صناعة المحتوى في الشمال السوري.. فرصة وتحديات

تعتبر صناعة المحتوى على مواقع التواصل الاجتماعي من أبرز النشاطات التي لاقت انتشارًا وتعارفًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في ظل التسابق بين المستخدمين على إعداد ونشر المحتوى واختيار طريقة معالجة الأفكار وعرضها وتقديمها للجمهور بأنماط متعددة بين مكتوب ومسموع ومرئي، بهدف جذب الجمهور للمشاهدة وتحقيق الأرباح من عائدات الإعلانات وغيرها.
وفي خضم ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي من زخم في المحتوى بأنواعه المختلفة، كان للشمال السوري نصيب منه، حيث بدأ بعض الأشخاص العمل في صناعة المحتوى المرئي “الفيديو” ونشره على مواقع فيسبوك ويوتيوب وتيك توك، وتختلف المواضيع من شخص إلى آخر بحسب الاهتمامات والإمكانات المتاحة التي يملكها صانع المحتوى، نستعرض في هذا التقرير عدد من صناع المحتوى الذين يحاولون الاستمرار في ظل ظروف وتحديات صعبة للغاية.
موسى البكر، مهندس زراعي يقيم في منطقة سهل الروج بمحافظة إدلب شمال غرب سوريا، ويعمل في صناعة المحتوى الزراعي، وينشره على موقعي فيسبوك ويوتيوب منذ قرابة العام، لإيصال المعلومات الزراعية، مستخدمًا الفيديو والصور.
ويقدم البكر، في المحتوى المرئي الذي ينتجه، طرق الزراعة الناجحة، كما يعرض التجارب الزراعية ومراحل نمو المحاصيل الزراعية بأنواعها المختلفة وطرق مكافحة الأعشاب والحشرات الضارة، فضلًا عن نقل الثقافات الزراعية في سوريا، إلى جانب تعريف المتابعين بما تشتهر به المناطق في ريف إدلب.
وعن تجربة صناعة المحتوى قال في حديثه لـ”نون بوست”: “إنها تجربة رائعة ومنحتني مزيدًا من الدافع للاستمرار في تقديم الاستشارة الزراعية للمزارعين الذين يتابعونني على مواقع التواصل الاجتماعي، وإيصال الأفكار الزراعية المهمة لهم، لا سيما أن المنطقة يعمل معظم سكانها في الزراعة وتشكل مصدر دخل لنسبة كبيرة منهم”.
فرصة عمل وآمال لتحقيق الدخل
يعاني السوريون في مناطق شمال غرب سوريا من انعدام مصادر الدخل وانخفاض الأجور واتساع رقعة البطالة، ما تسبب في انعدام الاستقرار المعيشي والاقتصادي، الأمر الذي دفع أرباب الأسر إلى طرق أبواب كل المجالات بغية تحقيق أدنى المتطلبات الضرورية لأسرهم، حيث تشكل صناعة المحتوى واحدةً من الأبواب التي وجدت أمامهم.
مصطفى عبد الرحمن، معلم مادة التربية الرياضية في بلدة العيون بالقرب من مارع بريف حلب الشمالي، يعمل على صناعة المحتوى الاجتماعي والتعليمي، مستهدفًا القضايا والمشاكل التي تواجه السوريين في الشمال السوري بطريقة إبداعية وإمكانيات محدودة.
ويمتلك العديد من المواهب إلى جانب عمله مدرسًا لمادة التربية الرياضية، كالخط العربي ورسم الغرافيتي، ما دفعه إلى إطلاق قناة على موقع يوتيوب خلال العام 2021، لتعليم الخط العربي، ولاحقًا خلال العام 2022، أطلق صفحة على موقع فيسبوك ينشر فيها محتوى اجتماعيًا، مستهدفًا القضايا التعليمية والاجتماعية التي تتعلق بمناطق شمال غرب سوريا.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “إنني أهتم بالقضايا التوعوية والتعليمية والاجتماعية التي تسلط الضوء على الواقع السوري، لكن رغم ذلك لا تعد فرصة عمل يمكن من خلالها الحصول على عائدات مالية لإعالة الأسرة، كوني في منطقة حرب غير مستقرة، وفيها الكثير من القضايا والمشاكل التي تواجه الناس، أحاول نقلها بصورة بسيطة وإمكانيات محدودة، مستخدمًا كاميرا الموبايل، وجدار في منزلي أرسم عليه”.
مضيفًا “أتمنى أن أواصل عملي في إنتاج المحتوى رغم شح الإمكانيات وقسوة الواقع الذي لا يساعد على الاستمرار، بسبب الحاجة إلى العمل وتوفير مصادر دخل أخرى لإعالة الأسرة، فالعمل في التعليم لا يغني من جوع كون راتب المعلم لا يتجاوز 55 دولارًا أمريكيًا”، مشيرًا إلى أنه يأمل في أن يتابع عمله ويتمكن من جني الأرباح لإعالة أسرته.
