ترجمة وتحرير: نون بوست
مر ما يقارب الأربع سنوات منذ أن أعلنت الحكومة البريطانية عن مراجعة إستراتيجية “المنع“؛ حيث تحولت هذه المراجعة إلى حالة من الفوضى، فقد عينت وزارة الداخلية في البداية اللورد كارلايل كيو سي (مراجع مستقل لتشريعات الإرهاب من عام 2001 حتى عام 2011) لتنفيذ المهمة، ولكن سرعان ما تحول الأمر إلى إخفاق تام نتيجة إجباره على التنحي، في إهانة للحكومة؛ حيث سبق وأعلن عن دعمه القوي للبرنامج الذي سيراجعه.
وبدأ البحث مرة أخرى عن من يشغل الوظيفة، ثم ظهرت أنباء في أوائل العام الماضي عن منح المنصب إلى ويليام شوكروس، والذي كان اختيارًا مثيرًا للجدل لسببين؛ أنه صحفي ومؤلف حسب الطلب؛ حيث كتب سيرة ذاتية رائعة لكل من قطب الصحافة روبرت مردوخ والملكة الأم، وأنه كان يمتلك القليل من المؤهلات الواضحة للقيام بهذه المهمة.
والأهم من ذلك؛ أن اختيار شوكروس كان مقلقًا للغاية بالنسبة للعديد من المسلمين، فقد أعرب شوكروس بالفعل عن وجهات نظره حول الإسلام؛ حيث قال للجمهور الأمريكي قبل 10 سنوات: “أوروبا والإسلام هما من أعظم المشاكل وأكثرها رعبًا في مستقبلنا، وأعتقد أن جميع الدول الأوروبية لديها تعداد كبير ومتسارع في النمو من السكان المسلمين”.
كما دافع نجل هارتلي شوكروس، كبير المدعين البريطانيين خلال محاكمات نورمبرغ لمجرمي الحرب النازيين بعد الحرب العالمية الثانية، في كتابه الصادر سنة 2012 “العدالة والعدو“، عن الاستخدام الأمريكي لأساليب الاستجواب، بما في ذلك الإيهام بالغرق، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها أحد أساليب التعذيب، ناهيك عن دفاعه عن اعتقال مسلحين يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة في خليج غوانتانامو.
وخلال رئاسته لمفوضية المؤسسات الخيرية من 2012 إلى 2018، تلقت الجهة الرقابية شكاوى من التحيز المؤسسي ضد المسلمين، وهو ما نفته المفوضية وشوكروس.
رعونة التسريبات
أدت هذه الخلفية إلى أن مُنح شوكروس هذه الوظيفة الحساسة للغاية كمراجع مستقل لإستراتيجية “المنع” حالة من المفاجأة والغضب؛ حيث تسبب ذلك في مقاطعة أكثر من 450 منظمة إسلامية، بما في ذلك 350 مسجدًا وإمامًا، لمراجعة الحكومة لبرنامج مكافحة التطرف، لكن الوزراء تمسكوا به رغم ذلك؛ حيث سلم شوكروس مراجعته إلى وزارة الداخلية في الصيف الماضي.
ومنذ ذلك الحين تصاعدت الفوضى؛ فقد كان تقرير شوكروس، الذي يُفترض أنه حاسم للأمن الداخلي لبريطانيا، مستندًا إلى ما يمكن وصفه على أفضل وجه بأنه برنامج تسريبات رعناء في الحكومة البريطانية؛ فقد أخبر المحرر السياسي إدوارد مالنيك القراء أنه قد تم عرض وثيقة شوكروس السرية على صحيفته “التلغراف”، وفي مقال نشر في أيلول/سبتمبر الماضي؛ كشف مالنيك عن معرفة تفصيلية بالمراجعة، بما في ذلك اقتباسات مباشرة منها؛ حيث قال إن شوكروس كان يخطط “لتقييم لاذع لبرنامج “المنع”، اطلعت عليه التلغراف”.
وقال مالنيك إن التقرير سيحذر من أن إستراتيجية “المنع” كانت تركز بشكل غير متناسب على التطرف اليميني، مقتبسًا من شوكروس قوله إن: “الحقائق تُظهر بوضوح أن التهديد الأكثر فتكًا في العشرين عامًا الماضية جاء من الإسلاميين”.
كان يحارب من أجل إثبات خطة حصان طروادة الخاصة به من خلال هذه المراجعة
ووفقًا لمالنيك، فقد ذكر شوكروس أن المسؤولين المشاركين في برنامج “المنع” ربما يركزون على التطرف اليميني “بما يتجاوز التهديد الفعلي الذي يمثله”، في محاولة “لدرء الاتهامات” بأن تركيزهم السابق على المتطرفين الإسلاميين كان “وصمًا لمجتمعات الأقلية”.
