ترجمة حفصة جودة
تمشي خليدة الحكماني حافية القدمين خلال المياه الموحلة وهي تحمل حربة حديدية صدأة، حيث تمشي بهدوء حتى تغوص الحربة في المياه فيبدو الصوت كبالون يفرغ هواءه، بعد ثانية يظهر حبار فضي ويرش حبرًا أسود على ملابسها.
تقطع خليدة الحبار إلى قطع صغيرة وتقول، إنها أنثى تحمل بيضًا، ثم تنتزع البيض وتبتلعه مرة واحدة، بينما يتدلى كيس الحبر الأزرق بين أصابعها فترفعه إلى فمها وتمتصه حتى يجف، تضحك خليدة فتلمع أسنانها السوداء وتقول: “هكذا نبقى قويات”.
هذه هي الطرق التي تتبعها نحو 400 صيادة بدوية في وسط عمان، حيث يمارسن هذه الطريقة التي ورثنها عن أمهاتهن، وهي صيد الرخويات (وتُعرف محليًا باسم الرهص)، هذه التجارة متأصلة في عمان، حتى إن الصيادات يدرن مصايد حلزون المياه العذبة حصريًا.
تصطاد هؤلاء السيدات بحرابهن الحبار والشفنين والأخطبوط ويمشطن السواحل بحثًا عن المحار والبطلينوس لبيعهم في الأسواق المحلية، لكن زيادة الاستغلال التجاري لصناعة الصيد في عمان – التي يهيمن عليها الذكور – تدفع تجارة النساء نحو التدهور.
تعيش معظم الصيادات وتعملن في بلدة محوت الساحلية النائية التي تضم 17 ألف عائلة بدوية ومهاجرين يعملون في مصنع الملح، وأيضًا في جزيرة مصيرة المجاورة، وكلتاهما في محافظة الوسطى، أكثر مناطق الصيد إنتاجية في عمان.
لكن رغم أن الدولة تعتمد بنسبة أكبر من 95% على صغار الصيادين، فإنها تستثمر بقوة في مشاريع صيد تجارية أكبر، تتضمن مصنعًا لتعليب المأكولات البحرية في محافظة الوسطى بقيمة نحو 24 مليون ريال عماني (52 مليون إسترليني)، الذي سيفتح أبوابه في 2024، وشراء 3 سفن صيد كبيرة للتجميد السطحي.
في الوقت نفسه، وعلى بعد 70 كيلومترًا من جزيرة مصيرة، تُبنى قرية لجذب الصيادين إلى الجزيرة، أُعلن عن القرية العام الماضي، ومن المستهدف أن تتضمن وحدات سكنية ومصنعًا للثلج وورشًا لصيانة قوارب الصيد.
ورغم أن هذا التوسع يوفر فرصًا للصيادين المحليين والعمال الأجانب، فإنه يتجاهل تمامًا الصيادات المجاورات لهم، وفقًا لفرحة الكندي مؤسسة شركة “Sea Delights” للمأكولات البحرية التي تعمل مع الصيادات لبيع منتجاتهن.
تقول الكندي: “إنهن معزولات تمامًا، هناك الكثير من الفرص لمشاركة هؤلاء السيدات في الصناعة، لكن في عمان ما زلنا غير قادرين على إشراكهن في الأمر”.
تتفق الحكماني مع ذلك فتقول إن العمل أصبح غير آمن، تعلمت الحكماني الصيد بطريقة الرهص وباستخدام الحربة من أمها عندما كان عمرها 14 عامًا، ثم تزوجت بعدها بعام، والآن أصبحت مطلقة وتعيل 8 أطفال، تقضي الحكماني الصباح كسائقة حافلة، لكن بقية دخلها يأتي من الصيد.
تمزح الحكماني وصديقاتها في الصيد بالحربة فيطلقن على أنفسهن اسم “عصابة الأشرار”، تبدأ رحلة الصيد بالقيادة نحو 50 كيلومترًا من منازلهن للوصول إلى مناطق الصيد وهناك يضعن معداتهن: حراب حديدية وعبوات وقود بلاستيكية مزودة بحبال لسحب صيدهن على طول المياه، والكثير من الشاي والكيك المصنوع منزليًا.
تسير السيدات نحو المد المنخفض يحملن حرابهن كأنها جزء من أجسادهن، وترتدي كل واحدة منهن حجابًا ملونًا ويضعن واقيًا للشمس مصنوعًا من عجينة خشب الصندل، وبرقعًا أسود صلب على وجوههن.
