ترجمة وتحرير: نون بوست
من المسلّم به أن الإسلاموفوبيا أصبحت موقفًا أيديولوجيًا رئيسيًا يشكل السياسات المحلية والدولية للدول الغربية وغيرها من الدول بشكل متزايد، فضلاً عن التصوّرات الشائعة حول المسلمين والإسلام. والأدلة على ذلك موجودة في وسائل الإعلام المختلفة والبيانات الرسمية والمستقلة للمنظمات غير الحكومية والشهادات الفردية والبحوث الأكاديمية الوفيرة على مدى العقود الثلاثة الماضية.
للإسلاموفوبيا الغربية، على وجه الخصوص، جذور تاريخية عميقة للغاية تعود على الأقل إلى الحروب الصليبية والغزو الاستعماري وحكم الشعوب ذات الأغلبية المسلمة.
وهذا الإرث الواسع لكلتا الفترتين الممتدّ لقرون لا يزال حاضرًا في ثقافات ومجتمعات اليوم. لكن الخوف من المسلمين وعدم الثقة تطور خلال العقود القليلة الماضية إلى استياء وكراهية عميقة للإسلام. وقد تعزز هذا العداء إلى حد كبير بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وما تلاها من تضييق أمني على المسلمين في كل من الغرب وفي أجزاء أخرى من العالم.
كان تأثير “الحرب العالمية على الإرهاب” بعيد المدى بوجود سياسات “مكافحة التطرف” و”مكافحة التعصب” المحلية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة. وبعد أكثر من عقدين، أصبحت نظريات “صراع الحضارات” و”الاستبدال العظيم” و”تعريب أوروبا” سائدةً.
مرحلة جديدة من الإسلاموفوبيا
بعد تجاوز سياسات التمييز، وصلت بعض البلدان الآن إلى نقطة الاضطهاد الصريح للمسلمين بما في ذلك مواطنيها “الأصليين”. وهذه الطفرة في الإسلاموفوبيا طالت كل بلد غربي، وحتى الدول الأكثر انفتاحًا وتسامحًا وتعددًا للثقافات والديمقراطية والليبرالية لم تسلم منها.
في الآونة الأخيرة، دخلت الإسلاموفوبيا مرحلة جديدة تتميز بعملية ثلاثية: التقارب والتبلور (تتجمع الآن الحكومات والأحزاب والحركات والقوى المختلفة المناهضة للإسلام التي كانت معزولة في الماضي)؛ والتوسع الأفقي/الجغرافي؛ والتكثيف/الاختراق الرأسي، الذي يؤثر على المزيد من مجالات الحياة حتى الأكثر حميمية منها مثل (العائلة، والخيارات التعليمية للوالدين، وحرية المعتقد والوعي، وما إلى ذلك).
نحن نشهد الآن ما يمكن أن يُسمّى عصر الإسلاموفوبيا العلمية، التي تتميز بزيادة كبيرة في الأساليب والتقنيات الإبداعية والفعالة (القديمة والجديدة) والأدوات (بما في ذلك الأدوات القانونية) والاستراتيجيات المعادية للمسلمين والإسلام. وعلى غرار استراتيجيات القوة المنطقية لفوكو، نسجت هذه الخطوط المتعددة للاحتواء والاختراق شبكة لا مفر منها تقريبا لأغلب المسلمين.
من بين الأمثلة على ذلك السياسات المشتركة لفرنسا ومصر ودول الخليج بشأن “الإسلاموية” وتجريم جماعة الإخوان المسلمين. وهذه الرواية مستنسخة في بلدان مختلفة وتُستخدم لتقويض عملية الديمقراطية وغيرها من أسس تلك المجتمعات.
