يبدو أن المسجد الأقصى سيكون مسرحًا للأحداث خلال عام 2023 مع اقتحام الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير لقبلة المسلمين الأولى بعد أن أصبح عضوًا بارزًا في حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة.
أعاد الاقتحام الذي نفذه بن غفير للأقصى ما قام به رئيس وزراء الاحتلال الأسبق أرئيل شارون عام 2000 حينما اقتحم المسجد على رأس قوات كبيرة من الشرطة الإسرائيلية ليشعل معها انتفاضة استمرت لأكثر من 5 أعوام، كما يطرح الاقتحام سؤالًا تبدو الإجابة عنه صعبة، في ظل تصريحات بن غفير عن نيته تكرار الاقتحام، سواء بإمكانية اشتعال انتفاضة ثالثة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة أم مواجهة مع المقاومة الفلسطينية خلال عام 2023.
من المتوقع أن يحمل العام الحاليّ في طياته الكثير من الاقتحامات التي تسعى أحزاب الصهيونية الدينية لتنفيذها من أجل تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، إذ تشير أجندة المستوطنين إلى أن الاحتلال يتجه نحو عدوان واسع ما بين 6 وحتى 13 من شهر أبريل/نيسان 2023، الموافق للأسبوع الثالث من رمضان القادم، إذ تتزامن هذه الفترة من العام مع موسم الأعياد اليهودية، ما يعني ذروة الاقتحامات والحشد اليهودي لاقتحام المسجد الأقصى في الفترة التي تشهد ذروة الوجود الإسلامي والفلسطيني داخل الأقصى مع شهر رمضان المبارك.
اقتحامات الأقصى بصفة رسمية
لا يعد إيتمار بن غفير الشخصية الإسرائيلية البارزة الأولى التي تقتحم المسجد الأقصى منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي، فقد برزت عدة شخصيات خصوصًا بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة والجولان وسيناء وجنوب لبنان، ففي 7 يونيو/حزيران 1967 دخل الجنرال موردخاي جور وجنوده المسجد الأقصى المبارك في اليوم الثالث من بداية حرب 67، ورفعوا العلم الإسرائيلي على قبة الصخرة وحرقوا المصاحف، كما منعوا المصلين من الصلاة فيه وصادروا مفاتيح أبوابه، وبرز فيما بعد موردخاي جور كأحد الوجوه التي تقتحم المسجد الأقصى.
أما شلومو غورين الذي كان الحاخام العسكري الأول في جيش الاحتلال وأسس الحاخامية العسكرية وعمل رئيسًا لها وأصبح ثالث رئيس لحاخامات اليهود الأشكناز في “إسرائيل” من 1973 إلى 1983، فقد قاد في 9 أغسطس/آب 1969، اقتحامًا للأقصى على رأس عصابة يهودية تضم نحو 50 شخصًا، وأقاموا “الصلوات” فيه.
في ذات الفترة التي أعقبت احتلال ما تبقى من فلسطين، برز اسم غرشون سلمون رئيس حركة “أمناء جبل الهيكل” إذ طالب باستغلال ما أسماه نصر “إسرائيل” في حرب يونيو/حزيران 1967 لإقامة “الهيكل الثالث”، “لتقريب الخلاص ونزول المسيح”، وظلت نشاطات غرشون مقصورة على الصلوات وتنظيم التظاهرات أمام باب المغاربة، مطالبًا بالدخول إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة اليهودية فيه، دون أن تُلبى طلباته.
بلغت هذه التحركات أوجّها في محاولة غرشون سلمون عام 1990 إحضار أول صخرة بزنة 6 أطنان لتكون حجر الأساس لبناء “الهيكل الثالث”، وتركت هذه المحاولة أثرًا بالغًا في صفوف الإسرائيليين لجهة تقبل فكرة صلاة اليهود في باحات المسجد الأقصى وخيار إعادة بناء الهيكل، رغم التحريم التوراتي السابق.
