ما زال التوتر يحيط بمحافظة درعا، مهد الثورة السورية، فلا يكاد الهدوء يتسلل إليها قليلًا حتى تقطعه تحركات طرف ما، وقد باتت أطراف المسألة في الجنوب السوري كثيرة، ما أدى إلى تعقد الأمور وتشابك الخيوط، لكن الثابت الوحيد أن أهالي درعا ما زالوا على عهد الثورة والمبادئ التي خرجوا من أجلها ثابتين، وهو الأمر الذي زاد من حقد الكثير من الأطرف عليهم، فما زال أهالي درعا يخرجون مظاهراتهم في كل ناحية وبلدة ويطالبون بمطالب الثورة الأولى.
لكن النظام السوري وحلفاءه الروس والإيرانيين وميليشيات حزب الله يحاولون إجهاض الحراك الدرعاوي الذي أصبح استثنائيًا في سوريا، فبعد اتفاق عام 2018 بين النظام والمعارضة برعاية روسية لم تستطع قوات الأسد أن تجعل المحافظة والمدن التابعة لها راضخة بالمطلق لها، كما أن تهجيرًا كاملًا لم يحصل فيها كما حصل في مدن أخرى أُخليت بالكامل.
مظاهرات
مؤخرًا خرج العشرات من أهالي مدينة جاسم في درعا، بمظاهرة شعبية طالبوا فيها بإسقاط نظام الأسد والإيفاء بوعوده بالإفراج عن المعتقلين المغيبين قسريًا في سجونه منذ سنوات، فيما ردّت قوات الأمن العسكري عليهم بالرصاص الحي في محاولة لتفريقهم، ونشرت صفحة “تجمع أحرار حوران” التي تنقل الأخبار من قلب درعا، مجموعة صور لعشرات المتظاهرين يرددون شعار “الشعب يريد إسقاط النظام” ويرفعون أعلام الثورة السورية ولافتات تطالب بالإفراج عن المختفين قسريًا في سجون النظام.
سبق ذلك خروج مظاهرة في مدينة الصنمين شمال درعا، تحذر من انتشار المخدرات والتمدد الإيراني في المنطقة، وقد وقف المتظاهرون بالقرب من فرع الأمن الجنائي، كذلك حمل المتظاهرون في مدينة داعل لافتات طالبت بالإفراج عن المعتقلين، وفي مدينة تل شهاب رفع المتظاهرون أعلام الثورة السورية، مطالبين بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين.
الحالة الأمنية
لم تتغيّر خلال السنوات الماضية طريقة النظام الأمنية في التعامل مع أبناء درعا، رغم وجود عملية تسوية بين أهالي درعا والنظام برعاية روسية، وكان من أبرز نقاط التسوية:
– سحب القوات العسكرية إلى ثكناتها.
– إيقاف ملاحقة النشطاء والمعارضين العسكريين والمدنيين.
– الإفراج عن كل المعتقلين داخل السجون التابعة للنظام.
– إبعاد إيران وميليشياتها عن الحدود الجنوبية لسوريا ما لا يقل عن 80 كيلومترًا.
لكن أيًا من هذه النقاط لم يتم تنفيذها، خاصة أن إيران غير راضية عنها وهي التي تحاول تخريب المنطقة، بالإضافة إلى الميليشيات الشيعية التي تستقدمها وعلى رأسها حزب الله، خاصة أن درعا على الحدود مع فلسطين المحتلة وهو ما يضعها على رأس الاهتمامات الإيرانية لتكون قاعدة لها بالقرب من “إسرائيل”، يأتي ذلك في ظل تنافس إيراني روسي على توسيع النفوذ في هذه المنطقة.
وقد وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا، استشهاد 31 شهيدًا من أبناء محافظة درعا خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بينهم خمسة أطفال وسيدة وشهيدان تحت التعذيب في سجون قوات النظام، كما تم توثيق 5 شهداء تم إعدامهم ميدانيًا في استمرار للارتفاع الكبير في عمليات الإعدام الميداني منذ عدة أشهر.
اغتيالات متلاحقة
لم تصدر إلى الآن إحصائية تبين عدد حالات الاغتيالات التي جرت في درعا خلال عام 2022، لكن محاولات الاغتيال هذا العام حصدت أرواح العشرات من مختلف الاتجاهات، من معارضة ونظام وميليشيات شيعية ومهربي المخدرات وقد شملت عمليات الاغتيال المحافظة بشكل كامل، ووصف الكاتب رياض الزين الحالة بـ”حرب الجميع على الجميع”، بحيث لا يُعرف من يقتل من وما الغاية.
مؤخرًا أصيب قائد محلي لمجموعة مسلحة في بلدة داعل متهم بتجارة المخدرات والتعاون مع الأجهزة الأمنية، لتضاف هذه الحادثة إلى سلسلة عمليات وحوادث شهدتها محافظة درعا خلال يومين ماضيين راح ضحيتها 10 أشخاص مختلفين بالاتجاهات، حيث قتل الناشط الميداني إبراهيم الحريري بعبوة ناسفة، ثم أصيب الشاب علي زطام الحلقي بجروح إثر استهدافه من مجهولين في مدينة جاسم شمال درعا، إضافة إلى إصابة طفل بجروح كان على مسافة قريبة.
كما قتل عنصر شرطي يعمل في ناحية الجيزة بريف درعا الشرقي وأصيب آخر وخطف مدير الناحية، وبحسب تقرير نشرته صحيفة “الشرق الأوسط” هوجمت نقطة عسكرية تعرف باسم الرادار تابعة لقوات الأمن وجيش النظام فقتل 4 عناصر، كما تم استهداف الشاب باسل الرفاعي بالرصاص في مدينة طفس، وقبله قتل النقيب محمد جبور في بلدة محجة.