المؤامرة المرضية حول الحياة الإسلامية الطبيعية: تكون الظواهر الطبيعية مستهدفة في هذه الحالة، بما في ذلك افتتاح مسجد ومكتبة إسلامية ومحل بيع لحوم حلال
من المهم تحديد وتسمية تلك الاستراتيجيات لفهم هذه الظاهرة. ونظرا لكثرتها، ارتأينا تقديم أفضل 10 استراتيجيات مألوفة للترويج للإسلاموفوبيا:
المسلمون “تحدي”، والإسلام “مشكلة”: تتمثل إحدى الاستراتيجيات الرئيسية المعادية للإسلام في تشكيل “بعبع الإسلام” الخيالي والجوهري، الذي يُصوّر من خلاله الإعلام والسياسيون والمثقفون العامون البارزون وحتى كبار الفنانين (بما في ذلك العديد منهم في العالم العربي ذي الأغلبية المسلمة) الإسلام والمسلمين كمشكلة أو تهديد وجودي أو في أحسن الأحوال “تحدٍ” (“للجمهورية” و”الديمقراطية” و”الحضارة الغربية” وما إلى ذلك).
إن إشكالية وجود الإسلام والمسلمين في البلدان الغربية وغيرها تخلق جوًا دائمًا من الخوف وعدم الثقة في هذا الدين ومعتنقيه، ويستمر ذلك من خلال العمل الدؤوب على إثارة الجدل واختلاق “تهديدات” كاذبة أو مصطنعة أو مبالغ فيها بشكل كبير، مثل “الإسلاموية”، وتصنيع حلقات من الذعر الأخلاقي والهستيريا تكون في كثير من الأحيان حول الزي الإسلامي للنساء.
المؤامرة المرضية حول الحياة الإسلامية الطبيعية: تكون الظواهر الطبيعية مستهدفة في هذه الحالة، بما في ذلك التحولات الديمغرافية الطبيعية للمجتمعات الغربية بسبب التركيبة السكانية والهجرة – تغير المساحة الحضرية وبعض الأحياء وظهور الملابس الإسلامية في الشوارع، وبناء مسجد بجوار كنيسة كاثوليكية.. – وتُصور في شكل مؤامرة مثيرة للريبة حول “أسلمة أوروبا”، باعتبارها “استفزازات” أو علامات على الجهاد الخفي، ليُقدم ذلك على أنه دليل قاطع على مشروع غزو أيديولوجي عالمي لاستبدال أوروبا بخلافة إسلامية واسعة.
وعلى هذا النحو، تصبح التغييرات الثقافية العادية وغير الضارة، مثل افتتاح مسجد ومكتبة إسلامية ومحل بيع لحوم حلال في نفس الحي، دليلاً على غزو مخطط له من خلال بناء “أنظمة بيئية إسلامية“. وتعد كل ممارسة إسلامية روتينية مهما كانت بسيطة دليلًا آخرًا على استيلاء عدائي مخطط له ومنسق من الخارج من قبل المشتبه بهم المعتادين، وهم: المملكة العربية السعودية أو تركيا أو قطر.
تأديب المسلمين
التضييق الأمني على الإسلام والمسلمين: في حين أن “تآمر السكان المسلمين” لا يعدو أن يكون سوى تصور زائف، فإن هذه الرواية الخيالية للإسلام لها عواقب سياسية خطيرة، فيما أسمته جوسلين سيزاري التضييق الأمني على المسلمين – الذي يتمثل في اتخاذ تدابير سياسية استثنائية من النوع القمعي مثل زيادة الوجود العسكري والضوابط الأمنية، والمراقبة المنهجية للمساجد، وما إلى ذلك – الذي يأتي من اعتبار الإسلام تهديدًا مما يدفع الحكومات اليسارية واليمينية والوسطية لمعاملة هذا الدين ومن يعتنقونه على أنهم في المقام الأول “مصدر للخطر”، وأنهم من السكان الذين يحتاجون إلى المراقبة والتأديب.
الحالة الاستثنائية: إن الاستثناء الذي يُجرّد المسلمين من حقوقهم الأساسية بذريعة الأمن القومي تسلل إلى كل مجال من مجالات الحياة ويؤثر على المجتمعات الأخرى أيضًا، بينما يؤثر بشكل كبير ويشكل السياسة العامة والثقافة والحياة الأكاديمية والفكرية.
تسليح مبادئ الديمقراطية: للتستر على هذا المشروع المعادي للإسلام، غالبًا ما تنتشر المغالطات والأكاذيب الصارخة حول طبيعة الأنظمة السياسية الغربية والمجتمعات التي تمارس التمييز بشكل روتيني ضد المسلمين.
