ترجمة وتحرير: نون بوست
عاد بنيامين نتنياهو إلى السلطة عازما وبكل وضوح على جعل “إسرائيل” دولة استبدادية عنصرية، دولة تولي أهمية لليهودية الأرثوذكسية على حساب حقوق الإنسان، وتعامل مواطنيها العرب باعتبارهم أعداء، وتقوّض الضوابط والتوازنات التي تفرضها السلطة القضائية القوية والمستقلة. لقد تولى رئيس الوزراء السلطة من خلال تشكيل ائتلاف برلماني ينظر إلى الأفكار الديمقراطية والليبرالية باعتبارها تدخلًا أجنبيًّا يهدف إلى تقويض الهوية اليهودية للدولة.
إن الاتفاقات التي تربط أحزاب الائتلاف تعتبر بمثابة مخطط للثورة، فلقد تعهد الأعضاء بتشريع التمييز ضد النساء وغير اليهود ومجتمع الميم “لأسباب تتعلق بالمعتقدات الدينية”، ووصفوا تزايد عدد السكان العرب في المناطق الشمالية والجنوبية من “إسرائيل” بـ “التحدي الديموغرافي”.
في الواقع؛ نادرًا ما تُنفّذ الاتفاقات السياسية الإسرائيلية بحذافيرها، لكنها بمثابة إعلان نوايا وتشير إلى المسار الذي سينتهجه صناع السياسة، وقد أوضحت مجموعة الاتفاقيات الحالية أن الائتلاف الحاكم الجديد في البلاد سيكون الأكثر يمينية في تاريخ “إسرائيل”.
ويقود ثلاثة سياسيين الحماس الأيديولوجي للائتلاف الجديد، وهم يجعلون نتنياهو يبدو وكأنه مسالم، وفي طليعتهم إيتمار بن غفير، وهو مساعد مؤسس حركة “كاخ”، وهي منظمة سياسية عنصرية مؤيدة للعنف صُنفت كمجموعة إرهابية وتم حظرها في سنة 1994 بعد أن أطلق أحد أنصارها النار وقتل 29 مسلمًا؛ ويتمتع بن غفير نفسه بسجل طويل من الاعتقالات والإدانات بجرائم مثل دعم الإرهاب والتحريض على العنصرية. أما الثاني فهو بتسلئيل سموتريتش؛ زعيم المستوطنين اليهود المتطرفين في الضفة الغربية، الذي اعتُقل في سنة 2005 لحيازته حوالي 200 جالون من الوقود اشتبهت السلطات في أنه كان يخطط لاستخدامه لتدمير البنية التحتية الوطنية ومنع “إسرائيل” من إزالة المستوطنات من غزة؛ ومع ذلك أطلق سراحه دون توجيه أي تهم إليه.
ويُدعى السياسي الثالث، آفي ماعوز، وهو يقود حزبًا صغيرا دينيًا وقوميا متطرفًا ولكنه متعصّب يريد تطهير نظام التعليم والخدمة المدنية ووسائل الإعلام الإسرائيلية من الليبراليين والنسويين وأعضاء مجتمع الميم. وإدراكًا منهم لسجل نتنياهو الحافل بالوعود الكاذبة والأكاذيب الصريحة؛ طالب هؤلاء المتعصبون الثلاثة بإرساء سلطات دستورية جديدة وحصلوا عليها قبل الموافقة على تعيينه رئيسًا للوزراء.
وسيقود بن غفير الشرطة ودوريات الحدود الإسرائيلية بصلاحيات وزارية غير مسبوقة، كما سيُمنح سموتريتش حرية أكبر في توسيع المستوطنات وتعزيز ضم “إسرائيل” لأراضي الضفة الغربية، وسيكون ماعوز مسؤولاً عن التعليم اللامنهجي وسيحصل على ميزانية خاصة “لتعزيز هوية إسرائيل اليهودية”.
إن احتضان نتنياهو لهؤلاء السياسيين قد منحه فرصة لا تعوّض لتفكيك نظام الدولة الحالي، الذي يعتبره معاديًا وغير محترم لقيادته، ولقد اتخذ الخطوات الأولى نحو القيام بذلك من خلال تعيين سياسي مخلص له بشدة، ياريف ليفين، كوزير للعدل، أملا في إغلاق محاكماته المتعلقة بالفساد.
وقد يضطر نتنياهو في النهاية إلى كبح سلوكه الاستبدادي والمتطرف أيديولوجيًا لتلبية احتياجات الجماهير الدولية، فلقد كبح بعض أفكار بن غفير وسموتريتش الأكثر خطورة، مثل تغيير الوضع الديني الراهن في المسجد الأقصى من خلال السماح لليهود بالصلاة في أحد أقدس الأماكن الإسلامية، ولكن النظام السياسي في “إسرائيل” على وشك أن يصبح استبداديا بالكامل، والضفة الغربية على وشك الانفجار، وعلى ما يبدو أن نتنياهو يلعب بالنار.
كلا الجانبين
لطالما أظهر نتنياهو جانبين مختلفين منه، الراديكالي الأيديولوجي والبراغماتي العقلاني؛ حيث يقوم بتكييف صورته المفضلة مع الظروف السياسية والدولية. فمن الناحية الأيديولوجية؛ يرى أن “إسرائيل” دولة يهودية قبل أن تكون ديمقراطية، ويعتبر الحركة الوطنية الفلسطينية (وأنصارها الغربيين) خدعة معادية للسامية، وترتابه شكوك عميقة بشأن أجهزة الدولة مثل الجيش والبيروقراطية والقضاء.
وبالنسبة لرئيس الوزراء وقاعدته الدينية واليمينية؛ فإن هذه الهيئات تعد بمثابة “دولة عميقة” تعمل كمعقل لـ “إسرائيل” القديمة: يسارية وعلمانية وصهيونية غير كافية؛ حيث إنه يعتبرهم جهازًا يحاول إرضاء الليبراليين الأمريكيين والأوروبيين. فمنذ انتخابه لأول مرة كرئيس للوزراء في سنة 1999؛ دعا نتنياهو إلى “استبدال النخب القديمة” بوافدين جدد محافظين اجتماعيًّا وقوميين بشدة.
لكن هناك وجه آخر لنتنياهو، الذي تُقرأ سيرته الذاتية مثل قائمة النخبة القديمة، فقد ولد بيبي في حي رحافيا في القدس والذي كان بمثابة المركز الفكري لـ “إسرائيل” في السنوات الأولى، والتحق بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وكان ضابطا في القوات الخاصة في جيش الدفاع الإسرائيلي.
كما أنه علماني شخصيًا (لم ينكر نتنياهو أبدًا إلحاده) ومؤمن على غرار آين راند بقوة العبقرية المنفردة وحكمة المليارديرات الأثرياء، ويُظهر نتنياهو هذا الجانب منه كلما أجبرته نتائج الانتخابات على إبرام صفقات مع الوسط السياسي أو حين يواجه ضغوطًا أمريكية لا تطاق لإحياء عملية السلام مع الفلسطينيين وتقديم تنازلات دبلوماسية.
انتهت فترة ولاية نتنياهو الأولى في منصب رئيس للوزراء في سنة 1999، وعندما انتهت جهوده لقيادة ثورة محافظة ووقف تنفيذ اتفاقيات أوسلو – التي اتفقت فيها “إسرائيل” ومنظمة التحرير الفلسطينية على الاعتراف ببعضهما البعض والعمل نحو حل الدولتين – واجه المقاومة المشتركة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية وإدارة كلينتون. وردا على ذلك، بدأ نتنياهو يعتمد على مؤهلاته الأكثر براغماتية.
وقد أتى ذلك أكله في سنة 2009، عندما أصبح رئيسًا للوزراء مرة أخرى من خلال تشكيل ائتلاف مع إيهود باراك، زعيم حزب العمل الذي هزمه قبل عقد من الزمن. وفي سنة 2013، مدد فترة ولايته كرئيس للوزراء من خلال التعاون مع حزبين وسطيين.
اتحد معارضو نتنياهو عبر مختلف ألوان الطيف السياسي في محاولة للإطاحة به. واستغرق الأمر عدة سنوات
في تلك السنوات؛ تركزت جهود نتنياهو السياسية الأساسية على السياسة الخارجية. لقد نجح في عرقلة جهود الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لاستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، لكنه فشل في إقناع قادة الدفاع والاستخبارات في واشنطن و”إسرائيل” بدعم هجوم ضد المنشآت النووية الإيرانية، كما أنه فشل في عرقلة اتفاق أوباما النووي مع طهران.
وفي سنة 2015؛ بعد حوالي 20 سنة من سعي نتنياهو لأول مرة لجر “إسرائيل” إلى اليمين، فاز الأيديولوجييون بأغلبية برلمانية ساحقة، لقد تمكن مرة أخرى من تولي منصبه مع ائتلاف يميني وأرثوذكسي متشدد وإحياء حلمه القديم الذي لم يتحقق في “استبدال النخب”. وبفضل الدعم القوي الذي كان يتلقاه من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تجاهل القضية الفلسطينية وركز على تعزيز القوة اليهودية.
وتُوجت هذه الجهود بإقرار قانون أساسي جديد سنة 2018 يحدد البلاد على أنها “الدولة القومية للشعب اليهودي”، وتعهد القانون بالنهوض بالمستوطنات اليهودية في جميع أنحاء البلاد لمنع توسع المجتمعات العربية والسماح بقيام المدن اليهودية الصغيرة فقط. وأعلن أن الشعب اليهودي هو من يتمتع بحقوق جماعية وطنية فقط، ولم يتضمن أحكاما تضمن المساواة للإسرائيليين غير اليهود.
ونظرًا لعدم وجود دستور رسمي في البلاد، تعمل القوانين الأساسية كنسخة فعلية للدستور، وكان إقرارها يهدف إلى تقويض هيمنة حقوق الإنسان والمساواة المدنية في قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية.
ومع ذلك؛ بعد فترة وجيزة من توقيع مشروع قانون الدولة القومية، انهار تحالف نتنياهو، وغرقت “إسرائيل” في أربع سنوات من الأزمة السياسية. وتزامنت هذه الاضطرابات مع فتح تحقيق جنائي في أنشطة نتنياهو أدى إلى توجيه الاتهام إليه ومحاكمته في ثلاث تهم فساد، وقد قسّمت هذه الاتهامات “إسرائيل” إلى معسكرين متنافسين: “أنصار بيبي” (في إشارة إلى لقب نتنياهو) و”فقط لا لـ”بيبي””.
صورت المجموعة الأولى المحاكمة التي تجري في محكمة القدس باعتبارها خطة دولة عميقة للتخلص من عدوها السياسي من خلال النظام القانوني، وأصبح حزب الليكود بزعامة نتنياهو، الذي يهيمن على السياسة الإسرائيلية منذ سنة 1977، يمجّد زعيمه. وفي كانون الأول/ ديسمبر؛ دعا نجل نتنياهو، يائير نتنياهو، الذي عُرف بدفاعه الشرس عن والده في المنابر العامة، إلى محاكمة المدعين العامين ومحققي الشرطة في قضية الخيانة، ملمحًا إلى أنهم يستحقون عقوبة الإعدام. وكما كان متوقعا؛ أصدر نتنياهو بيانا مقتضبا عن عدم توافقه مع أقوال نجله.
في المقابل؛ اتحد معارضو نتنياهو عبر مختلف ألوان الطيف السياسي في محاولة للإطاحة به. واستغرق الأمر عدة سنوات؛ ولكن بعد خروج ثلاثة سياسيين يمينيين رئيسيين من ائتلاف نتنياهو، خسر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفوذه. وحلت مكانه الحكومة التي وصفت نفسها بأنها “حكومة تغيير” بقيادة نفتالي بينيت، وهو سياسي يميني متقاعد حاليا، ويائير لابيد، الذي يرأس حزب الوسط يش عتيد، وقد ضم تحالفهم الحاكم أيضًا الجناح اليساري الصهيوني، ولأول مرة في تاريخ إسرائيل، حزبًا عربيًا.
جهاد
في البداية؛ كانت حكومة بينيت – لابيد قادرة على إظهار أنها تتبع أسلوب حكم يطغى عليه الجانب العملي وينأى بنفسه عن كل التجاذبات السياسية، لكنها فشلت في النهاية في التوصل إلى رؤية أو اتجاه مقنع يتجاوز إبقاء خصمها بعيدًا عن السلطة، ووافق ائتلاف التغيير على الالتفاف حول القضية الفلسطينية والانقسامات الدينية – العلمانية دون أن يكون لذلك أي جدوى؛ حيث خيّم على المشهد السياسي شبح الصراعات من جديد، والتي مهدت الطريق لنتنياهو لتفكيك حزب بينيت الصغير وإجبار التحالف في النهاية على حله، وفي الأول من تشرين الثاني /نوفمبر؛ عاد الإسرائيليون إلى صناديق الاقتراع.
الوجوه الحقيقية
خلال الحملة الانتخابية لسنة 2022؛ فشل معسكر “فقط لا لـ”بيبي”” في توحيد صفوفه حيث غرق في الدوامة الخصومات الشخصية. في غضون ذلك؛ حاول نتنياهو إغراء نوّاب من صفوف خصومه للانضمام إلى معسكره، وقد ساعد في ذلك صعود بن غفير، الذي كان سابقًا شخصية هامشية في معسكر اليمين المتطرف؛ حيث لعب بن غفير على مصطلحين مهمين لفرض شعبيته وهما القانون والنظام: في إشارة مبطنة وغير مباشرة للمجتمع العربي في إسرائيل، الذي يعاني من مستويات غير مسبوقة من الجريمة، ويعتبر العدو المحلي للبلاد، فقد تعهد بن غفير بأن يُظهر لعرب “إسرائيل” “من هو صاحب الأرض”. واحتلت أحزاب بن غفير وسموتريتش وماعوز المرتبة الثالثة في التصويت بعد حزب الليكود وحزب يش عتيد الذي يعرف باسم “هناك مستقبل”، مما ساعد على فوز ائتلاف نتنياهو بحوالي 64 من أصل 120 مقعدًا برلمانيًا. بالنسبة لنتنياهو؛ كانت النتيجة أفضل بكثير مما توقعته استطلاعات الرأي العام. وفي الواقع، وبالمقارنة مع تاريخ “إسرائيل” الحديث لنتائج الانتخابات المتقاربة للغاية والهزيلة؛ فقد حقق فوزًا ساحقًا على خصومه.
أثناء تشكيل حكومته الجديدة؛ حاول نتنياهو أن ينأى بنفسه عن شركائه الأرثودوكسيين المتشددين والعنصريين والمعاديين لمجتمع الميم؛ حيث أجرى مقابلات مع وسائل إعلام أمريكية محافظة تعهد خلالها بأن يتخذ قرارات مسؤولة بدلًا من الرضوخ لشركائه السياسيين، وذلك حتى عندما تفاوض على الصفقات التي دعت بشكل علني إلى اتخاذ تدابير لتعزيز التفوق اليهودي. بعبارة أخرى؛ عاد نتنياهو للعب دورين في وقت واحد، فقد سعى لطمأنة الليبراليين بأنه سيحمي أسلوب حياتهم العلماني من النزعات المتعصبة الدينية، في حين كان يتعهد للمحافظين بأنه سيحقق أحلامهم.
في الواقع لا يمكن لنتنياهو أن يسير على الحبلين؛ حيث سعى الائتلاف الراديكالي لفضح نواياه الحقيقية الأوتوقراطية، وكذلك الحال بالنسبة لإصلاحاته الدستورية المقترحة، والتي تقع على رأس جدول أعمال الحكومة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإصلاحات تهدف إلى تدمير استقلال القضاء وتفكيك نظام يتمتع فيه المستشارون القانونيون بحق النقض (الفيتو) على اتخاذ القرارات الوزارية والبيروقراطية؛ حيث يمنح أحد المقترحات الحكومة سلطة نقض قرارات المحكمة العليا. وعيّن نتنياهو ليفين، الذي وصف القضاء الإسرائيلي بأنه أصبح جزءا لايتجزأ من اليسار المتطرف، ليكون قائد الإصلاحات. وكوزير للعدل؛ ستكون مهمة ليفين الأخرى غير المعلنة هي إيجاد طريقة قانونية لعرقلة محاكمة نتنياهو، وتحرير رئيسه من هذا العبء القضائي.
في مقابل دعم إصلاحات نتنياهو، سيحصل الأرثوذكس المتشددين، الذين دعموه بقوة خلال سنوات الاضطرابات السياسية، على امتيازات أقوى من تلك المنصوص عليها في مشروع القانون المسودة. (هم بالفعل معفيون بحكم الأمر الواقع من الخدمة العسكرية، لكن هذا الإعفاء يواجه تحديات قانونية تريد القيادة الحاخامية القضاء عليه). كما يتمتع الأرثوذكس المتطرفون أيضًا بقواعد جديدة وميزانية إضافية تسهل على مدارسهم تجنب تعليم اللغة الإنجليزية والرياضيات للأولاد و وتسهل عليهم دراسة الدين بمفردهم.
تفاقم موجة العنف مع تقدم محمود عباس (87 عاما) زعيم السلطة الفلسطينية، في السنّ – والذي يحارب “إسرائيل” على المستوى الدبلوماسي ويتعاون معها في مجال الأمن – وهو ما يثير أزمة الخلافة في السلطة الفلسطينية
فضلا عن ذلك؛ لن يكون هناك مواصلات عامة يوم الراحة أي السبت، وستنظر الحكومة في الدراسات الحاخامية المعادلة للدرجات الأكاديمية عند تقييم المتقدمين لوظائف القطاع العام، وستتلقى المدارس العلمانية مزيدًا من التلقين الديني، وسيصبح من القانوني فصل الناس حسب الجنس في الأماكن العامة، بدءا من الفعاليات الثقافية وصولًا إلى وسائل النقل العام. حتى اليوم؛ تُجبر النساء على الجلوس في آخر الحافلات التي تخدم بعض المجتمعات الأرثوذكسية المتطرفة، وبالتالي، ستحظى مثل هذه السياسات المعادية للمرأة بمباركة قانونية.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للمراقبين الدوليين هو أن نتنياهو سيضاعف من تصريحاته بأن الشعب اليهودي فقط له الحق في الحصول على أرض “إسرائيل” بأكملها، وهو الحق الذي يتصدر قائمة المبادئ التوجيهية الرسمية للحكومة الجديدة. وللوفاء بتعهده “بتعزيز المستوطنات وتطويرها” في جميع الأراضي التي تسيطر عليها “إسرائيل”؛ سيقوم نتنياهو بتوسيع وجود الشعب اليهودي في الضفة الغربية من خلال انتزاع المزيد من الأراضي من الفلسطينيين، وستعمل حكومته على دمج المستوطنات القائمة في النظام القانوني والحكومي الإسرائيلي من خلال خطوات مثل منح الوضع القانوني الكامل للبؤر الاستيطانية التي أقيمت دون موافقة الحكومة.
لتحقيق هذه الغاية؛ أعطى نتنياهو سلطة مطلقة لسموتريتش على المستوطنات، ويخطط لاتخاذ مجموعة من الإجراءات، على غرار زرع الأشجار في الأراضي غير المأهولة وتشجيع الرعاة اليهود لإبعاد الفلسطينيين عن الأراضي التي تطمع “إسرائيل” في الاستحواذ عليها.
بالنسبة للفلسطينيين؛ من المرجح أن تؤدي إجراءات الحكومة إلى تفاقم الوضع المتدهور بالفعل، فقد شهدت الضفة الغربية تصاعدًا في أعمال العنف، الذي امتد إلى “إسرائيل” نفسها. ومنذ آذار /مارس 2022؛ زاد بعض الفلسطينيين – معظمهم من الذين يعملون لحساب أنفسهم وأعضاء الجماعات المسلحة العشوائية – من هجماتهم على الإسرائيليين عندما وسع الجيش الإسرائيلي عملياته في بلدتي جنين ونابلس الفلسطينيتين، وكلاهما بؤرتا مقاومة الاحتلال منذ كان البريطانيون يستعمرون المنطقة.
وفي سنة 2022، قُتل قرابة 31 إسرائيليًا من المدنيين وأفراد الأمن على أيدي فلسطينيين، بينما استشهد 147 فلسطينيًا على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية. إلى جانب ذلك؛ استشهد أربعة فلسطينيين آخرين على أيدي مستوطنين يهود، وآخر على يد جندي أو مستوطن، وأربعة فلسطينيين غير إسرائيليين آخرون على أيدي قوات الأمن والشرطة داخل إسرائيل. وتتفاقم موجة العنف مع تقدم محمود عباس (87 عاما) زعيم السلطة الفلسطينية، في السنّ – والذي يحارب “إسرائيل” على المستوى الدبلوماسي ويتعاون معها في مجال الأمن – وهو ما يثير أزمة الخلافة في السلطة الفلسطينية التي فقدت سيطرتها على بلدات رئيسية في الضفة الغربية، وإذا استخدمت الحكومة الإسرائيلية إجراءات جديدة لإضعافها، فمن المرجح أن يتبع ذلك المزيد من أعمال العنف.
أوربان “إسرائيل”
ومع تضاؤل الرقابة المحلية على سلطة نتنياهو؛ ستلعب الدول الخارجية دورًا حاسمًا في تحديد عدد السياسات الاستبدادية والعنصرية التي يمكن أن يضعها موضع التنفيذ؛ حيث سيعترض الرئيس الأمريكي جو بايدن على أكثر الإجراءات تطرفًا، فعندما هنّأ نتنياهو على تشكيل الحكومة الجديدة؛ حذر بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي من أن واشنطن “ستواصل دعم حل الدولتين ومعارضة السياسات التي تعرض تطبيقه للخطر أو تتعارض مع مصالحنا وقيمنا المشتركة”. وأوضح هذا البيان أن بايدن سيمنع أي جهد لضم أراضي الضفة الغربية بشكل كامل. كما سيكون نتنياهو مقيدا إلى حد ما بسبب اتفاقات الإبراهيمية لسنة 2020، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والبحرين والمغرب والإمارات العربية المتحدة، والتي تم توقيعها مقابل تخلي “إسرائيل” عن سياسات الضم.
لكن من غير الواضح إلى أي مدى سيواجه المجتمع الدولي حكومة “إسرائيل” الجديدة، بخلاف تقديمه انتقادات رمزية. فعلى سبيل المثال؛ كثيرا ما انتقد أوباما نتنياهو للسياسات التي ينتهجها تجاه الفلسطينيين، لكنه تجنب اتخاذ تدابير ملموسة، على غرار دعم قرارات الأمم المتحدة الأكثر صرامة، التي من شأنها أن تجبر رئيس الوزراء على عكس قراراته.
وعلى العكس من ذلك؛ على الرغم من خلافاتهما العميقة حول إيران وفلسطين، سعى أوباما لتوسيع نطاق المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل. وسواء وافق ممثلو الحكومات على الاجتماع مع بن غفير وسموتريتش أو مقاطعتهم، فسيكون اختبارًا مبكرًا لمدى جديتهم في تحدي نتنياهو. ولن يكون مستوى الدعم بالأمر الهين بالنسبة لرئيس الوزراء، الذي قدّم وعودًا دولية كبيرة مثل قصف المنشآت النووية الإيرانية وعقد السلام مع السعودية، وبالتالي فهو يحتاج إلى كل الدعم الخارجي الذي يمكنه كسبه.
لكن بغض النظر عن حجم الدعم الدولي الذي يتلقاه نتنياهو، تدخل “إسرائيل” مرحلة جديدة تجعلها أشبه ببعض الدول السلطوية مثل المجر وبولندا وتركيا؛ حيث يريد نتنياهو يريد أن يصبح النسخة الإسرائيلية من فيكتور أوربان، وأن يحيد القضاء، ويفرض قبضته على وسائل الإعلام، ويجعل من المستحيل على الإسرائيليين أن ينزلونه عن عرش سلطته. وسيتعين على معسكر “فقط لا لـ”بيبي”” أن يضع خلافاته جانبًا ويعيد توحيد صفوفه حول الكفاح من أجل الحريات المدنية وحرية التعبير والمساواة إذا كان يريد إنقاذ ما تبقى من ديمقراطية “إسرائيل” الهشة.
المصدر: فورين أفيرز