يذكر أن عمليات الاغتيال لم تهدأ منذ عام 2018 الذي شهد اتفاق التسوية مع النظام برعاية روسية، ففي العام المنصرم 2020، وبحسب مكتب توثيق شهداء درعا، فقد وقعت ما مجموعه 409 عمليات ومحاولات اغتيال، أدت إلى مقتل 269 شخصًا وأصيب 102، بينما نجا 38 شخصًا من محاولات اغتيالهم، وتوزعت العمليات ومحاولات الاغتيال على ريف درعا الغربي بنسبة 53.3% من إجمالي الحوادث الموثقة، بينما بلغ العدد 107 في ريف درعا الشرقي ما نسبته 26.1%، وفي مدينة درعا 84 ما نسبته 20.6% من إجمالي العمليات.
وثق مكتب التوثيق، ما لا يقل عن 1000 محاولة اغتيال خلال أقل من 3 أعوام على سيطرة قوات النظام على كامل المحافظة، منذ أغسطس/آب 2018 حتى يونيو/حزيران 2021، واستهدفت العمليات مقاتلي فصائل المعارضة السابقين الذين انضموا إلى اتفاقية “التسوية” ورفضوا الالتحاق بقوات النظام بعدها، وكذا استهدفت المقاتلين الذين انضموا إلى قوات النظام.
يذكر أن جزءًا كبيرًا من عمليات الاغتيال التي تتم مؤخرًا، تستهدف عناصر يتبعون لشبكات تهريب وترويج المخدرات، ما يفسر ذلك كثرة الجثث التي يعثر عليها في المنطقة وعليها ملصق يحمل كلامًا يوضح أن السبب هو تجارة المخدرات، في حين أن مجموعات أخرى تعمل على تصفية من تصفهم بـ”عملاء إيران وحزب الله”.
المخدرات
يعتبر الجنوب السوري خاصة محافظتي درعا والسويداء الحاضنة الكبرى في سوريا حاليًّا لإنتاج وتهريب حبوب مادة الكبتاغون، حيث يتجاوز عدد معامل الإنتاج بين معامل رئيسية ومنزلية 9 معامل، تنتج عشرات الآلاف من هذه الحبوب المخدرة بشكل يومي، وباتت عمليات التهريب عبر الحدود الأردنية تشكل قلقًا بالغًا لدول العالم، خاصة أن سوريا باتت المصدر الأول على مستوى العالم لهذه المادة التي تغزو أسواق الشرق الأوسط بمساعدة النظام السوري وإيران وتشكل موردًا اقتصاديًا مهمًا لميزانية النظام السوري.
يذكر أن أمريكا أقرت قانونًا لمكافحة “كبتاغون الأسد” وسيوفر القانون خلال المرحلة القادمة أساسًا قويًا يمكن بناء آليات وإستراتيجيات جديدة ومهمة لمكافحة تصنيع هذه الحبوب وتجارتها وتهريبها، وهو ما تسبب بقلق فوري لنظام الأسد الذي بدأ بمحاولات الالتفاف على القانون بعدة أشكال أولها تهريب أول شحنة مخدرات إلى الأردن عبر الحدود العراقية، التي استطاعت الأجهزة الأردنية المختصة كشفها.
وبما أن النظام يعتمد على الجغرافية الجنوبية لسوريا بإنتاج وتهريب المخدرات، فإنه يكيد لدرعا من هذا المنطلق، فقد بدأ النظام بالترويج بأن القانون الأمريكي يهدف إلى سيطرة أمريكا على محافظات الجنوب السوري، وهو ما أكده عضو مجلس الشعب السوري خالد عبود الذي يقول: “القانون الأمريكي يمهد للسيطرة الأمريكية على الجنوب السوري بمحافظاته الثلاثة درعا والسويداء والقنيطرة”.
وأشار عبود إلى أن الأردن يلعب دوره التاريخي القذر في حصار سوريا والتآمر عليها، وفي إضعافها وجرها إلى طاولة التسليم والتطبيع العربي، مقابل الحفاظ على العرش الهاشمي، مقابل ألا يتحول هذا الكيان المقطوع إلى وطنٍ بديلٍ للفلسطينيين.
وفقًا لتجمع أحرار حوران فإن المعطيات على الأرض في درعا والسويداء تشير إلى أن “النظام السوري وبدعم إيراني من الممكن أن يلجأ إلى التصعيد خلال المرحلة المقبلة في محاولة لإثارة الفوضى لقلب الطاولة على قانون مكافحة الكبتاغون”، ويشير التجمع إلى أن “بوادر التصعيد بدأت بالظهور، حيث يعمل النظام من خلال أجهزته الأمنية على إثارة أبناء محافظة درعا، من خلال عودة الاغتيالات من جديد، وإيصال رسائل للمتظاهرين المطالبين بالإفراج عن المعتقلين، بأن يفعلوا ما يشاؤون فليس هناك إفراج عن أي معتقلين”.
بالمحصلة، يحاول النظام بشتى الوسائل الإيقاع بمحافظة درعا بمساعدة إيرانية روسية، وهو الأمر الذي لم يستطع فعله خلال السنوات الماضية، من أجل ذلك يتخوف الأهالي من مخططات جديدة تهدف إلى خلخلة المدينة وثوارها وهذه المخططات تعتمد على “داعش” والمخدرات والاغتيالات.