من جانبه، قرر محمد أبو النور المعروف بـ”الشيف المعاق”، إنشاء قناة على موقع يوتيوب في شهر يوليو/تموز 2022، بعدما أغلقت الأبواب أمامه في الحصول على فرصة عمل بهدف إعالة أسرته، نتيجة تعرضه للإصابة وفقدان أطرافه بقصف جوي لطيران النظام على منزله في مدينة حلب.
دفعت الظروف المعيشية السيئة “الشيف المعاق”، للبحث عن مصادر دخل تتناسب ووضعه الصحي، مستخدمًا موهبته التي ورثها عن والدته في طهي الطعام الذي تشتهر به مدينة حلب، حيث شرع في إنشاء إستديو تصوير بإمكانيات محدودة، لتصوير الحلقات، في مكان مهجور أسفل منزله في قرية سيجر ذات الطبيعة الجبلية، التي تبعد عن مركز محافظة إدلب 5 كيلومترات.
وقال خلال حديثه لـ”نون بوست”: “لدي ثلاثة أهداف من إنشاء القناة على موقع يوتيوب، أولها، إيجاد مصدر رزق مادي لإعالة أسرتي، فأنا المسؤول الوحيد عنها، وثانيها، رفع معنويات مصابي الحرب في سوريا وفاقدي الأطراف، فهم غير قادرين على العمل بسبب إصابتهم، وثالثها، نقل ثقافة وخبرات المطبخ الحلبي والسوري وعرضه بطريقة ممتعة للمتابعين السوريين والعرب”.
تحديات وصعوبات تواجه صانعي المحتوى
يواجه الشيف المعاق – مثله مثل باقي صناع المحتوى في الشمال السوري – جملة من التحديات والصعوبات التي تمنعه من الاستمرار في إنتاج المحتوى المرئي على موقع يوتيوب وفيسبوك، لا سيما عدم قدرته على توفير المعدات اللازمة من أدوات التصوير والكمبيوتر المحمول الذي ينتج من خلاله الفيديوهات، وأيضًا غياب الكهرباء عن منطقته وانعدام الاعتماد على ألواح الطاقة الشمسية خلال الشتاء، كما يعاني من غياب الإنترنت، فيستغرق إنتاج مقطع فيديو مدته 10 دقائق، 10 أيام من العمل نتيجة غياب الوسائل كما أوضح خلال حديثه لـ”نون بوست”.
ورغم تحقيق شروط الربح من القناة التي أنشأها على موقع يوتيوب، التي فاق عدد متابعيها الـ27 ألف متابع، وأكثر من 5500 ساعة عرض، لم يحصل على دولار واحد من عائدات القناة، إذ يحتاج إلى تفعيل حساب AdSense الخاص بالإعلانات، رغم إنشاء القناة خارج الأراضي السورية لتحقيق الربح بسبب حظر إمكانية الربح عن صانعي المحتوى في سوريا.
قال صانع المحتوى الاجتماعي الترفيهي، حسن العبد الله، خلال حديثه لـ”نون بوست”: “الشمال السوري وسوريا بشكل عام محظورة من إمكانية الحصول على الأرباح من مواقع فيسبوك ويوتيوب، بسبب العقوبات الامريكية المفروضة عليها، لذلك أنشأت قناة اليوتيوب من تركيا، لكنها لم تحقق شروط الربح المتمثلة في وصول عدد المتابعين إلى أكثر من 10 آلاف، وأكثر من 4 آلاف ساعة عرض”.
وأضاف “هناك عدد من المشاكل التي تواجه صناع المحتوى، أبرزها المشاكل الأمنية وعدم تقبل الشارع للتصوير في الأسواق والأحياء خلال إعداد الحلقات الاجتماعية والكوميدية، إضافةً إلى مشاكل أخرى تتعلق بمعدات التصوير والإنتاج، إذ يفتقر معظم صانعي المحتوى لإمكانية توفير المعدات من كاميرات وحواسيب للمنتجة، ما ساهم في الحد من ازدهار صناعة المحتوى في الشمال السوري”.
نهايةً، تعد صناعة المحتوى بمواضيعه المختلفة في مناطق شمال غرب سوريا، عملًا مرهقًا، كونه يصطدم بتحديات الواقع المفروض على السوريين، لا سيما غياب الاستقرار في مختلف المجالات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية، ما انعكس سلبًا على صناع المحتوى وحجم الأنشطة والمشاريع الناشئة.