ترجمة وتحرير: نون بوست
بدأ نموذج الاقتصاد التركي، بحكم الأمر الواقع، بخفض سعر الفائدة بنسبة 1 بالمئة في أيلول/ سبتمبر 2021، فيما كان الإعلان الأول عن هذا النموذج ووضعه قيد الاستخدام (رسميًا) مع بيان الرئيس أردوغان في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 2021.
أعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإشارات الأولى لنموذج اقتصادي جديد في مقابلته على قناة ”’تي آر تي” في 30 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2021. ومن ناحية أخرى؛ أطلقت وزارة الخزانة والمالية اسم النموذج في بيانها الصادر في 16 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2021؛ وأكدت أن جميع المؤسسات ستدعم هذا النموذج بطريقة شفافة يمكن التنبؤ بها، وأن جميع الأدوات ستستخدم بشكل فعّال في هذا الاتجاه بالتنسيق مع السياسات النقديّة والماليّة.
أداء السنة الأولى
سياسة الفائدة، وهي أكثر أداة تم الشعور فيها بتأثير النموذج الاقتصادي الجديد؛ حيث تم تخفيض معدل نسبة الفائدة من 19 بالمئة في صيف سنة 2021 إلى 9 بالمئة بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2022. في الوقت الحالي؛ تم تعليق دورة تخفيض سعر الفائدة، والتي تكررت 8 مرات، فأسعار فائدة السوق تتناقص أيضا خطوة بخطوة. وانخفضت عائدات السندات لأجل عامين بمقدار 14 نقطة (إلى 8 في المائة) في العام الماضي. وكذلك، انخفضت أسعار الاقتراض من الخزانة لأجل 10 سنوات إلى أقل من 9 بالمئة.
أيضًا؛ فسياسة القرض الانتقائية الجديدة في نطاق نموذج الاقتصاد التركي لا تقل أهمية، فمن جهة؛ تم تخفيض فوائد القروض والتمويل، ومن ناحية أخرى؛ تم الشروع في توزيع القروض بشكل انتقائي، بحيث لا يكون للسيولة الرخيصة والتمويل المقدم تأثير تضخمي على الاستهلاك، وتوجيه هذه القروض إلى الاستثمار والإنتاج. وبناءً عليه، بدلاً من القروض المخصصة للاستهلاك (التي تضخم الأسعار والواردات والديون)، تم إعطاء الأولوية لقروض الإنتاج والتوظيف والاستثمار.
وعززت إستراتيجية ”الليرة” وبرنامج ”الودائع المحمية بالعملة” المستخدمة لهذا الغرض بشكل كبير من قيمة العملة الوطنية. فمن خلال إستراتيجية ”الليرة” تم منع الدولرة، والمضاربات والتلاعبات على سعر الصرف والتشجيع على التعامل بالعملة الوطنية. وأصبح تطبيق ”الودائع المحمية بالعملة” الأداة الأكثر أهمية في نموذج الاقتصاد التركي من خلال تعزيز الثقة في العملة الوطنية والاستقرار المالي.
أُطلق برنامج ”الودائع المحمية بالعملة” في كانون الأول/ديسمبر سنة 2021 وحقق مكاسب كبيرة في الحد من الطلب على العملات الأجنبية، وحماية قيمة الليرة التركية واستقرار سعر الصرف في فترة مليئة بالاضطرابات المحلية والإقليمية والعالمية. وبهذه الطريقة؛ ومن خلال تمديد آجال استحقاق ودائع الليرة في هذا البرنامج، تم تعزيز الاستقرار المالي والنظام المصرفي. على سبيل المثال؛ انخفضت حصة الودائع التي تصل أجل استحقاقها إلى 3 أشهر من 92 في المائة إلى 75 في المائة، وساعد ذلك على زيادة القدرة على التنبؤ بسعر الصرف المستقبلي.
وتجاوزت ودائع الليرة التركية، بعد مدة طويلة، ودائع العملات الأجنبية؛ حيث تم تخفيض حصة الودائع بالعملات الأجنبية من إجمالي الودائع من أكثر من 60 بالمئة إلى أقل من 50 بالمئة، وتمت زيادة حصة ودائع الليرة التركية إلى 52 بالمائة، وانخفضت الودائع بالعملات الأجنبية من 261 مليار دولار إلى 228 مليار دولار.
ارتفعت معدلات التضخم بشكل حاد بسبب المزيد من الانقطاعات المفتوحة في سلسلة التوريد، وتحركات أسعار السلع والطاقة، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب، وتأثير سعر صرف العملة المحلية، وربما الأهم من ذلك، تدهور التوقعات
وبالنظر إلى جانب النمو الاقتصادي؛ لا تزال الصورة إيجابية، فعلى الرغم من التضخم وتقلبات أسعار الصرف؛ تم تسجيل نمو للاقتصاد في سنة 2021 ليصل إلى نسبة 11.4 بالمائة، وكان النمو في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2022 أعلى من 6 في المائة. أما في عام 2020، وعلى الرغم من الوباء؛ كانت تركيا واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا بنسبة 1.9 في المئة. وشهدت استثمارات الآلات والمعدات، رائدة الإنتاج الصناعي، نموًا مطردًا لمدة 12 ربعًا، وكذلك فإن نمو الصناعة والسياحة ما زال قويًا خلال هذه الفترة.