تقول الحكماني بينما تغني وهي تتقدم نحو المياه: “إنه يرفع معنوياتي، اعتادت النساء الغناء بينما يدخلن البحر، لقد علمتنا أمهاتنا هذه الأغاني، لكن الشابات لم يعدن يعرفنها”.
ولأنها الأكثر خبرة، تقود الحكماني الأخريات وسط أعشاب البحر الكثيفة التي تجعل من المستحيل على الهواة أن يعرفوا خطوتهم التالية، تمر سمكة حبار فتطعنها في عنقها بطريقة بارعة تجعل الحبر لا يخرج منها.
بعد ساعتين، ومع ارتفاع المد، تعود السيدات إلى الشاطئ ويمزحن مع بعضهن البعض، تربط الحكماني جروح قدميها ثم تبدأ بعدّ حصيلة صيد المجموعة: 20 حبارًا وسمكتان من الراي اللاسع ونحو 30 صدفة، تعترف الحكماني أنه يوم بطيئ.
الوضع نفسه في مصيرة – أكبر جزر عمان – حيث تصطاد الصيادات البدويات الحلزون، ليس فقط كطعام، بل لأنه عنصر أساسي في صناعة اللبان العمانية.
هنا في تلك الجزيرة، حافظت شفيا الفارسي – 58 عامًا – على وجودها الأمومي الحنون لأكثر من 40 عامًا، يُباع البرطمان الصغير من لحم الحلزوم بنحو 5 ريالات (10 جنيهات إسترليني)، ويوزع عن طريق البيع شفهيًا أو من خلال واتساب، لكن بناتها لم يتعلمن التجارة وفضلن الحصول على تعليم عال والبحث عن وظائف في المدن الكبيرة.
تقول الفارسي: “كنت أتمنى لو سرن على طريقي، فنحن نرغب في أن ينتقل الأمر من جيل إلى جيل، لكننا الآن نجد القليل من النساء اللاتي يمارسن صيد الرهص”.
تصطاد الفارسي أيضًا في مجموعة من 5 سيدات، حيث يرتدين قفازات سميكة وحقائب كتف تضم مطارق وسكاكين معدنية وحاويات قبل نزول مياه الساحل المتعرجة بحثًا عن نهيد البحر والحلزون العمامي (يُعرفن باسم يعفور وحلوان).
ورغم أن الصيادات لم يحصلن على تعليم رسمي، فإنهن سريعات البديهة ويتمتعن بغريزة قوية: فجزء من المعرفة التقليدية يتضمن معرفة أي الصدفات يجب جمعها وكيفية صيدها بطريقة تضمن استعادة البقية.
تنسحب السيدات إلى صخرة كبيرة تبدو للأعين غير المدربة صخرة عادية، لكنها كنز لهؤلاء النساء، تستخدم الفارسي بلطف ظهر مطرقتها لفتح الصدفة المتخفية ثم تلتقط السكينة سريعًا لاستخراج لحمها الأبيض الطري، تحلق النوارس فوقهن بأصواتهم العالية التي تبدو كأنها تضحك مع هؤلاء السيدات.
تتخلص السيدات من الصدف وينضممن إلى الصخب ويبدأن في غناء الأناشيد اللاتي تعلمنها من أمهاتهن، فيقُلن:
“ما أشهى لحم الصدف، اعمل لتحصل عليه، فالكسالى لا يأكلون”.
تقول صابرة ابنة عم شفيا: “كنا نقلد أمهاتنا في الطفولة وهكذا فهمنا ما علمتنا إياه، إنني أحب كل ما يتعلق بالبحر وأشعر بالبهجة معه”.
من بعيد، يجلس صيادان في قارب صغير ويسحبان شباكهما في المياه العميقة، ولا وجه للمقارنة بين معداتهما – المدعومة من الحكومة العمانية – والأدوات المنزلية والرماح التي تدفع الصيادات ثمنها من أرباحهن.
تقول الكندي: “لا نريد لهذه التقاليد أن تختفي، نُريد أن نُظهر طريقتنا التقليدية في الصيد، لكن بطريقة حديثة في الوقت نفسه، نريد بيئة أفضل لنقل تجارتنا لبناتنا”.
المصدر: الغارديان