يضاف إليهما، أرييل شارون، الذي تسبب اقتحامه للأقصى في سبتمبر/أيلول 2000 في اندلاع انتفاضة استمرت قرابة 5 سنوات، ففي صبيحة الخميس 27 سبتمبر/أيلول 2000، أعلن نيته اقتحام المسجد الأقصى، بعد أسابيع قليلة من فشل قمة كامب ديفيد التي أشرف عليها بيل كلينتون، الرئيس الأمريكي آنذاك، في محاولة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
عمل أوري أرئيل وزير الزراعة السابق على قيادة سلسلة من الاقتحامات في الفترة من 2018 وحتى العام الماضي 2022 مع مجموعة من المستوطنين، فكان ينفذ اقتحامات رفقة هذه المجموعات بين فترة وأخرى خصوصًا أوقات الأعياد اليهودية
في حينه، رفض شارون، الاستماع للتحذيرات الفلسطينية وأصر على اقتحام القدس المحتلة يوم 28 سبتمبر/أيلول 2000، فاقتحم الأقصى رفقة مئات الجنود وعناصر الشرطة الذين انتشروا في المسجد الأقصى، لتأمين الاقتحام الحاصل على ضوء أخضر من الحكومة، لكنّ مشاعر المصلين لم تحتمل المشهد، فاستخدموا كل إمكاناتهم لإفشال الاقتحام، وانهالوا بالأحذية على رؤوس المقتحمين عند باب المصلى القِبلي من المسجد، وأُصيب في ذلك اليوم العشرات من الفلسطينيين وجنود الاحتلال.
ومن الشخصيات الإسرائيلية التي اقتحمت الأقصى وتعتبر من المستوى الرسمي الحاخام يهودا غليك عضو الكنيست الأسبق في الاحتلال، ويعتبر من الناشطين السياسيين الذين يعملون على تمكين اليهود من الصلاة في المسجد الأقصى الذي يسمونه ويزعمون أنه “جبل الهيكل”، وهو زعيم منظمة هاليبا المتطرفة، التي هي ائتلاف من جماعات يهودية متطرفة تهدف كذلك إلى تحقيق الولوج الشامل إلى جبل الهيكل، وغليك هو رئيس لمؤسسة “تراث جبل الهيكل”، كما عمل سابقًا مديرًا تنفيذيًا لمعهد الهيكل، ويعيش في عتنائيل.
تقلد غيلك عدة مناصب مهمة منها العمل لمدة عشر سنوات في وزارة الاستيعاب والهجرة، وعمل متحدثًا باسم الوزير السابق بولي أدلشتاين، ومدير العلاقات لمركز الهوية اليهودية ومدير مكتب عسقلان الإقليمي، ونتيجة لاقتحاماته للمسجد الأقصى تعرض في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2014 لمحاولة اغتيال، إذ أطلق عليه سائق دراجة نارية ثلاث رصاصات، نُقل على إثرها للعناية الفائقة واتهمت سلطات الاحتلال الشاب معتز حجازي بالوقوف وراء العملية.
أما الشخصية الأخيرة فهو أوري أرئيل وزير الزراعة السابق في الاحتلال الذي عمل على قيادة سلسلة من الاقتحامات في الفترة من 2018 وحتى العام الماضي 2022 مع مجموعة من المستوطنين، فكان ينفذ اقتحامات رفقة هذه المجموعات بين فترة وأخرى خصوصًا أثناء الأعياد اليهودية.
تغيير الوضع القائم
مع دخول أحزاب الصهيونية الدينية إلى الائتلاف الحكومي بقيادة بنيامين نتنياهو في الانتخابات الأخيرة التي جرت نهاية العام الماضي، يبدو أن المشهد المقبل في الأقصى صعب وقاسٍ من خلال محاولة تغيير الوضع القائم وسعي هذه الأحزاب لتنفيذ وعودها الانتخابية.
يحمل كل من إيتمار بن غفير وسموترتيش اللذين ينتميان لأحزاب دينية أفكارًا تدعو لتهجير الفلسطينيين وزيادة الاقتحامات للمسجد الأقصى ومنح مزيد من التسهيلات للمقتحمين والموافقة على ممارسة طقوس تلمودية أخرى، ما يعني تغيير الوضع القائم في الأقصى وتعزيز السيطرة عليه وفرض التقسيم المكاني والزماني وإلغاء ما يعرف بالوصاية الهاشمية.
