في أولى جولاتها لعام 2023 أغارت طائرات الاحتلال الإسرائيلي على مطار دمشق الدولي، ما خلف أضرارًا كبيرةً أدت إلى خروج المطار عن الخدمة، بالإضافة إلى سقوط قتلى وجرحى من قوات النظام السوري.
هذه ليست المرة الأولى التي يستهدف الاحتلال الإسرائيلي فيها مطار دمشق الدولي، خاصة أنه يعد أكبر المقرات والقواعد التي تستخدمها إيران والميليشيات التابعة لها مثل حزب الله والمجموعات الأخرى، ولا يقتصر الأمر على مطار دمشق، إذ استهدف الطيران الإسرائيلي سابقًا مطارات مثل مطار حلب ودير الزور جراء استخدام إيران لهذه المقرات في نقل الحمولات العسكرية أو كقواعد عسكرية في كثير من الأحيان.
إستراتيجية شل المطارات
شهد عام 2022 تصعيدًا للقصف الإسرائيلي باستهداف المطارات المدنية، فوفق تقرير لـ “تليفزيون سوريا” فإنه من أصل 29 هجومًا إسرائيليًا على سوريا كانت 7 منها على مطار دمشق الدولي، إضافة إلى الهجمات التي استهدفت المناطق القريبة منه في السيدة زينب والحسينية جنوبي دمشق، وهجومين على مطار حلب الدولي.
بحسب الإعلام الإسرائيلي فإن الضربات في سوريا، خلال 2022، شهدت تطورًا جديدًا لاستهداف المطارات الدولية، بقصد منع خط تهريب جوي لـ”الحرس الثوري” الذي يساهم بنقل معدات تدخل في صناعة الصواريخ ذات الدقة العالية عبر الطائرات المدنية، وتهدف إستراتيجية “شل المطارات” الدولية في سوريا، إلى قطع طرق الإمداد الجوي للإيرانيين إثر الاستخدام المتزايد للمطارات المدنية في سوريا من الحرس الثوري.
في هذا السياق، أوردت صحيفة “نيزافيسيمايا” الروسية أن “السلطات الإسرائيلية تعتزم منع الحركة الجوية بين سوريا وإيران، وتقوم حاليًّا بدراسة خيارات مختلفة من أجل منع هذه الرحلات، بينها توجيه ضربات من شأنها تعطيل حركة المطارات السورية”، وقالت الصحيفة في تقرير لها إن “إسرائيل” تبرر ذلك باستخدام الطرفين الأسطول الجوي لنقل الأسلحة، وإن قصف مطار دمشق عطل حركة المرور، مضيفةً “التشكيلات غير النظامية الموالية لطهران بدأت مؤخرًا تتصرف بقدر أكبر من الحرية من الناحية العملياتية في سوريا، وهو ما دفع “إسرائيل” للنظر في أساليب مختلفة للرد”.
البيت الزجاجي
يعتبر مطار دمشق المطار الدولي الأكبر في سوريا، ويبعد عن العاصمة دمشق نحو 25 كيلومترًا، وتأسس عام 1970، وهو المطار الثاني الذي أنشئ في سوريا بعد مطار المزة الذي تحول إلى قاعدة عسكرية وفرع أمني في عهد حكم حافظ الأسد. وعلى مدار السنوات، لم يشهد المطار حركة كثيفة في عدد المسافرين، إلا في سنة 2011 حين وصل عدد المسافرين إلى 1.433.766 وهو أعلى رقم مسافرين في تاريخ المطار.
لكن بعد سنوات الثورة السورية تناقص العدد مجددًا، خاصة مع فرض الدول الغربية عقوبات كبيرة على النظام السوري نتيجة قتله شعبه بكل أنواع الأسلحة، وفي سياق العقوبات ألغت الكثير من شركات الطيران العالمية رحلاتها من مطار دمشق الدولي، ولم يتجاوز عدد المسافرين عامي 2014 و2015 أكثر من 17000 شخص، ووصل العدد إلى عشرة آلاف مسافر فقط في عام 2020 الذي اجتاح فيه فيروس كورونا العالم.
