بالتوافق مع إحياء الذكرى الثالثة لاغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، يواجه الحرس الثوري تهديدات مركبة، بعضها ناتج عن سياساته في الداخل الإيراني، وأخرى عن سلوكه الإقليمي، ورغم تنوع هذه التهديدات، فإن الحرس الثوري ما زال مصرًا على مواجهتها، وهو ما بدا واضحًا في تصريحات القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي، في أثناء إحياء ذكرى اغتيال سليماني، عندما أشار إلى أن الحرس الثوري لن يتخلى عن دوره الإقليمي في الشرق الأوسط.
يدرك الحرس الثوري أنه المستهدف الرئيس من جملة التحديات التي يواجهها اليوم، والسبب في ذلك هو التغير الكبير الذي طرأ على دوره، فلم يعد الحرس الثوري مجرد قوة عسكرية عقائدية تتولى مهمة الحفاظ على النظام السياسي، بل تحول إلى قوة متشعبة المهام والأهداف، ولها انتشار واسع في مختلف القطاعات الاقتصادية في الداخل الإيراني، إلى جانب شبكة العلاقات الإقليمية التي يمتلكها في المنطقة.
التحول في الموقف البريطاني
توترت العلاقات بين إيران وبعض الدول الأوروبية مؤخرًا، وتحديدًا فرنسا وبريطانيا وألمانيا، لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالاتهامات الموجهة إلى إيران باشتراكها في الحرب الأوكرانية، ودعمها روسيا بالطائرات المسيرة والمقاتلين، وكذلك بسبب استخدامها القوة المفرطة في أثناء التعامل مع المحتجين، وتحديدًا في مجال تزايد أعداد المعتقلين ونسب الإعدامات، إذ بدأت بريطانيا باتخاذ منحى أكثر تطرفًا في العلاقة مع إيران، خصوصًا مع شمول الإجراءات الإيرانية لمحتجين من ذوي الجنسية البريطانية.
قال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك الأسبوع الماضي، إن بلاده لن تقبل أبدًا باعتقال مواطنيها كوسيلة ضغط دبلوماسية، وطالب إيران بالتوقف عن اعتقال مزدوجي الجنسية، وذلك بعد أن احتجزت السلطات هناك سبعة لديهم صلات ببريطانيا،ىمضيفًا “نسعى بشكل عاجل للحصول على مزيد من المعلومات من السلطات الإيرانية بشأن التقارير عن أولئك البريطانيين الإيرانيين”، قائلًا: “نقول دائمًا إننا لن نقبل باستغلال مواطنينا، كوسيلة ضغط دبلوماسية، ونطالب حكومة إيران بالتوقف عن ممارستها المتمثلة في الاعتقال الظالم لبريطانيين وأجانب من جنسيات أخرى”.
على خلفية ذلك، أعلنت حكومة سوناك عزمها إدراج الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية، حسبما أكدت وسائل إعلام بريطانية، وذكرت صحيفة “تيلغراف” البريطانية، استعداد بريطانيا للإعلان رسميًا عن تصنيف الحرس الثوري، منظمة إرهابية، وقال التقرير إن هذه الخطوة، التي سيتم الإعلان عنها في غضون أسابيع، تحظى بدعم وزير الأمن البريطاني توم توجندهات ووزيرة الداخلية سويلا برافرمان، فتجريم الحرس الثوري كجماعة إرهابية، يعني أن الانتماء إليه وحضور اجتماعاته وحمل شعاره على الملأ يعتبر جريمةً جنائيةً.
إن الخطوة البريطانية الأخيرة تُمثل تشددًا كبيرًا في سياسة بريطانيا تجاه طهران، وقد تُعقد محاولات التوصل لاتفاق نووي جديد، لكبح سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية مع توقف المحادثات، بل والأكثر من ذلك، ستحول إيران إلى دولة تمثل تهديدًا مباشرًا لبريطانيا، من خلال تحويلها إلى دولة عدوة، ويشمل ذلك، في أقصى درجاته، ترجمة أي خطوة تقدم عليها إيران في استهداف مزيد من البريطانيين، على أنه مدخل لمزيد من التصعيد مع الحرس الثوري.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، برزت تقارير استخبارية تتحدث عن تشكيل الحرس الثوري خلية اغتيالات لاستهداف شخصيات معارضة للنظام الإيراني في لندن.