ومع تولي بن غفير لحقيبة وزارة الأمن القومي في حكومة نتنياهو، فإن أنظاره منصبة على إلغاء كامل لصلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية، في سبيل اقتطاع جزء منها لصالح الجماعات الاستيطانية، ما سيضع المسجد الأقصى في “عين العاصفة”، بعد صعود هذا التيار.
وبالتوازي مع ذلك، فإن محيط المسجد الأقصى والبلدة القديمة مهدد هو الآخر بالتهجير من الاحتلال من أجل تطبيق شعار “القدس الموحدة” تحت سيادة دولة الاحتلال، وهو ما تريد هذه الأحزاب تحقيقه بعيدًا عن الاعتراضات الدولية والفلسطينية.
السيناريوهات
أمام الاقتحام الأخير الذي نفذه بن غفير يبدو المشهد مفتوحًا على احتمالات صعبة قد تشعل المنطقة بأكملها مع تصاعد حدة التحذيرات والاحتقان، لا سيما مع إصراره على اقتحام المسجد الأقصى وعزم الجماعات اليهودية تنفيذ سلسلة من التغييرات للوضع القائم في الأقصى.
لعل الأمر اللافت مؤخرًا الطلب الذي تقدمت به منظمة “عائدون للهيكل” الاستيطانية لشرطة الاحتلال للسماح لها بذبح قربان عيد الفصح اليهودي في شهر أبريل/نيسان القادم داخل المسجد الأقصى المبارك، بالتوازي مع طلب لوزير الأمن القومي بن غفير بالعمل بكل صلاحياته للموافقة على الطلب.
جاء في الطلب الذي تقدمت به المنظمة لشرطة الاحتلال بأنها تطلب الموافقة الأمنية لإقامة مراسم ذبح قرابين عيد الفصح اليهودي داخل المسجد الأقصى، وطالبت شرطة الاحتلال بإعطاء الموافقة بأسرع وقت ممكن حتى تتمكن منظمة “عائدون للهيكل” من إنهاء كل الترتيبات اللازمة حتى شهر أبريل/نيسان القادم.
ويفتح ما يجري الباب أمام سيناريوهين قد يغيران شكل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، يتمثل الأول في اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تكون شرارتها القدس المحتلة إلى جانب الضفة الغربية بالتوازي مع حالة التطور التي تشهدها المقاومة في مناطق شمال الضفة على وجه الخصوص، إلى جانب العمليات التي تشهدها مدينة القدس وبعض مدن الداخل المحتل.
اقتحامات الأقصى سواء التي قد ينفذها بن غفير أم الشخصيات اليهودية المتطرفة تعتبر صاعقًا لتفجير الهدوء الهش القائم في الحالة الفلسطينية خلال عام 2023، ما قد يعجل بمواجهة على مختلف الجبهات
وتبدو احتمالية هذا السيناريو غير مستبعدة وقائمة لا سيما مع اقتراب شهر رمضان المبارك وتكرار الاقتحامات للأقصى من الحركات اليهودية أو في حال أقدم بن غفير على تنفيذ اقتحامات مشابهة لاقتحامه السابقة، أما السيناريو الثاني فهو اندلاع حرب جديدة مع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو السيناريو الأكثر احتمالية سواء عبر حرب واسعة أم جولة تصعيد جديدة، وهو ما تعززه تهديدات قوى المقاومة وعلى رأسها حركة حماس.
وتزامن هذا السيناريو مع سلسلة عوامل أخرى تحفز التصعيد بين المقاومة في غزة والاحتلال إلى جانب الاقتحامات القائمة في الأقصى، لعل أبرزها فشل التوصل إلى صفقة أسرى جديدة والواقع القائم في سجون الاحتلال مع التصعيد المتواصل في الضفة الغربية وإمكانية قيام الحكومة الجديدة بعمليات ترحيل جماعي للفلسطينيين.
اقتحامات الأقصى سواء التي قد ينفذها بن غفير أم الشخصيات اليهودية المتطرفة تعتبر صاعقًا لتفجير الهدوء الهش القائم في الحالة الفلسطينية خلال عام 2023 وهو ما قد يعجل بمواجهة على مختلف الجبهات.