وفي يوم الأربعاء الماضي علمنا سببًا مزعومًا آخر للتأخير الأخير في نشر المراجعة، وهو الخلاف داخل مجلس الوزراء، فوفقا لصحيفة التايمز، كانت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان مستعدة لنشر مراجعة شوكروس وقبول جميع توصياتها، لكنها بحسب ما قيل قبلت أيضًا المشورة القانونية بحجب أسماء الأفراد والجماعات المتهمين في التقرير بـ “نشر التطرف الإسلامي” في بريطانيا. (إذا كان هذا صحيحًا، فإن إمكانية أن يُعرض تقرير غير منقح كان على صحيفة وطنية يجعل الأمر هو الأكثر تهورًا وانعدامًا في المسؤولية).
سياسة مثيرة للسخرية
ومع ذلك، فقد ورد أن هذا الاقتراح أثار غضب زميل برافرمان في مجلس الوزراء، مايكل جوف، الذي كان يريد تسمية هذه المجموعات، ووفقًا لصحيفة التايمز فإن جوف “يجادل بأنه من المهم أن يتم نشر التقرير المستقل بالكامل لإعطاء أدق وأكمل صورة لحالة التطرف في بريطانيا”.
وقال أحد المصادر في التايمز إن جوف كان “يحارب من أجل إثبات خطة حصان طروادة الخاصة به من خلال هذه المراجعة” – في إشارة إلى الفكرة التي تم دحضها الآن لمؤامرة حصان طروادة، عندما اتُهمت مجموعة من المعلمين بالتآمر للاستيلاء على مدارس في برمنغهام.
وبما أنني كنت صحفيًا سياسيًا على مدى العقود الثلاثة الماضية، فأنا متشكك في تقرير التايمز، الذي تم نشره على الصفحة الأولى ومتابعته في العديد من الصحف الصادرة يوم الخميس الماضي، وهذا لأنه غير منطقي.
التقرير يصور برافرمان على أنها أكثر ليونة من سلفها بريتي باتيل، وهي ليست كذلك، كما يصور أن برافرمان تم تخويفها من قبل محامي وزارة الداخلية، وهذا غير منطقي أيضًا.
ويصور التقرير جوف بشكل محير على أنه يريد إعادة النظر في “خطة حصان طروادة” التي كادت أن تكلفه حياته المهنية عندما تم عزله من منصب وزير التعليم من قبل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون في سنة 2014، ويظهر جوف في هذه القصة باعتباره كمتطفل في الحكومة مصمم على زعزعة استقرار وزير منافس، وكمتابع منذ زمن طويل لـ”جوفستر” (لقب للوزير جوف يعبر عن فكره السياسي)، فإن هذا الجزء من القصة على الأقل مقنع للغاية.
شيء واحد يمكن قوله على وجه اليقين، إنه من النادر أن نرى مثل هذه السياسات المثيرة للسخرية التي صاحبت مراجعة شوكروس من وابل التسريب والتسريب المضاد في وسائل الإعلام، ولئلا ننسى، فقد تم تسريب تعيين شوكروس إلى صحيفة تليغراف المحافظة قبل اكتمال عملية الاختيار.
التعصب ضد المسلمين
يحق للمسلمين البريطانيين ملاحظة أنه لم تكن هناك أي محاولة لإشراكهم في المحادثة؛ حيث تذهب هذه التسريبات مرارًا وتكرارًا إلى الصحف الموالية للحكومة التي لها سجل في نشر قصص كاذبة ومتعصبة ضد المسلمين.
وهذا ليس مستغربا؛ فإذا كانت التقارير صحيحة فإن شوكروس يدعو إلى اتباع نهج متشدد تجاه المجتمع المدني الإسلامي، يعرّف فيه الأشخاص الذين يتصرفون في إطار القانون على أنهم متطرفون ويطردهم من الحياة العامة نتيجة لذلك.
وتميل وسائل الإعلام البريطانية السائدة إلى حجب هذه النقطة وسط تركيزها على مكافحة الإرهاب؛ حيث يعتبر برنامج “المنع” في الواقع برنامجًا لمكافحة التطرف، في حين أن أولئك الذين يُطلب التدخل بواسطته لمواجهتهم؛ لم يفعلوا شيئًا غير قانوني.
في غضون ذلك تصر حكومة المحافظين على أن إستراتيجية “المنع” هي مسألة تتعلق بالأمن القومي، لكن سلوك الوزراء يروي قصة مختلفة تمامًا، فقد تم تحويل تقرير شوكروس إلى كرة قدم سياسية؛ حيث تم تداوله بشكل مثير للسخرية في هذه الحلقة الأخيرة من الاقتتال الداخلي المرير بين حزب المحافظين والحروب الثقافية.
المصدر: ميدل إيست آي