تعتبر فرنسا مثالا صارخًا لبلد ومجتمع غالبًا ما يتم تقديمه على أنه “علماني” – عندما يتعلق الأمر بمناقشة الإسلام. لكن هذا الادعاء مضلل هذا إن لم يكن كاذبًا. ومع أن فرنسا دولة علمانية، إلا أنها ليست علمانية على الإطلاق وهنا يكمن الفرق. وهذا يعني أن الحياد الديني وقاعدة السلطة التقديرية لا تنطبق سوى على الدولة وممثليها الرسميين والموظفين الحكوميين وموظفي الخدمة المدنية مثل معلمي المدارس العامة ومديريها، والقضاة، والمسؤولين المنتخبين وغيرهم.
لكن إلى حين صدور قانون 15 آذار/ مارس 2004 الذي يحظر ارتداء العلامات والرموز والأزياء الدينية في المدارس العامة، لم يكن القصد من العلمانية الفرنسية في جانبها الحيادي الديني استهداف أفراد المجتمع لأن ذلك فيه انتهاك لحريتهم الدينية المكفولة دستوريًا. وفرض هذا الحظر على تلاميذ المدارس والآن أوليائهم، فيه تزييف خطير وانتهاك فعلي للعلمانية الفرنسية، بما في ذلك قانونها التأسيسي لسنة 1905 المتعلق بالفصل بين الدين (الكنائس) والدولة.
بذلك يصبح ما كان في الأصل قانونا ليبراليا عميقا ومتكافئا وتحرّريا هدفه الحفاظ على الحريات الرئيسية، بما في ذلك حرية المعتقد للجميع، فاسدًا ومزيفًا بحيث لا يمكن التعرّف عليه في صورة علمانية غير ليبرالية وزائفة. كما تحول إلى ما ليس كذلك – أي إلى سلاح معادٍ للإسلام – من قبل أولئك الذين يزعمون أنهم يدعمونه، ويمكن استخدامه بعد ذلك ضد المسلمين.
التقسيم والمعاقبة
ثنائية “المسلم الصالح والمسلم السيئ”: على غرار خطاب مالكولم إكس الشهير لسنة 1963، تختار استراتيجية “فرّق تسد” الكلاسيكية والفعالة التي يمكن ملاحظتها بسهولة في وسائل الإعلام والسياسة، بعض المسلمين لطاعتهم السياسية أو خضوعهم للحكومات وتصفهم بأنهم “معتدلون” و شرعيون، ثم تضعهم في الواجهة في الأوقات الحرجة.
يقوم السياسيون ووسائط الإعلام بالترويج للنموذج الأول والاحتفاء به وعرضه في كل مكان كنموذج يحتذى به في “الاندماج” ليحاكيه بقية المسلمين؛ ويُكافؤون بسخاء على هدوئهم السياسي أو عدم نشاطهم أو دعمهم لأنشطة الحكومات (التعيينات في اللجان الحكومية والرسمية، وما إلى ذلك)، في حين يتم تشويه سمعة الفئة الثانية من المسلمين علنا ووصفها بأنها “راديكالية” و”متطرفة” و”أصولية” و”إسلامية” ويحظر نشاط منظماتها بذرائع وهمية، ويتعرض قادتها للاضطهاد. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى حالة طارق رمضان الرمزية.
والجدير بالذكر أن ممارسة سياسة التقسيم والتأديب والعقاب ملحوظة حتى خارج الدول الغربية، بما في ذلك البلدان ذات الأغلبية المسلمة مثل المغرب أو المملكة العربية السعودية أو مصر أو باكستان وكذلك داخل الأقليات المسلمة الغربية.
ازدواجية المعايير الغربية: تتعدد أمثلة الدول التي أخضعت الإسلام لمعيار منفصل. ففي إحدى الحالات، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير داخليته جيرالد دارمانين في سنة 2021 ميثاقهما المتعلق بمبادئ الإسلام الفرنسي، الذي لا يهدف إلى تنظيم وتحديد هيكل تمثيل المسلمين في فرنسا والعمل الداخلي للمساجد فقط، بل حتى العقيدة الإسلامية واللاهوت نفسه. وعندما حاولوا إجبار القادة المسلمين والمنظمات الإسلامية والمساجد على التوقيع على هذه الوثيقة، هددوا علانية بقمع الدولة لأي شخص يرفض ذلك.