خلال سنوات الثورة السورية، حارب النظام السوري عن مطار دمشق الدولي كي لا تنجح المعارضة بالسيطرة عليه، خاصة أن الأخيرة كانت قريبة جدًا من الوصول إليه، وهذا ما يفسر تحول المطار إلى ثكنة عسكرية، وخلال هذه السنوات أنشأت إيران وميليشياتها قاعدة تموضع عسكري لها في المطار، حتى أصبح أكبر قاعدة جوية مدنية تستخدمها إيران والميليشيات الشيعية والنظام السوري لأدوات عسكرية.
كما يعد المطار المقر الرئيس لقيادة الأعمال القتالية والأمنية واللوجستية للحرس الثوري (فيلق القدس)، وأنشئت على أنقاض فندق مطار دمشق الدولي نهاية عام 2014، ويتألف هذا البناء من 180 غرفة موزعة على خمسة طوابق والبناء محصن بجدران مضادة للانفجار، ويحرس البناء نحو ألف عنصر مسلح.
تضم القاعدة إدارة الاستخبارات الإيرانية في سوريا ومقرًا لقيادة الميليشيات الأجنبية، بالإضافة إلى قسم الدعاية والتوجيه المعنوي ومشفى خاص لكبار الضباط ومقر لإدارة مكافحة التجسس في سوريا ومركز لتخزين الأموال يحتوي على ملايين الدولارات، الأمر الذي دفع “إسرائيل” إلى ضرب المطار عدة مرات حتى أصبح أبرز المواقع المستهدفة في سوريا.
وفقًا لدراسة أعدها “مركز حرمون“، يستخدم “فيلق القدس” جزءًا من هذه القاعدة لاستقبال المقاتلين، إضافة إلى نقل الأسلحة المتطورة تقنيًا مثل الصواريخ دقيقة التوجيه، من إيران إلى ميليشيا حزب الله، وأهم المهام الموكلة لهذه القاعدة السيطرة على مدينة دمشق وريفها بالكامل وإمداد مختلف المناطق السورية بالمقاتلين وإدارة الاستخبارات الإيرانية في سوريا، وأيضًا إدارة الحرب الإعلامية ومكافحة التجسس على القوات الإيرانية في سوريا والميليشيات التابعة لها وإمداد القوات والميليشيات بالأموال.
في خدمة إيران
بالإضافة إلى مطار دمشق الدولي توجد مطارات مدنية في سوريا وهي: مطار حلب ومطار اللاذقية أو ما يسمى “باسل الأسد” إضافة إلى مطار القامشلي.
مطار حلب: ثاني أكبر مطار في سوريا، يعود تاريخ إنشائه إلى بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، في عهد الاستعمار الفرنسي بسوريا، كان في بدايته مطارًا صغيرًا ما لبث أن تطور مع مرور الزمن نظرًا للأهمية التاريخية والسياحية لمدينة حلب.
يبعد المطار عن مركز المحافظة ما يقرب من 10 كيلومترات، وفي عام 2013 خرج مطار حلب الدولي عن الخدمة في يناير/كانون الثاني بعد معارك بين الفصائل السورية وقوات النظام، ورغم أنه بقي خارج سيطرة الفصائل، إلا أنه خرج من الخدمة بسبب خطورة المكان.
تعرّض مطار حلب الدولي للاستهداف بصواريخ إسرائيلية، أدى إلى خروجه عن الخدمة مؤقتًا في سبتمبر/أيلول الماضي، ولحقت أضرار مادية بمدرجه الرئيسي، وتشير التقارير إلى أن النظام السوري كان ينصب في المطار قواعد إطلاق الصواريخ التي يستهدف بها مناطق المعارضة، في حين أن إيران خلال السنوات الماضية كانت تستخدم هذا المطار كقاعدة عسكرية، ويتركز حاليًّا انتشار المواقع الإيرانية في محيط مطار حلب الدولي وقد أنشأت طهران بناءً قريبًا من المطار كقاعدة جديدة.