قد تتراجع بريطانيا عن مسألة تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية أو قد تتخذ ذات الخطوة الكندية في منع شخصيات حرسية من دخول البلاد أو حتى في فرض عقوبات على الأصول المالية للحرس الثوري في بريطانيا
الخطوة البريطانية الأخيرة تأتي بالتوافق مع خطوة أقدمت عليها كندا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما منعت كندا أعضاء القيادات العليا للحرس الثوري من دخول البلاد، ما أثر على أكثر من 10000 ضابط وكبار أعضاء، ووعدت بمزيد من العقوبات، إلى جانب محاولة ألمانية تعتزم تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، وذلك بعد أن اعتقلت وزارة الاستخبارات الألمانية مؤخرًا شخصًا إيرانيًا مشتبه بتنفيذه عملية إطلاق نار على كنيس يهودي في مدينة إيسن، ومحاولة إضرام النار في كنيس يهودي في مدينة بوخوم، وكان يخطط لشن هجوم على كنيس يهودي في دورتموند، وبحسب ما ورد في وسائل إعلام ألمانية، عمل المشتبه به في الحرس الثوري بعد مغادرته إيران في سبتمبر/أيلول 2021.
مما لا شك فيه أن إقدام بريطانيا على هذه الخطوة سيكون له تداعيات خطيرة على مستقبل الاتفاق النووي من جهة، وعلى مستقبل العلاقات البريطانية الإيرانية من جهة أخرى، فعلى مستوى الاتفاق النووي، ستكون بريطانيا مجبرة على التعاطي مع الواقع الجديد، خصوصًا أن أغلب القيادات الإيرانية اليوم هي قيادات حرسية، ومن ثم كيف يمكنها إبرام اتفاق مع قيادات مصنفة كجماعة إرهابية، خصوصًا أن القانون البريطاني يحظر ذلك.
أما فيما يخص العلاقات البريطانية الإيرانية، فإن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، سيجعل بريطانيا تراجع الكثير من الصفقات الاقتصادية والتجارية التي أبرمتها مع إيران قبل العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، التي تشمل قطاعات يمتلك فيها الحرس الثوري حصصًا اقتصاديةً كبيرةً عبر شركة خاتم الأنبياء، التي تستولي على ما يقرب من 60% من الاقتصاد الإيراني، ومن ثم فإن رفع العقوبات عن إيران في أي لحظة، سيجعل بريطانيا تتحمل تكلفة اقتصادية كبيرة جراء خطوة تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية.
إجمالًا، إن الخطوة البريطانية الأخيرة في إعلان عزمها تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، تأتي في سياق ضغط مقابل تمارسه بريطانيا ضد إيران، من أجل إجبار النظام الإيراني على التخلي عن استهداف المحتجين من ذوي الجنسية البريطانية، أو حتى إجباره على الإفراج عمن تم اعتقاله في وقت سابق، إلى جانب ذلك، فإنها تدرك جيدًا مخاطر هذه الخطوة، في إمكانية توظيف الحرس الثوري لشبكة علاقاته الإقليمية، لاستهداف المصالح البريطانية في منطقة الخليج العربي أو العراق أو مناطق أخرى، كرد على أي خطوة بريطانية لاستهدافه.
ومن ثم فإن الخطوة المستقبلية التي تنتظر بريطانيا في هذا الإطار، هي التي ستُحدد إلى درجة كبيرة مستقبل العلاقات بين البلدين، فقد تتراجع بريطانيا عن مسألة تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية، أو قد تتخذ ذات الخطوة الكندية في منع شخصيات حرسية من دخول البلاد، أو حتى في فرض عقوبات على الأصول المالية للحرس الثوري في بريطانيا، كحل وسط يجنبها خيار تصنيف الحرس الثوري بالكامل كمنظمة إرهابية، خصوصًا أن لمثل هذه الخطوة تداعيات كبيرة لا تقتصر على العلاقات بين البلدين، وإنما تمتد لتشمل مناطق أخرى تشهد وجودًا كبيرًا للمصالح البريطانية وحلفاء الحرس الإقليميين.