لم يتعرض سوى الإسلام لمثل هذه المعاملة لأنه يُنظر إليه على أنه تهديد يجب السيطرة عليه وتأمينه بما في ذلك من خلال “إصلاح” المسلمين – على عكس الكاثوليكية أو اليهودية. ولم يُطلب من أي طوائف دينية أخرى إعادة تثقيف أو تأويل عقيدتها أو توقيع مثل هذه “المواثيق”، وإنما خصّت فقط المسلمين.
تقنين الإسلاموفوبيا: يتم تقنين الأفكار المُسبقة والصور النمطية المعادية للإسلام بشكل متزايد وترسيخها في قوانين قمعية. ويعمل كل من القانون الفرنسي لسنة 2004 ضد الجماعات الدينية (اقرأ: الإسلامية) في المدارس العامة أو مشروع قانون “الانفصالية المعادية للإسلام”، أو قانون تعزيز مبادئ الجمهورية مرة أخرى كنماذج أولية ومنهج لدول أخرى مثل كندا أو سويسرا أو بلجيكا.
وهذه المقالات المحددة التي تستهدف الجمعيات والمدارس الخاصة والتعليم المنزلي بغية جعل هذه الخيارات إما صعبة للغاية أو مستحيلة، تستند إلى الصور النمطية الخاطئة للعائلات المسلمة “الراديكالية” التي تغسل أدمغة أطفالها بالتطرف الشرعي أو للنوادي الرياضية التي أصبحت مرتعًا للتطرف الإسلامي.
كاتش 22: تتمثل الإستراتيجية الأكثر خبثًا لإقصاء المسلمين – ستكون خاسرا سواء قمت بذلك أم لا – في تقديم التزام مزدوج متناقض وغير قابل للحل. فمن ناحية، يُمنعون من الانخراط في النشاط السياسي أو حتى المدني الذي يصنفهم تلقائيا على أنهم “إسلاميون” وينعتهم بـ “الإسلاميين السياسيين”. ومن ناحية أخرى، يتم استدعاؤهم بإنتظام “لجعل أصواتهم مسموعة” علنًا، أو التحدث “بصوت أعلى”، أو التظاهر، كمسلمين، على سبيل المثال، ضد الجهاديين، عندما يتم ارتكاب هجوم إرهابي، أو معارضة المسلمين الآخرين “السيئين”علنا.
قوة صلبة
إذا لم ينجح أي مما سبق، فقد أثبتت الحكومات استعدادها لاستخدام أشكال أقسى من الرقابة والتأديب والعقاب.
الذنب بالارتباط والعقاب الجماعي: يُنسب أي هجوم “جهادي” فردي اُرتكب في مكان ما – وفي أي مكان – إلى “الإسلام” ويتحمل جميع المسلمين المسؤولية ويُدعون إلى إدانة الفاعل علنًا. في المقابل، لا يوجه مثل هذا اللوم الجماعي إلى المجتمعات الدينية أو الأديان الأخرى أو حتى على أنواع أخرى من الإرهاب.
بالنظر إلى هذا المنطق، من غير المستغرب مثلا إغلاق مسجد يتردد عليه 1500 مسلم من خلال مجرد مرسوم تنفيذي على أساس أن مهاجمًا، لا علاقة له بالمسجد، قد شاهد مقطع فيديو على فيسبوك نشره أحد الأعضاء في ذلك المسجد، الذي من المفترض أنه “حرّضه” على ارتكاب الاعتداء.
تكتسي هذه الإدارة الاستعمارية الجديدة للإسلام والمسلمين طابعًا عالميًا بشكل متزايد. وفي حين يمكن لواحدة من هذه الاستراتيجيات أن تكون ضارة بالمسلمين، يمكن لعشرة منها أن تدمر مجتمعًا بأكمله.
المصدر: ميدل إيست آي