أعيد افتتاح مطار حلب وإدخاله الخدمة فبراير/شباط عام 2020 بعد ثمانية أعوام من إغلاقه، واستطاع النظام العمل على ترميمه بعد تهجير أهالي ومقاتلي مدينة حلب نهاية عام 2016.
مطار اللاذقية “باسل الأسد”: يبعد هذا المطار عن مدينة اللاذقية نحو 23 كيلومترًا، وتتشارك قاعدة حميميم العسكرية الروسية بعض مسارات الهبوط مع المطار، وقد وقعت روسيا اتفاقًا مع النظام السوري يمنح الحق للقوات العسكرية الروسية باستخدام قاعدة حميميم في كل وقت من دون مقابل ولأجل غير مسمى، واستخدمت روسيا القاعدة كنقطة انطلاق لمحاربة المناطق الثائرة ضد بشار الأسد والخارجة عن سيطرته.
مع بداية الثورة السورية لم يعد يستقبل المطار رحلات خارجية، لكن مؤخرًا استقبل رحلة طيران روسية تابعة لشركة كوزموس في خطوة لبدء تشغيل جوي منتظم بين مطار اللاذقية ومطار ماخوتشكالا، عاصمة جمهورية داغستان الروسية، وهي أول رحلة منذ 12 عامًا.
مطار القامشلي: يقع هذا المطار في مدينة القامشلي بأقصى شمال شرق سوريا، وكان منذ تأسيسه يستقبل الرحلات الداخلية فقط، لكن بعد تطويره وتحديثه أصبح يعمل دوليًا بشكل رسمي بعد أن هبطت أول طائرة دولية من ستوكهولم إلى القامشلي مباشرة بتاريخ 6 يونيو/حزيران 2011، وحال هذا المطار كحال باقي المطارات السورية المدنية الأخرى، استخدمه النظام لأغراض عسكرية، وكذلك تستخدمه كل من إيران وروسيا كنقطة مرور لشحنات الأسلحة والجنود.
مطار دير الزور: يقع مطار دير الزور العسكري في جنوب شرق مدينة دير الزور ويبعد عنها نحو 10 كيلومترات، كان يضم طائرات مدنية بالإضافة إلى مربضين للطائرات العسكرية، ومع انطلاق الثورة السورية ولاحقًا الهجمات العسكرية التي نفذها الثوار ضد قوات الأسد في مدينة دير الزور، حولته الأخيرة إلى مطار عسكري، مستخدمة طائراته لقصف أحياء المدينة بشكل شبه يومي.
ونقلت وسائل إعلام سورية أن الميليشيات الإيرانية أرسلت شحنة أسلحة جديدة متنوعة إلى مطار دير الزور الذي تسيطر عليه قوات النظام وميليشيات إيران، مع وجود للقوات الروسية، وقال موقع “فرات بوست”، إن شحنة الأسلحة دخلت إلى مطار دير الزور العسكري، رفقة مجموعة من عناصر ميليشيا “فاطميون” وميليشيا “الفوج 47″، وقد أغارت الطائرات الإسرائيلية على محيط المطار وأوقعت قتلى من النظام السوري وإيران في بداية 2021.
بالمحصلة، عمل النظام السوري وحلفائه على عسكرة المطارات المدنية من أجل إحكام سيطرتهم على الشعب السوري، ولم يقتصر الأمر على المطارات فقد استخدم النظام وإيران العديد من المؤسسات المدنية مثل المستشفيات والمدارس وملاعب كرة القدم للتموضع بها وجعلها مخازن سلاح أو معتقلات ضاربين كل القوانين الدولية عرض الحائط.