وفي هذا النموذج الاقتصادي؛ تفضل تركيا الإنتاج والتوظيف والاستثمار والصادرات. وعلى الرغم من عدم الاستقرار العالمي وفترة التضخم والكود؛ حطم الاقتصاد التركي أرقامًا قياسية في الصادرات بـ 253 مليار دولار. من جهة أخرى؛ لا تزال العمالة قوية؛ حيث تجاوز إجمالي العمالة الرقم التاريخي البالغ 30 مليون (على أساس 31.6 مليون)، وظل معدل البطالة عند 10 بالمئة.
بالنسبة للعجز المزدوج؛ من المتوقع أن يكون المسار إيجابيًّا في الفترة المقبلة. ففي حين أن بيانات الشهر الماضي عن عجز الميزانية إيجابية؛ فإن عجز الحساب الجاري وعجز التجارة الخارجية يتزايدان. ومع ذلك؛ من المتوقع أن تتحول هذه البيانات الكلية إلى أرقام إيجابية مع المسار الأفقي لأسعار السلع الأساسية وأسعار الطاقة واستقرار سعر الصرف. وفيما يتعلق بتمويل عجز الحساب الجاري؛ لعبت الاستثمارات الكبيرة الممولة من الخارج، ولا سيما السياحة، والزيادات الاحتياطية على شكل مقايضات ماليّة وودائع، دورًا داعمًا.
أمّا الاحتياطيات الرسمية فقد زادت من 109 مليارات دولار في العام الماضي إلى 130 مليار دولار. كما أن ديون الحكومة المركزية أقل بكثير من الأمثلة في الغرب، وانخفضت إلى أقل من 40 بالمئة مرة أخرى بعد الوباء. ومع ذلك، فإن زيادة الاحتياطيات إلى مستوى الديون مع استحقاق يصل إلى عام، وبالتالي إلى مستوى 180 إلى 200 مليار دولار، سيسهم بشكل كبير على المدى المتوسط.
ونأتي إلى البورصة؛ حيث تحطم بورصة إسطنبول الأرقام القياسية واحدة تلو الأخرى كدليل على الثقة في مستقبل الاقتصاد التركي. ففي العام الماضي؛ لوحظت زيادة تصل إلى 2.64 مرة، وبينما كان مؤشر بورصة إسطنبول 100 (BIST 100) عند المستوى 2056 نقطة في 20 كانون الأول/ ديسمبر سنة 2021، فقد وصل إلى المستوى 5419 نقطة في 20 كانون الأول/ديسمبر في سنة 2022.
وبالنظر إلى مستويات التضخم؛ ارتفعت معدلات التضخم بشكل حاد بسبب المزيد من الانقطاعات المفتوحة في سلسلة التوريد، وتحركات أسعار السلع والطاقة، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب، وتأثير سعر صرف العملة المحلية، وربما الأهم من ذلك، تدهور التوقعات. في الآونة الأخيرة، بدأ اتجاه هبوطي في التضخم؛ حيث تلعب العديد من العوامل مثل انخفاض أسعار السلع إلى جانب التأثير الأساسي لانخفاض تأثير صدمات العرض، وعدم انقطاع الإنتاج، واستقرار سعر الصرف دورًا في توقع هذا الانخفاض.
ما الذي يُخطط له؟
يهدف ”نموذج الاقتصاد التركي”، إلى إنقاذ اقتصاد تركيا من دوامة معدل الفائدة/ الديون/ سعر الصرف، والقضاء الاقتصاد التركي القائم على نظام الريع وجني الأموال من المال، وتوزيع ما ينتجه الاقتصاد على جميع السكان بشكل أكثر إنصافًا وشمولية، لهذا الغرض؛ بُني هذا النموذج الجديد على اقتصاد قائم على التصدير والإنتاج والتوظيف والمزيد من الاستثمارات الجديدة والانفتاح على الأسواق الخارجية.
لذا؛ في فترة يضطر فيها العالم بأسره إلى الاختيار بين الركود أو عدم اليقين تحت قبضة التضخم وأسعار الفائدة وأسعار الصرف، من المهم ضمان الاستقرار الكلي والمالي في البلاد. إن نموذج الاقتصاد التركي يهدف إلى التعبير عن الرؤية التي تحتاجها تركيا بأسسها الاقتصادية وبنيتها التحتية القوية ورأس المال البشري المتعلم والشاب. كذلك النجاح الذي يتعين تحقيقه في الاستقرار المالي الكلي في العام الجديد، نتيجة هذا الأداء في العام الماضي؛ مهم من حيث تحقيق فائض الحساب الجاري وأهداف التنمية المستدامة.
المركز: مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية