ترجمة حفصة جودة
بالنسبة لمعظم الفلسطينيات في غزة، اكتشاف الإصابة بسرطان الثدي ليس الخبر الأسوأ، فالأسوأ من ذلك إداركهن عدم قدرتهن على الحصول على الدواء والعلاج الذي يحتجن إليه بسبب الحصار الإسرائيلي للقطاع.
هذه هي القضية التي يركز عليها الفيلم الوثائقي “منكوبة في غزة” الذي صدر في أواخر 2022 وعُرض في مهرجان أسبوع سينما المتوسط، الذي عُقد في نوفمبر/تشرين الثاني بالقدس، عُرض الفيلم أيضًا في غزة وأريحا ورام الله والخليل ونابلس.
أخرج الوثائقي المخرجتان الإسبانيتان بياتريز ليكومبيري وآنا ألبا، وهو يسلط الضوء على العزلة والمأساة التي تواجهها النساء المصابات بسرطان الثدي في غزة، عندما يكتشفن أنهن غير قادرات على الحصول على العلاج المناسب.
أدى الحصار الإسرائيلي الخانق لقطاع غزة – الذي يدخل عامه الـ15 الآن – إلى تأخر علاج المرضى ومنعهم من السفر خارج القطاع وصعوبة الحصول على الدواء.
وفقًا للفيلم فإن نسبة نجاة السيدات المصابات بسرطان الثدي في إسبانيا تصل إلى 90% بعد 5 سنوات من التشخيص، أما في غزة فتصل النسبة إلى 65%، بينما ترى بعض المنظمات غير الحكومية أنها لا تتجاوز 50%.
فرض الاحتلال الإسرائيلي حصارًا بريًا وجويًا وبحريًا على غزة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، دمر ذلك الحياة الاجتماعية والاقتصادية في القطاع الساحلي، وتسببت القيود الشديدة على حركة الناس والبضائع في أن يعيش مليونا فلسطيني في سجن مفتوح.
مشاركة التجارب
رغم أن ليكومبيري لم تأت من خلفية سينمائية، فإنها شعرت بأن هذه القصة يجب أن تُروى بصريًا بعد أن التقت بسيدات مصابات بسرطان الثدي في غزة، ويعانين للحصول على الدواء.
تقول ليكومبيري: “عندما التقيت مع آنا هؤلاء السيدات، أدركنا أن هذه القصة أقوى من أن تكون مجرد تقرير إذاعي أو مقال في صحيفة، وقررنا أنه من الأفضل إنتاج فيلم عنها، من المهم أن تروا وجوه السيدات وأن يحصلن على الفرصة لمشاركة تجاربهن”.
تعمل المخرجتان كصحفيات في القدس وقد رأين بأعينهن كيف تمنع “إسرائيل” النساء من الحصول على علاج بسبب زعمها أن العائلة لها علاقة بأفراد من حماس.
قررت المخرجتان أن تصبح نيفين حبوب – 42 عامًا – الشخصية الرئيسية للفيلم، اكتشفت حبوب إصابتها بسرطان الثدي عام 2012، وبعد خضوعها للجراحة، انتشر السرطان في عظامها ودماغها، وبسبب نقص العلاج الكيميائي في غزة، كانت حبوب تعيش معاناة مستمرة، بعد رفض حصولها على تصريح وانتظارها المستمر للسفر إلى القدس للحصول على علاج، ماتت نيفين.
مأساة إنسانية
بالنسبة لليكومبيري، كان إجراء المقابلات من أجل الفيلم صعبًا في البداية، تقول: “تشعر السيدات المريضات في البداية أنه لا شيء يُقال، لكننا التقينا بهن عدة مرات وقضينا عدة أيام برفقتهن، وبالتدريج شعرن ببعض الراحة وبدأن في مشاركة قصتهن”.
في أثناء عرض الفيلم بمهرجان أسبوع السينما، تأثر الحاضرون بشدة حتى إن بعضهم بكى، كان بعض الحضور من الجمهور الفلسطيني يعلم للمرة الأولى معاناة النساء المصابات بالسرطان في غزة، وهناك آخرون لم يندهشوا نظرًا لكيفية تأثير الاحتلال الإسرائيلي على العديد من جوانب حياة الفلسطينيين.
تقول إحدى الحاضرات وتُدعى لماء: “هذه المرة الأولى التي أسمع فيها عن تلك المشكلة، ما يميز هذا الفيلم أنه يركز على الزاوية الإنسانية ومأساة ومعاناة هؤلاء النساء، لقد حرك قلبي بشدة”.
في غزة، تضطر الكثير من السيدات للانتظار فترة طويلة من الوقت للحصول على تصريح يمكنهن من مغادرة القطاع والحصول على العلاج اللازم
تقول حنين عطالله من الناصرة إنها وجدت الفيلم مشوقًا لأنها رأت بعينها كيف يؤثر الحصار على النساء، وتضيف “لقد لمسني الفيلم بسبب العنف السياسي ضد النساء وإنكار حقهن في الحصول على رعاية طبية والحقوق الإنسانية الطبيعية”.
قالت ليكومبيري إن الفيلم كان يهدف إلى إخبار المشاهدين كيف تُحبس المصابات بالسرطان في منطقة صغيرة “غزة” ولا يستطعن المغادرة للحصول على علاج، وتضيف “الجمهور المستهدف ليس بالضرورة الجمهور العربي، فالأوروبيون الذين شاهدوا الفيلم لم يتخيلوا أن ذلك قد يحدث في بلادهم”.
ورغم أن الفيلم كان مخصصًا للجمهور العالمي، فإن ليكومبيري سعيدة لأن الفلسطينيين في بقية أنحاء البلاد من القدس وحتى رام الله، صاروا على علم بالقضية.
تقول ليكومبيري: “أخيرًا، بدأوا يفهمون كيف أن غزة معزولة تمامًا، لقد كان مدهشًا بالنسبة لي أن الفيلم قدم شيئًا للفلسطينيين”.
التكلفة الإنسانية للحصار
بالنسبة لمخرجي الفيلم، فأحد الأهداف الرئيسية كان التركيز على التأثير الإنساني لحصار غزة وكيف تأثرت حقوق المرأة الإنسانية، لم يركز الفيلم على أي أحزاب أو شخصيات سياسية، لكنه بدلًا من ذلك ركز على الأشخاص العاديين.
تحدث الفيلم أيضًا عن قصة عائشة اللولو – 5 سنوات – التي أجرت عملية لإزالة ورم من المخ في القدس، لكن لم يستطع أي من أفراد أسرتها أو أقاربها الحصول على تصريح لمرافقتها، وانتهت القصة بوفاة الطفلة الصغيرة وحدها دون أسرتها في مايو/أيار 2019.
في غزة، تضطر الكثير من السيدات للانتظار فترة طويلة من الوقت للحصول على تصريح يمكنهن من مغادرة القطاع والحصول على العلاج اللازم.
وفقًا للتقرير الشهري الصادر عن منظمة الصحة العالمية في أبريل/نيسان، فقد وافقت “إسرائيل” على منح تصاريح لـ57% فقط من المرضى في غزة، وصفت جماعات حقوق الإنسان الدولية وآليات الأمم المتحدة هذا الحصار بأنه عقاب جماعي غير قانوني.
في هذه المرحلة، قد تتدهور حالة المريض بسرعة كبيرة، تقول إيمان النجار – مريضة سرطان -: “أعتقد أن الاحتلال الإسرائيلي ينتهك حقوقي، أحد أبسط حقوقي، وهو الحصول على العلاج”.
شُخصت النجار بإصابتها بسرطان الثدي في 2017، لكنها لم تستطع الحصول على تصريح يسمح لها بالحصول على العلاج الإشعاعي الذي تحتاج إليه، لكن أختها المصابة بسرطان الثدي أيضًا تمكنت من السفر إلى القدس للحصول على العلاج.
يتطرق الفيلم أيضًا إلى الوصمة التي تواجهها العديد من السيدات في غزة عند تشخيصهن بالإصابة بسرطان الثدي، حيث يقلن إن الكثير من الناس يعاملوهن كأنهن غير طبيعيات.
تقول بعض النساء إنهن أخفين إصابتهن لأن البعض يعتبرها أمرًا مخجلًا، ووفقًا لبعض النساء فهذا السبب يمنع الكثير منهن من الذهاب إلى الفحص المبكر وبالتالي لا يكتشفن إصابتهن بسرطان الثدي في وقت مبكر.
يُنظر إلى الكثير من القضايا المتعلقة بتغيرات في النشاط الجنسي للنساء وأنوثتهن وخصوبتهن ببعض الازدراء، ما ينتج عنه معاملة مختلفة، في بعض الحالات قد يؤدي ذلك إلى الطلاق، مثل قصة إحدى السيدات في الفيلم.
منذ انطلاق الفيلم، أثنى الكثيرون عليه وعُرض في كثير من المهرجانات، تقول ليكومبيري: “لقد حصلنا على جوائز أو وصلنا للنهائيات في مهرجانات بأماكن غير متوقعة إطلاقًا مثل السويد وكندا وأمريكا اللاتينية، هذا يعني أن الناس في تلك الأماكن يدركون أهمية رسالة الفيلم وقصته الفريدة”.
المصدر: ميدل إيست آي