ترافولتا والهندي سلمان خان.
وفي إطار هذا التوجه جاء التعاقد مع رونالدو، الذي من المتوقع أن يخطف الأضواء وكاميرات الإعلام في الداخل والخارج خلال الفترة المقبلة، مع الوضع في الاعتبار أن تلك الصفقة لن تكون الأخيرة في ضوء الأهداف البعيدة التي تسعى إليها المملكة من وراء هذا المسار وهو ما ألمح إليه ضمنيًا وزير الرياضة السعودي عبد العزيز بن تركي الفيصل، بتعليقه على انضمام النجم البرتغالي للنصر، حين غرد قائلًا: “سعيد بوجود أحد أفضل لاعبي العالم لبدء مسيرته الجديدة في السعودية” وتابع “سندعم بقية أنديتنا بصفقات نوعية مع نجوم عالميين قريبًا”.